أيمكن أن تزول العقبة التي قامت بينهما؟
وكاد يجمع شجاعته، فيسألها لم اختارت ذلك الزوج دونه؟ وكيف لم تحس بما كان في قلبه من الحب وإن لم يفصح لها عنه؟!
ولكنه سمعها تقول: أحب أن تسألني سؤالك، سل ما بدا لك، ولا يخامرك شك في ثقتي.
فقال فؤاد كالمعتذر: هو سؤال جريء بغير شك وقد يكون سؤالا سخيفا، ولكني لن أتردد فيه لأن عليه يتوقف كل ما بعده من إسداء نصحي، أتحرصين على صدقي؟
فنظرت إليه في شيء من الدهشة كأنها لم تتوقع منه ذلك السؤال، وأطرقت حينا ثم رفعت رأسها، وعلق فؤاد أنفاسه ليسمع جوابها.
والتفتت إلى ولدها وقالت بصوت خافت: من أجل ولدي! ثم رفعت منديلها فمسحت عينيها.
فكاد يصيح قائلا: «إنك تخدعين نفسك يا علية، أنت تحبينه ويزداد حبك له كلما قسا عليك»، ولكنه ملك زمامه قسرا فلم يجب بحرف، وأخذ طفلها بين يديه يقبله ويداعبه.
وتغديا معا في شرفة الفندق، وأخذ الطفل يثرثر في لغته الظريفة، فانصرف الحديث إليه في أثناء الغداء، فهدهد ذلك من نفسيهما، فلما جلسا يرشفان القهوة بعد الغداء أخذ فؤاد الطفل وضمه إلى صدره، وجعل يداعبه والطفل يمد إليه يده فيعبث بشاربه حينا ويجذب طربوشه حينا، فوضع فؤاد طربوشه على رأس الطفل حتى غطى عينيه ثم رفعه قائلا: أنداء!
فضحك الطفل مكركرا ومد يده إلى الطربوش يستعيد المداعبة مرارا.
والتفت فؤاد إلى علية وهو يضم الطفل إلى صدره، فرآها تنظر إليه نظرة فيها ثقة لا حد لها، وفيها عطف صريح ساذج كأنه من ضوء الشمس، وتقابلت عيناهما في نظرة طويلة كأنهما تتبادلان حديثا خفيا، وبرقت له عند ذلك مشاعر جديدة لم يحس مثلها من قبل ولم تخطر له منذ وقعت عينه عليها، كان دائما يراها فتاة مثقفة نبيلة الطبع فاتنة الحسن رقيقة النغمة مرهفة الحس، يتمنى لو شاركته حياته فتخرج به من عزلته وعزوفه وسذاجته فتصقل حياته وتدخل إليها مرحها وأناقتها، ولكن تلك المشاعر الجديدة برقت له كأنها وميض كوكب الزهرة إذا قارنت الهلال، فألقت في روعه سلاما ومودة من نوع لا تشوبه شائبة من أنانية، أفما كان يستطيع أن يجد سعادة أسمى من سعادة الحب في أن تكون علية صديقته على رغم الحائل الذي يقوم بينهما؟ ألم تكن تلك المودة الصافية أبقى وأسمى متعة من محبة الأجساد التي تزول وشيكا ويعتريها الاكتفاء والسآمة؟
Неизвестная страница