كان ذلك العمل فظيعا ويبدو مستحيلا، ولكنها قامت به، فدخلت إلى العالم السفلي من خلال كهف، وتوسلت إلى خارون أن ينقلها في قاربه عبر نهر ستوكس. فلما صارت هناك استمالت إليها بروسربينا بأن أخذت تستدر عطفها، متضرعة أن تعطيها علبة من ذلك المرهم الثمين. فلما أخذت العلبة اجتاحتها رغبة ملحة في أن تفتح العلبة، وترى ما بداخلها، ولكنها ما إن فتحتها حتى وقعت على الأرض في نوم عميق يشبه نوم الأموات. لم يقاوم كيوبيد لهفته إلى الطيران إليها على الفور وإنقاذها. فأيقظها من سباتها، وتوسل إلى ملك السماء أن يساعده في قضيته. فتدخل جوف في الأمر، ورجا فينوس في أن تقبل تلك الفتاة زوجة لكيوبيد، بعد ذلك حمل ميركوري بسوخي إلى أوليمبوس، حيث أكلت تلك الفتاة من الأمبروسيا الإلهية، وصارت خالدة. ولما حان الوقت، ولدت للحب والروح ابنة سميت «السرور ».
التفاح الذهبي أتالانتا وهيبومينيس
عقدت مسابقة من نوع جديد اشتركت فيها أتالانتا، وهي عذراء من بيوتيا، فعندما كانت أتالانتا طفلة، تنبئ لها بأن زواجها سيكون خطرا عليها. وبناء على تلك النبوءة عقدت العزم على ألا تتزوج إطلاقا، وتحاشت كل اتصال بالرجال، وعاشت في الغابات مكرسة نفسها للربة ديانا، تقضي أيام حياتها في الصيد وغيره من رياضات الغابات. بيد أنه لما كانت أتالانتا على قدر كبير من الجمال الساحر الفتان؛ ولأن حياة الخلاء وهبتها صحة ونشاطا، تقدم إليها الرجال كعشاق يطلبون يدها، وأخذوا يضايقونها باستمرار، وألحوا عليها في عدم رفض طلبهم.
وأخيرا، توصلت أتالانتا إلى حيلة تتخلص بها من أولئك الرجال، فاستدعتهم جميعا، وأعلنت أمامهم أنها ستكون عروس من يتفوق عليها في سباق الجري، ومن هزمته منهم كان مصيره الإعدام. عندئذ ساد السكون بين العشاق فترة من الوقت. وبعد ذلك أعلن عدد منهم استعداده لأن يستبق معها، ولكنهم أخفقوا جميعا، فما من عذراء يمكنها أن تجري بمثل سرعة أتالانتا، وما من رجل استطاع أن يصل إلى سرعتها. وعلى ذلك نفذ حكم الإعدام القاسي في جميع من خسروا السباق.
وفي أحد أشواط السباق، اختير شاب اسمه هيبومينيس؛ ليكون حكما في المباراة، فأخذ يتحدث باحتقار، ويسخر من أولئك الأغبياء الذين اشتركوا في السباق، وخاطروا بأرواحهم من أجل عذراء مهما يكن جمالها فتانا.
غير أن ذلك الشاب، ما إن أبصر قوام أتالانتا الرشيق يثب بخفة فوق الأرض كأنه عصفور، وأحدق النظر إليها عندما لمست شريط نهاية السباق، فألفى وجهها ساحرا فاتنا، كأنه وجه إحدى الربات، ما إن شاهد كل ذلك حتى غير رأيه على الفور، وتاق مثل الباقين إلى الفوز بيدها.
تقدمت أتالانتا وقد احمر وجهها من الجري، فاقترب منها هيبومينيس، وأعلن تحديه إياها في مباراة أخرى صباح اليوم التالي.
صاح هيبومينيس يقول: «ليس أولئك الشبان سوى حفنة من الكسالى الخاملين. ستكون القصة مختلفة تماما معي. أنا المنحدر من نسل الآلهة، أنا أحد ذرية إله البحر نبتيون.»
نظرت أتالانتا إلى هذا الشاب الوسيم والحسرة تملأ نفسها. فما من شاب ممن سابقوها قد أعجبها خيرا من هيبومينيس، وأحست بوخز يتغلغل في قلبها أن يموت مثل هذا الشاب المتوثب صحة وقوة. أما هيبومينيس ففكر في أن يطلب مساعدة ربة من الممكن جدا أن تمد له يد العون. فتوسل إلى فينوس، وطلب منها أن تفكر في مناقضة انتصار أتالانتا لقاعدتها الخاصة بالحب، فسمعته فينوس واستجابت إلى توسله، فذهبت إلى حديقة الهسبيريديات النائية إلى مسافة بعيدة في أقصى غرب الدنيا، حيث قطفت ثلاث تفاحات ذهبيات عجيبات من شجرة ضخمة تنمو بوسط تلك الحديقة، وقدمتها إلى هيبومينيس، وزودته بالتعليمات التي يجب عليه أن يتبعها ليهزم أتالانتا.
بدأ السباق في اليوم التالي أمام حشد كبير من المشاهدين. فانطلق كلا المتسابقين من نقطة الابتداء، كأنهما سهمان أطلقا من قوس، ولكن سرعان ما أدرك هيبومينيس، رغم أقصى جهوده وخير محاولاته، أن الفتاة سبقته، فقذف بيده إحدى التفاحات الذهبية، فانطلقت التفاحة تتدحرج متألقة في طريق أتالانتا مباشرة، فبهر جمالها وبريقها عيني الفتاة، وبدون أن تعي ما هي فاعلة، انحنت وخطفت التفاحة من فوق الأرض. وبينما هي تفعل ذلك لحق بها هيبومينيس وتقدم عليها، ولكنها أسرعت ثانية وتقدمته مرة أخرى. فما كان منه إلا أن أرسل تفاحة ثانية تتدحرج متلألئة في طريقها. ومرة أخرى توقفت أتالانتا لتلتقط تلك التفاحة الذهبية البراقة. وعندئذ تقدمها هيبومينيس، بيد أن سرعتها كانت عظيمة جدا لدرجة أن كل هذه العقبات لم تكن كافية ليتفوق عليها هيبومينيس. وفي بضع لحظات جاءت أتالانتا في المقدمة مرة أخرى. وعندما اقتربت نهاية السباق، وقد دب اليأس في قلب هيبومينيس، فألقى بالتفاحة الذهبية الأخيرة، فتدحرجت لامعة إلى جانب الطريق، وترددت أتالانتا فيما إذا كان يصح لها أن تلتقطها أم تتركها، ولكن جمال التفاحة كان عظيما، فلم تستطع مقاومة إغرائه، فاتجهت جانبا على الرغم منها، وانحنت لترفعها من على الأرض. وبينما هي تلتقطها، دوت صيحة هائلة ردد الجو صداها في جميع الأرجاء: «لقد فاز هيبومينيس.»
Неизвестная страница