Влияние арабов на европейскую цивилизацию
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Жанры
ولم تكن مزاولة الصناعة وحدها هي الغرض المقصود من هذه النهضة الواسعة، وهذا التعليم المستفيض؛ لأن أشهر الأطباء كانوا يضيفون إلى علم الطب علما آخر كالفلسفة أو الهندسة أو الفلك أو الكيمياء، وكانوا يؤلفون الموسوعات ويطلبون البحث في أمهات هذا العلم حيث كان.
وقد كان بعض الدراسة كافيا لمزاولة الصناعة في تلك العصور، ولكنهم طلبوا العلم للعلم؛ فلم يقنعوا بما وجدوه من كتب الإغريق الأقدمين أو كتب الفرس والهنود، ورجعوا إلى كل مظنة من مظان التوسع في هذه البحوث، فتساوى بحثهم عن كتب الطب، وبحثهم عن كتب الهندسة والنجوم وسائر المعلومات، ووضعوا الكتب فيما قرءوه وترجموه؛ فإذا هو موسوعات تشمل «الوصفة» الهندية إلى جانب الوصفة العربية أو الفارسية أو اليونانية، وإذا هي مباحث تهذيب واستقصاء، وليست متاجر أرباح.
ومن موسوعات الطب الإسلامية ما لم يوضع له نظير في الضخامة والتمحيص على قدر أسباب التمحيص في زمانه، وقد ترجمت كلها إلى اللاتينية، فنقلت هذه الصناعة بين أطباء أوروبا من حال إلى حال، ولم يضارع مؤلفي العربية فيها أحد من علماء الأوروبيين إلى مطلع العصور الحديثة مع شغف الأوروبيين أخيرا بادعاء ملكة العلم، واتهام الشرقيين بأنهم لا يطلبون العلم إلا للصناعة وأرباحها، فعكست الآية هنا، وأصبح أطباء أوروبا يقرءون كتب العربية ليستفيدوا منها في مزاولة الصناعة وكسب الأموال، وتشابهوا في ذلك جميعا ما لم يكونوا من الرهبان والقسوس الذين انقطعوا عن الدنيا، فلا يجهرون بطلب المال من صناعة الطب ولا غيرها من الصناعات.
فترجم كتاب القانون لابن سينا في القرن الثاني عشر - وهو موسوعة جمعت خلاصة ما وصل إليه الطب عند العرب والإغريق والهنود والسريان والأنباط - وترجم كتاب الحاوي للرازي سنة 1279، وهو أكبر تلاميذ الرازي بعد موته، لأنه عمل لا يضطلع به الأفراد.
وترجمت كتب ابن الهيثم في ذلك العصر، فكان عليها معول الأوروبيين اللاحقين جميعا في البصريات.
وظهر من برامج جامعة لوفان المحفوظة أن كتب الرازي وابن سينا كانت هي المرجع المعول عليه عند أساتذة تلك الجامعة إلى أوائل القرن السابع عشر، وجاء المدد من الأندلس العربية، فأمد أوروبا بمرجعها الأكبر في الجراحة وتجبير العظام، وهو كتاب «التعريف لمن عجز عن التصريف»، لأبي القاسم خلف بن العباس، وقد طبع باللغة اللاتينية في القرن الخامس عشر، وكان قبل طبعه دروسا متداولة بين أبناء الصناعة يعتمدون عليها في الأعمال الجراحية، ولا سيما فتح المثانة وإخراج الحصاة، وقال العالم الطبيعي الكبير هاللر في رواية جوستاف لوبون: إن كتب أبي القاسم كانت مرجع الجراحين جميعا بعد القرن الرابع عشر للميلاد، وقد ترك كتيبا صغيرا عن الآلات الجراحية التي تستخدم في العمليات على اختلافها، مع توضيحها بالأشكال وطرائق الاستخدام.
وتكاثرت المستشفيات باسم المارستانات في أنحاء الدولة الإسلامية بعد القرن الثالث الهجري، وكانت لهم طريقة لطيفة للتحقق من جودة الهواء وصلاح الموقع لبناء المستشفيات تغني عن الأساليب العلمية التي اتبعت في العصر الحاضر، بعد كشف الجراثيم والإحاطة بوسائل التحليل، فكانوا يعلقون اللحوم في مواضع مختلفة من المدينة في وقت واحد، فأيها أسرع إليه العفن اجتنبوا مكانه، واختاروا المكان الذي تتأخر فيه عوارض الفساد.
وقد تسلم العرب الطب في مرحلة من مراحله الطويلة بين النظريات القديمة والنظريات الحديثة، فكانت نظرية بقراط أن الأخلاط أربعة: دم وبلغم وصفراء وسوداء، وأن المرض هو اختلال النسبة بين هذه الأخلاط، والعلاج هو ردها إلى نسبتها الأولى، وكانت نظرية جالينوس أن الأمزجة أربعة؛ وهي: الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، فمن أصيب من قبل الحرارة فعلاجه البرودة، ومن أصيب من قبل الرطوبة فعلاجه اليبوسة، وعلاج كل عرض من هذه الأعراض يقتصر على هذا القياس.
وكثر بين أطباء مدرسة الإسكندرية انتقاد هذه النظريات، ولا سيما نظرية بقراط، فأبطلها إرازسترات
Erasistratus ، ونصح لأتباعه بإهمالها وإيثار الملاحظة الدقيقة عليها، وجاء بعدهم من اكتفى في التوصيف بسؤال المريض، والمقابلة بين حالته وأحوال المرضى الآخرين، وتسجيل الظواهر والأعراض في جميع الأحوال.
Неизвестная страница