مقدمة
1 - كيف بدأ العالم تبعا لقدامى الأغارقة
2 - آلهة السماء على جبل أوليمبوس
3 - قصص جوبيتر ومينيرفا
4 - قصص فينوس
5 - قصص أبولو
6 - قصص ديانا
7 - آلهة الطبيعة
8 - قصص آلهة الطبيعة
9 - في العالم السفلي
Неизвестная страница
10 - مغامرات ثلاثة أبطال وصديقين
11 - مغامرات هرقل
12 - البحث عن الجزة الذهبية
عظيمة هي الأساطير
مقدمة
1 - كيف بدأ العالم تبعا لقدامى الأغارقة
2 - آلهة السماء على جبل أوليمبوس
3 - قصص جوبيتر ومينيرفا
4 - قصص فينوس
5 - قصص أبولو
Неизвестная страница
6 - قصص ديانا
7 - آلهة الطبيعة
8 - قصص آلهة الطبيعة
9 - في العالم السفلي
10 - مغامرات ثلاثة أبطال وصديقين
11 - مغامرات هرقل
12 - البحث عن الجزة الذهبية
عظيمة هي الأساطير
الأساطير اليونانية والرومانية
الأساطير اليونانية والرومانية
Неизвестная страница
تأليف
أمين سلامة
«عظيمة هي الأساطير في نظر الشخص النبيل.»
مقدمة
إذا رجع الإنسان بمخيلته إلى بدايات الزمن الغامضة وجد أنه إذا لم تنر الديانة الحقيقية ذهن الإنسان، ولم تفسر له العلوم الأشياء ونشأتها، فإنه قد يلاحظ مولد ما نسميه بالأساطير.
ففي ظلام الغابات الدامس، وعلى السهول التي تسطع عليها الشمس بنورها، وفي الكهوف التي قلما كانت تحمي ساكنيها من هجوم النمور الحادة الأنياب أو الدببة العملاقة، وفي البيوت الطافية بغير أمان فوق مياه البحيرات، وفي أعماق الأدغال الرطبة، وعلى سفوح الجبال، وعلى سواحل البحار، وفي كل مكان، نظر الإنسان إلى العالم الخطر الغامض، وتأمل في أموره.
فسأل الإنسان نفسه: «من أين تأتي الشمس؟ وما هي هذه الشمس؟» وأجاب على هذا السؤال بقوله: «الشمس قارب (أو عربة) يجلس فيه الإله المتألق المبهر، ويقوده عبر السماء.» ولما حيره القمر، فسر الإنسان الأول ذلك المضيء الأبيض بالتفكير فيه كقارب آخر، أو عربة أخرى تجلس فيها شقيقة إله الشمس.
وتساءل الإنسان: «ماذا يكمن وراء رعب الرعد والبرق؟» ولكي يحل غوامض هذا اللغز، وصل إلى صورة إله عظيم يجلس على عرش في السماء، وصوته هو الرعد، ورسوله هو البرق. فإذا ما هاج البحر في عواصف مدمرة، فذلك سببه غضب إله الأمواج ذي الشعر الأزرق، وإذا ما أنتجت الحبوب والأشجار بذورا، كانت الأم الأرض كريمة. وإذا جاء القحط والمجاعات؛ فذلك بسبب غضبها، وعندئذ يجب استرضاؤها بالذبائح والصلاة.
حير كثير من الأسئلة الأخرى سكان الأرض البدائيين؛ أصل النار، والشكل الذي جاء به مختلف أنواع الحيوان والنبات، وأسباب رفاهية بعض الناس، وشقاء البعض الآخر، وطبيعة الموت، ومسألة العالم الآخر.
ولكي يجيب قدامى الناس في تلك العصور على هذه الأسئلة، كونوا الأساطير، الأساطير التي يضمها هذا الكتاب، وكثيرا غيرها. وظلت هذه الأساطير طوال عصور مديدة، غير مكتوبة، يتلقاها الابن عن أبيه شفويا، وينقلها الجيل إلى الجيل التالي بالكلمة المنطوقة بالفم، وفي معظم الأحوال كان يتناولها الكثير من التغييرات على يد من تسلموها. ويستطيع القصاص الماهر أو الشاعر ذو الخيال الخصب أن يضيف إليها بعض اللمسات هنا وهناك، يتقبلها الناس في بيئته بصدر رحب. وهكذا يحدث عادة أن مختلف روايات الأسطورة الواحدة التي تروى في عدة أماكن مختلفة، بصور يختلف كل منها عن الآخر. وأحيانا يتناول شاعر عظيم، مثل هوميروس، أسطورة ما، ويرويها بطريقته الخاصة، وبعد ذلك تغدو روايته تلك هي ما يتقبله كل فرد، وبواسطة أمثال أولئك الشعراء العظام، سرعان ما وصلت الأساطير أخيرا إلى مرحلة تدوينها.
Неизвестная страница
لجميع الأمم أساطيرها، ورغم إمكان تتبع مشابهة بين هذه الأساطير، فإنها تختلف في تفاصيلها حتى لتكون في مجملها مجموعة عجيبة من القصص. كما أن عملية خلق أساطير جديدة لم تتوقف أبدا بين القبائل البدائية في العالم. وهناك أساطير لم تدون حتى الآن. فمثلا تجد دارسي الأساطير يعيشون بين هنود أمريكا؛ كي يسمعوا من شفاه حكمائهم وشعرائهم تلك القصص التي يفسر بها الرجل الأحمر العالم حوله. •••
لماذا ندرس الأساطير؟ ندرسها لأربعة أسباب على الأقل:
ما زالت هذه الأساطير تدرس حتى الآن؛ لأن لها تأثيرا عميقا على جميع الآداب العظمى، وإنه لحقيقي أن الأساطير الإغريقية والرومانية قد أثرت تأثيرا عميقا، ولا سيما في الأدبين الإنجليزي والأمريكي. وقد أعجب كتاب اللغة الإنجليزية العظام بالقصص التي حكاها القدماء. وقلما نستطيع فهم شكسبير، أو ملتون، أو كيتس، أو لويل، دون أن نلم بأساطير الأغارقة والرومان.
كذلك تلعب آلهة الأساطير وأنصاف آلهتها وأبطالها أدوارهم أيضا في الموسيقى . فكلمة «موسيقى» نفسها، تذكرنا بفضل الموزيات. وتروي كثير من الأساطير كيف اخترعت أوليات الآلات الموسيقية لأول مرة. وهناك مؤلفات عديدة للعروض الموسيقية والصوتية أوحت بها الشخصيات القديمة التي تروى قصصها في هذا الكتاب.
كانت قصة أورفيوس ويوريديكي أول أوبرا كتبت. ومنذ ذلك الحين صارت موضوعا محبوبا لدى المؤلفين الموسيقيين، وربما كان أشهر تناول لهذه القصة هو ما ألفه جلوك، ويضم القطع المشهورة التي تعزف على آلة واحدة، والتي تعزف على آلتين، والتي يغنيها شخص واحد، والتي يغنيها شخصان: لقد فقدت محبوبتي يوريديكي، وأورفيوس ويوريديكي. ومن القصص الأخرى التي جذبت إليها الموسيقيين: قصص ميديا، وجاسون وإيفيجينيا. ومن المؤلفين الذين اقتبسوا الأفكار من علم الأساطير: ماسنيت، وأوفنياخ، وبورسيل.
ربما كان أعظم عباقرة الموسيقيين جميعا، الذين اتخذوا موضوعاتهم من بيت الكنوز الأسطورية هو ريتشارد واجنر، الذي استخدم أساطير وطنه في كثير من أوبراته، وخصوصا قصة سيجفريد. ويحكي النصف الثاني من دورة الأوبرات الأربع، وهو حلقة نيبلونج، وتتضمن مغامرات ذلك البطل العظيم.
وزيادة على ذلك، فإن للأساطير تأثيرا قويا على الفنون الأخرى؛ فقد فعل عظماء المصورين والنحاتين، في جميع العصور، مثلما فعل الموسيقيون؛ إذ وجدوا في هذه الأساطير القديمة إيحاء لأجمل أعمالهم. وإن الصور التي تضمها صفحات هذا الكتاب لتشهد بفصاحة على هذا الإيحاء.
ثم إن القصص في حد ذاتها، كثيرا ما تكون جميلة ومسلية؛ فهناك قصص ما زالت تستهوي خيالنا حتى اليوم؛ إذ نجد فيها نواة للحقائق المكنية، ولكنها تقرأ لغرض التسلية ولخططها الرائعة وشخصياتها البعيدة الصيت.
وأخيرا هذه الأساطير حلقة اتصال هامة بالماضي. وكثيرا ما تكون هي المصدر الوحيد لمعارفنا عن الكيفية التي نظر بها أسلافنا الأقدمون إلى العالم حولهم، وكيف فسروا ظواهره العديدة. وكذلك، كثيرا ما ندهش لنجد أنه بسبب استخدام الأقدمين لفكرة معينة لتفسير لغز من ألغاز الطبيعة. وربما أنه لا تزال لدينا كلمة تحتفظ بتلك الفكرة. واللغة الإنجليزية زاخرة بالمصطلحات التي يرجع أصلها إلى تلك الأساطير القديمة، والتي لا يمكن تفسيرها إلا بدراسة تلك الأساطير. فمثلا الكلمة «جانيتور» الشائعة الاستعمال، ترجع إلى جانوس الإله ذي الرأسين، حارس الأبواب، الذي عبده الرومان، وكذلك كلمة «يونية» مشتقة من «جونو» ملكة الآلهة عند الرومان، بينما اشتق «يوم الخميس» من «ثور» إله الحرب لدى القبائل الجرمانية القديمة. وإننا لنمتدح الطعام بقولنا: «طعمه كالعسل» الذي كان طعام آلهة جبل أوليمبوس. كما أن فكرتنا عن العالم السفلي لتشبه كثيرا فكرة هوميروس وفرجيل. هذا وإننا مقيدون بالماضي في عدة نواح، ومن الخير أن ندرس الأساطير القديمة، حتى نستطيع أن نفهم عصرنا نفسه. •••
توجد الأساطير في جميع أنواع الكتابات. فهناك أولا المستندات القديمة التي كتبت فيها أولا. فإذا قرأ الإنسان هوميروس أو فرجيل أو أوفيد، استطاع أن يجد الأساطير بالصورة التي تبلورت فيها بين الأقوام الذين ألفوها. وبنفس هذه الطريقة نجدها في الإداس للشعوب السكندناوية، وكتب الشرق المقدسة. وتمدنا المؤلفات المشابهة بأساطير الأمم والأجناس الأخرى.
Неизвестная страница
وكثيرا ما جمع الدارسون في عصور لاحقة، قصصا قديمة، فقد روى جوفري الذي موطنه مونموث، وهو كاتب إنجليزي من القرن الثاني عشر، روى بعض الأساطير التي حكاها الكلت عن حاكمهم الملك «آرثر» وفرسانه الذائعي الصيت. وفي العصر الحاضر يجمع الدارسون قصص الهنود الحمر والإسكيمو والقبائل الأفريقية، ورجال أدغال أستراليا.
وعلاوة على هذا، يستعمل شعراء جميع الأمم وقصاصوهم الأساطير في أغراض شتى، فيعيدون روايتها بلغتهم شعرا ونثرا، وفي القصص القصيرة وشعر الملاحم والمسرحيات. فهذا «دانتي» يستعمل «يولوسيس» البطل الإغريقي، فيروي جزءا من قصته في جحيمه «إنرفرنو». ويعيد شكسبير صياغة حلقات معينة من الحرب الطروادية في «ترويلوس وكرسيدا». ويروي «جوتيه» قصة إيفيجينيا في تاوريس. ويروي راسين قصة أندروماخي، كما يروي وليم موريس في ملحمة مطولة مغامرات جاسون؛ بحثا عن الجزة الذهبية. وبالمثل كتبت عدة روايات عن هيلين الطروادية، ومغامرات الملك آرثر وفرسانه.
غير أن الشعراء يجدون استعمالا آخر للأساطير في تلميحاتهم وإشاراتهم وتشبيهاتهم، وغير ذلك من الصور البيانية والبديعية. ونذكر في هذا الكتاب مئات السطور لتوضيح هذه الحقيقة، ولكن بوسع المرء أن يبرهن على هذا؛ بالرجوع إلى مؤلفات أي شاعر إنجليزي تقريبا، وإلى نثر بعض الكتاب أمثال تشارلز لام، وجون روسكين؛ إذ تلمع صفحات ما كتبوه بأسماء شخصيات من الأساطير الإغريقية والرومانية.
كذلك نجد في الإعلان إشارات عديدة إلى الأساطير؛ فقد تسمى سيارة ما باسم ربة رومانية، وقد يوضع اسم عداء سريع على «رادياتير» سيارة. وقد يحمل نوع من مواد اللحام اسم عملاق قديم، أو يحمل قلم رصاص اسم ربة الحب الرشيقة، أو تسمى عملية معالجة إطارات السيارة باسم رب كير الحداد. ومن الممتع ملاحظة الكيفية التي يستخدم بها كتاب الإعلانات تلك القصص القديمة.
أضف إلى كل ما سبق أن صياغة الأساطير ما زالت تستهوي الكتاب المحدثين. فهم لا يؤمنون، كما فعل قدامى مؤلفي الأساطير بالقصص التي يروونها، ولكن يسرهم خلقها، كما يسر بها قراؤهم أيضا. فهذا جويل تشاندلر هاريس يضع الأساطير في فم شخصيته «العم ريموس». وهذا لورد دنساني يروي قصص آلهة بيجانا من تأليفه هو نفسه. وكل فرد يعرف بيتر بان الشهير للسير جيمس م. باري، ويذكرنا هذا الاسم برب الطبيعة الإغريقي بان.
بعض التعاريف
الأسطورة:
هي رواية أعمال إله أو كائن خارق ما. تقص حادثا تاريخيا خياليا، أو تشرح عادة أو معتقدا أو نظاما أو ظاهرة طبيعية (وبستر). وللأجناس أو الأمم أو القبائل أو الأماكن أساطيرها الخاصة.
الميثولوجيا:
هي نظام الأساطير كما يرويها جنس معين. كما يعني هذا اللفظ أيضا دراسة الأساطير بصفة عامة، أو علم الأساطير.
Неизвестная страница
تعدد الآلهة:
هو الإيحاء بوجود عدة آلهة كما نجد في جميع علوم الأساطير. ويمكن تخيل هذه الآلهة في صورة بشرية (كما لدى الأغارقة والرومان)، أو في صورة حيوان وإنسان معا (كما لدى قدماء المصريين)، أو كمخلوقات خرافية (كالتنين الصيني). •••
بعد هذه المقدمة الأكاديمية التي فرضها الموضوع المعالج بين دفتي هذا الكتاب وأهميته القصوى، أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم بعض أساطير الأولين بكل ما تتضمنه أساطير اليونان والرومان من فكر ثاقب وابتكار خلاب نادر، ظلت القرون تشيد بروعته، وتتمشدق بوسامته كمصدر أول لكل ما طار صيته بعد ذلك من أساطير أخرى في بلاد أخرى، كالأساطير الهندية، والصينية، والمصرية القديمة.
وإني بهذا الكتاب أود من صميم قلبي أن أكون قد أسديت خدمة طيبة للمكتبة الكلاسيكية، بتقديم هذا العرض السليم الدقيق البنيان والأركان للأساطير الرائعة التي طالما تمشدق بها الإغريق والرومان، والتي على أكتافها قامت أعظم الأعمال الأدبية التي أكسبت أصحابها عظيم الشهرة والمجد العريض.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أشكر المولى العظيم على توفيقه إياي بأن ساعدني حتى أتممت هذا العمل الهام، رغم كل ما تطلبه من تعب ومجهود، فضلا عن العبء المادي الكبير.
والله ولي التوفيق.
أمين سلامة
1 / 6 / 88
الباب الأول
كيف بدأ العالم تبعا لقدامى الأغارقة
Неизвестная страница
مجيء الآلهة
في البدء كان هناك الهيولى، وهو فضاء واسع مضطرب مائج. لم تكن هناك حدود للدنيا، لم يكن بها سطح، ولا محيط لذلك السطح.
كان الهيولى كله فوضى، ولكن جميع الأشياء الموجودة وقتذاك مختفية في ذلك الهيولى.
وتدريجيا، وبعد انصرام عدة عصور طويلة، كف الهيولى عن أن يكون مجرد ظلام وفوضى، فقسم نفسه كائنين ضخمين، أي إلى إلهين عظيمين، هما: جايا أو الأم الأرض وأورانوس، أو السماء المخيمة فوق الأرض، غير أنه بقيت هناك ذكرى مستديمة للهيولي، ولا تزال باقية في الليل، ذلك الظلام الغريب الذي يعيش فيه الهيولى.
لما تزوج أورانوس جايا، أنجبا عدة أولاد، بعضهم جميل جدا، والبعض الآخر وحوش عمالقة مفزعون. أطلق على النوع الأول اسم «تيتان»، وهم اثنا عشر تيتانا ضخام الأجسام ذوي قوة جبارة يشبهون البشر، ولكنهم أضخم منهم بكثير، ومن أشهرهم: أوقيانوس ونيثيس اللذان حكما البحر، وهيباريون وثيا إلها الشمس والقمر، وريا التي عرفت فيما بعد باسم «الأم العظمى»، وثيميس حارس القانون والعدل، ونيموسيني ربة الذاكرة، وكرونوس أصغر هؤلاء جميعا وأقواهم. كان العمالقة المتوحشون الذين أنجبهم أورانوس وجايا نوعين؛ ثلاثة من هؤلاء لكل واحد منهم مائة يد، وثلاثة آخرون لكل واحد منهم عين واحدة في وسط رأسه تماما، وأطلق على النوع الأول «هيكاتو نخيريس»، أي العمالقة ذوو المائة يد، والثاني «سيكاوبس» أي العمالقة ذوو العين الواحدة.
مقت أورانوس جميع أولاده ولا سيما العمالقة الستة الذين كان يمقتهم أكثر الجميع؛ ولذا حبسهم في المناطق السفلى من الأرض المسماة تارتاروس. أما الأم الأرض، التي لم تمقت أي واحد منهم، فغضبت لحبس أولادها الستة، فاستدعت التيتان ليساعدوها ضد أبيهم، فلم يساعدها أي واحد منهم باستثناء كرونوس، الذي يعتقد الرومان أنه إلههم ساتورن، فأخذ منجلا حادا وذبح به أباه. فنشأ من دم أورانوس العمالقة الذين هم أشبه بالبشر منهم بالآلهة، وكانوا يلبسون جلود الحيوانات البرية، واشتهروا بأنهم مقاتلون متوحشون، كما نشأت من دمه الفوريات، أو اليومينيديس اللواتي كانت شعورهن ثعابين تتلوى.
لما تغلب كرونوس على أبيه، قبض على زمام حكم العالم، فتزوج ريا، وقسم إمبراطوريته بين زملائه التيتان. أما حكمه هو نفسه فانتهى في الوقت المناسب، وخاف أن يصيبه ما أصاب أباه فيلقى نفس حتفه. وعلى ذلك كان يبتلع كل طفل يولد له، عند ولادته مباشرة. أنجب ثلاثة أبناء هم بلوتو ونبتيون وجوبيتر، وثلاث بنات هن فيستا وكيريس وجونو. ظن كرونوس أنه ابتلع جوبيتر كما ابتلع سائر الباقين، ولكن الواقع أنه لما جاء دور ولادته، وهو أصغر الأولاد، استعاضت ريا بدهائها بحجر بدل الطفل.
نقل جوبيتر سرا إلى جزيرة كريت، حيث قامت بتغذيته الحوريتان إديا وأدراستيا بلبن العنزة أمالثايا. ولما اكتمل نمو جوبيتر وبلغ من القوة أقصاها، عزم على أن يهزم كرونوس. وبمساعدة جايا، أجبر كرنوس على أن يتقيأ أولاده الخمسة الذين ابتلعهم. فلما خرج هؤلاء ساعدوا جوبيتر في شن الحرب على ذلك الإله العجوز، فانضم جميع التيتان تقريبا إلى جانب كرونوس، بينما انضم إلى جانب جوبيتر، ليس إخوته وأخواته فقط، بل وكذلك العمالقة ذوو المائة يد وذوو العين الواحدة، الذين حبسهم كرونوس مثل أورانوس في تارتاروس. ولكي يكافئ الكوكلوبس جوبيتر على إطلاق سراحهم، صنعوا له الصاعقة والبرق، بينما زوده العمالقة ذوو المائة يد بسلاح الزلازل.
وقف الآلهة العجائز على جبل، بينما وقف الآلهة الصغار على جبل آخر، واستمرت الحرب بينهم عدة عصور. وكلما قامت معركة بينهم، اهتزت الأرض تحت أقدام أولئك الآلهة المتحاربين، ودوى الهواء بصوت صيحات المعارك الضارية، فأخذ جوبيتر يقذف صاعقة بعد أخرى، واشتعلت النار في الغابات وعلا لهيبها، وغلت مياه الأنهار وفارت، واحترقت السماء نفسها. وأخيرا لم يستطع التيتان الصمود أمام قوة جوبيتر بعد ذلك. فقذف بهم إلى وسط النيران من حصنهم الجبلي، ولما حاولوا الفرار طاردهم الآلهة الصغار، وتغلبوا عليهم. فسجن جوبيتر معظم التيتان في تارتاروس، وكلف ابن أحدهم، ويسمى أطلس، بأن يحمل الدنيا فوق كتفيه إلى الأبد. وكان ولدا تيتان آخر، وهما بروميثيوس وإبيميثيوس، قد رفضا حمل السلاح ضد جوبيتر، فأفلتا من السجن، ولمدة ما كان بروميثيوس المستشار الأول لجوبيتر.
قسم الآلهة الدنيا فيما بينهم، فأخذ جوبيتر (وهو زوس عند الإغريق، كما سماه الرومان جوف أيضا) السيادة على الآلهة والبشر، وكان يحكم كملك على حصنهم الجبلي، وهو جبل أوليمبوس. فاختار جوبيتر جونو (هيرا الإغريقية) لتكون زوجته، وعهد إلى نبتيون (بوسايدون الإغريقي) بحكومة المحيط، وإلى بلوتو (ويطلق عليه هاديس أحيانا) بحكم العالم السفلي، وصارت فيستا (هستيا الإغريقية) ربة الوطيس والمنزل، وصارت كيريس (ديميتير الإغريقية) ربة الزراعة.
Неизвестная страница
وفي تلك الأثناء ظهرت الأجناس البشرية على سطح الأرض، وكما تروي القصص، تعاقبت عدة أجناس من البشر. ففي عصر كرونوس الذهبي كانت الحياة ربيعا أبديا، وأخرجت الأرض ثمارها بوفرة، حتى إنه لم تكن هناك حاجة على الإطلاق للكد والكدح. وكان الناس سعداء وخيرين، تأتيهم الشيخوخة بطيئة متثاقلة. وكانوا يعيشون في الخلاء في صفاء لا يعرفون التشاحن ولا الفقر. فإذا ما جاءهم الموت أخيرا أقبل في صورة نوم هادئ يستغرقون فيه.
بعد ذلك جاء العصر الفضي، فخلق جوبيتر الفصول، وجعل العمل ضروريا، وساد الجوع والبرد، فاضطر الإنسان إلى بناء البيوت، وأبدى الإنسان شجاعة وجرأة في ذلك العصر، ولكنه تغطرس في معظم الأحوال، ولم يقدم الاحترام اللائق للآلهة.
وبعد العصر الفضي جاء العصر البرنزي، وفيه تعلم الإنسان استخدام الأسلحة، فحارب بعضهم البعض الآخر. وأخيرا جاء العصر الحديدي، وهو عصر الإجرام وعدم الشرف، فكفر البشر بنعم الآلهة وأساءوا استعمال تلك النعم، وانغمسوا في الوضاعة والانحطاط .
ارتبطت قصة بروميثيوس العجيبة بتاريخ البشرية، في تلك العصور المبكرة. ومعنى اسم هذا التيتان «التفكير المسبق» أو «بعد النظر»، كما يعني اسم إبيميثيوس «التفكير المتأخر» أو «النظر المتخلف». وبمعنى آخر كان بوسع بروميثيوس، بقوة ذهنه، أن يتنبأ بما سوف يحدث. وقد اختير بروميثيوس مستشارا لجوبيتر لفترة ما. وكان جوبيتر يعتمد عليه وعلى مساعدته في كثير من الأمور. ومع ذلك فبمرور الزمن نشب عراك بينهما بسبب البشر؛ فعندما أبصر جوبيتر كيف سقط البشر من عليائهم السابقة في العصر الفضي، اكتسحهم من فوق وجه الأرض، واعتزم خلق جنس جديد، وطلب مساعدة بروميثيوس. فأخذ ذلك التيتان طينا من شواطئ نهر في أركاديا، وجعله على صورة الآلهة. ونفخ نفس الحياة في تلك التماثيل التي صنعها، وهكذا ولد جنس جديد.
بيد أن أولئك الناس كانوا أضعف من جنس البشر في العصرين السابقين، وجاءوا إلى أرض تطلب المزيد منهم أكثر مما سبق أن طلب من البشر. كان عليهم أن يناضلوا ضد تغيرات الطقس. وما كانت الأرض لتخرج لهم طعاما إلا إذا فلحوها من قبل، وأحاطت بهم وحوش ضارية. وكان يبدو أن هذا الجنس سيهلك إلا إذا جاءته مساعدة من ناحية ما.
أطل بروميثيوس إلى أسفل نحوهم، فرأى ما يحدث، وقال لجوبيتر: «هيا بنا نعطي هؤلاء القوم المساكين نعمة النار المباركة، فبواسطتها لن يخافوا البرد، وبواسطتها يمكنهم أن يصنعوا لأنفسهم أسلحة وأدوات.»
ولكن جوبيتر خشي أن يعطي البشر نعمة عظيمة كهذه؛ لئلا يظن معشر البشر أنهم مساوون للآلهة، وعلى هذا رفض إجابة طلب بروميثيوس، فحزن ذلك التيتان حزنا شديدا، وقرر أخيرا ألا يقيم مع جوبيتر، بل يسكن مع البشر. وهكذا غادر أوليمبوس، وحمل معه هدية النار مخبأة في بوصة، وعلم البشر كيف يمكنهم بواسطة النار أن يصنعوا أسلحة يقتلون بها الحيوانات المفترسة، ويلاقون بها أعداءهم، وكيف يصنعون بالنار الأدوات اللازمة لجميع الحرف والمهن. وبناء على ذلك، ففي هذا العصر خلط القصدير مع النحاس لأول مرة، وصهرا في الأتون فنتج عنهما البرنز. كما علمهم كيف يخضعون الثور والحمار والحصان، وعلمهم بناء السفن وحساب مدار السنة، وكيف يكتبون ويحسبون ويعالجون الأمراض.
بائنة باندورا وعقاب بروميثيوس
وهكذا عاش البشر في رغد من العيش وبذخ، وكلما زاد ازدهارهم زاد غضب جوبيتر، وأخيرا استقر على خطة خبيثة للتغلب على بروميثيوس، وبمساعدة ابنه فولكان (هيفايستوس الإغريقي) سيد كير الحدادة، ومساعدة الآلهة الآخرين صنع امرأة فاتنة الجمال، اسمها باندورا (كلمة إغريقية معناها «جميع الهدايا»)، ومنحها كل واحد من الآلهة نعمة من الجمال، وأرسلها إلى بروميثيوس، وأرسل معها جرة كبيرة كالتي يخزن فيها الزيت، وأحكم إقفال هذه الجرة، فاشتبه بروميثيوس في وجود خدعة من جانب جوبيتر، فرفض قبول المرأة والجرة، فما كان من جوبيتر إلا أن أرسلها إلى إبيميثيوس، الذي سبق أن حذره أخوه من أحابيل جوبيتر، ولكنه ما إن رأى تلك المرأة ذات الجمال الفائق، حتى غلب على أمره، فقبلها زوجة له.
عندما سأل إبيميثيوس باندورا عما بالجرة، قالت: «إنها بائنتي» وكسرا معا ختم الجرة وفتحاها، وعلى الفور طارت منها سحابة من الشرور؛ جميع الأمراض والمصائب والهموم التي تصيب البشر. فحاولا إعادة الغطاء مكانه، ولكن بعد فوات الأوان، غير أن روحا واحدة بقيت في الجرة «هي الأمل».
Неизвестная страница
وبالطبع لم يقنع جوبيتر بنتيجة خطته هذه، لقد تأكد من إصابة البشر بأضرار وهموم كثيرة، ولكن بروميثيوس ما زال بغير عقاب. فأمر عملاقين بأن يقبضا عليه، كما أمر فولكان الذي أطاعه على مضض بأن يشد وثاق بروميثيوس إلى صخرة عاتية في جبال القوقاز. ترك بروميثيوس هناك، حيث يأتي نسر ضخم (ويقول البعض إنه طائر جارح آخر)، فينهش بالنهار جزءا من جسمه، وفي كل ليلة ينمو ذلك الجزء، فيغدو جسمه كاملا كما كان.
قال له جوبيتر بلهجة الأمر: «اخضع لي أطلق سراحك.»
ولكن بروميثيوس لم يخضع قط لجوبيتر، ولم يتنازل عن حبه للبشر وولائه لهم. وزيادة على ذلك نظر إلى المستقبل، فرأى أنه سيأتي إليه في يوم ما من يخلصه، وسيكون ذلك المخلص من ذرية جوبيتر نفسه. كما رأى أيضا أن جوبيتر سيهزم في يوم آخر، وأن الإله المنتصر، وهو الإله الحقيقي سيثبت حاكما على الكون؛ ولذا تحمل آلامه في صبر دون أن يتملل.
وفي تلك الأثناء، قرر جوبيتر أن يتخلص من البشر جميعا بطوفان عظيم. فحذر بروميثيوس ابنه ديوكاليون من مجيء هذا الطوفان، فاختبأ الابن مع زوجته «بيرها» فوق جبل بارناسوس، فلما غمرت الفيضانات المائجة الأرض وجميع سكانها، نجا هذان الزوجان؛ لأن جوبيتر أشفق عليهما على الأقل، وتذكر حياتهما التي لا غبار عليها.
عندما انحسرت المياه لجأ ديوكاليون وبيرها إلى معبد للآلهة، حيث كلمهما صوت خفي غامض قائلا: «أعيدوا تعمير الأرض بالسكان من عظام أمكما.» ففسر ديوكاليون هذا القول بأنه يعني الحجارة، فغطى هو وامرأته رأسيهما، وأخذا يرميان الحجارة خلف ظهريهما وهما سائران. فالحجارة التي رماها ديوكاليون صارت رجالا، والتي رمتها زوجته صارت نساء. فكان هؤلاء تبعا للأساطير القديمة، أسلاف جميع سكان الأرض اليوم. وصار ديوكاليون ملكا على أولئك القوم، فعلمهم كثيرا من الفنون النافعة.
الباب الثاني
آلهة السماء على جبل أوليمبوس
هناك سلسلة جبال في الجزء الشمالي من بلاد الإغريق تفصل بين منطقتي مقدونيا وتساليا. وعلى الطرف الشرقي من سلسلة الجبال هذه يقع جبل أوليمبوس البالغ ارتفاعه عشرة آلاف قدم، وتكسو الثلوج قمته باستمرار. ويعتقد قدامى الإغريق أن جوبيتر حارب قوة كرونوس على هذا الجبل. ولما استقر الحكم لجوبيتر صار يعقد اجتماع بلاطه على هذا الجبل. وكان يرأس مجالس الآلهة، ويسكن قصرا فخما بقربه قصور الآلهة الهامة الآخرين، كانوا يأتون إلى جوبيتر كل يوم، ويجلسون حوله في اجتماع يتصف بالجدية، وأحيانا يرقص الآلهة الصغار أمامه، ويسلونه بأغانيهم. كان طعامهم الأمبروسيا وشرابهم النكتار (الرحيق). وكان يفصلهم عن نظر البشر من السحب تحرس بابه الساعات.
يعتقد أن بعض الآلهة الآخرين يقيمون في ذلك البيت السماوي، كما كان المعتقد أن بعض الآلهة كانوا آلهة الطبيعة أو الأرض نفسها، والبعض الآخر آلهة العالم السفلي. وسنتكلم عن كل مجموعة من مجموعات الآلهة الثلاث هذه، كل بدورها.
جوبيتر وجونو وفيستا
Неизвестная страница
أقام أولاد كرونوس دائما على جبل أوليمبوس، ولو أن رسائلهم جعلتهم يزدرون البشر.
فجوبيتر المسمى «أبو الآلهة والبشر» هو مؤسس سلالة ملكية، وحامي الحكام ومشرع القوانين والنظام والعدل، فخصص لكل إنسان نصيبه الأرضي من الأحزان والرخاء. كان مسلحا بالرعد والبرق، وإذا هز درعه قامت العواصف. وكان جوبيتر إله الطقس وخصوصا المطر، ويقبع أمامه نسر ضخم انتظارا لأن يكون رسوله. وكرست له شجرة البلوط التي هي ملكة الأشجار. وكان البعض يعتقدون أنهم إذا أصغوا إلى حفيف أوراق شجرة البلوط استطاعوا التكهن بنوايا جوف.
كانت تجلس إلى جانب جوبيتر زوجته ورفيقته جونو. فإذا ما تكلمت بما يجول بخاطرها، أصغى إليها جوبيتر بكل احترام، وكانت تعلم كل أسراره. ومع ذلك كانت أقل منه قوة، وعليها أن تطيعه. كانت ربة الزواج وكان منظرها منظر امرأة فائقة الجمال بالغة العظمة، متوسطة العمر، ذات جبهة عريضة وعينين واسعتين ساحرتين، وملامح تنم عن الجد والرزانة، وتدعو إلى التوقير، وتزين رأسها بتاج وخمار تسدله خلف رأسها، وكرس لها الطاووس بريشه الجميل، والكوكو بشير الربيع. وتلازمها باستمرار إيريس ربة قوس قزح. لم تكن جونو محبوبة كثيرا، وتميل إلى الغيرة على جوبيتر، فاضطهدت معشوقاته وعاقبتهن.
أما فيستا شقيقة جوبيتر فكانت ربة البيت والوطيس، وحارسة حياة الأسرة. وقد غازلها الكثيرون من الآلهة، ولكن جوبيتر قرر أنها يجب أن تظل طول حياتها بغير زواج. وكانت نارها المقدسة تتأجج فوق كل وطيس. ولما كانت كل مدينة وكل قرية عبارة عن أسرة واحدة عظيمة، كان في كل مجتمع قديم من المجتمعات الرومانية الإغريقية وطيس عام تتراقص فيه ألسنة اللهب، لهب فيستا المقدس، وترعاه كاهناتها العذارى الفيستاويات. وإذا خرج المهاجرون لتأسيس مستوطن جديد، أخذوا معهم جزءا من تلك النار، واستعملوه في إشعال لهب الوطيس في بيوتهم الجديدة.
أولاد جوبيتر وجونر
كان إله الحرب مارس (أريس الإغريقي) من أهم الآلهة، وهو ابن جوبيتر وجونر. كان يفرح بالمعارك والمجازر، فيظهر في كامل عدته الحربية تتأرجح فوق خوذته قبرة، ويركب غالبا جوادا عاليا، أو في عربته الحربية التي تجرها أربعة جياد تنفث النار، وترافقه الكلاب المفترسة والطيور الجارحة. وشعاره الرمح ومشعل متقد، ويعرف أولاده بهذه الأسماء: الفزع والرجفة والذعر والخوف.
ومن أبناء الآلهة الملكية: فولكان السابق ذكره كإله كير الحداد، وكان يشرف على النار في شتى مظاهرها، من نار الحداد إلى البركان، وعلى الأخص النار في استعمالاتها العملية. وكان هو نفسه صانعا ماهرا، وحامي الصناع. وكانت جميع قصور جبل أوليمبوس من صنع يده. وكان مصنعه يقع عادة على جزيرة بركانية، كجزيرة إثنا مثلا، فإذا ما ثار بركان إثنا، قال السكان المجاورون: إن فولكان يعمل. وتقول أسطورة إنه حاول ذات مرة أن يتدخل في عراك بين جونو وجوبيتر، فاشتد غضب جوبيتر، وأمسك به وقذفه من السماء، فظل يسقط طول النهار، وعند غروب الشمس، سقط فوق جزيرة لمنوس، فصار أعرج من ذلك الحين. وصور كرجل قوي ذي لحية، يمسك في يده مطرقة أو آلة أخرى. وكان يلبس قبعة بيضاوية الشكل، بينما كتفه اليمنى وذراعه اليمنى عاريتان.
ومن بنات جوبيتر وجونو: هيبي ربة الشباب، وحاملة الكأس لدى الآلهة. وفي عصور لاحقة تزوجت البطل العظيم هرقل، وحل محلها في وظيفتها كحامل كأس عند الآلهة، الشاب جانيميدي، الذي خطفه نسر جوف من سهول طروادة.
أولاد جوبيتر الآخرون
كان لجوبيتر أولاد آخرون كثيرون، منح بعضهم وظائف هامة يقومون بها.
Неизвестная страница
ولدت لاتونا (ليتو الإغريقية) لجوبيتر توءمين، عهد إليهما أبوهما بمهمة الشمس والقمر.
فويبوس أبولو إله الشمس، الذي صور يقود العربة الملتهبة لنور النهار خلال السماء، كما كان إله الغناء والموسيقى والتنبؤ، وكان يقود كوروس الموزيات، وهن العذارى التسع، بنات جوبيتر والتيتانة نيموزيني المشرفة على الذاكرة. وينسب إلى أبولو اختراع الناي والقيثارة. ومن القوس النارية التي يحملها، تخرج السهام الملتهبة للطاعون والوباء، ومع ذلك؛ فقد كان أيضا رب الشفاء، ووالد إسكولابيوس أول الأطباء.
وأخته ديانا (أرتيميس الإغريقية) ربة القمر، التي تقود عربتها الفضية عبر السماء ليلا. وكانت كأبولو تتسلح بقوس وجعبة سهام، وينسب موت البشر الفجائي إلى سهامها. كما كانت ربة الشفاء والصيد، وتصور غالبا كصيادة ترافقها كلاب الصيد، وإلى جانبها رأس خنزير بري. كما تصور أحيانا في عربتها التي تجرها أربعة خيول ذوات قرون ذهبية. وكانت حامية العفة لدى النساء، وكربة للقمر، كانت تظهر مرتدية ثوبا يصل إلى قدميها، وخمارا أبيض على رأسها، ويرتفع فوق جبينها هلال.
كانت ديوني ابنة أوقيانوس وتيثيس، وهما من التيتان الذين سبقوا نبتيون في حكم المحيط. ولدت لزوس ربة الجمال فينوس (أفروديتي الإغريقية). وتقول بعض الأساطير إن فينوس ولدت زبد البحر، وأن الأمواج حملتها أولا إلى جزيرة كينيرا؛ ولذا تسمى أحيانا «المولودة من الزبد»، وأحيانا أخرى «الكيثيرية» تفوقت في جمالها على كافة الآلهة والبشر، وزيادة على ذلك كانت لها القدرة على أن تمنح غيرها الجمال. وكانت تملك زنارا سحريا إذا منحته واحدة من الربات أو من النسوة البشريات، صارت تلك الربة أو المرأة في الحال موضوع حب ورغبة. أما زوجها فهو فولكان الأعرج، وكرس لها الريحان البري والورد، وتجر اليمام عربتها، وصورت غالبا مع ابنها كيوبيد (إيروس الإغريقي) الذي كان يحمل سهاما من نوعين؛ سهاما أسنتها من الرصاص، وهذه تجلب البغضاء، وسهاما أسنتها من الذهب، وهذه تثير عاطفة الحب.
مينيرفا (بالاس أثينا الإغريقية) قال الأغارقة: إنها خرجت من رأس جوبيتر كاملة التسلح وكاملة النمو. وربما كانت هذه الأسطورة كناية عن المملكة التي حكمتها مينيرفا؛ لأنها كانت ربة الحكمة، كما كانت المحافظة على الولايات والحكومات، التي ترعى من يظهر الحكمة من الحكام. وكذلك كانت حامية الفنون الجميلة. تجد متعة خاصة في النسج، وتصور عادة تحمل عصا، وتلبس درعا تسمى أيجيس، وقد علقت على هذه الدرع رأس وحش يسمى الجورجونة. وهذه الجورجونة امرأة شعرها من الثعابين، ولها القوة على تجميد من ينظر إليها، وتحوله إلى حجر، ومثل ديانا، تشرف مينيرفا على الفتيات العذارى.
أطلس، التيتان الذي يحمل على كتفيه ثقل السماء، وله سبع بنات يسمين بلياديس، اللواتي تبعا للأسطورة الإغريقية، نقلن إلى السماء كنجوم تسمى كبراهن مايا، التي ولد لها ولجوبيتر ابن يسمى ميركوري (هرميس الإغريقي) الذي يتصف بخليط بالغ الغرابة من الصفات، فأهم وظيفة له هي أنه رسول الآلهة. وكانوا يسمونه «ميركوري الطائر القدمين»، وحتى عندما كان طفلا، كان له ميل إلى اللصوصية، وكان حامي اللصوص وغيرهم من الأنذال. وكرسول للآلهة صار حارس المسافرين، وكحاجب للآلهة صار رب الخطابة. وهو الذي يقود أشباح الموتى إلى العالم السفلي، وكانت جميع الملاعب تحت إدارته. وأقيمت أعمدة على طول الطرق وعند الأبواب والبوابات تحمل على قمتها رءوس آلهة تسمى هرميس، وصور كشاب رشيق. ومن شاراته قبعة ذات جناحين صغيرين تساعده على التخفي عن الأنظار، فلا يراه أحد، وعصا مجدولة بالثعابين تسمى كادوكيوس، هي شعار قوته، وصندل مجنح.
صغار آلهة أوليمبوس
تسيطر كل واحدة من الموزيات السابق ذكرهن على ناحية معينة. فتسيطر خيو على التاريخ، وتسيطر يوتربي على الشعر الغنائي، وثاليا على الكوميديا، وميلبوميني على التراجيديا، وتربسيخوري على الرقص، وإيراتو على الشعر الغرامي، وبوليهمنيا على الشعر الديني، وأورانيا على الفلك، وكاليوبي على شعر البطولة. وأطلق الشاعر بندار عليهن اسم «التسع ذوات الشعر الفاحم»، وإليهن يصلي الشعراء وغيرهم؛ طلبا للإيحاء.
خضع جوبيتر نفسه للأقدار الثلاث؛ لأن قرارهن يحكم كلا من الآلهة والبشر. صورن يغزلن منسوجا ضخما، ويمسكن مقصات يقطعن بها خيط حياة الإنسان حسبما يحلو لهن. كانت كلوثو تقوم بالغزل، وتحدد لاخيسيس لكل إنسان مصيره، ويتحرك المقص القاتل في يد أتروبوس.
وكذلك أقام على جبل أوليمبوس: ديكي ربة العدل، والجراكيات الثلاث، والفصول الأربعة. كما كان أيضا مسكن تيميسيس روح الغضب والعقاب الحقين، وفيكتوريا (نيكي الإغريقية) ربة النصر.
Неизвестная страница
اعتقد الإغريق أن الآلهة كانوا يعلنون مشيئتهم للبشر في أماكن معينة، وبوسائل خاصة عن طريق الوحي (جمع وحي). وأشهر هذه الوحي: وحي دلفي القائم على جانب جبل بارناسوس، حيث يقوم معبد لأبولو في وسطه الوحي. وبهذا المعبد شق في الأرض تتصاعد منه أبخرة بركانية، تجلس كاهنة أو السيبول على ركيزة ثلاثية الأرجل فوق ذلك الشق. وبعد أن تستنشق الأبخرة تتكلم، فيعتبر كلامها وحي أبولو. كان بهذا المعبد كنوز ضخمة عبارة عن الهدايا التي قدمها من استشاروا الوحي. وهناك وحي آخر لجوبيتر في غابة أشجار البلوط في دودونا، حيث يتقدم الناس بأسئلتهم ، فيجيب عليها حاكم الآلهة والبشر بحفيف أوراق تلك الأشجار، ويفسر الكهنة ذلك الحفيف.
الباب الثالث
قصص جوبيتر ومينيرفا
أوروبا وثورها
كان جوبيتر الشخصية الرئيسية في حلقة غرامية، جرت في ركابها كثير من الأحداث والنتائج الهامة.
كانت «أوروبا» أميرة آسيوية ابنة ملك فينيقيا، تتألق جمالا بين تابعاتها العذارى، كما تتألق فينوس بين الجراكيات. فأبصرها ابن كرونوس فوقع في غرامها، فقابلها في صورة ثور قوي جميل المنظر، جاء إلى المرعى المزهر، حيث كانت أوروبا تلعب مع رفيقاتها العذارى، اللواتي عندما أبصرن الثور هربن جميعا ما عدا أوروبا؛ إذ سلط جوبيتر إيحاءه عليها، فبقيت دون أن يتطرق الخوف إلى قلبها، وتقدمت نحوه فانخفض لها في رفق وانحنى أمامها، وقدم لها ظهره العريض. ابتسمت الفتاة وقد أغراها الثور، فجلست على ظهره، وما كادت تجلس حتى ارتفع عن الأرض، واتجه نحو شاطئ البحر المجاور، وقفز بها وسط الأمواج.
عبثا نادت أوروبا على رفيقاتها، وعبثا توسلت إلى الثور البادي الرقة أن يعيدها إلى اليابسة، ويسمح لها بالعودة إلى أهلها، ولكنه أصم سمعه عن توسلاتها، وشرع يسبح بسرعة بضربات قوية وسط البحر الهادئ أمامه. وما من موجة صغيرة أصابت ثوب الفتاة بالبلل، وكانت وحوش البحر تقفز حوله، وارتفعت جماعات حوريات البحر من بين الأمواج يحيينه في مرح.
صاحت الفتاة أخيرا في فزع تقول: «إلى أين تحملني؟» فأجابها الثور في صوت إلهي عميق يأمرها بالشجاعة والجرأة.
قال: «انظري، إنني جوبيتر، اضطرني حبك إلى أن أتخذ هذه الهيئة، وسرعان ما ستستقبلنا كريت لتكون حجرة عرسنا؛ كريت التي ولدت فيها أنا نفسي.»
هكذا قال، وهكذا كان، وباسم هذه الأميرة سميت قارة أوروبا بأكملها. أنجبت أوروبا لجوبيتر ثلاثة أبناء: مينوس الذي صار فيما بعد ملكا على كريت، ورادامانثوس، وساربيدون. وبعد موت الابنين الأولين، صارا قضاة الأشباح في العالم السفلي.
Неизвестная страница
هذا، وتروى قصة ممتعة عن مينوس عندما كان حاكما على كريت. كان له خادم يدعى دايدالوس، وكان ميكانيكيا بارعا، وصانع معادن، ومخترعا عبقريا، وهو أبو جميع الاختراعات. صمم دايدالوس لمينوس مجموعة من الأنفاق المعقدة والكثيرة التعاريج، تسمى متاهة لابيرينث حبس فيها المينوطور، وهو وحش نصفه لإنسان ونصفه لثور.
وذات يوم غضب مينوس على دايدالوس، فسجنه هو وابنه إيكاروس، فطفق دايدالوس يقدح ذهنه لإيجاد وسيلة للهروب من السجن. وأخيرا هداه تفكيره إلى أن يصنع زوجا من الأجنحة لنفسه، وزوجا آخر لابنه، وثبتها على كتفيه وعلى كتفي ابنه، مستخدما الشمع كمادة لاصقة، فطار الاثنان بنجاح، وارتفعا في الجو بسرعة، واقتربا أكثر فأكثر من قارة أوروبا، ولكن إيكاروس سر سرورا عظيما وابتهج، وأخذ يطير إلى فوق عاليا جدا، واستمر في اقترابه من الشمس رغم تحذير والده. وأخيرا حلق إلى مسافة بعيدة مقتربا من الشمس، فصهرت حرارتها الشمع، وسقط الجناحان عن كتفيه، فسقط هو في اليم، وغاص في البحر وغرق. وفيما بعد سمي البحر الذي غرق فيه بالبحر الإيكاري. أما دايدالوس فنجا وأفلح في هروبه، وعاش مدة طويلة في صقلية.
عندما خطف الثور أوروبا، أمر أبوها أخاها المسمى كادموس، بأن يذهب ويبحث عنها في كل مكان، وبألا يعود إليه إلا بعد العثور عليها. فظل كادموس يبحث عنها شهورا وسنين دون جدوى، وأخيرا أمره وحي أبولو بأن يتتبع بقرة معينة أينما سارت، ويبني مدينة حيث تستقر البقرة. وفي النهاية وقفت البقرة في سهول بانوبي، وإذ أراد كادموس أن يقدم سكيبة للربة مينيرفا، أخذ يبحث عن الماء في كل الجهات المجاورة، وسرعان ما عثر على ينبوع يتدفق منه تيار من الماء النقي الرائق كالبلور، ولكن تنينا ضخما كان يحرس ذلك الينبوع. وما إن غمس خدم كادموس جرارهم في الماء، حتى هجم عليهم التنين، فقتل بعضهم بمخالبه، بينما سحق البعض الآخر بين ثنيات جسمه.
بعد ذلك قام كادموس نفسه، وقاتل ذلك التنين وقتله، دون أن يعرف أنه مكرس لمارس. فغضب إله الحرب على كادموس، وأجبر هذا الأخير على أن يخدمه مدة ثماني سنوات. ولما أمرته مينيرفا أن يزرع أنياب التنين، خرج منها رجال مسلحون صاروا من أتباع كادموس. فبنى هناك مدينة طيبة، وينسب إلى كادموس هذا ابتكار الحروف الهجائية ، وعندما بلغ الشيخوخة تحول هو وزوجته هارمونيا إلى ثعبانين، ولكنه لم ير أوروبا مرة أخرى.
قصة أوديب
عندما ولد للايوس ملك طيبة ابن، حذره وحي من أن ذلك الطفل لو ترك ليكبر، فسوف يعرض عرشه وحياته للخطر. وعلى هذا أمر لايوس أحد رعاة ماشيته بأن يأخذ ذلك الطفل ويقتله، ولكن الراعي أشفق على الطفل، فثقب قدميه وتركه على جانب جبل، فعثر راع آخر على هذا الطفل، فأخذه إلى بوليبوس ملك كورنثة، فتبناه هذا وسماه أوديب، أي ذو القدم المتورمة.
لما كبر أوديب استشار وحيا بدوره، فعلم ما أفزعه، علم أنه مقدر له أن يقتل أباه (وظن أوديب أنه سيقتل بوليبوس)، ولكي يتحاشى مثل هذا القضاء، أسرع بمغادرة كورنثة في عربة ومعه خادم واحد، وأخذ يطوف في بلاد الإغريق. وفي يوم ما، بينما هو يسير بعربته في طريق ضيق، التقى برجل في عربة أخرى، فأمره هذا الرجل متغطرسا أن يفسح له الطريق. ولما رفض أوديب الانصياع لأمره، قفز خادم من عربة ذلك الرجل، وقتل أحد خيول أوديب. فما كان من أوديب، وقد ثارت ثائرته واشتد غضبه، إلا أن هجم على راكب العربة فقتله. كان ذلك الرجل هو لايوس، وهكذا قتل أوديب أباه دون وعي منه.
لما وصل أوديب إلى طيبة، وجد المدينة في ارتباك عظيم. هناك وحش يسمى سفنكس، نصفه لأسد والنصف الآخر لامرأة، يوقف كل المسافرين ويقدم لهم لغزا، إذا لم يجيبوا عنه إجابة صحيحة، قتلهم. أما أوديب فتوجه إلى السفنكس في جرأة دون ما خوف ولا وجل. فسأله السفنكس: «ما هو المخلوق الذي يمشي في أول النهار على أربع، وفي الظهر على اثنتين، وفي الليل على ثلاث؟» فأجاب أوديب على الفور بقوله: «إنه الإنسان، الذي يحبو على يديه ورجليه طفلا، ويقف منتصبا يسير على قدمين، وهو كامل النمو، وعندما يبلغ الشيخوخة في آخر حياته يحتاج إلى عكاز.» فاغتاظ السفنكس، وقذف بنفسه من فوق صخرة عالية، فتهشمت عظامه ومات.
فرح أهل طيبة وشكروا أوديب، وأرادوا مكافأته على حسن صنيعه، واعترافا بجميله، فزوجوه ملكتهم جوكاستا أرملة لايوس. فلما أصاب المدينة وباء، واستشاروا عرافا أخبرهم بجريمة أوديب وجوكاستا. فلما رأت جوكاستا بشاعة جريمتها انتحرت، وأما أوديب فأعمى عينيه. وبعد ذلك ظل أوديب عدة شهور يتسول في بلاد الإغريق، تقوده ابنته الوفية أنتيجوني. وأخيرا أراحته الآلهة من حياته.
كاليستو وابنها
Неизвестная страница
كان في أركاديا فتاة بارعة الجمال تدعى كاليستو، أحبها جوبيتر، فولدت له ابنا سمياه أركاس، فلما رأت جونو أن كاليستو تتمتع بحب جوف، وأن ابنها الجميل ينمو يافعا، أكلت الغيرة قلبها، وأخيرا اشتد غضبها وحسدها وتعديا كل الحدود، فحولت كاليستو إلى دب.
أخذت كاليستو تهيم على وجهها وسط غابات أركاديا في صورتها الجديدة البغيضة. لم تجرؤ على الاختلاط بغيرها من الدببة؛ إذ خافتها كما لو كانت من البشر. ومع ذلك كانت تهرب من الصيادين أيضا؛ إذ سيطاردونها بمجرد أن يروها، ويقتلونها إن أمكنهم.
ومع هذا لمحت ابنها أركاس ذات يوم، وهو على مسافة بعيدة منها، وقد كبر وصار شابا يافعا، فتغلبت عليها عاطفة الأمومة، ودفعها حبها له وشوقها إليه، إلى أن تتقدم نحوه في مشية متعثرة، ووقفت على رجليها الخلفيتين، وحاولت أن تعانقه، ولكنه تراجع في خوف مختلط بالدهشة. ولما أصر الدب على ملاحقته، رفع رمحه، وأوشك أن يقتل به ذلك الحيوان الغريب المخيف. وبينما كان الرمح يكاد يخترق صدر كاليستو، نظر جوبيتر من السماء، فأبصر ما يحدث، فأمسك الرمح إشفاقا، وخطف كليهما من الأرض، ووضعهما بين النجوم في السماء، يطلق على أحدهما الدب الأكبر، وعلى الآخر الدب الأصغر.
وتقول الأساطير القديمة: إن جونو شكت بمرارة إلى آلهة البحر من طريقة معاملة جوبيتر لمنافستها وابن منافستها، وإهماله جونو نفسها. فقرر أولئك الآلهة إكرما لخاطرها، ألا يمس الدب الأكبر ولا الدب الأصغر المياه إطلاقا، ومن ثم تحيط مجموعتا النجوم هاتان بالقطب باستمرار، ولا تغطسان في الماء كما تفعل سائر النجوم الأخرى.
باوكيس وفيليمون
رغم أن جوبيتر كان، أولا وقبل كل شيء، إله السماء الواسعة، ويفكر فيه البشر على أنه يعيش دائما في قصره العجيب فوق جبل أوليمبوس، إلا أنه كان ينزل أحيانا إلى الأرض، ويختلط بسكانها في صورة بشرية. كان غرضه من أمثال هذه الزيارات أن يكتشف ما إذا كان الناس يراعون واجب إكرام الضيف وحق ابن السبيل؛ لأن جوبيتر لم يكن فقط ملك الآلهة والبشر، وإنما كان أيضا وبنوع خاص إله إكرام الضيف، الذي ينزل العقاب بكل من يعامل الأغراب بقسوة أو بغير رقة.
وحدث ذات مرة أن جوبيتر تنكر في زي مسافر فقير، ولم يصاحبه في هذه الجولة سوى ميركوري. فبدءا بزيارة أرض فروجيا، وطلبا المأوى لمدة الليل في بيت بعد آخر، ولكن أهل تلك المنطقة طردوهما، وسلطوا عليهما كلابهم تنبحهما، وأطفالهم تقذفهما بالحجارة، علاوة على الشتائم وعبارات الاحتقار.
طال الظلام، وكاد جوبيتر وميركوري يتركان تلك المنطقة يأسا. وأخيرا شاهدا كوخا منعزلا فوق مرتفع من الأرض بتلك القرية. كان ذلك الكوخ لزوجين عجوزين هما باوكيس وزوجها فيليمون. كان كوخا وضيعا سقفه من البوص والقش المأخوذين من مستنقع قريب، عاش فيه هذان الزوجان منذ أن تزوجا، وحظيا فيه بالسعادة والقناعة والرضا.
لما سمعت باوكيس الطرق على باب الكوخ أسرعت هي كما أسرع زوجها، ففتحا الباب ورحبا بالضيفين أعظم ترحيب، ولبيا طلبهما بصدر رحب أن يقضيا تلك الليلة في كوخهما. وخرجا يدوران حول الكوخ يجمعان الحطب لإيقاد نار يصطليها الضيفان، وقدما لهما كل ما كان لديهما من طعام.
عندما مد الغريبان يديهما لتناول الطعام، حدث شيء غريب؛ فقد كثر الطعام فجأة، وانبعثت منه رائحة عجيبة زكية، وفجأة أظهر الإلهان حقيقتهما في كامل عظمتها، فخر العجوزان راكعين أمامهما، وطلبا صفحهما عن قلة الطعام الحقير الذي قدماه لهما. فأمر جوبيتر باوكيس وفيليمون بأن ينهضا، وقادهما إلى قمة جبل مجاور. فلما نظرا إلى الوادي الذي كانا يقيمان فيه، اعترتهما الدهشة؛ إذ وجداه بحيرة واسعة، فبكيا على مصير جيرانهما، وحدثت المعجزة، ارتفع معبد عظيم الحجم إلى جانبهما، وعهد إليهما بالعناية بذلك المعبد. ولما مات هذان الزوجان بعد ذلك بعدة سنوات، ماتا معا في وقت واحد، وفي سن متقدمة جدا. وحولهما جوبيتر إلى شجرتين باسقتين أمام المعبد، شجرة بلوط وشجرة زيزفون، عبدهما الفلاحون إشارة إلى واجب إكرام الضيف.
Неизвестная страница
مينيرفا تدخل في مسابقتين
دخلت بالاس أثينا (التي يسميها الرومان مينيرفا) ذات مرة في مباراة مع نبتيون على: من منهما سيكون له شرف أن تسمى باسمه مدينة حديثة التأسيس في أتيكا. وكان كل منهما يتوق جدا إلى الفوز بذلك الشرف، حتى خيل للجميع أنه لا بد أن يقوم بينهما عراك. وحسما للنزاع قرر الآلهة أن يقدم كل منهما هدية تفيد الجنس البشري. ومن منهما يقدم أنفع هدية، ينل شرف تسمية المدينة باسمه.
بدأ نبتيون، فضرب الأرض برمحه الثلاثي الشعاب، وفي لمح البصر خرج منها حصان جميل شرع من فوره يرفس برجليه الخلفيتين، ليقذف بالأرض المتعبة. فلما وقف ذلك الجواد أمام الآلهة يركل الأرض بحوافره تساءل الآلهة في دهشة. ثم جاء دور أثينا فضربت الأرض برمحها، فما إن ترك رمحها الأرض، حتى انبثقت من الأرض شجرة نبيلة محملة بثمار سوداء لامعة، هي ثمار الزيتون. فجلس الآلهة صامتين، وتطلعوا خلال المستقبل يحصون الفوائد التي يجنيها البشر من هذه الشجرة وثمارها. وفي صوت واحد هتف الآلهة لأثينا معلنين فوزها، وهكذا سميت باسمها مدينة أثينا.
وفي مناسبة أخرى تبارت بالاس أثينا مع فتاة من البشر اسمها أراخني، ابنة إدمون، الماهر في الصباغة بالأرجوان. ومنذ حداثة سن هذه الفتاة، تعلمت مهنة أبيها، بالإضافة إلى مهنة نسج الأقمشة وبرعت فيهما، لدرجة أنه ما من أحد بذها في ذلك، على وجه البسيطة كلها. فركب الغرور أراخني، حتى إنها رفعت رأسها نحو السماء، متحدية الربة أثينا نفسها، حامية جميع الفنون المنزلية، أن تباريها في مهنتها هذه.
راقبت أثينا في استمتاع وإعجاب، ذلك التقدم الذي تقوم به أراخني. فلما سمعت ذلك التحدي وليد الغرور، استاءت أيما استياء، فاتخذت صورة امرأة عجوز دردبيس، وذهبت إلى بيت إدمون، حيث شاهدت النول الذي تنسج فوقه هذه الفتاة، وأعجبت بمهارتها.
قالت أثينا: «إنني امرأة عجوز وقديمة في التمرين، ورأيت الكثير في هذه الدنيا. بلغني أنك تحديت الربة أثينا، اسمحي لي بأن أنصحك بأن تسحبي أقوالك. إنك تتفوقين على سائر البشر، وسوف تتفوقين عليهم جميعا، ولكن ما أحمقك أن ترغبي في الدخول في مباراة خاسرة مع الآلهة الذين تأتي منهم كافة المهارات!»
فأجابت أراخني بازدراء: «صه، أيتها العجوز الغبية! لن أخاف أثينا، ولكني سأخجلها بمهارتي، فلتظهر وتختبرني.»
ما إن نطقت أراخني بهذه الألفاظ، حتى نزعت أثينا تنكرها، ووقفت في عظمتها أمام الفتاة.
قالت: «ها هي أثينا أمامك.» وعندئذ ارتجفت الفتاة، وأدركت بعد فوات الأوان، جنون تحديها، ولكنها استجمعت شجاعتها، وأخذت تنسج أبرع منسوج صنعته. صورت على جزء من النسيج بعض موضوعات من غرام الآلهة، نسجتها بعدة ألوان، وأغلبها من الأرجوان الذي كان أبوها سيد صناعته. وأخيرا اكتمل عملها.
شرعت أثينا تنسج بعد ذلك، فصورت أعجب المناظر في أوليمبوس السامي، وانبعثت من نسيجها رائحة عبقة من النكتار والأمبروسيا. حلق فوق النسيج جمال غير أرضي، فصورت في أحد أركانه مصائر البشر الذي يتحدون الآلهة. وبينما هي تمر من مصير إلى مصير، أحست أراخني بمصيرها يدنو منها رويدا رويدا. وما إن تم آخر ركن، حتى استدارت نحوها أثينا بمغزلها السحري، وقالت: «ستعاقبين على غرورك، ولكن الآلهة لن تسمح بأن تموت مثل هذه المهارة التي أبديتها. تحولي إلى حشرة، كي تكوني عبرة للبشر الآخرين، فاستمري في نسج منسوج بديع الرسوم.»
Неизвестная страница
ما إن قالت أثينا هذا، حتى بدأت الفتاة تنكمش وتضمحل، وأخيرا تحولت تماما. وحيث كانت الفتاة واقفة، زحفت حشرة العنكبوت، وأمام بصر المشاهدين المذعورين، انتحت الحشرة نحو ركن وشرعت من فورها تنسج نسيجا من الخيوط الواهية. وهكذا ظل الأغارقة حتى اليوم يسمون العنكبوت «أراخني».
الباب الرابع
قصص فينوس
فينوس وأدونيس
بطبيعة الحال، كان لفينوس كثير من المغامرات الغرامية، أشهرها ما حدث بينها وبين أدونيس، وهو شاب من منطقة في آسيا الصغرى، رائع الجمال الذي يضرب به المثل، فنقول عن الرجل ذي الجمال الفذ «إنه أدونيس». فذات يوم كانت فينوس تعبث بسهام ابنها كيوبيد، فخدشت نفسها بسهم منها، وقبل أن يلتئم الجرح، ويخرج السهم الخطر من عروقها، أبصرت أدونيس، وفي الحال تغلغل حبه في قلبها.
بعد ذلك أهملت فينوس كل غرامياتها العادية، وما عادت ترى بعد ذلك في الأماكن التي كانت تزورها عادة، بل صارت بهجتها الوحيدة أن ترافق أدونيس أينما يذهب. ورغم جمال أدونيس كان يتصف بأخلاق الرجولة، فأولع بالصيد أكثر من كل شيء آخر. وعلى هذا كانت فينوس تصحبه في جميع المغامرات الخطرة. وكانا يجولان معا وسط الغابات يوميا. وما عادت فينوس لتهتم بزينتها وتجميل مفاتنها، وما عادت تقضي الساعات كما اعتادت في إبراز سر جمالها، بل كانت تذهب معه في ثياب عادية تحمل قوسا وجعبة سهام مثل الربة الصيادة ديانا، كما تعلمت هي أيضا أن تطارد الغزلان وتقتلها، وتركت لأدونيس قتل الذئاب والخنازير البرية والفهود والدببة.
حذرت فينوس أدونيس من أن يكون كثير الجرأة، وكانت تخشى أن يهاجمه وحش مفترس في وقت ما، إن عاجلا أو آجلا، فيؤذيه. وهذا ما حدث فعلا؛ إذ تركت فينوس أدونيس في يوم ما، وطارت إلى أوليمبوس في عربتها التي يجرها اليمام. وكانت آخر كلماتها لأودنيس هي التحذير. غير أنه كان يصم أذنيه عن سماع نصائحها التي تزرع الجبن، كما كان يعتقد. فكان الأول دائما في مطاردة الصيد، والأول دائما في مطاردة أي حيوان يرغب في قتله، ويحتقر إلقاء عبء الخطر على غيره. في ذلك اليوم أثارت الكلاب خنزيرا بريا ضخما ومتوحشا ومفترسا، فصار ذلك الخنزير يجري أمام الكلاب حتى انقض عليه أدونيس والرمح في يديه، وقلبه تواق لأن يغيب الرمح في جسم الخنزير، وفعلا أفلح في جرح ذلك الوحش، ولكن سن الرمح لم تتعمق في جسمه، فاندفع الخنزير يهجم على أدونيس، وأنفذ نابيه كليهما في جنبي هذا الشاب الوسيم، فخر فوق السهل صريعا.
حزنت فينوس على أودنيس حزنا شديدا، وبكته بكاء مرا، وظلت كاسفة البال مدة طويلة. وكان سكان تلك المنطقة يجددون الحداد عليه سنويا في عيد مقدس. ويقال إن الأقحوان خرج من دمه، كما قيل أيضا إن جوبيتر أشفق على ابنته فينوس، فسمح لأدونيس بأن يصعد من العالم السفلي لمدة ستة شهور في كل عام، ويقيم مع فينوس كزوجها في تلك المدة، وعندئذ كان الصيف يعم الأرض.
كيوبيد وبسوخي
روى الكاتب اللاتيني أبوليوس قصة من أجمل القصص القديمة عن كيوبيد وبسوخي، فقال:
Неизвестная страница
كان لأحد الملوك ثلاث بنات تسمى صغراهن بسوخي (ومعنى اسمها بالإغريقية، إما «روح» أو «فراشة») وكانت أجملهن. ومن فرط جمالها كانت إذا سارت في الطريق نثر الناس الأزهار أمامها، ومن شدة إعجاب الناظرين بها، أهملوا مذابح فينوس.
غضبت ربة الحب إذ رأت أن بسوخي قد خلعتها من مركز محبة الناس لها. فصممت على أن تعاقب تلك الفتاة ذات الجمال الخارق الساحر، فاستدعت ابنها كيوبيد، وأمرته بأن يعد وسيلة لانتقامها. أمرته بأن يذهب إلى بسوخي، ومعه شيء من الماء من نافورة معينة في حديقة فينوس، فيوحي إلى تلك الفتاة بواسطة ذلك الماء بأن تحب شخصا وضيعا. فطار كيوبيد لتنفيذ هذه المهمة، ولكنه ما إن أبصر بسوخي راقدة في نوم لذيذ، حتى ندم على قبوله ما كلفته به أمه. ومع ذلك فقد أخذ ينفذ رسالته، وعندما انحنى فوقها جرح نفسه بأحد سهامه، ولكنه لم يكترث لجرحه، وأخذ يعمل على إبطال مفعول المياه السحرية، فصب عليها عقارا حلوا من قارورة أخرى، وطار.
منذ ذلك الوقت لم يلتفت أحد ما إلى بسوخي رغم جمالها، وتزوجت أختاها أميرين عظيمي السلطان، ولكن ما من أحد جاء يطلب يد بسوخي. وأخيرا استشار والداها وحيا فأخبرهما بأن يرسلا ابنتهما إلى قمة جبل، حيث خصص لها بيت يأتي إليها فيه وحش من مولد إلهي ويتزوجها. فبكى الوالدان بدموع سخينة، ولكنهما ألبساها لباس العرس، وصحباها إلى صخرة منعزلة، حيث يوجد بيت وضيع، وتركاها هناك لتلقى مصيرها.
هبت الريح الغربية فجأة، فحملت بسوخي برفق إلى واد عطر الأريج، حيث يوجد قصر عظيم وسط الزهور، ويرتكز سقفه على أعمدة من الذهب الخالص، فدخلت بسوخي القصر مدهوشة، فقد التقت عيناها في كل خطوة بأعجوبة جديدة. وبينما هي تسير وسط الأبهاء العالية ، سمعت صوت فتاة تخبرها بأنه قد خصص لخدمتها عدة خدم غير مرئيين، على استعداد لتلبية أوامرها فورا. وشاهدت مائدة زاخرة بكل ما لذ وطاب من صنوف الطعام معدة لها. وبينما هي تتناول الطعام، شنفت أذنيها نغمات موسيقية حلوة، وعندما ذهبت لتنام وجدت مخدعها حجرة فخمة الزخارف، تنتظم العديد من مناظر مغامرات الآلهة. وبينما هي في دهشة بالغة لكل ما شاهدته غلبها النعاس، فاستسلمت للنوم.
وفي منتصف الليل أيقظها صوت عذب.
قال ذلك الصوت: «إنني زوجك يا بسوخي. وهذا البيت وكل ما فيه ملك لك، ولكن على شرط واحد: ألا تحاولي رؤية وجهي بحال ما.»
وعلى هذا كان أثناء الليل فقط، تلتقي بسوخي مع زوجها. ورغم أنها سمعت صوته، فإنها لم تلمح وجهه إطلاقا.
ظلت بسوخي سعيدة مدة طويلة، ولكنها مع مرور الشهور، اجتاحتها الرغبة الشديدة في أن ترى والديها وأختيها، وجعلتها تلك الرغبة تذوي. وأخيرا لاحظ زوجها وجود شيء غير عادي يضايق زوجته، فسألها فأخبرته في تردد بأنها تتحرق شوقا إلى رؤية أسرتها، ولو لمدة قصيرة. بقي زوجها صامتا بعض الوقت، وأخيرا وافق على السماح لها بالذهاب إلى بيت أبيها لفترة قصيرة.
استعدت بسوخي لرحلتها فرحة جذلى، وأخذت معها كثيرا من الهدايا الجميلة. ومرة أخرى حملتها زفيروس برفق إلى الصخرة التي كان والداها قد تركاها عندها. فنزلت بسرعة إلى أسفل الجبل، وبعد فترة قصيرة بلغت قصر والدها، فرحب بمقدمها والداها مدهوشين، وامتلئا بهجة وسرورا؛ لأن ابنتهما ما برحت على قيد الحياة، وسرت أختاها لرؤيتها، فأخبرتهما بأن زوجها يزورها ليلا، وأنها لم تبصر وجهه أبدا. ووصفت لهما القصر الرائع الذي تعيش فيه، والخدمة السريعة التي تقوم بها حوريات القصر غير المرئيات.
وبينما هي تحكي لأختيها طريقة حياتها، اشتعلت نار الغيرة في قلبيهما وملأهما الحسد، وأبدتا شكهما في صحة روايتها، وحاولتا بكل ما لديهما من حول وطول وقوة إقناع، أن تدخلا في روع شقيقتهما أن زوجها وحش حقا، ونصحتاها بأن تزود نفسها بمصباح زيتي لترى في نوره منظر زوجها على حقيقته، كما أشارتا عليها بأن تعد سكينا حادة لتذبحه بها إن كان وحشا.
Неизвестная страница
رفضت بسوخي في أول الأمر أن تهتم بارتيابهما، ولكنهما أفلحتا أخيرا في التأثير عليها، واعتزمت أن تعمل بنصحهما. فلما عادت إلى قصرها حملت معها مصباحا وسكينا. وعاد زوجها إليها كالمعتاد، فلما عرفت أنه غارق في النوم، أضاءت المصباح في هدوء، وانحنت فوقه. ولدهشتها وسرورها رأت أمامها شابا رائع الجمال. وفي الحال صارت محبتها له عظيمة جدا، ولكنها قبل أن تبعد المصباح عن وجهه سقطت نقطة زيت ساخنة من الآنية فوق كتفه، فأيقظت ذلك الإله النائم. فأدرك كيوبيد لتوه ما حدث، وبدون أن ينطق بكلمة واحدة نشر جناحيه الأبيضين، وطار من القصر.
عرفت بسوخي أن كيوبيد قد هجرها إلى غير رجعة، فامتلأت يأسا، ولامت نفسها وندمت، حيث لا ينفع الندم على ارتيابها الدنيء، فألقت بنفسها في نهر رغبة في أن تموت، ولكن رب النهر أبى أن يقتل شيئا جميلا كهذا، فلفظها إلى الشاطئ. فظلت مدة طويلة هائمة على وجهها تضرب في الفيافي والقفار غير عابئة بوعورة الطريق، ولا بما ينالها من تعب، حتى وصلت أخيرا إلى معبد لفينوس، فاعتزمت الدخول في خدمة تلك الربة. وكانت فينوس تعلم بزواج ابنها من بسوخي، وما برح الحقد يتأجج في قلبها ضد هذه الفتاة، فأخبرتها بواسطة فم كاهنتها أنها إذا أرادت أن تكون محبوبة، فعليها القيام ببعض الأعمال الشاقة. وكانت فينوس تعتقد تماما أن بسوخي لن تستطيع إنجاز تلك الأعمال، إلا أن بسوخي وافقت في لهفة على أن تقوم بأي عمل يفرض عليها، وسألت عما يجب عليها أن تفعله.
فرضت عليها فينوس أول عمل: كان في مخزن واسع بالمعبد كومة كبيرة من الحبوب المختلفة مختلطة معا: القمح والفول والعدس والخشخاش والشعير والذرة العويجة، وكثير من أنواع الحبوب الأخرى اللازمة لإطعام حراس المعبد ويمام فينوس.
قالت فينوس في صيغة الأمر: «افرزي هذه الحبوب، كل نوع في كومة منفصلة، على أن يتم هذا العمل عند مجيء الظلام.»
ما كان لبسوخي أن تستطيع إنجاز هذا العمل في عشرة أيام، ولكن كيوبيد الذي ما زال يراقب بسوخي سرا، كلف النمل بالقيام بذلك العمل، فأطاعته جميع أمة النمل، وشرعت على الفور تعمل دائبة. فلما بدأت جحافل الظلام تنتشر على الكون، كان كل نوع من الحبوب كومة مستقلة.
عادت فينوس لترى ماذا فعلت بسوخي، فإذا بها تجدها قد أنجزت أول أوامرها، فحنقت؛ لأنها أدركت أنها لم تفعل ذلك بمفردها، وفرضت عليها العمل الثاني. «أحضري لي ثلاث خصلات من صوف الأغنام ذوات البريق الذهبي الموجودة في ذلك الحقل.»
ذهبت بسوخي إلى الحقل تجر قدميها في بطء، وهي تسير على جانب النهر، فهمست لها أعواد البوص النامية هناك، وأمرتها بالانتظار؛ لأن تلك الأغنام كانت بالغة التوحش.
ألحت أعواد البوص على بسوخي بقولها: «انتظري حتى ينتصف النهار، ثم انظري إلى الشجيرات.»
أطاعت بسوخي النصيحة، وبعد الظهر وجدت خصلات من الصوف الذهبي معلقة فوق الشجيرات التي احتكت بها الأغنام أثناء مرورها إلى جانبها. فأخذت هذه الخصلات، وعادت بها إلى فينوس.
وفي الصباح التالي أمرتها فينوس في خشونة بالعمل الثالث: «اذهبي إلى بروسربينا ملكة هاديس، وأحضري لي علبة من المرهم الذي تستعمله للاحتفاظ بجمالها الإلهي.»
Неизвестная страница
كان ذلك العمل فظيعا ويبدو مستحيلا، ولكنها قامت به، فدخلت إلى العالم السفلي من خلال كهف، وتوسلت إلى خارون أن ينقلها في قاربه عبر نهر ستوكس. فلما صارت هناك استمالت إليها بروسربينا بأن أخذت تستدر عطفها، متضرعة أن تعطيها علبة من ذلك المرهم الثمين. فلما أخذت العلبة اجتاحتها رغبة ملحة في أن تفتح العلبة، وترى ما بداخلها، ولكنها ما إن فتحتها حتى وقعت على الأرض في نوم عميق يشبه نوم الأموات. لم يقاوم كيوبيد لهفته إلى الطيران إليها على الفور وإنقاذها. فأيقظها من سباتها، وتوسل إلى ملك السماء أن يساعده في قضيته. فتدخل جوف في الأمر، ورجا فينوس في أن تقبل تلك الفتاة زوجة لكيوبيد، بعد ذلك حمل ميركوري بسوخي إلى أوليمبوس، حيث أكلت تلك الفتاة من الأمبروسيا الإلهية، وصارت خالدة. ولما حان الوقت، ولدت للحب والروح ابنة سميت «السرور ».
التفاح الذهبي أتالانتا وهيبومينيس
عقدت مسابقة من نوع جديد اشتركت فيها أتالانتا، وهي عذراء من بيوتيا، فعندما كانت أتالانتا طفلة، تنبئ لها بأن زواجها سيكون خطرا عليها. وبناء على تلك النبوءة عقدت العزم على ألا تتزوج إطلاقا، وتحاشت كل اتصال بالرجال، وعاشت في الغابات مكرسة نفسها للربة ديانا، تقضي أيام حياتها في الصيد وغيره من رياضات الغابات. بيد أنه لما كانت أتالانتا على قدر كبير من الجمال الساحر الفتان؛ ولأن حياة الخلاء وهبتها صحة ونشاطا، تقدم إليها الرجال كعشاق يطلبون يدها، وأخذوا يضايقونها باستمرار، وألحوا عليها في عدم رفض طلبهم.
وأخيرا، توصلت أتالانتا إلى حيلة تتخلص بها من أولئك الرجال، فاستدعتهم جميعا، وأعلنت أمامهم أنها ستكون عروس من يتفوق عليها في سباق الجري، ومن هزمته منهم كان مصيره الإعدام. عندئذ ساد السكون بين العشاق فترة من الوقت. وبعد ذلك أعلن عدد منهم استعداده لأن يستبق معها، ولكنهم أخفقوا جميعا، فما من عذراء يمكنها أن تجري بمثل سرعة أتالانتا، وما من رجل استطاع أن يصل إلى سرعتها. وعلى ذلك نفذ حكم الإعدام القاسي في جميع من خسروا السباق.
وفي أحد أشواط السباق، اختير شاب اسمه هيبومينيس؛ ليكون حكما في المباراة، فأخذ يتحدث باحتقار، ويسخر من أولئك الأغبياء الذين اشتركوا في السباق، وخاطروا بأرواحهم من أجل عذراء مهما يكن جمالها فتانا.
غير أن ذلك الشاب، ما إن أبصر قوام أتالانتا الرشيق يثب بخفة فوق الأرض كأنه عصفور، وأحدق النظر إليها عندما لمست شريط نهاية السباق، فألفى وجهها ساحرا فاتنا، كأنه وجه إحدى الربات، ما إن شاهد كل ذلك حتى غير رأيه على الفور، وتاق مثل الباقين إلى الفوز بيدها.
تقدمت أتالانتا وقد احمر وجهها من الجري، فاقترب منها هيبومينيس، وأعلن تحديه إياها في مباراة أخرى صباح اليوم التالي.
صاح هيبومينيس يقول: «ليس أولئك الشبان سوى حفنة من الكسالى الخاملين. ستكون القصة مختلفة تماما معي. أنا المنحدر من نسل الآلهة، أنا أحد ذرية إله البحر نبتيون.»
نظرت أتالانتا إلى هذا الشاب الوسيم والحسرة تملأ نفسها. فما من شاب ممن سابقوها قد أعجبها خيرا من هيبومينيس، وأحست بوخز يتغلغل في قلبها أن يموت مثل هذا الشاب المتوثب صحة وقوة. أما هيبومينيس ففكر في أن يطلب مساعدة ربة من الممكن جدا أن تمد له يد العون. فتوسل إلى فينوس، وطلب منها أن تفكر في مناقضة انتصار أتالانتا لقاعدتها الخاصة بالحب، فسمعته فينوس واستجابت إلى توسله، فذهبت إلى حديقة الهسبيريديات النائية إلى مسافة بعيدة في أقصى غرب الدنيا، حيث قطفت ثلاث تفاحات ذهبيات عجيبات من شجرة ضخمة تنمو بوسط تلك الحديقة، وقدمتها إلى هيبومينيس، وزودته بالتعليمات التي يجب عليه أن يتبعها ليهزم أتالانتا.
بدأ السباق في اليوم التالي أمام حشد كبير من المشاهدين. فانطلق كلا المتسابقين من نقطة الابتداء، كأنهما سهمان أطلقا من قوس، ولكن سرعان ما أدرك هيبومينيس، رغم أقصى جهوده وخير محاولاته، أن الفتاة سبقته، فقذف بيده إحدى التفاحات الذهبية، فانطلقت التفاحة تتدحرج متألقة في طريق أتالانتا مباشرة، فبهر جمالها وبريقها عيني الفتاة، وبدون أن تعي ما هي فاعلة، انحنت وخطفت التفاحة من فوق الأرض. وبينما هي تفعل ذلك لحق بها هيبومينيس وتقدم عليها، ولكنها أسرعت ثانية وتقدمته مرة أخرى. فما كان منه إلا أن أرسل تفاحة ثانية تتدحرج متلألئة في طريقها. ومرة أخرى توقفت أتالانتا لتلتقط تلك التفاحة الذهبية البراقة. وعندئذ تقدمها هيبومينيس، بيد أن سرعتها كانت عظيمة جدا لدرجة أن كل هذه العقبات لم تكن كافية ليتفوق عليها هيبومينيس. وفي بضع لحظات جاءت أتالانتا في المقدمة مرة أخرى. وعندما اقتربت نهاية السباق، وقد دب اليأس في قلب هيبومينيس، فألقى بالتفاحة الذهبية الأخيرة، فتدحرجت لامعة إلى جانب الطريق، وترددت أتالانتا فيما إذا كان يصح لها أن تلتقطها أم تتركها، ولكن جمال التفاحة كان عظيما، فلم تستطع مقاومة إغرائه، فاتجهت جانبا على الرغم منها، وانحنت لترفعها من على الأرض. وبينما هي تلتقطها، دوت صيحة هائلة ردد الجو صداها في جميع الأرجاء: «لقد فاز هيبومينيس.»
Неизвестная страница