Влияние арабов на европейскую цивилизацию
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Жанры
ومن اليسير جدا أن نلمس في هذه الدعوة روح مصر التي عرفت نظام الحكم منذ ألوف السنين، وتعودت أن تدين بنصوص الأمر والنهي من ملك بعد ملك، وأسرة بعد أسرة، فليس فيما تعمله أو تدين به إلا ما هو نص محفوظ، أو مستمد من النص المحفوظ، بالمعنى الذي لا يخرج عليه ... أو هي روح مصر التي عرفتها منذ قام فيها بالنبوءة فرعونها أخناتون ... وهي الأمة الوحيدة التي تلقت نبوتها من عرش وصولجان.
وليست الحركات الجامحة بين هذه الحركات هي الأثر الباقي أو الأثر الشامل الذي أحاط بالعالم الإسلامي في حركة الاضطراب التي جاشت بين أرجائه من جراء الصدام بينه وبين الحضارة الأوروبية، ولكنها هي العجاجات التي دلت على قوة الرجة واختلاف مهاب الرياح. أما الأثر الباقي أو الأثر الشامل، فهو خلوص الأذهان من أوشاب الخرافات والأباطيل التي كانت تعوقها عن فهم الحقائق، وإدراك العلل والأسباب، والاستواء على نهج التفكير الصحيح، والإيمان بالدين إيمانا لا يمنع التقدم، ولا يعرقل جهود المصلحين، وتمكين المسلم من أن يرضي عقله، ويرضي ضميره، ويزيل الفوارق ما استطاع بين رضى العقل ورضى الضمير.
وقد صمد الإسلام للرجة الأولى وانتظمت المصالحة بينه وبين الحضارة العلمية، فلم تعد المشكلة اليوم بينه وبين العلم الحديث أو التفكير المستقيم، وإنما المشكلة اليوم أن يؤدي رسالته ورسالة الأديان عامة في مكافحة اللوثة المادية التي تلغي مطامح الروح، وتود لو جعلت الإنسان حيوانا بغير دين غير دين المعدات والأجسام.
الأخلاق والعادات
من العسير أن يقال: إن الأخلاق الأوروبية انتقلت إلى الشرق بمحاسنها أو مساوئها بعد احتكاك الشرقيين بالحضارة الغربية؛ لأن العوامل التي تتولد منها الأخلاق - بين وراثية وإقليمية واجتماعية - لا تنقل من أمة إلى أمة في فترة قصيرة كالفترة التي مرت بالشرق الحديث بالقياس إلى تاريخه الطويل.
لكن التشبه بالأمم الغالبة في عاداتها ومظاهر معيشتها هو نفسه عادة من العادات الأصيلة في طبائع الناس، وقد تعودها الشرقيون كما تعودتها من قبلهم سائر الأمم، فتشبهوا بالأوروبيين في هذه المظاهر منذ شعروا بالافتقار إلى مصنوعاتهم، واستكانوا إلى الضعف أمام قوتهم، فلبسوا ملابسهم، وأكلوا مأكلهم، وسلكوا في أوقات فراغهم ولهوهم مسلكهم، وكثر ذلك في المدن الكبرى والموانئ المطروقة لضرورة الاتصال بين أهلها وبين الأوروبيين في المعاملات والمرافق التجارية، ثم تسرب قليلا قليلا إلى داخل البلاد جريا على سنة أهل الريف في محاكاة أهل الحضر، والتمثل بهم في سمت الوجاهة، وشارات الترف والحضارة، فتجاوزت المحاكاة حدود الضرورة ومقتضيات المعاملة.
وكان من تلك العادات ما هو خير وما هو شر؛ فمن الخير الإقبال على الألعاب الرياضية والنزهة الخلوية، ومن الشر الإقبال على المراقصة والمخاصرة بين الجنسين، ومع وجود الرقصات الوطنية البريئة التي يتلاقى فيها الجنسان على نحو لا يخالف آداب المروءة والفروسية، ولا يصعب تهذيبه وتحسينه حتى يصبح رياضة من الرياضيات التي تحيي النفس والجسد، ولا تخل بالأدب والحياء.
وليس من الحق أن الحضارة الأوروبية خلقت الفساد في الشرق خلقا من حيث لم يكن له وجود قبل تمرس الشرقيين بأسباب تلك الحضارة؛ فإن الشرق قد مني في أيام جموده واضمحلاله بضروب شتى من الفساد كانت تنخر في عزائمه وتضنيه، ولكن الحق أن الحضارة الأوروبية زودت الفساد بمسحة من الطرافة تستهوي النظر، وتنفي عنه الشين الذميم الذي كان يصد عنه أصحاب المروءات، فاستباحه من لم يستبحه قبل ذلك.
ولم تسلم أصول الأخلاق من صدمة عنيفة أو مساس رفيق من جراء الالتقاء بين الشرق القديم والحضارة العصرية؛ فإن أصول الأخلاق تقوم على العرف أو سلطان الجماعة على الأفراد، وقد صدمت هذه الأصول في الصميم، عن قصد وعن غير قصد، من الأوروبيين أو الشرقيين على السواء، وكانت صدمتها من جهتين مختلفتين، وقد يبدو للنظرة الأولى أنهما متناقضتان.
فالمظاهر الأوروبية قد خامرت قلوب الشرقيين بالشك القوي في حقائق العرف الاجتماعي الذي درجوا عليه، فرجعوا إلى أنفسهم يتساءلون عن قواعد ذلك العرف ومبلغها من الحقيقة والسداد، واعتراهم هذا الشك في عرفهم القديم قبل أن يخلفوه بعرف جديد يناسبهم، ويصلح لهم، ويتأتى لهم أن يتواضعوا عليه. وهذه إحدى الصدمتين.
Неизвестная страница