Влияние арабов на европейскую цивилизацию
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Жанры
وإن الطابع الإسباني لأبرز في عصر النهضة الأوروبية من الطابع الإيطالي الذي اتسمت به إيطاليا، بما انبعث فيها من آداب الأمم القديمة وفنون الإغريق؛ فإن النهضة لم تقتصر على الميادين الأوروبية والفنية، بل أخرجت إلى العالم حضارة جديدة بتقاليدها وصناعتها وجيوشها وعلومها. وهذا كله من ثمرات إسبانيا العربية والإسرائيلية والمسيحية.
فالقائد العالم القرطبي الكبير «جون سالفو» رسم خطط الحرب الحديثة، وتفوق «بدرونوفارو» في الهندسة، واستخدمت الجيوش الإسبانية الأسلحة النارية لأول مرة في التاريخ، فكان استخدامها هو الذي خلق فرق المشاة، وجعل من الحرب قوة ديمقراطية؛ لأنه قدم الشعب على جماعة الفرسان الذين كانوا سجناء تلك الشكة العسكرية الأرستقراطية.
إلى أن يقول:
أسرعت دونا إيزبيلا بذلك التعصب النسائي الذي امتلأت به فأنشأت محاكم التفتيش، وانطفأ من ثم مصباح العلم في المسجد والبيعة، وخلفته في الدير المسيحي ذبالة العبادة؛ لأن الساعة ساعة صلاة، وقد ولت ساعة العلم، وانزوت الفكرة الإسبانية في غياهب الظلمات؛ حيث ترتعد بردا في عزلتها المضنية، وتخبو شيئا فشيئا إلى أن تموت، وإن بقيت منها بقية، فهي تلك التي تنصرف إلى الشعر والمسرح والجدل الديني، مذ كان العلم يفضي بصاحبه إلى نار الحريق ...
هذه الشهادة الإسبانية الصحيحة - شهادة أبانيز - للدول العربية في الجزيرة الأندلسية هي خلاصة التاريخ المتفق عليه، وليست تحية إعجاب وكفى من رجل منصف متوثب الخيال.
ولم يمار في هذه الخلاصة التاريخية أحد من المؤرخين المعول عليهم، سواء كانوا من العرب أو الأوروبيين أو الإسبان، إلا أفرادا قلائل زعموا أن الحضارة العربية في الأندلس قامت على أيدي أبنائها الأصلاء دون الغرباء الوافدين عليها، وهو زعم عجيب يوحي أول ما يوحيه إلى الذهن أن يسأل: ولم لا تزدهر العبقرية الإسبانية إلا في ظل الحكومة العربية، فلا تؤتي ثمراتها قبل وفود العرب، ولا بعد ذهابهم وذهاب آثارهم في العلم والصناعة والعمران؟!
وجواب هذا السؤال ينفي كل زعم يلهج به أمثال أولئك المنكرين المتعصبين، وبخاصة حين يرسلون زعمهم إرسالا لا يؤيده اسم واحد من أسماء أبناء البلاد الأصلاء الذين ساهموا مع العرب في أعمال الحكم والتعمير، أو كانت مساهمتهم دليلا على مشاركة عامة متسعة النطاق.
وأول ما يستخلص من قيام الحضارة الأندلسية على هذا الوصف المتفق عليه، أن آثارها في أوروبا كانت أعم وأعمق مما تسجله الكتب المطولة أو الكلمات المقتبسة؛ لأننا نرى بأعيننا في عصرنا الحاضر كيف يكون أثر القدوة بالسماع، فضلا عن القدوة بالمعاشرة الطويلة بين الشعوب. وهذه الثورة الفرنسية قد تخللت أوروبا وآسيا وأفريقيا بمبادئها وحوافزها ولما يتجاوز المطلعون على حقيقتها آحادا معدودين في كل بلد من بلدان تلك القارات، فإذا كانت القارة الأوروبية لا تغير نظرتها إلى الحياة بعد معاشرة تلك الحضارة الأندلسية على استفاضتها وطول أمدها؛ فالتهمة هنا تتجه إلى العنصر الأوروبي ولا تتجه إلى العنصر العربي أو الإسلامي بحال.
وقد أصاب أبانيز حين قال: إن عصر النهضة مدين للحضارة الأندلسية قبل الحضارة الإيطالية التي أعقبتها؛ لأن عصر النهضة لم يكن عصر تجديد للفنون الإغريقية القديمة ولا مزيد على ذلك من عنده، ولكنه كان عصر تجديد في الحياة العملية، والمرافق الصناعية والتجارية، وفهم مستحدث للعقيدة وللعالم وللعلاقات بين الحاكمين والمحكومين، أو كان عصر معيشة جديدة تناولت بالتبديل والتعديل طبقات الشعوب من العلية إلى السواد. وأولى أن يأتي ذلك من القدوة الشعبية في جميع الشئون العملية بعد اتصال المعاشرة بين حضارة العرب وأبناء أوروبا الغربية عدة قرون.
وفي وسع الأرقام والألفاظ أن تحصي لنا آثار العرب في بعض العلوم أو بعض الصناعات، ولكن آثار العرب في الحضارة العامة لا تستقصيها الأرقام ولا الألفاظ، ولا هي موقوفة على استقصاء أرقام وألفاظ ؛ لأن زعم الزاعم أنها قد مضت بغير أثر كبير يناقض العقل البشري كما يناقض المشاهد والمحسوس. وإسناد هذا الأثر إلى غيرها بلا مشاركة منها على الأقل تعسف لا يؤخذ به في سياق التاريخ.
Неизвестная страница