لم يكن توحدهما تلك المرة ككل مرة، لم تكن معركة إطلاق الأرواح، بل كانت معركة تعذيبها، تقويضها، كلاهما يحاول إخضاع الآخر، كلاهما يحاول احتلال الآخر، لم يستسلم أحد، ولم ينتصر أحد، بل خارت قواهما من الألم والنشوة، من العشق والتحدي، سقطا سويا، غرقا في عرقهما وتلحفا أنفاسهما اللاهثة.
مرق سهم الليل فوق رأسيهما واختفى، داعبت الشمس جدران الحجرة، صبغتها بطلاء ذهبي، ينامان بقدس الأقداس، ببيت الشمس، لم توقظ عبد الله الشمس ببهائها، أيقظت أمل لتجد نفسها عارية تحت ذراع عبد الله، انسلتت من ذراعه كالأفعى، لم توقظه حركتها السريعة بل أفاق على شهقتها، يفتح عينيه بصعوبة ليجد أمل مذعورة تسحب من فوقه الغطاء لتغطي جسدها العاري، فتخجل من عريه فتعيد الغطاء مرة أخرى، مد يده ليهدئها فهربت من يده والتصقت بمرآة الفراش وكادت تصرخ، اعتدل عبد الله جالسا وما زالت عيناه نصف مغمضة. - حسنا، ماذا حدث؟
سألها عبد الله بصوت مخنوق دفعها للانفجار. - لا تعرف ماذا حدث؟ لا تعرف؟ أنت خائن، هذا ما حدث. - خائن؟ عم تتحدثين؟ اهدئي صغيرتي فلم يحدث شيء. - صغيرتك؟ لا، لست صغيرتك، ولست عاهرتك أيضا، ربما كانت هي، أما أنا فقد وثقت بك وذهبت معك للطبيب، لأجدك عاريا في فراشي، وأنا أيضا. - أمل؟!
بدأت أمل في البكاء، بكاء من لا حول له فيما يحدث له، أمسك يدها ولم يستجب لمقاومتها، جذبها إليه برفق وهي ترتجف، ضمها لصدره؛ فأخفت وجهها في صدره وحممته بدموعها، أخذ يربت على ظهرها كمن يطمئن طفلة استيقظت على كابوس ويهدئها لتعاود النوم، قبل رأسها راجيا إياها أن تهدأ، ظلا هكذا حتى هدأت قليلا وبدأت في الحديث باكية ولم ترفع رأسها من على صدره: أغار عليك، هل تفهم؟ أغار، لا أريد أن أعرف ما تفعلانه سويا، فقط لا أريد أن أعرف، لماذا لم تفكر في أنا؟ أنا عارية بين أحضانك ولم أقربك، عارية وأعرف أنك كنت معها، ماذا تنتظر مني؟ أن أسألك هل استمتعت معها؟ هل أسعدتك؟ هل أمتعتها؟ أنت لم تقدر ضعفي، لم ترحم مرضي، أنت تشبع رغباتك مع من تجدها منا، هي لا يعنيها الأمر؛ ففي النهاية أنا من يدفع ثمن كل شيء، لو تركت في أحشائها طفلا، أنا من ستعاني وهن الحمل وشر الفضيحة، ستتوارى هي وقتها، ستتركني، وربما أنت أيضا [وأجهشت مرة أخرى بالبكاء].
قبل رأسها وضمها ضمة قوية، يدرك ما تعانيه؛ فلم تكن هي من كانت برفقته بالأمس، هي الآن أرتيميس ربة القمر، وتظنه يخونها مع أرتيميس إلهة الصيد، تعرف أنه أنهك جسدها ولم يمس روحها، لم تكن حاضرة، كان يفكر أن يطلب منها الذهاب لحجرتها، لكن فكرة راودته، هل ما يحدث حقيقة، أم أن الأمر برمته خدعة كبيرة تهدف للإيقاع به؟ أزعجه خاطره، لن يغفر لها، لهما، إن كانتا متآمرتين عليه، أيقظت الفكرة ذكورته، تردد بين إكمال ما بدآه بالأمس والخروج من الحجرة.
الجانب الآخر من النهر
تركها عبد الله نائمة، وخرج بهدوء وأمامه وجهة واحدة، عيادة الدكتور أحمد، كان يحتاج لمقابلة منفردة، كان يحتاج ليعرف كل شيء، هل ستشفى أمل؟ هل ستصبح امرأة واحدة؟ هل يمكن أن تتطور حالتها؟ تتدهور؟ وفي مستقر حيرته، كان هناك سؤال يحاول التخفي، هل يريدها أن تشفى؟ «الخوف، هو المصدر الحقيقي للاضطراب، المصدر الأصيل، هو ما يدفع الإنسان لبناء أسواره، والتحصن خلف دروعه، هو الحاجة للمنطقة المريحة الآمنة، وكلما زاد الخوف ارتفعت الأسوار وقويت الدروع، كلما زاد الخوف تزداد القدرة على الادعاء، أو الإنكار.
يتعامل الجسم كيميائيا مع الخوف كما يتعامل مع المفاجأة، بالأدرنالين؛ لأنه يرى كليهما حدثا عارضا، وحين لا يصبح عارضا تكون هناك مشكلة، سلسلة قد لا تنتهي من الاضطرابات، وحين تعجز النفس عن مواجهة الخوف؛ فإنها تلجأ للحيلة، تحتال عليه، أو تحتال على ذاتها لإنكاره.»
أنهى دكتور أحمد مراد حديثه بابتسامة ولم يدرك أن عبد الله لم يأت إليه ليستمع لمقدمة علم النفس.
لم يدرك أن زائره يطمع في أكثر من هذا بكثير. - حسنا دكتور، أريد أن أعرف ماذا بها؟ وهل يمكن أن تشفى مما هي فيه؟ - ماذا تظن دكتور عبد الله علتها؟ - جئت هنا لأسألك دكتور مراد، ومع ذلك أعتقد أنها تعاني من ازدواج الشخصية؛ ففعليا أنا أتعامل مع اثنتين، أرتيميس إلهة الصيد، وأرتيميس ربة القمر. - وأيهما تصدق أنت؟ - كلما اقتربت أكثر أصدق أكثر، لكنني في مأزق؛ فكلتاهما تتهمني بالخيانة. - هذا حقيقي. - ماذا تقصد؟ - إن كانتا شخصيتين؛ فأنت حقا خائن للاثنتين، أو ربما يلائم الوضع شخصيتك أكثر، بكل الأحوال هي ليست الوحيدة التي تحتاج المساعدة؛ فجميعنا بحاجة لها.
Неизвестная страница