والكلمة الثانية كانت خاصة بالأساتذة وحدهم، ألقيت ساعة الغداء، وألقاها أحد المتخصصين في الدين، وقد جاء أيضا بدعوة من الجامعة ... تكلم في وجوب تكوين جمعيات دينية بين أساتذة الجامعات، مهمتها أولا أن تؤاخي بينهم، وثانيا أن يوجد الأساتذة - كل فيما يتخصص فيه - العلاقة بين ميادين أبحاثهم العلمية والديانة المسيحية! ما شاء الله كان! يعني يريد مولانا أن يجد عالم الطبيعة وعالم الكيمياء وعالم النبات ... إلخ العلاقة بين ما يقولونه من نتائج علمية وبين ما ورد في الإنجيل! إنني بعد الآن لن ألوم متعصبا دينيا في مصر إذا قال ما شاء في وجوب سيطرة الدين على العلم، ما دمت أرى هذا في أمريكا رائدة البحث العلمي في عصرنا!
وكذلك يقترح المحاضر ضرورة النظر في إدخال التعليم الديني في مناهج الجامعات، مهما تكن الكلية ونوع دراستها، طبا كانت أو هندسة أو فلسفة، ولا يكفي أن يكون للاهوت كلية مستقلة، وقد ذكر أنه في طول البلاد وعرضها حركة شديدة اليوم في هذا الاتجاه، وهي تسمى «جمعية الأساتذة المسيحيين في الجامعات».
الثلاثاء 8 ديسمبر
بدأت المحكمة العليا في واشنطن أمس النظر في القضية المرفوعة من أولياء الأمور الزنوج في بعض ولايات الجنوب، يطلبون الحكم بعدم دستورية الفصل اللوني في المدارس، بحيث لا يجوز أن يكون للبيض مدارس وللسود أخرى ... أما محامي الزنوج فيقول ببساطة واختصار إن هذا الإجراء مناقض للتعديل الرابع عشر للدستور، وهو تعديل يقضي بألا يكون هناك في أية ولاية من الولايات شيء من شأنه أن تكون هناك تفرقة؛ ويرد مقدما على محامي البيض؛ إذ يتوقع أن يلجأ هذا المحامي إلى العبارة المشهورة التي تسمعها هنا في كل مناسبة تثار فيها مسألة الفصل اللوني، وهي «انفصال مع المساواة»؛ أقول إن محامي الزنوج يرد مقدما على هذه العبارة قائلا إن مجرد الانفصال ينطوي على عدم المساواة.
ويأتي دور محامي البيض فيطيل في الكلام؛ فهو أولا يقول إن المحكمة العليا لا حق لها في النظر في هذه القضية، وإلا كان اعتداء على حقوق الولايات التشريعية؛ إذ لكل ولاية تشريعها الخاص، فلكل ولاية أن تشرع ما تشاء في تعليم أبنائها، على أن تحافظ طبعا على الخطوط الرئيسية لدستور البلاد؛ وهنا ينتقل إلى النقطة الثانية، وهي أن انفصال اللونين، كل لون في مدارسه الخاصة، لا اعتداء فيه على الدستور؛ لأن التعديل الرابع عشر يقضي بألا تكون هناك تفرقة لونية، ونحن لا نريد تفرقة، بل نريد مساواة مطلقة بيننا وبين الزنوج، لكن هل انفصال كل لون في مدارسه فيه شيء من عدم المساواة؟ إذا كان لكل طفل ما لزميله من حقوق التعليم، ولكل مدرس ما لزميله من حقوق مالية، فأين تكون التفرقة؟ إن هدف القانون إسعاد الناس، فهل تظنون أن مدرسة بها - مثلا - سبعة وأربعون طفلا أسود وثلاثة أطفال من البيض، أو العكس، تزيد من درجة تعليم الأطفال ما داموا قد امتزج أسودهم بأبيضهم؟ هل يزيد هذا من سعادتهم؟ كلا، بل سيشعر هؤلاء وأولئك بالحرج، وتكون النتيجة تضحية الاطمئنان النفسي من أجل لا شيء ...
وتقول الجريدة التي قرأت فيها تفصيلات الدفاع: «وختم المحامي الكهل - الذي بلغ الثمانين من عمره - دفاعه وهو على وشك البكاء، منذرا القضاة بشر النتائج إذا هم قضوا بإلغاء الفصل اللوني في المدارس.»
صدر اليوم حكم المحكمة في جماعة المورمون التي كانت تباشر تعدد الزوجات حسب عقيدتهم، والتي اعتزلت في ناحية قصية من ولاية أرزونا ... وقد حكم عليهم بمدد متفاوتة من السجن مع إيقاف التنفيذ؛ وقال القاضي في ذلك إنه لا يود أن ينفذ فيهم حكم السجن حتى لا يخلق منهم أبطالا ... كان المتهمون قد زعموا أن تعاليم الإنجيل ليس فيها ما يحرم تعدد الزوجات؛ فقال القاضي في صيغة الحكم إنه راجع نصوص الإنجيل - خصوصا الإصحاح السادس من سفر التكوين - فوجد فيه رفضا صريحا لتعدد الزوجات، «ففعلكم هذا مناف لكلام الله ... والرجل الذي يدفع فتاة صغيرة إلى زواج مشترك إنما يفرض عليها العبودية؛ فإن قال قائل إنها تتزوج بمحض اختيارها كان هذا القول لفظا أجوف بغير معنى.»
الخميس 10 ديسمبر
لست أشك في أن الأمريكيين يمتازون بروح من الفكاهة نادرة بين شعوب الأرض كلها؛ لأن فكاهتهم لها خصائص هي في نظري الخصائص التي تميز فكاهة الطفل؛ فهي مرح لا ينطوي على خبث كما أظن في فكاهة الفرنسيين ممثلة في رجل كفولتير؛ ولا تنطوي على عمق نظر في متناقضات السلوك الإنساني كما أظن في فكاهة الإنجليز ممثلة في أديب مثل «شوفت»؛ ولا تنطوي على مرارة و«غلب» كما أظن في فكاهة المصريين بصفة عامة ... يخيل إلي أن الأمريكي يتصيد الفرصة للضحك؛ لأنه منبسط النفس وذو طبيعة بسيطة؛ الأمريكي رجل شبع واكتسى وتزوج وأنجب الأطفال، مهما تكن سنه ومهما تكن ظروفه؛ ولذلك فهو قليل الانقباض والعبوس، فلم أر حتى الآن وجها واحدا عابسا؛ كنت أظن الأمريكي جادا في عمله؛ بمعنى أنه يتجهم إبان عمله ولا يدخل فيه المزاح، لكني وجدته يمزج المزاح بالعمل كلما أمكن ذلك.
وقد لفت نظري بهذه المناسبة إجابة جندي أمريكي كان قد وقع أسيرا في أيدي الشيوعيين في الحرب الكورية؛ وقد عاد أخيرا بين من عادوا؛ وهناك لجان تسألهم كيف كانوا يعاملون أثناء أسرهم؛ فقال هذا الجندي: إن أكثر ما ضقت له من هؤلاء الشيوعيين انعدام روح الفكاهة عندهم؛ فهم أبدا عابسون، أبدا متزمتون؛ وإني لأعتقد أن عاملا من العوامل التي تساعدنا نحن الأمريكيين على النصر والفوز هو أننا ننظر إلى الجانب المضحك من الأشياء والمواقف، فنضحك ونسري عن أنفسنا ... إني لا أفهم أبدا شخصا لا يضحك؛ فهؤلاء الذين لا يضحكون هم في نظري من الأموات .
Неизвестная страница