إهداء
المرسم
دماء الآلهة
العود الأول
الوشاح البرتقالي
زيارة سرية
هي تغار منها
هي والآخر
قمر يحاول الهروب
أين هي؟
Неизвестная страница
وتحكي إلهة الصيد
يد ديفيد
ما للبحر
حقيقة وادعاء
الجانب الآخر من النهر
اللقاء الثاني
عبد الله الثاني
عذراء الأوليمبس
سراي خطاب
الرسالة
Неизвестная страница
إهداء
المرسم
دماء الآلهة
العود الأول
الوشاح البرتقالي
زيارة سرية
هي تغار منها
هي والآخر
قمر يحاول الهروب
أين هي؟
Неизвестная страница
وتحكي إلهة الصيد
يد ديفيد
ما للبحر
حقيقة وادعاء
الجانب الآخر من النهر
اللقاء الثاني
عبد الله الثاني
عذراء الأوليمبس
سراي خطاب
الرسالة
Неизвестная страница
أرتيميس تركت القمر
أرتيميس تركت القمر
تأليف
محمد السباعي
إهداء
إلى مريم السباعي وسارة السباعي، إلى أغلى من أحب: الحب هو بداية كل شيء؛ لا تخجلا منه.
محمد السباعي
المرسم
كنت على وشك التمدد مع موسيقاي وكأسي، كنت أتمنى أن تصدق يوما، عام كامل أو يزيد، ولم أتلق إجابة على دعوتي لها سوى «إن شاء الله» وابتسامة مضطربة وعين ثاقبة تخترق عيني ولا أعرف أين تستقر بداخلي، كل مرة. سمعت بها من بعض طلاب الدراسات العليا، دكتورة أمل مدرسة تاريخ الفن بجامعة الإسكندرية، تكره الفلسفة، وتكيل بعباراتها الكيل للفلاسفة. تكرر اسمها كثيرا بين طلاب قسمي، قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، لم أعر الأمر اهتماما؛ فكثيرون هم من يسبون الفلسفة، حتى دعتني إحدى الطالبات لمحاضرة تلقيها الدكتورة أمل، التي وافقت على الإشراف على رسالتها التي أشرف عليها بالفعل، كانت بعنوان «حب الحكمة وحب الجمال». وكنت اقترحت عليها إشراك أحد أساتذة الفنون الجميلة في الإشراف على رسالتها، لكن بدا أنها فضلت الدكتورة أمل، شعرت وقتها من إلحاحها على ضرورة ذهابي للمحاضرة وكأنها مواعدة مرتبة، وفي النهاية ذهبت، ولم أندم على ذهابي بقدر ما ندمت على ما ضاع من عمري قبل هذا اليوم.
كان يوما ذا لون ورائحة، لم أميز أيا منهما حتى خرجت أمل بخطوات رشيقة واثقة على المنصة، رأيتها من قبل، كانت تحضر عرضي لبعض اللوحات التي دائما أصفها بالزفت، ابتسمت للحضور، أو لي، بادلتها الابتسامة وأنا أكثر استرخاء؛ فهي من لونت اليوم وصبغته برائحتها البرية. استسلمت لنظرتها أول مرة رأيتها، تحركت عيناها ما بين سيجارتي وصدري، لم أعلم أيهما اشتهت، لكنها فقط ابتسمت وانصرفت. والآن أراها ترقص بين الفن والفلسفة؛ رقصة موت بإيقاع الحكمة وأنغام الجمال: ترقص، ترقص، ترقص على صدري وأكاد أشعر بدقات قلبها من كفي قدميها.
Неизвестная страница
ارتخيت قليلا مع الموسيقى؛ ديبوسي، لا أحب موسيقاه بقدر ما تحبني، لا أسمعه، لا أتذكر الألحان، فقط أشعر بانسياب يتمدد بروحي كموج البحر ويعود أدراجه وروحي معلقة بذيوله، ويعاود بها ليسحبها، وكأن موسيقاه تستمتع بتلك اللعبة، لكن ليس بقدر استمتاعي بها. قطع استمتاعي الموجي صوت «عم نصر» يخبرني بأن لدي زوارا ... أي زوار الآن؟ أوقفت الموسيقى وخرجت من غرفتي التي أطلق عليها «أتيليه» ومشيت حافي القدمين على أرضية السطح الحجرية، ألقيت نظرة لمئذنة ابن طولون قبل أن أصل للسور وأعرف الزائر الذي قطع متعتي.
كان العجوز «نصر» مستمرا بالصياح: «يا دكتور عبد الله، يا دكتور عبد الله ...» وتجمدت عيناي؛ أمل؟! لا أعرف كيف نزلت لأصافحها بنفس هيئتي؛ بنطالي القطني البني الفاتح بلون التراب، وقميصي الكتاني الأبيض، وبالطبع حافي القدمين ... أخذت يدها وصعدنا سويا، دعوتها للدخول، لم تهتم بحال الغرفة بل خطت كملكة في بلاطها: «غرفة كبيرة.» هكذا قالت، ابتسمت مجيبا: «هي في الحقيقة ثلاث غرف وحمام، وأزلت كل الجدران، حتى الحمام بلا باب الآن.» ابتسمت، وانزلقنا في صمت لحظي، شفتاها تجتذبان عيني، وعيناي مستسلمتان لنفاذ نظرتها ...
تحدثنا قليلا بين فترات الصمت، لم تعجبني حالتي، لم أكن أنا، لم أكن بهذا القرب منها من قبل، لم أعتده، سألتها إن كانت تريد بعض النبيذ المصنوع منزليا بجنوب أفريقيا، وافقت بضحكة خفيفة، معلنة أنها مرتها الأولى، أذابت ضحكتها كل التوتر، عاودني النشاط وأنا أملأ كأسينا، تجنبت ملامسة أناملها وأنا أعطيها كأسها، كنت أستمتع بوجودها، أراقبها ترفع الكأس، تشم النبيذ وتبلل شفتيها.
سألتها لم وافقت أخيرا على زيارتي فأجابت لترى لوحاتي «الزفت»، فأشرت لتلك اللوحة فوق السرير بأنها «الأزفت» على الإطلاق ، كانت لوحة مربعة كبيرة بها دوامة من اللون الأسود سحب بسكين مبتلعا كل الألوان، فسألتني كيف للألوان الخلاص من تلك الدوامة؟ فأجبتها بأن تتعرى منها وتخرج عارية وحين تشعر بالخجل تعود فترتديها، سألتها: «هل تخجلين من العري؟» أجابت بنفس ابتسامتها المرتعشة وعينيها الثابتتين بمستقرها داخلي «بل يخجل من يرتدون ملابسهم مني.» كانت تراقصني بكلماتها ... - هل تحبين المشي على سور السطح؟ [لم أنتظر إجابة وأضفت] اتركي ملابسك وتعالي بكأسك.
وخلعت ملابسي كلها وخرجت عاريا للسطح لم أنظر خلفي، لم تتأخر؛ عارية وكأسها بيسراها. قدماها تعرفان أحجار السطح. تسير ببطء، بهدوء، ويمناها تبحث عن يدي، أمسكتها وصعدنا على سور السطح، هي أمامي وأنا خلفها ممسك أنا بيدها وملاصق لها، مشينا قليلا، لم أقصد بعريها رؤيتها عارية، لم أكن أيضا أحاول إغواءها بعريي، لم أكن أهدف إلى شيء، ربما كنت أحاول منح جسدينا الفرصة للتعارف، تعارف البراري بنسمات الشمال.
كلاهما يمنح رائحته للآخر ومعها يمنح سره.
كانت خطوتها تتناغم مع السور الحجري، خشونته تلتهم نعومة قدميها، ونعومتهما تقتحم خلوته، كنت أشعر بخوفها، وكنت أشعر بإحساسها بالأمان التام! طلبت منها أن تحاول السقوط وتختار أي جهة تود السقوط، فاختارت ابن طولون، فجذبتها وقفزت بها للسطح مرة أخرى: «هيا لنرسم.» قلتها وأنا أجذبها من يدها للداخل مرة أخرى. - أنا لا أجيد الرسم، مجرد ... - [قاطعتها] لن نستخدم فرشاة.
وقفت أمام المنضدة وفتحت أنابيب الألوان والزيت الخام والنفط الرومي وبدأت في تخليط كميات من الألوان بسرعة، وألقيت عليها الألوان تنساب على جسدها وتبتلع من سمرتها، وقبل أن تفيق من المفاجأة جذبت ملاءة السرير وفرشتها على الأرض قائلا وتلك هي اللوحة، جذبتها للأرض وكلانا يغطي الآخر بالألوان، وبدأنا نتحرك، نترك بصماتنا بثقل أوزاننا على القماشة البيضاء، كانت تتحرك، لا، كانت تزحف، همست لها: «كنت أعرف أن خلف الدكتورة أمل كوبرا ملكية متمردة.» فهمست: «وكنت أعرف أن خلف الدكتور عبد الله إنسانا بدائيا متوحدا مع الطبيعة.»
أمسكت بها أحركها، أرفعها قليلا فتستجيب، لم تكن مستسلمة تماما ليدي التي ترسم بها؛ فطلبت منها الاستجابة، فهمست: «هل تخضع لجبروتي دقائق؟» كثيرة هي مفاجآتها. - أجبريني على الخضوع. - الخضوع الكامل، وتتسلم الصولجان وتصبح مملكتك. - أحاول المقاومة وأحاول الاستسلام. - قاوم فلا معنى لنصر بلا مقاومة، يشبه الوجبة المجانية، لا يقبلها الفرسان. - ليس لي خيار، سأحارب للنهاية، وأستمتع باستسلامك. - قلت لك تعجبني ثقتك بنفسك، تبدو أفاقا، كاذبا، مراوغا، جريئا لحد التطاول، لكنك تعجبني.
لم تكن تراوغ، كانت تعرف موطئ قدميها، طلبت منها المبيت، فاشترطت الوصول لمحطة القطار قبل الثامنة صباحا.
Неизвестная страница
لا أعرف كم الساعة الآن، لكني شعرت بالراحة، فلو كانت الثامنة إلا دقيقة فسأطير بها للإسكندرية لا لمحطة القطار. لم أمارس معها ألاعيب الشيطان المثقف. كانت هي وكنت أنا، أمسكت يدها وقمت لنخرج للهواء، أوقفتها أمامي واحتضنتها: ذقني يستريح على رأسها، ورأسها يسترخي على كتفي، وأمامنا ظلام القاهرة ومئذنة ابن طولون، وسلمها يحتضنها كما أحتضن أمل، تحدثنا عن الاحتواء، الاحتضان، التوحد، وختمت حديثي بهمسة بأذنها: «محتاج لك.» بادلتني الهمسة وكأنها تقتلعني من جذوري، ما أروع طريقتها! سألتها أن تأتي إلي بكل جبروتها، ووعدتها ألا أقاوم، فصرحت لي بنفس طريقتها: «سأمتص دمك، وأبقي قطرات قليلة تأتي بها للإسكندرية؛ لأعيد إحياءك وقت الشروق، وطقس البعث سيكون بالبحر، وسأشهد سيرابيس بعثك، كما أشهدت ابن طولون غرقي.»
جذبتها مرة أخرى للداخل هامسا أن تحكي لي عما تريد إخبار سيرابيس به ونحن نستحم بحمامي المتواضع، المكون من قاعدة وخرطوم وبالوعة لتصريف المياه، لم تعترض ووقفت أمامي، أحضرت طبقين ملأت أحدهما بالنفط الرومي والآخر بالماء والصابون وقطعتين من الإسفنج، وبدأت في تحميمها كالأطفال؛ أمسح الألوان بالنفط، بالكاد تلامس قطعة الإسفنج جسدها، ثم أزيل أثر النفط بالماء والصابون، ثم أزيل أثر الصابون بالماء، وأقبل كل ما أنتهي منه. قبل أن أصل لخصرها كانت يداها تستندان إلى كتفي، لم يتحرك جسدها، وكأنني أغسل تمثالا من الرخام، حتى شعرت بأظافرها تشق كتفي، ألسنة من اللهب، جحيمها يسيل دمي؛ لينساب كاسحا الألوان من جسدي، دماء حارة، وأظافر حادة، جذبت من يدي الخرطوم، وأزالت الدماء، وبقي وشم أظافرها، وكأنها تقول لقد مررت من هنا.
لا أعرف متى ارتدينا ملابسنا، أذكر ابتسامة سائق سيارة الأجرة في المرآة الداخلية، كان رأسها مستندا إلى صدري، وأحيطها بذراعي، وكلانا مبتسم، وزادت ابتسامتنا بابتسامته، كأنه يعرفنا، وحين أعطيته أجرته ابتسم، وأوصاني بالعناية بها، نظرت إليها ثم شكرته مبتسما.
مشينا لشباك التذاكر، طلبت تذكرتين، مدت يدها لتأخذ النقود من يدي، ومدتها للموظف بالشباك قائلة: «تذكرة واحدة.» انتظرتها حتى انتهت، وأخذت التذكرة، ووضعت باقي النقود بجيب قميصي، وأنا أراقبها، سألتها لماذا، أجابت أنها لا تريدني أن أركب القطار الخاطئ، إن أردتها فعلي أن ألحق بها ... رفعت حاجبي ونظرت لها ما بين الإعجاب والاستنكار، مدت سبابتها لتلامس شفتي كي لا أتكلم، وأضافت: القطار التالي يتحرك بعد ساعة، ساعة كافية لتعرف إلى أين تريد الذهاب.
شدت على يدي وأعطتني ظهرها وانصرفت، لم أصدقها، هززت رأسي كي أفيق، ابتعدت وأنا أتابعها، ابتسمت، كنت سعيدا بهذا الجنون. ساعة لأعرف إلى أين أريد الذهاب. بالطبع كنت تخطيت خط العودة. عدت لشباك التذاكر واشتريت تذكرة في قطار التاسعة، وأحضرت بعض القهوة ومشيت لرصيف القطار لأنتظر ساعتي هناك.
رائحة القهوة، دخان السجائر، أثر النبيذ، ووشم أظافرها، عام كامل، أنتظرها وتقضي ليلة معي، لم أرها عارية، بل كانت ترتدي سمرتها، لم يظهر منها الكثير، أي روح تلك التي تسكنها، أي روح تختفي خلف هذا الجسد الممشوق؛ كمال دون إسراف، واكتمال دون إفراط، تخطت الكفاية، ومنحها الله التمام، فإن نقص ما لديها نقصت، وإن زاد ما زادت، فما بعد التمام زيادة. باحت دون رجاء، وطلبت دون تردد، ومنحتني مهلة لأقرر، صدقت حين تحدثت عن الجبروت. لا أذكر أن امرأة من قبل تذكرت سيرابيس، وهي تذوب بين يدي رجلها، طقس البعث، العودة، اقتربت ساعتي من الانتهاء، لأعود إليها، عودتي الأولى. ركبت القطار، وجلست مبتسما، مأخوذا. صرير يعلن تحرك القطار، وآخر يعلن وصوله، وما بينهما، أنا وهي وسيرابيس الذي لا يعرفه أحد، قمت من مقعدي وتذكرت أنني لا أعرف عنوانا لها؛ ابتسمت.
دماء الآلهة
هدأ القطار قليلا، يلتقط أنفاسه حتى لا يدخل المحطة لاهثا، أعلن وصوله بصفير وصرير؛ فانفرجت ذراعا المحطة لتحتضنا البطل العائد، يتوقف تماما بين ذراعيها، وسكانها بأزيائهم الموحدة يتحركون في كل مكان، وزوارها بأزيائهم المتنوعة لا يجمعهم غير بطولة المكان.
نزلت من القطار، لا أحب الزحام، يستهلك طاقتي، لكنني لم أهبه اليوم. كنت أعرف أنها ستأتي، ستجدني وأجدها، فلا معنى لمجيئها إن لم نلتق. تحركت باتجاه البوابة؛ بوابة الخروج من محطة سيدي جابر، كنت أبتسم لآدم الأول، فالآن عرفت شعوره وقت أن انتظر خروج حواء؛ هل كان من الممكن أن تخرج منه ولا يلقاها؟
نظرت ناحية بوابة المحطة؛ محطة سيدي جابر، ثم أحنيت رأسي قليلا لأختار البقع الفارغة من الأحذية على الأرض، وأحتلها بخطوتي سريعا، محافظا على اتجاهي ناحية البوابة، وصلت للبوابة، بحثت سريعا عن أقرب مكان للجلوس، وتوجهت إليه بنفس الطريقة، اعترضني حذاء خفيف بالكاد يغطي أصابع القدمين وعروق نافرة في سمرة ظهرها، تظاهرت بالتحرك فتحركت معي، ابتسمت قبل أن أرفع عيني؛ فستان بسيط بلون الكتان الخام، بلا أكمام.
Неизвестная страница
كعادتها، وابتسامتها تتلقاني بود. •••
مدت يمناها لمصافحتي، لم أصافحها بل خطوت لجانبها، وأمسكتها يسراي، هامسا: «أنا الغريب في بلادكم.» ابتسمت. - ستأتي معي؟ - هل أملك بدائل؟ - لا أعتقد أن سيرابيس سيمنحك الكثير منها.
تحركت، وأنا مستسلم لها، وعقلي يدور ببراح بعيد أسائل نفسي عنها: هل ستحتويني بالفصحى؟ ستئن شعرا وتتأوه نثرا؟ هل ستعتليني كآلهة الإغريق، تحممني بالنبيذ من جرتها كأفروديت؟ هل أقسمت كهيستيا أن تظل عذراء للأبد؟ هل ستمنحني الفرصة لأفض بكارة العذراوات الثلاثة، هيستيا وأثينا وأرتيميس؟ لا، لا، هي أفروديت، وسأخرجها من صدفتها، وستراني هيفيستوس، ما أصعب الغرق في أستاذة تاريخ! •••
خطوة أخرى، ويدي بيدها، لا أعرف من يريح يده بيد الآخر، انتبهت هي حين توقفت مرة أخرى، التفتت لتواجهني متسائلة عن سبب توقفي، لم تجد في عيني إجابة، لم تدرك أن فكرة غريبة تنتابني، سألتها بوجه ثابت أن تأتي بسكين، سألتني: «هل ستقتلني بتلك السرعة؟» ابتسمت وهي تغادر يدي لركن وجبات جاهزة بجوار البوابة؛ لتعود وبيدها سكين، مددت يساري بيسراها وطلبت منها أن تحدث قطعا متقاطعا كالصليب بكفي، وأنا أنظر بعينيها، رجفة أخفتها بالقطع الأول، واستلذاذ للألم بالقطع العمودي، وأمسكت يدها اليسرى بأطراف أناملي وطلبت منها أن تنظر لي بينما أشق كفها اليسرى، كانت دمانا تنساب، فواجهت كفي بكفها ليتحول انسياب الدماء لسريان بعروقنا.
فصلبتها بكفي، واعتليت صليبا بكفها، فتطيب جرحانا بجرحينا، وامتزجت دمانا بكفينا.
فاكتفت منا الجراح وما اكتفينا.
أقلتنا سيارة أجرة. عمارة سكنية قديمة بالشاطبي، بين بورصة المال بالمنشية، وحلقات الذاكرين بمسجد المرسي أبو العباس، هكذا وصفت هي المكان، صعدت خلفها، والبحر من خلفي يهمهم سائلا من أكون، شعرت بغيرته، ونشوتي زادته غيرة، هي لي، والبحر يعرف، لا أعلم إن كان سيرابيس الغارق من خلفي قد لمحني، لكنني كنت على علم بحتمية المواجهة، قريبا.
بيت جدتها، يحمل مزيجا من الأطياف؛ جدتها يونانية وجدها من الصعيد، مكثت في حجرة جدتها بعد رحيلها لتلحق جدها بأقل من عام، طوفتني أطيافهما قليلا حتى قادتنا قدمانا للشرفة، خرجت هي تدلل البحر بعين حانية، تهمس لسيرابيس الغارق، تبتسم.
تراجعت للخلف خطوات قليلة ضيقة حتى التصقت بي عند باب الشرفة، أسقطت فستانها وأسقطت هي ما بقي من ملابسها دون النظر خلفها، فردت ذراعيها لجانبيها، صلبتها عارية على جسدي، وهمست بأذنها: «الآن يمكنك الصلاة، أخبري سيرابيس بما تريدين، فإن لم يسمعك فسأسمعك أنا.»
لم تنطق بل تمسحت بشعرها في صدري ورقبتي، لم أكن أرى من صلبها سوى كتفيها وذراعيها، مشدودة هي بعمر أشجار السنط، السيسبان السعيد، لكنها تخفي بجذعها أكروبوليس تحاول النفاذ من مسام عروقها، ربما شعرت بنيتي لتحدي سيرابيس للنهاية، ربما جاءتها رسالته بأن تتحرك الآن؛ فدارت حول محورها كأفعى دون أن تغادر جسدي، واجهتني زافرة الجحيم في صدري: «بل سأصلي اليوم هنا.» وبدأت في فك أزار قميصي.
Неизвестная страница
كانت تتلو صلواتها بهمهمات بأنفها وثغرها يلامس صدري، وكأنها تصدر أوامرها لجسدي بالاستسلام، ولعقلي بالتوقف، أفقت لحظيا وأنا أسير بيدها عاريا لغرفة جدتها، أسير حيرتي بين رغبتي في الخضوع، ورغبتها في إخضاعي.
كانت الغرفة تشبه المذبح المقدس، لا أدري كم من القرابين قدمت بتلك الغرفة، مددتني بالفراش ومددتها، اعتلتني واعتليتها، ضاق حلقي وحلقت روحي، أطلقتها هي لتحلق وروحها بسقف الغرفة نراقب جسدينا يتلاحمان؛ نيراني وماؤها، لا تحرق ناري ماءها، ولا يطفئ ماؤها ناري، بل صرنا ماء مقدسا مضيئا بالفراش، لم أشعر بحدود طيفي في طيفها، لم يعد الكون مناسبا لاحتواء كل تلك الفورة المقدسة، لا أدري كيف عادت روحي مرة أخرى لتسكن جسدي، غادرت الغرفة ونظري معلق بسقفها؛ فألمح بصمات روحي ضيا يخفت بهدوء وأنا أغادرها.
جلسنا على أريكة قديمة، جلسنا على الأرض، نستند إلى الحائط ونعقد أرجلنا أمامنا، تحدثنا، تحممنا، أحضرت بعض النبيذ وأعدت هي المشواة، كنت أظنها نباتية حتى رأيتها تلتهم اللحم كالجوارح، وتشرب معه النبيذ الأحمر، أراقبها دون تستر وتراقبني باقتحام، وكأننا اتفقنا أن نظهر أسوأ عاداتنا الشخصية، كنت أراقب عينيها كلما قبلتني، كانت تنظر خلسة للبحر، تثير غيرته، وتشكر سيرابيس ربما، كنت أختلس النظرات إليهما أيضا، في الحقيقة كنت أحاول معرفة سر ابتسامة سيرابيس لي، وكأنه يعلم جيدا جهلي التام بالفصل التالي.
العود الأول
لم أجد معاناة في الوصول لمحطة القطار مرة أخرى، وبروحي الكثير من مائها والبعض من ناري، لم أرجع كما ذهبت، هي أذابت ترابي في مائها، شكلت صلصالي، نحتت نقوشها بأظافرها، وأحرقت منحوتتي بناري، ونفخت في نيراني بهوائها، وهوانا، لم يحاورني القطار في عودتي، بل كان يتهادى بروحي، حتى حبات عرقها لم تغادر مسامي؛ فقد آثرت الاحتفاظ بما بقي من رائحتها بجسدي.
دخلت لورشتي، خلعت ملابسي والبعض من رائحتها بالباب، ومشيت حافيا بلا وجهة محددة، لا أعرف إن كنت أريد بعض القهوة أم بعض النبيذ، لم يكن هناك ضير من القهوة مضافا إليها بعض الفودكا الفنلندية.
ممتلئ بها ولم تثقلني، وحيد بها فلا يؤنس وحدتي بها الآن غير سيجارتي، وموسيقاي وعقل فارقه عقله؛ فبدأ يفكر بخطة تقاعده المبكرة، دخلتني كدخان سيجارتي، فلا أعرف ما خرج منها وما بقي بصدري .
لم أصل بعد للمعرفة، أحتاج للكثير من الكلمات لأفهم القليل منها، لا أعرف إن كانت مزيدا من الصدأ لمعدني، أم كانت حجرا يعيد صقل ما صدئ من روحي، كانت تجري بشراييني، هادر موجها، هل ستكون لي نهرا متجدد المياه؟ تفيض وتنحسر؟ أم ستكون بحرا تتقلب بي بين مد وجزر؟ في الحالتين هي ماء، قد تطفئ ناري، وعذبها قد ينبت روحي، وملحها قد يطهر أوردتي؛ فبكل الأحوال، هي تسري بأوعيتي.
كنت أظن أنني أعرفها جيدا، حتى زارتني؛ لتروي بذرة من الشغف وضعتها خلسة بعقلي؛ فأذهب خلفها لسيرابيس، أطالع مئذنة ابن طولون وأسأله إن كان يرضى بحكم سيرابيس، لم يجبني صراحة، نظرت لكف يدي شعرت بشق السكين مرة أخرى، شعرت بنفس سيلان دمي وسريان دمها.
لم نتفق على موعد لنلتقي مرة أخرى، هي تعرف بيتي وجامعتي وأنا أعرف بيتها وجامعتها، بالطبع لا أفكر في شراء هاتف لأتواصل معها، لا أعرف إن كانت تملك واحدا، أم هي مثلي بدائية! اعتدت ما عشقت في بدائيتي، لكنني الآن أتخبط في عدم الفهم لما يحدث لي، لا أعرف إن كنت قد اكتفيت، إن كنت سأتوقف عن البحث؟ إن كانت هي من كنت أبحث عنها فهي الآن مني وبي وأنا منها وبها، كم اشتقت لتلك اللحظة! والآن لم أعد أعرف أي شيء.
Неизвестная страница
توقعت أن أنام كالأطفال، لكن فشل توقعاتي لم يكن لسبب أكثر من أن الأطفال لا تشرب الفودكا لتنام. نوم متقطع، أحلام تشبه الصور المرتعشة، لم أجد أي خط يجمعها، حتى قمت في السادسة صباحا، وقررت العودة للإسكندرية مرة أخرى، سأذهب إليها ونتحدث، لا أعتقد أنها ستطلب الزواج، ولكن هناك فرصة أن ينتهي الأمر وقد انتقل أحدنا للعيش مع الآخر، وتنظيم جداول محاضراتنا بالجامعة لن يكون بالأمر العسير، أربعة أيام سويا وثلاثة أيام للجامعة، لم أكن بهذا الحماس من قبل.
لم أتأثر بالزحام؛ فقد كنت أفكر في تلك المرأة الخليط بين آلهة طيبة والأوليبمس، كيف أحال النيل رخام الأكروبوليس لتلك الخصوبة؟ هي لا تتحدث كثيرا، أعرف حالتها من درجة حرارة جسدها، عيناها نصف المشتعلتين، نصف المستسلمتين، لديها النصف من كل شيء، ولديها مذاق في كل نصف، لم نتحدث قط عن الأمس؛ أي أمس، لم نتحدث أيضا عن المستقبل؛ أي مستقبل، فقط أكون أنا وتكون هي، واللحظات بيننا تختفي ما إن تتم، وغير جرح كفينا، ليس لدينا من أول أمس سوى بعض الجروح بجسدي، وبعض أنسجتي خلف أظافرها.
بعد خروجي من المحطة كان صوتها يصدح بعقلي «الشاطبي»، هكذا قالتها هي لسائق الأجرة، وهكذا قلتها أنا أيضا وتدثر وجهي بابتسامتها، ترجلت من السيارة حيث ترجلنا، وصعدت السلم كما صعدنا، لم أكن وحدي؛ فما زال برفقتي بعض من رائحتها، وطيف يجتاحني ويحتوي أطرافي، كدرع يحميني من الموجات المتلاطمة برأسي، لم أجدها بالبيت، لم أصب بإحباط، لم يهدأ حماسي، نزلت مرة أخرى فكان البحر في مواجهتي، مبتسما، لم أشعر بود ابتسامته، ابتسمت له متمتما: «إلى متى ستغطي سيرابيس أيها البحر؟» بالطبع لم يجبني لكنه تعمد منحي بعض البلل بزفرة طويلة لأمواجه طالتني حيث جلست على مقعد حجري مواجها لبيتها، تمتمت ثانية: «هل يطعن سيرابيس من الخلف؟» وربما كانت الحقيقة أنني أحتاج تلك الزفرة في هذا النهار الحار، لم أكن أفهم كيف يراني سيرابيس بعد.
لم يكن الانتظار متعبا رغم طوله؛ فكنت أشعر أنني الأمير «باريس» في انتظار رؤية «هيلينا» لأبحر بها من إسبرطة، لم أثق قط في أفروديت، هي كعشتار، تملك تام، ثم تخل تام، أميل أكثر لأثينا، وربما هيرا أيضا، لكنني الآن في انتظارها، عاشقة سيرابيس الغارق، سعيد بهذا السيرابيس؛ فلا يوجد له ذكر إلا بهذا المعبد الغارق خلفي، ولا يعرفه أحد سوانا وبطليموس الأول، أعتقد أن بطليموس سيحفظ السر؛ فلن أشعر براحة، ونحن سويا، والبطالمة يتهامسون أنها معشوقة سيرابيس.
كنت أراقب سيارات الأجرة التي تقف أمام البيت؛ فمن إحداها ستخرج أمل؛ نسمة برية تنفلت من إعصار، انتظرت لما بعد انتصاف النهار ولم تأت، توقفت سيارة سوداء، فارهة، حديثة، لا تتناغم مع المبنى بأي حال من الأحوال، ونزلت منها سيدة، أمل؟ لا ليست هي، نعم هي، لم أفهم تلك الخدعة، لم ترتدي هذه الملابس الغريبة؟ قميصا بأكمام بلون بنفسجي، شالا على رقبتها، يبدو من الحرير البرتقالي، وتنورة سوداء، واسعة، وتصل لكعبيها، حذاء بكعب؟ لا أتحمل سخافة ما يحدث، لا أتحمل ما فعلته بشعرها، عبرت الشارع دون تردد، لألحق بها قبل أن تدخل المبنى: «أمل، ما هذا؟» قلتها بصوت خافت لكنه حاد ... التفتت مندهشة قائلة: «عفوا!» اتسعت حدقتاي رغما عني، لم تكن عيني أمل، ليست عينيها، ليست هي، تمتمت معتذرا، وهمهمت هي غاضبة، واختفت داخل المبنى، سمعت صوت محرك السيارة فالتفت وهي تختفي بجراج المبنى المجاور، لم أجد من أوجه له دهشتي سوى البحر.
عبرت الطريق مرة أخرى وجلست في مقعدي الحجري، في مواجهة البحر هذه المرة، ومفاجأتي خلفي، كان البحر يبدو ساخرا، باسما، وشعرت أن سيرابيس يرقص في أعماقه، وددت لو بوسايدون يزيده غرقا فوق غرقه، يكفي أنه كان مسخا؛ فلم يكن إغريقيا نقيا، ولم يكن مصريا نقيا، بل كان مجرد شذوذ بعض الآلهة بعقل بطليموس الأول، من هي؟ اللعنة على الأوليمبس وعلاقتها بهم، مرت برأسي كل ألاعيب آلهة الإغريق، حتى أفروديت اللعوب ذات الألف وجه، هي كوثيريا، وإروكينا، وكوبريس، وبافيا، وأورانيا، وبنديموس، وبيلاجيا، وأنادوميني، ولدت من زبد هذا البحر، المخلوط بأعضاء أورانوس المبتورة، لم لا تكون أمل مثلها؟ بألف وجه كأفروديت، لم أكن لأتصرف بعند أدونس، وأرفض أن أترك الصيد أمام جبروت جمالها، كنت سأتركه، كنت سأترك كل شيء لعينيها، لكنه كان أيضا محظوظا فعاش نصف حياته بصحبة أفروديت، والنصف الآخر بالعالم السفلي، مرة أخرى يتوقف عقلي عند فكرة الحياتين، حياة، وحياة، هي مستها لعنة الأساطير الإغريقية فصارت لها حياتان: حياة برفقتي، والأخرى برفقة سيرابيس؟ هل يقبل سيرابيس هذا الذوق الرديء؟ شالا من الحرير البرتقالي؟
كعادته لم يجب البحر تساؤلاتي، وكأن بوسايدون أمره أن يلتزم الصمت، كانت الأفكار تتزاحم برأسي وأنا أسير بمحاذاة البحر، انتقلت من صدمة المفاجأة لاستعذاب الفكرة في مسافة ليست بالطويلة؛ فعلى مشارف محطة الرمل كنت شبه مبتسم للفكرة؛ فبعد خوفي من عدم الاكتفاء بأمل أصبح هناك اثنتان منها؛ من السهل أن أراها أرتيميس إلهة الصيد وربة القمر، في الصباح ترتدي رداء الصيد القصير بدون أكمام، وفي الليل ترتدي رداء طويلا وخمارا على الرأس، كنت أتساءل عن مدى معرفة إلهة الصيد بربة القمر، هي لم تتعرف علي بشالها البرتقالي، فقط يجب الاطمئنان أنهما لا تشكلان خطرا عليه، عرفت ما يجب فعله.
كنت أشعر بجزء مني يتحول لمحلل نفسي، وينزوي جانبا بعيدا عن بدائية الفنان وهمجيته كما يراها، وجزء آخر يتحول لمسئول إداري يحدد الاحتياجات المطلوبة للخطة، ولم يختف مني الفنان؛ فكان له دور البطولة في إلياذتي الخاصة، عدت ثانية لبيت أمل، لم يكن الحصول على شقة مقابلة لشقتها بالمبنى المجاور بالأمر الصعب، كانت شقة عمودية على البحر لها شرفة كبيرة على البحر وكل نوافذها تطل على شقة أمل، طابق أعلى يتيح المراقبة، لم يكن بها هاتف، أثاثها فقير، لكنها تفي بالغرض تماما، استأجرتها لعام، نزلت مرة أخرى وتركت لمدير الاحتياجات تولي الأمور، بداية من مخزون الطعام والعصائر والنبيذ، حتى أوراق الرسم وأصابع الفحم والألوان وريشات الرسم، ثم تولى المحلل النفسي شراء مجموعة من الكتب والمراجع، ولم يحرم المخبر السري فرصته بالحصول على آلة تصوير حديثة وحامل وتليسكوب، وفي لا وقت يذكر حولت شقتي الجديدة لورشة لا تختلف محتوياتها كثيرا عن ورشتي في القاهرة.
كانت الرؤية واضحة من خلف عدسة التليسكوب، أراها الآن داخل بيتها، أمل كما أعرفها، أرتيميس إلهة الصيد، قميص بدون أكمام يرتفع عن الركبة بقليل، حافية القدمين، تتحرك بحرية بعد غياب الشمس، أعدت طعاما خفيفا؛ بعض الخضروات غير كاملة النضج وكأنها نباتية، ثم طهت قطعة من اللحم بمشواة مستوية بمطبخها وكأنها من الكواسر، وضعت طبقيها على طاولة بفراغ المعيشة، ثم توجهت لباب الشرفة المطلة على البحر، فتحتها، ورجعت خطوة للخلف، وقفت، وأسقطت قميصها، لم تكن ترتدي شيئا تحته، وقفت لحظات وكأنها تقوم بطقس خاص، ربما صلاة الطعام، تطلب بركة بوسايدون أو ربما معشوقها سيرابيس، كنت أتأملها في لحظات صلاتها الصامتة، لم يكن عريها مثيرا بقدر ما كان جميلا، أثارت بدائيتها يدي لتتحرك بأصابع الفحم بسرعة على الأوراق لترسم أمل عارية تواجه البحر، لا تختلف في وقفتها عن أفروديت، فقط أكثر سمرة، ذهبية هي. قبل أن أنتهي من تفاصيل ما أرسم انثنت ركبتاها لتلتقط قميصها، لتصنع تمثالا جديدا، وكأنها أندروميدا مقيدة بالصخرة قبل أن ينقذها بيرسيوس من الوحش، لم أتمكن إلا من رسم خطوطها الخارجية دون تفاصيل، أدارت بعض الموسيقى، لم أكن أسمع ما تسمعه لكنني كنت أشعر بها، جلست، تناولت طعامها باستمتاع، غسلت الأطباق، عادت فأغلقت الشرفة، وتحركت، بيدها كتاب، لغرفة جدتها، تمددت بالفراش، قرأت قرابة الساعة ثم وضعت الكتاب بجوارها، وابتسمت لسقف الغرفة وكأنها تلقي التحية على هوبنوس إله النوم ثم تغمض عينيها.
كنت أدون ما تفعله في دفتري بعدما قسمته لقسمين: أحدهما بعنوان «أرتيميس إلهة الصيد»، والآخر بعنوان «أرتيميس ربة القمر».
Неизвестная страница
الوشاح البرتقالي
ثلاثة أيام ولم تظهر أرتيميس ربة القمر، وامتلأت صفحات أرتيميس إلهة الصيد بالتفاصيل والرسومات، ثلاثة أيام كانت أمل تنتقل بين إلهات وأنصافهن وأشباه القديسات والبشر، تصحو من نومها مثل أفروديت، تخرج من المحارة وتزيح عن جسدها أعشاب البحر، تجلس على الأرض ساندة ذراعها على الأريكة مثل هيرا الجالسة عند قدم زوس، تثني ركبتيها مثل هوجيا تعالج العصفور، تستحم جالسة مثل أفروديت، تتحرك مع ألحانها مثل الثلاثي هوراي: يونوميا، وديكي، وإيريني، حول أبولو وهو يقود عربة الشمس. وحين تتحرك عارية فهي الثلاثي خاريتيس: يوفروسوني، وثاليا، وأجليا. لم يبق لدي سوى انتظار خروج بروتيوس من البحر ليتمدد ويستريح فأشد وثاقه عند نومه وأسأله: متى سأقابل أرتيميس ربة القمر؟
كنت أنظف البيت وأنام وقت ذهابها للجامعة، وألازمها بقية الوقت، حتى صورها المتكررة، وطقوسها الثابتة، أستمتع بها وكأنني أراها للمرة الأولى، لم يصبني الملل، بل كان الشوق ينهشني لأعرف أمل الأخرى، صاحبة الشال البرتقالي، أرتيميس ربة القمر، كادت تنتهي من طقوس الطعام وتنظيف الأطباق، لكنها اليوم لم تشغل الموسيقى وتسترخ، بل أحكمت إغلاق زجاج النوافذ، وتهادت حافية ناحية غرفة جدتها، ليس موعد نومها، لم تدخل غرفة جدتها، بل فتحت الغرفة المغلقة بجوارها، الغرفة التي لم أدخلها حين زرتها، قالت لي إنها مغلقة، أضاءتها، كانت الستائر خلف نافذتها تحجب الرؤية، لم تتأخر كثيرا فمع إظلام الغرفة، خرجت هي؛ أرتيميس ربة القمر، بملابسها الغريبة، خطت بكعبها الطويل بإيقاع خفيف نحو فراغ المعيشة، وضعت وشاحها البرتقالي على كتفيها، وخرجت من البيت، وقبل أن تصل لبوابة البناية كانت السيارة الفارهة تقف في انتظارها، ركبتها وانطلقت، وتذكرت أنني لا أملك سيارة للحاق بها، لكنني في اللحظات القصيرة التي أطلت فيها تمكنت من رسمها.
رحلت أمل الأخرى، أرتيميس إلهة القمر، وبقيت وحدي بصحبة دفتر الرسومات والملاحظات، ربما هذا وقت ديونيسوس وبعض النبيذ، وموسيقى ديبوسي الذي لا أحبه، كنت أحتاج دايدالوس ليصنع لي أجنحة من الريش كالتي هرب بها هو وإيكاروس ابنه لأحلق خلف أمل، لكن آلهة الإغريق لا يأتون أبدا حين تحتاجهم، حتى أنغام ديبوسي لا تأتي بهم، هل تعرف أمل ربة الصيد بأمل إلهة القمر؟ لم يظهر عليها أنها تعرفني بثوب إلهة القمر، أيهما تملك ذاكرة الأخرى؟ من أمل؟ ومن الأخرى؟
طال غيابها؛ فنزلت لعامل الجراج تبادلنا الحديث قليلا، وانتهى الحديث بصدمتين؛ الأولى: أن أمل من القاهرة وتأتي للإسكندرية لعملها في الجامعة منذ سنوات. والثانية: أنها الابنة الوحيدة للطبيب الراحل إسماعيل خطاب، وهو من عائلة رأسمالية عريقة، وهذا يفسر سيارتها الفارهة، كم تمنيت أن تكون أرتيميس إلهة الصيد هي الشخصية الحقيقية لأمل، لكن لم أدرك ما تمنيت؛ فالحقيقة واضحة أن الشخصية الحقيقة هي أرتيميس ربة القمر، وأن أمل التي أعرفها هي شخصية بديلة، ولا أعرف لو قبلت العلاج فحين تشفى عن أي شخصية ستتخلى هي؟ هي لا تعرفني بشخصيتها الحقيقية.
أمامي البحر، ومن خلفي المدينة، جلست، كانت نوكس تجري بخيول عربتها الأربعة من الشرق إلى الغرب، وتلقي ستائر ظلمتها خلفها؛ فاستكان لها البحر، واستكانت له، لم تكن تحبني أبدا، أعرف جيدا؛ فهي دوما تجعل هوبنس يمنع عني نومها، والآن بعد أن عشقت أمل، تجعل أخاها موروس يحيطني بأستار الحظ السيئ؛ فمن عشقت هي بديل لأخرى لا أعرفها، ابتسمت لظلمتها سائلا، أين أويزوس؟ فلم يبق لي سوى الحزن، لا أعتقد أنها تصدقني، أمل قالت إنها تعرف أنني محتال وكاذب، لكنني أعجبها، هي قالت؛ فلماذا تمطرني نوكس بلعنات أسرتها؟ أرسلي الآن كل ما لديك، أرسلي ثانتوس بموته، لا، لا، بل كير بموته العنيف وأحلامه المخيفة، لم يعد يثيرني استرضاؤك، لم أحب أفروديت، لم أثق بها أبدا، كان يمكنني اللجوء لهيرا، نعم هيرا، كم من مؤامرات نسجت وكم من خدع غزلت! حتى وإن كانت تخسر أمام أفروديت، لأن الأخيرة مجرد غانية، غانية جميلة، لكنها غانية، ولكنها جميلة، لا أريد أفروديت بل أمل.
لم يبك السحاب ثورتي، بل تنحى جانبا ليفسح للقمر البعض من السماء، كان يقترب من البحر ليوقظ بوسايدون؛ فتعدو عجول البحر وتجذب عربته بقوة؛ فيثور البحر ويصحو رجاله، ويخرج بروتيوس عكر المزاج للشاطئ، لم أصدق، لم تكن بوكس بتلك القسوة، لم أكن أنتبه إليها فقط، وحين تحدثت إليها، وبرغم ثورتي، استجابت لي، وأيقظت بروتيوس في الليل من أجلي، ابتسمت لها لكن هذه المرة كنت ممتنا شاكرا، وانتظرت أراقب بروتيوس حتى ينام لأشد وثاقه، وأعرف منه كل شيء.
لم يطل العجوز بروتيوس؛ فقد علا شخيره سريعا، متحسسا خطاي أقترب منه، لملمت بعض الأعشاب القوية من الشاطئ، وشكرت بوسايدون، واقتربت متمتما: سأشد وثاق هذا العجوز جيدا ولن أطلق سراحه حتى أحصل على كل الأجوبة، أريد فقط الأسئلة الصحيحة، حتى لو أضعت عمري في استجوابه؛ فليمت جوعا وتمت كل عجول البحر التي يرعاها لبوسايدون، حتى يقتله مرة أخرى. اقتربت أكثر من خلفه، وكدت ألف العشب حوله، لكنه تحول، إلى حجر كبير، أعرف أنه يتحول، قفزت لأتمكن منه؛ فتحول مرة أخرى لشجرة، ثم إلى كومة من القش، ثم قطرة ماء، وعاد من حيث أتى، نظرت للبحر وقد هدأ، والسحب عادت لتخفي القمر.
عدت للشقة، وكلما قلبت في دفتري رأيتها، أمل، تغادر الرسومات وتترك ظلا فارغا، مرات تغادر كلها، ومرات يغادر وجهها، كنت قلقا عليها، بحثت كثيرا بكتب أمراض الهيستريا، الكثير من العناوين، لم أتمكن من متابعة القراءة؛ فلجأت لوسائط أتمكن من فهمها أكثر من مصطلحات العلاج النفسي وتوصيف أمراضها، خرجت مرة أخرى وأضفت لقائمة المشتريات آلة العرض السينمائي ومجموعة من الأفلام عن حالات ازدواج الشخصية، برغم كرهي لتلك الأدوات فإنني حاولت جعل الأمر أكثر إنسانية، اخترت الحائط الأكبر، وأطفأت الأنوار وسلطت عليه الضوء وتأكدت من أن كل شيء يعمل بشكل جيد، واخترت فيلما يدعى «الأوجه الثلاثة لإييف»، حديث، إنتاج عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين، جلست وبجواري النبيذ ودفتر الملاحظات وبدأت العرض.
السيدة إييف وايت، لم تكن الريفية المدبرة المثابرة النشطة، ولم تكن أيضا الريفية البدينة كثيرة السباب والشكوى، بل كانت ريفية خافتة الوهج، شاحبة الجمال، كانت مصباحا زيتيا نفد زيته وبدأ فتيله في الاحتراق.
Неизвестная страница
متزوجة ولديها طفلة، زوجها خشن الطباع كما يبدو، ضيق الأفق، قروي كادح، يحبها لكنه لا يفهم أي شيء، هي لا تعرف شيئا مما يحدث لها ولا تفهم سر تلك الملابس الغالية التي وجدتها في بيتها، البائعة تقول إنها اشترتها، وهي لا تعرف شيئا عنها، وزوجها لا يصدقها، والسيدة إييف بلاك، ظهرت للطبيب ونعتت السيدة وايت بالمسكينة المثيرة للشفقة، وزوجها بالغبي، وادعت أنها غير متزوجة، وليس لديها أطفال، مشرقة ومحلقة، بلا روح، تحب السهر والرقص والشرب، تظهر أحيانا لتنقذ السيدة وايت من مشكلة، أو لتحظى ببعض المرح، تعرف كل شيء عن السيدة وايت، بينما لا تعرف السيدة وايت أي شيء عنها، لم تتمكن من التجاوب مع أحد طالبي المتعة بحانة ترتادها؛ فانهارت، بكت، وانزوت لتخرج لنا السيدة جين، هي الأكثر إنسانية، بلا خفوت وايت ولا جرأة بلاك، امرأة هي جين، وتدرك جيدا من أين أتت، هي من ساعدت كلا من وايت وبلاك على التلاشي، المهم في الأمر أن الطبيب رأى أن أوجه إييف الثلاثة لا تشكل خطرا على نفسها أو على المجتمع ويمكنها استكمال العلاج دون احتجاز، ورحلت السيدة وايت والسيدة بلاك وبقيت السيدة جين.
عدت لدفتري ورغما عني كنت أحاول ربط أمل بالسيدة إييف بلاك، هل أرتيميس إلهة الصيد هي السيدة بلاك إييف؟ لا، هي ليست بهذا الانطلاق، أو التحرر، هي الأقرب للسيدة جين، هي إنسانة طبيعية، ناجحة في عملها، محبوبة من تلامذتها، الغريب أن أرتيميس ربة القمر أيضا لا تشبه السيدة إييف وايت؛ فليست بهذا الخفوت، هي أيضا الأقرب للسيدة جين، على الأقل شكلا، لغتها الجسدية لم تكن منكسرة أو مترددة، يجب أن أعرف أرتيميس ربة القمر أكثر، ما الذي تملكه ولا تملكه أرتيميس إلهة الصيد؟ أو العكس، من منهم تلجأ للأخرى؟ أكرر نفس الأسئلة، وكل مرة أتمنى أن تكون إلهة الصيد هي الأساس وأحاول أن أقتنع أن ربة القمر سترحل، أو ربما ستكون السيدة جين هي الحل، هل ستراني جين كما تراني أمل؟ لا أعرف هل أهتم حقا بها لتلك الدرجة أم أنني أدافع في الأصل عن عشقي لها؟ لم يبق لي إلا الرحيل خلف أرتيميس ربة القمر.
زيارة سرية
قطار المساء يقطع جسد الإسكندرية، وينفلت بي منها، ما يظنه القطار ذهابا، أراه عودة، لم أكن عائدا للقاهرة بل لأرتيميس، ولكن تلك المرة أرتيميس ربة القمر، رجعت للمرسم، لم تتحرك مئذنة ابن طولون من مكانها، كما هي، ملوية سامراء بالقاهرة، هنا لم تعد أمل من الأوليمبس، بل كنت أراها تلك المئذنة العارية وذراعي تلتف حولها، ترتقي معها حتى تتلاشى ويتلاشى معها سلمها، حضورها هنا أقوى، لا حاجة بي للتودد لسيرابيس الغارق، أو مناجاة بوسايدون، هنا لا حضور للإغريق والبطالمة، رائحة الأحجار المبللة والمياه تطرد منها آثار البخور المستكينة لمئات السنين، وحين تمتزج الروائح وتتردد أصداء الألحان، لا يتردد منها الكثير، لا يرتد من تلك الأحجار إلا ما ترفض ابتلاعه، وهي تبتلع الكثير، شعرت برائحة غريبة بالمرسم، رائحة برية متناغمة مع خليط الروائح، رائحة الصيد، أمل كانت هنا!
أكد ظني العجوز «نصر»، السيدة التي زارتني آخر مرة أتت مرتين وقالت إن معها المفتاح وستنتظر، في كل مرة قرابة الساعتين، ماذا فعلت لساعتين؟ ديبوسي، استمعت لبعض موسيقاه، عبثت بالألوان، تحممت، لم يبق إلا أن تشرب بعض النبيذ، وتمشي عارية على أحجار السطح، وتترك كأسها على الأرض بجوار سور السطح، هل رقصت؟ هل تركت لي شيئا؟ هل أطلقت تعاويذ الإغريق بجدراني؟ كانت هنا، في انتظاري، افتقدتني، أو ربما أتت لتخبرني أين يجب أن أكون، هل لمحتني أراقبها؟ خرجت أتأمل المئذنة، تركت كل أفكاري بعتباتها، وعدت لأنام برفقة رائحتها؛ أمل. •••
كانت أشعة الشمس تدلك جسدي، لسعات متتالية تمسح ظهري لأستيقظ على ابتسامتها، وهي تجفف الأحجار وقدماي تحتجزان الأبخرة كلما خطوت، هيا؛ فلدي الكثير لأريك اليوم، هكذا قالت الشمس، ومن يملك تجاهل ندائها؟! خرجت وكان العجوز نصر يرش الماء أمام البيت، وكأنها لقنته سرا تلك الدعوات لي بالتوفيق، ابتسمت له، وشكرته، فزادني من الدعاء دعاء، لم يكن الوصول لوسط العاصمة يشبه معركة البقاء اليومي، بل كان يشبه انسياب الماء بواد رحب، هل يمكن للشمس أن تخفي الزحام؟ لا يمكن أن تكون تلك التظاهرات هي السبب، حاولت النظر إليها من نافذة سيارة الأجرة، لم تكن تصلح أن تكون لوحة، لا أصدق في تكوين لا يصنع لوحة، وصلت الجامعة، لم أمكث كثيرا، عرفت مكان بيت الطبيب الراحل إسماعيل خطاب وانصرفت.
بناية متوسطة بحي الدقي تطل على حديقة عامة، هنا تعيش أمل، ربة القمر، بعض الطعام والسجائر والعصائر والماء والجلوس في الحديقة أمام بيتها، كل شيء هادئ، لم يكن هناك سوى سيدة عجوز بالطابق الأرضي، تشاغب الحارس والمارة بابتسامة جميلة أو نظرة سخط، لم يتمكن نحت الزمن بوجهها من إخفاء جمالها، تبدو سيدة وحيدة، تقضي يومها بشرفتها بالقرب من الطريق، تأنس بالمارة وتؤنس طريقهم بتعليقاتها، راقبتها قليلا ثم انطلقت إليها، عرفت نفسي كصحفي وسألتها عن الدكتور إسماعيل، دعتني للدخول والجلوس معها بالشرفة، وبعد أن جلست طلبت مني أن أعد كوبين من الشاي. - إذن فأنت صحفي، وتسأل عن الدكتور إسماعيل. - نعم سيدتي أقوم ببحث عنه، له ابنة واحدة كما أعتقد. - نعم، أمل، هي من قتلته . - قتلته؟!
أومأت برأسها، وعيناها العسليتان تنظران في عيني كصقر ينقض على فريسته، وكأنها تريد معرفة وقع الكلمة علي، أمل قتلت أباها؟ ربما تكون تلك هي نقطة التحول، هنا تحولت لإلهة الصيد وتركت القمر؟ لم أصدق ما شعرت به، ولم أصدق أنها تقصد ما تقول. - لا تكذب يا بني على امرأة مثل أمك، أنت هنا من أجل أمل، هل تريد أن تتزوجها؟ - سيدتي لا، أقصد نعم، أنا هنا من أجلها، أقصد لم آت لأتزوجها.
ربتت على يدي بيد حانية، وتورد وجهها، وابتسمت قائلة: «حتى المجنونة لها من يحبها.» وضحكت ونكزتني لأشاركها ضحكتها فابتسمت، أخبرتها أنني أريد أن أعرف كل شيء عن أمل، وكأنها وجدت ضالتها وبدأت تحكي وبين الحين والآخر تطلب مني أن أغسل الكوبين وأعد المزيد من الشاي.
أتت كاميليا أم أمل كزهرة الربيع، وكانت تذبل كل يوم برفقة إسماعيل، كان طبيبا ناجحا، من أسرة ميسورة، كان يعامل الجميع بلطف ومودة، إلا أهل بيته، وكأنه يترك الدكتور إسماعيل بعتبة البيت ليتحول إلى شخص آخر، عكر المزاج، متسلط، متملك، لا يقبل مناقشة، لا يسمع لأحد، لا يعرف ما قد يرضي كاميليا أو أمل منذ طفولتها؛ فما يراه، هو ما يجب أن يرضيهم، وليكمل سيطرته الكاملة، اشترى البناية من مالكها، وظل يقدم الإغراءات للمستأجرين، حتى اشترى كل الشقق، إلا شقتي، لم يستطع طردي منها ولم أستطع شراءها منه، لم تختلف وحدة كاميليا عن وحدتي؛ فلم أتزوج يا بني، وكانت أمل هي ابنتي وابنة كاميليا، أول مرة أسمعها تبكي كان يضربها لأنه سمعها تقول: «ماما سناء.» لم أقل لك يا بني، اسمي هو سناء، الآنسة سناء مدرسة لغة إنجليزية، أنا من علمت أمل الإنجليزية؛ فأمها كانت تتحدث الفرنسية بطلاقة لكنها لم تكن تعرف من الإنجليزية شيئا، كانت كاميليا كأخت لي قبل أن تفقد عقلها، نعم، فقدت عقلها، كانت تتناسى، حتى أصبحت تنسى كل شيء، حتى ابنتها، ولم يتوقف إسماعيل عن إهانتها، أو انتقاد أفعالها ...
Неизвестная страница
مسكينة كاميليا، أعرف أن أمرها لا يعنيك كثيرا؛ فأنت هنا من أجل أمل، من أي عائلة أنت؟
أجبتها: «مسعود، اسمي عبد الله مسعود.» فسألت مرة أخرى: «أنت ابن حسين مسعود؟» قبل أن أجيب، تجمد الزمن لحظة، ثم انصهر جليد الكون فوق رأسي؛ فقد كانت أمل أمامي تلقي التحية على الآنسة سناء، وهمت أن تصيح بوجهي؛ فتداركت الموقف الآنسة سناء. - أهلا ابنتي، ألقي التحية على عبد الله، ابن ابن خالتي، الأستاذ حسين مسعود. - أهلا [قالتها بحدة].
أجبت مرتبكا: «أهلا آنسة أمل.»
وكأن الآنسة سناء تدير الأحداث كما تريد؛ فقد أتت أمل لتجلس معنا بالشرفة، وانفرج شيئا فشيئا وجهها عن ابتسامة جميلة، لم تكن بتلك الحدة التي تظهرها، وتبادلنا إعداد الشاي وغسيل الأكواب ونحن نتبادل الكثير من الأحاديث، سناء تدير كل شيء من جلستها، وأنا وأمل نستجيب لها بلا مقاومة، وسناء تترك لنا الشرفة لبعض الوقت؛ فتواعدنا أنا وأمل، واستأذنت لتصعد لأمها، بقيت مع سناء، لأعرف بقية قصتها.
كانت أمل ذكية وعنيدة، لم يعاملها إسماعيل كطفلة أبدا، بل كان يعاملها كند له، وأصر أن تدخل كلية الطب، لترث مشروعاته العلاجية العملاقة، لكنها أصرت أن تتزوج في أسبوع الكلية الأول، أتت بطالب بالسنة الرابعة لأبيها، وأجبرته على الموافقة وتزوجا في الطابق الثاني من بنايتنا، كان شرطها لتتعلم هو الزواج، وكان شرطه هو الإقامة تحت نظره، لكن الأمر لم يدم كثيرا؛ فبعد أقل من شهر بدأ زوجها الدكتور عمرو عبد الكريم، نعم لا يمكن أن أنسى اسم هذا الحقير، صفعها بعد أقل من شهر، وبدأ يتحدث كأبيها، نعم صفعها، لكنها لم تسكت؛ فصفعته، وتحول الأمر لمعركة، وأوسعها ضربا، جرت تستنجد بأبيها؛ فكال لها هو الآخر ودفعها لشقتها وكأنه يتركها لزوجها ليكمل ما بدأه من تعذيبها، لم يعرف أحد سبب المعركة، كانت ليلة لم تنته قط، أمل تصرخ من شقتها، وكاميليا تتأوه كقطة ذبيحة، وأنا هنا أضرب رأسي بالحائط بجوار أمي المريضة، حتى توقفت كل الأصوات، صعدت في السادسة من صباح اليوم التالي، كنت أظنه قتلها، لم تكن هناك، صعدت لأمها مسرعة، أين أمل ؟ لا أحد يعرف، اختفت أمل.
ثلاثة أشهر كاملة، لا أحد يعرف أين كانت، حتى هي لا تذكر، ثلاثة أشهر كاملة، كسرت إسماعيل وقضت عليه، ورحلت أمي، ولم يبق إلا أنا وكاميليا، وزوج أمل الحقير الذي رفض ترك المنزل طمعا في إرث إسماعيل. كاميليا نسيت كل شيء، لم تكن تردد غير اسمها، أمل، وعادت أمل امرأة أخرى، لم تعد تلك الطفلة العنيدة، بل عادت امرأة صلبة، أجبرت زوجها على تطليقها، لكنها دفعت له الكثير، وكلما سألنا أين كانت، أجابت بأنها لا تذكر، حتى عمرو لم تذكره حين عادت، ولم تصدق أنه زوجها حتى رأت قسيمة الزواج، وحين رأتها قالت له: «حسنا، أنا لا أذكر أنني تزوجت منك، لكن أعد بألا أنسى أنني سأتطلق الآن.» لم تكمل تعليمها المسكينة، وكانت تراعي أمها وتراعيني، وجدتها بالإسكندرية، وأعمال أبيها، حتى أعمامها تركت لهم الكثير مما لا يستحقون ليتركوها وأمها، أوصيك بها يا بني.
هي تستحق كل الخير؛ إن لم تكن تحبها فاتركها لحالها. •••
كانت الآنسة سناء تبكي، قبلت يدها ورأسها، حتى هدأت، ودعتها وانصرفت، وكنت أشعر بأمل تراقبني من نافذتها، لم ألتفت وانصرفت، كان رأسي يدور، هم يظنون بأنها لم تكمل تعليمها، لا أحد يعرف أنها أستاذة بالجامعة، أكثر من عشرين عاما، أين اختفت أمل لثلاثة أشهر؟
كانت سماء القاهرة ممتدة إلى ما لا نهاية، ونجم خافت يرسل ومضاته كأنه علامة نبض الكون، أو ربما يشير للانهاية، حيث تسقط كل الأسئلة أمام أجوبتها، كنت أود أن أخلع حذائي وأنا ألامس أرصفة وسط البلد المبللة، سكنت الريح وانتصف القمر، في انتظار طلتها ليكتمل، يقترب همسا بصحارى الوادي البعيد، عله يلقاها بين حبات الرمال الساخنة، أو حبات الندى الخجولة، يراقص النهر سرا علها تغافل الطمي، وتنفلت منه وتطفو كورد النيل، هو نصف القمر، وهي اكتماله، لم أمكث طويلا بوسط البلد وعدت لمرسمي لأجد نصفه الآخر في انتظاري.
لم أصدق عيني؛ فبعدما تركت ربة القمر وتركت هي معي كل تلك الأسئلة، أجد إلهة الصيد بمرسمي عارية ممددة تستمع لموسيقى معابد كيوتو اليابانية التي تنشر رائحة الغابات الاستوائية بالمرسم، لم تتحرك حين دخلت، ابتسمت وسألتني أين أخفيت النبيذ؟ يا إلهي! منذ قليل كنت أختلس النظر لعينيها، والآن هي تخترقني بعينيها وتنفذ لترى ما خلفي، ابتسمت لها، وأحضرت النبيذ من خزانة صغيرة بجوارها، خلعت ملابسي وأعددت كأسين، خرجت قائلة: «أحضر الزجاجة معك، وسأحمل السجائر.»
Неизвестная страница
تجاورنا بعرينا على الأحجار الرطبة؛ ظهري إلى أحجار السور مستند، ونصف ظهرها يقسم نصف صدري، نتحدث في اللاشيء، ويراقبنا نصف قمر.
هي تغار منها
لا أدري إن كان القمر قد شعر ببعض الحياء فتبدد شيئا فشيئا، أم أنه قد أنهى نوبته، وتركنا لمئذنة ابن طولون لتعلن بزوغ الفجر قبل الشروق، ميلاد جديد لنا، أنا وأمل، أمل الأخرى.
والأخرى أيضا، وأنا، كم من النبيذ شربنا أسفل السور الحجري؟ لنخلع عنا الطريق والمسافة.
وتبقى هي بسمرتها اللامعة قمرا وشمسا، نصف حياة، تحدثنا بطول الليل وعرض السماء، وتلاشت مع خيوط الشمس، تركتني بلا شبع ولا جوع، تركتني لأبحث عنها؛ فلا أجد سوى أمل الأخرى، قاتلة أبيها.
أفقت بلا أمل، تحممت وارتديت ما يكفيني وخرجت، كان موعدي مع أمل ربة القمر، لم أكن متأكدا من مجيئها فقد قضت الليل معي أمل إلهة الصيد، لم أنم إلا غفوة قليلة، لكنني وجدتها في انتظاري، مشرقة كطفلة بملابسها الغريبة، كانت عيناها تلمعان ووجهها صحوا، أين ذهبت آثار النبيذ والسهر؟ هل كانت نائمة بينما كانت الأخرى بصحبتي؟ لم أعد أفهم جيدا، أو لم أكن قادرا على مجاراتهما، كنا نتودد ببطء، سألتني لماذا ذهبت لبيت جدتها بالإسكندرية، هي تذكرني إذن، أجبتها بأن رؤيتها بالإسكندرية كانت صدفة دفعتني للبحث عنها بالقاهرة، توردت خجلا، لم تكن مصدقة، لكن يبدو أن كذبتي الصغيرة أعجبتها، وبعد الكثير من الأحاديث التقليدية عما نحب ونكره، سألتني أين أسكن، لم يكن بيدي سوى دعوتها لمرسمي، وأتت ربة القمر وتعجبت حين حياها العجوز نصر باسمها، لم أجد تفسيرا مناسبا لها فقلت، ربما سمعني أناديك.
بدا عليها التأفف من الفوضى، أدرت الموسيقى؛ فسألتني بلطف ألا يوجد لديك شيء لأم كلثوم؟ مفاجأة أخرى منها، بالطبع سأجد شيئا مناسبا، وكأنني أبدأ كل شيء من جديد، وكأنها لم تقض الليل على صدري، وكأنني لا أعرف رائحتها، لمحت زجاجات النبيذ فأبدت امتعاضا وطلبت ألا أشرب في وجودها، قائلة إنها لن تسمع مني هراء أنه مفيد للشرايين وللقلب، فيكفيها أنه حرام! لم يبق لدينا ما نشربه غير القهوة والشاي، لم تفهم شيئا من لوحاتي، لكنها نظرت طويلا للوحة أعلى السرير، ربما أعجبتها، أو ربما تذكرتها، خرجت للسطح خلف إعجابها بمئذنة ابن طولون، وقفت خلف السور الحجري وكأنها تذوب وترتقي بدرجاتها، أتيت خلفها لأحتضنها بعفوية، انتفضت وكادت تصرخ، اعتذرت، حاولت تهدئتها، كانت ترتعش، ربت على كتفيها واحتضنتها برفق، وهمست لها أن تتنفس بهدوء حتى هدأت، قبلت يدها واعتذرت مرة أخرى. - كم من النساء أتت لمرسمك؟ - لا أعرف، هل يهم؟ - لماذا أنا؟
لم تكن تقنعني تلك السذاجة، لكنني قررت المضي للنهاية، أحضرت لها طبقا من الفاكهة؛ تفاح، كمثرى، ونوعين من الأعناب، دعوتها لتناول البعض منها، فالتقطت تفاحة؛ فسألتها لماذا التفاحة؟ فأجابت بأنها تحب التفاح، شعرت بالحرج، وبعد قضمة صغيرة أكملت: لو لم يكن هناك تفاح لاخترت الكمثرى، لو لم أكن هنا لاخترت غيري. ابتسمت لها متسائلا: رغم حبي للتفاح؟ قد تحب التفاح لكنك قد تحتاج الكمثرى أو الأعناب. وتوالت قضماتها الصغيرة، تحتفظ بقضمتها بفمها، تمتص عصارتها ثم تبتلعها وهي تراقبني أقترب منها، وعيناها تنتقلان بين تفاحتها وشفتي، حتى اختلط علينا الأمر، والتهمت من طبقها ألوانا من الفاكهة، وكأن نضارتها لم تمس من قبل، كيف لربة القمر أن تكون بهذا الاختلاف عن إلهة الصيد؟ حرارتها، أناتها، عيناها نصف المغمضتين، كنت أبدأ الجملة وهي تختمها، أكتب وهي تضع التشكيل وعلامات الترقيم، الكثير من الجمل الخبرية، والقليل من الجمل الاستفهامية، وما بقي كان صلة الموصول، لا محل له من الإعراب.
غربت عني كما فارقت الشمس سماء القاهرة، كنت أتوقع مجيئها، أقصد هي الأخرى، أرتيميس إلهة الصيد، أستاذة تاريخ الفن، لا تأتي الأمور كما ننتظرها، ولا قريبة مما نتوقعها، فاللعنة على الانتظار، واللعنة على التوقع، أوصلني الشغف للحيرة، مزيد من العشوائية الذهنية، وعدم القدرة على المفاضلة، لم أعد أنام وهي أيضا، تنتقل بين الاثنتين وكأن تحولها يعطي الأخرى بعض ساعات الراحة لتستلم نوبتها حين تفرغ مني الأولى، لا أريد الاستغناء عن أي منهما ولا أستطيع المواصلة مع كلتيهما، اللعنة على الطمع، حتى الآن لا أعرف من تسيطر على الأخرى وتملك ذاكرتها، ولا يمكنني التكهن في حال شفائها أيهما ستبقى، ومن ستتلاشى.
وتمضي الساعات بلا أمل، ينقبض الليل بحثا عنها، حتى الشمس لم تعد تجد متعة في أن تطل وحدها، بلا أمل، والحمائم بساحة ابن طولون كانت تلتقط الحب وتنظر لمرسمي، لم أكن الوحيد الذي يفتقدها، لم أعد أعرف أيهما أفتقد، أو أيهما أشتاق، حاولت رسم أرتيميس إلهة الصيد وأرتيميس ربة القمر في رسمة واحدة بلا جدوى؛ فحين ترتدي رداء القمر ووشاحه وخماره، تتلاشى جعبتها وقوسها، وحين تمسكهما تظهر سيقانها من ردائها الجلدي القصير، وكأن زوس يريد قتلي بعذراء الأوليمبس، لم تعد عذراء كما أظن، وطئت اثنتين منها، لكن هل لديها أرواح أخرى؟ هل ستتنافس هيرا وأفروديت مرة أخرى وتتجسد كل واحدة منهما في صور أخرى لأرتيميس؟ نظرت لمئذنة ابن طولون أناجيها علها تلقي بقلبي الأجوبة.
Неизвестная страница
أيتها المنارة السامية التي رسمتها الريح، يا من تضاءلت من أجل السمو، بحق رفعتك، بحق ما تناقص من بدنك حتى التلاشي، بحق قمتك، نقطة السفر بين العوالم، بحق من أتاك عالم، ومن فارقك سالم، بحق من رزق عند قدميك الحمائم، أسري إلي بسرها، وأسقطي عنها خمارها، سامريني بصورها، وطهريني بذاتها، تحشرج الحلق وتبلل الوجه بماء العيون، ولم تجبني المئذنة. «فتاتك ليست هنا.» قالتها السيدة سناء وأنا أسألها عن أمل، أضافت بأنها بالإسكندرية، ربما السيدة سناء تعرف شيئا لا تريد إخباري به، وبدأت نوبات إعداد الشاي وغسيل الأكواب المتواصلة حتى أخبرتني بأن أمل تتلقى العلاج في إحدى مصحات أبيها بالإسكندرية، عشرون عاما بلا نتيجة، مسكينة تلك القطة، سقط الكثير من ذاكرتها، لكنها ليست كأمها، أمل لا تقلم أظافرها؛ فلا تثر حفيظتها يا بني، انتظرها هي ستأتي بعد أيام ثلاثة، وأضاعت السيدة سناء نهاري لأحصل منها على الكثير من اللاشيء.
حبات القهوة والقطار ورحلة أخرى خلف ظلها، لم يكن زجاج القطار متسخا؛ فلا يمكن أن يتسخ بهذا التكوين التجريدي، حتى الأتربة تجيد رسم العبارات، خيوط النور تتصل وتنقطع بدرجات من التباين، وقبل أن أفهم شفرتها أظلمت وكأن القطار دخل كهفا أسود بجبل من ظلام، ألقيت برأسي للخلف ولم أشعر بشيء حتى وصلت الإسكندرية، أفقت وبمؤخرة رأسي ألم شديد وبقايا حلم مزعج، غادرت محطة الوصول بعروق نافرة، لم أكن أعرف أمن الألم هي، أم من الإزعاج. المزيد من القهوة وسيارة أجرة ألقت بي أمام بيتها، لم أهتم بسيرابيس، ولم أعر زفرة بوسايدون وهي تغرق الطريق أي اهتمام.
فتحت لي الباب عارية واختفت بغرفة جدتها، لحظة وعادت وبيدها منشفة، طلبت مني التحمم؛ فرائحتي تنافس بول الخيل قذارة، لم أتحدث كثيرا، وقفت تحت الماء وجاءت لمساعدتي، كانت لمستها مختلفة، كانت إغوائية القصد، لم أشعر بعفويتها، لكنني كنت أحتاج الاستحمام، وربما المزيد من القهوة أيضا: «لا أعتقد أنك تحتاج لتلك الملابس الآن، سأغسلها حتى تشرب قهوتك، ونتركها تجف، لا تحتاج لأن أقول البيت بيتك.» قالتها وهي تجمع ملابسي وتطردني بلطف من الحمام، لا أعرف إن كانت تمنحني بعض الوقت لأرتب أفكاري، أم أنها تعبث بها.
جلست في فراغ المعيشة بالقرب من الشرفة، إضاءتها الخافتة ورائحتها البرية، موسيقاها العذبة، هي أمل التي أريد البقاء بقربها، هي لا تظهر مشاعرها بالكثير من الأسئلة أو القليل حتى من الغيرة، هي ليست كغيرها من النساء، الأخرى أيضا ليست كغيرها من النساء، الأمر أصبح صعبا، صرت أشعر بالقلق أن أناديها باسم الأخرى، لن تحدث كارثة؛ فأرتيميس إلهة الصيد هي أرتيميس ربة القمر، وكلتاهما أمل. - تأخرت عني، هل شغلتك المئذنة، أم امرأة أخرى؟ - أي امرأة أخرى؟ - التي جئت خلفها، أنا أعرف كل شيء. - أنا جئت خلفك أنت. - تعرف أنني معجبة بوقاحتك لكنني لا أحب المراوغة، هي متطلبة تحب التملك، لن تجد راحتك معها، ستطالبك بالزواج، خاصة بعد ما حدث بمرسمك. - أنت تعرفين كل شيء إذن، يا إلهي! لقد اختصرت الكثير من الوقت، أريد أن أفهم كل شيء، من هي، ومن أنت. - أنت لا تريد أن تعرف.
كدت أقاطعها؛ فوضعت بنانها على فمي، وانسابت بين ساقي كأفعى، لتجلس على الأرض مستندة إلى رجلي، وصمتت قليلا: «لم يكن يجب أن تعرف شيئا عنها.» كان صوتها مذبوحا.
قبلت ركبتي وأسندت رأسها إليها وبدأ الحديث الذي انتظرته.
مسكينة هي ومثيرة للشفقة، لم يكن ذنبها أن أباها يشبه أسكليبيوس، بلغ من علوم الطب ما بلغ، وكل ما كان يأمله صبي من صلبه يمنحه كل ما عرف، كان من الممكن أن تكون المسكينة هي نعمته، لكن صلفه وغروره جعلاها لعنته، وصار لعنتها، لم يعتد عليها أو يغتصبها، لم تكن تتعرض لإيذاء بدني، لكنه كان يقتل روحها كل يوم، كانت أضعف من حماية حلمها، كانت تريد أن تصبح مثلي، بسيطة، كانت تتمنى أن ترسم بيتا وشمسا ورجلا وامرأة وطفلة، كانت تريد أن تصبح مدرسة للرسم، لكنها لم تصبح أي شيء.
كانت طفلة فقط في المدرسة، ذكية، متفوقة، وكلما زاد إدراكها، ازدادت خفوتا، حتى أفلت كما الشمس، ولم تشرق مرة أخرى، كذلك أمها، كانت مثيرة للشفقة أكثر منها، لم تخفت بل فقدت عقلها، كانت تتناسى لتعيش، حتى نسيت كل شيء، ولم يبق لديها سوى أمل، لا أقصد الفتاة بل أقصد الاسم، حاولت إقناعه بالزواج من أخرى، أو تركها وابنتها، لكنه لم يكن ليتنازل عن وسيلة إفراغ ما يتعفن بداخله كل يوم، كان ملاكا مع الجميع، باع روحه لعمله فلم يبق شيء لبيته، لم يبق منه إلا قبحه.
لم أكن هناك وقتها لأنقذها، أو أحميها، لم أكن بجوارها، لم أكن أعلم، وحين أتيت لم تكن تستمع لي، حاولت التصدي له، أسكليبيوس، فأجبرته على الموافقة من الزواج بحقير آخر، لم أقو على الصمت وقتها، لم يكن من الممكن تركها، كان بيدي أن أحولها لشجرة لولا أمها، لا تظن أن ترفقي بها يعني تعاطفي، أو موافقتي على تعديها على ما أملك، لا؛ فقد فعلت الكثير من أجلها، قضيت عقدين من عمري بنصف حياة لأتركها لمراعاة أمها المسكينة.
حين صب أورانوس غضبه على نسله، وألقى بهم في تارتاروس، أججت جيا نيران غضبهم، وأشعلت ثورتهم حتى قطعوا جسده، ولكن انظر ماذا خلفت دماؤه وأوصاله، سقطت أوصاله وتزاوجت بزبد البحر حيث أتت أفروديت، الجمال، والخصوبة، والرغبة، أما الدماء فجعلت جيا تلد الإرينيوس إليكتو وتيسيفوني وميجايرا، ربات الانتقام، يعشن بالأسفل ولا يخرجن إلا بالليل، من أجل الانتقام، أما أنا فأخرج بالليل والنهار؛ فأينا تراه أفروديت؟ وأينا الإرينيوس؟ أم اختلط عليك الأمر؟
Неизвестная страница
هي والآخر
استرسلت أمل في الحديث، وكأن دماء عروقها من نبع أجانيبي، لا ينضب لها وحي، ولا تفارقها خاطرة، كانت تقص حكايتها، ورأسها ما زال مستندا إلى فخذي، وتتحرك بين الحين والآخر لتقص أجنحتي فلا أجد مفرا من أيكها، أربت على رأسها، وأفرد شعرها على ساقي، وأغزل خيوطها حولي كي لا أستطيع الفكاك، وكلما ضاق بي النسيج تسلل عقلي لأمل، الأخرى، ولم أتوقف عن غزل الخيوط، ولم أتمكن من العدول عن التسلل. - لم تجبني. - عفوا؟! - أينا تظن أفروديت؟ - ممم، كلتاكما أرتيميس؛ أنت إلهة الصيد، وهي ربة القمر.
قفزت وكأن قد مسها الجان، تغير صوتها، واختفت دموعها، تحولت، نعم تحولت، وامتلأ صدرها بالهواء لتصرخ في وجهي. - قمر؟ هي ربة القمر؟ هل فقدت عقلك؟ كيف تضعنا بمرتبة واحدة؟ أيضا هي ليست عذراء، هي تزوجت، أما أنا فلا.
أصابني الهلع من ثورتها، نظرت لها متعجبا، هدأت، تحول الوجه الثائر لوجه آخر، متصابية، بريئة، برية، وتساقطت أوراق ثورتها بخريف نظراتي، وعادت لتجلس بين رجلي، لم أرحب بها تلك المرة، ولم تعر جفائي أي انتباه، بل عادت لتكمل ما بدأته.
كما ذكرت لك، لم أتحمل هذا الكائن الذي تزوجته، وكأنها تزوجت الصورة المطابقة لوجه أبيها القبيح، تزوجت قسوة أسكيبيوس دون مهارته، تركت البيت، لم يعلم أحد أين ذهبت، كانت معي هنا عند جدتي، وقمت بكل شيء من أجلها، التحقت بكلية الفنون الجميلة، درست الفنون وتميزت في تاريخها، وأصبحت أستاذة تاريخ الفن، ولم تتمكن هي من التخلص مني حتى قابلتك، والآن لا أنوي الرحيل، فإن أرادت هي الرحيل فلها ما تريد، وإن أردت أنت أيضا فلك ما تريد، لكنها لن تعيش سوى نصف حياة، وأنت لن تحظى إلا بنصف امرأة.
لم أعرف كيف أرد، أو كيف أسأل، تركتها تتدفق، تجتاح أرضي وتبتلع أطرافي، تعلو ببطء، دافعتني أمواجها لغرفة جدتها، ورست بي بسريرها واعتلتني، تستنزف قوتي، تتأوه في وجهي، تئن، ولم تحرك عينيها من عيني، لم تكتف بمشاركتي المتعة، وبدأت مشاركتي الألم؛ فشقت بأظافرها رحلتها بصدري، حتى تهاوت يداي من حول خصرها، وأطبقت عيني، لم تتوقف، لم تهدأ، حتى انتهت سائلة هل من مزيد؟ فتحت عيني، نظرت لي بتوسل، تحول توسلها لنظرة ثابتة مستوية مسطحة، وكأن الريح توقفت فعجزت أمواجها عن الحركة، قامت دون ثورة، وبابتسامة رسمتها الريح بكثبانها. - حسنا يبدو أنك تريدها أو ربما تريد معرفة الفرق. - أنا. - اخرس، لا تقلق، أنا أتفهم جيدا، هي بالغرفة المجاورة سأحضرها لك.
خرجت من الغرفة ثم عادت كمن تذكر شيئا: «حين تنتهي منها أخبرها أن تذهب إلى الحجرة، لا تنس، قل لها اذهبي إلى حجرتك.» وابتسمت ثانية، ثم مضت، أمسكت رأسي بيدي أحاول سحقه كاتما صيحة غيظ، ماذا فعلت بنفسي؟ يجب أن نذهب لمعالج نفسي، لن أصمد كثيرا أمام امرأة تغار من نفسها، ستصيبني بالجنون بلا شك.
عادت مرة أخرى، لا، عادت الأخرى بملابسها الغريبة لترمقني بدهشة صائحة: كيف جئت إلى هنا؟ كيف دخلت البيت؟ ولماذا أنت عار هكذا؟
قمت مسرعا واقتربت منها وهي تحاول النظر بعيدا من خجلها، قلت لها لقد كنا سويا، لم أتوقع ردها، لم يخطر ببالي أن تصفعني بتلك القوة، وخرجت مسرعة لفراغ المعيشة، ذهبت للحمام سريعا، وارتديت بعض ملابسي المغسولة، كما هي ببللها وخرجت خلفها. - كيف تظنين أني دخلت هنا؟ - لا أعرف، لا أعرف.
كانت بقرب الشرفة وأقف على مسافة منها، مستندا إلى لحائط المجاور لباب الشرفة، كنت أنظر إليها، كانت تصرخ وتهذي بعبارات ما بين السب والاتهامات، ليس لي فقط، بل لنوع الذكور من ذكر البعوضة لذكر الفيل، لم أكن أسمعها، كنت أنظر لعينيها، هل تدعي كل ما يحدث؟ هل يجب أن أصدقها، لا يمكن أن تدعي كل تلك الانفعالات، أنا أصدقها.
Неизвестная страница
اقتربت منها واحتضنتها رغم مقاومتها، اعتصرتها حتى سكنت، وهدأت قليلا، ثم جذبتها لتجلس وجلست جوارها، ابتسمت لها بحب. - سناء قالت لك إنني مجنونة، أليس كذلك؟ - لا، هي قالت إنك تذهبين لمركز من مراكز التأهيل المملوكة لكم بالإسكندرية، ولم أسألها لماذا تأهيل، آثرت أن أعرف منك. - ماذا تريد أن تعرف، إن كنت أنا لا أعرف.
لم تكن تراوغني، بل كانت ضحية مراوغة عقلية لا تفهمها، حاولت مساعدتها لتتذكر أباها وزوجها وما حدث لدراستها بكلية الطب، انتقلت من المساعدة للضغط، من الضغط للمحايلة، لم أصل لشيء، أخبرتها أنني جئت هنا لها، وكنت برفقتها، لم تتذكر أي شيء، سألتها لم تأتي للإسكندرية، لم تعرف! قالت بأنها يجب أن تأتي؛ فهذا ما تفعله لعشرين عاما مضت وعليها أن تفعله؛ فهي حين تمرض، أو يتعذر عليها المجيء تتحول حياتها لجحيم، تصيبها نوبات الصداع، والإغماء. - الجميع يظن بأنني أدعي، يقولون بأني مجنونة مثل أمي، هي لا تتذكر أي شيء، أظن الأمر بدأ معها تدريجيا، مثلما بدأ معي، إخوة أبي، المفترض أنهم أعمامي، يأخذون شهريا مقابل عدم محاولتهم إثبات أنني مختلة، والحجر علي، أنا وأمي، ما زلت لا أفهم كيف دخلت إلى هنا، أو كيف وجدتك عاريا بغرفة جدتي؟ أنت تقول بأنك كنت برفقتي، هل تعاملني أنت أيضا كمجنونة؟ - لا، أمل، أنا أعرف أنك لست مجنونة. - هل تظن بأن الشيطان يسكنني؟ - أمل، لا. - تعرف؟ - ماذا؟ - لم أستشعر الغربة معك، كأنني أعرفك من قبل، وأنت أيضا لم تكن تعاملني كغريبة قابلتها مرات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، أشعر أنك تعرف ما لا أعرفه، أرجوك أن تخبرني بكل ما تعرف، أرجوك.
بدأت تتوسل، وتقبل يدي باكية، وهي تردد أنها لا تريد أن تصير كأمها، تخبرني أنها تريد مساعدتي لها؛ فرفعت رأسها، ونظرت لعينيها الباكيتين، أتساءل، هل أخبرها؟ هل ستتقبل فكرة أرتيميس إله الصيد، وربة القمر؟ هل يمكنني شفاؤها، وإنهاء محنتها؟ - أمل، لا أعرف إن كان يجب إخبارك بما أعرف، لا أعرف إن كان هذا سيفيدك، ربما علينا مقابلة معالج. - أرجوك أن تخبرني أولا بكل شيء. - حسنا، أريد كلمتك في أمر المعالج. - لك هي، فقط أخبرني. - هل تعرفين أرتيميس؟ - ماذا؟ هل ستبدأ دروس الفلسفة الآن؟ رجوتك أن تخبرني، توسلت إليك، وأنت تريد التحدث عن آلهة الإغريق؟ هل تستخف بي لتلك الدرجة؟ - أرجوك اهدئي، أرتيميس هي من ستخبرك بكل شيء، هي من عذراوات الأوليمبس، إلهة الصيد وربة القمر، تظهر بملابس الصيد القصيرة ومعها جعبة الأسهم وقوسها، وتظهر أيضا برداء فضفاض طويل وتغطي رأسها بخمار، هي في الحقيقة أرتيميس أخت أبولو، لكنها شخصيتان، ولكل شخصية صفاتها وقدراتها. - لكنني لست عذراء، على الأقل منذ عرفتك، أم نسيت؟ - ليست المشكلة في عذريتها، أو عذريتك صغيرتي، المشكلة أنك تشبيهنها في شيء آخر. - ماذا تقصد؟ [قالتها بقلق يقارب الفزع]. - نعم طفلتي، أنت تملكين شخصية أخرى، أرتيميس إلهة الصيد، الدكتورة أمل خطاب أستاذة تاريخ الفن بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، التي قابلتها منذ فترة وكانت معي هنا بغرفة جدتك قبل أن تأتيني ثائرة.
قاطعتني، ثارت، أخذت تصرخ، هدأت، جلست على الأرض، تبكي على ركبتي، أخبرتها بضرورة الذهاب لمعالج نفسي، سأذهب معها، وعدتها ألا أتركها، ظننتها بدأت تفهم، لم تتحدث، بكاء تحول لهمهمة، ثم صمت ينظر في ساعته، بدا قلقا من تأخر العاصفة.
لم تتأخر كثيرا عاصفتها، هبت واقفة تصرخ بأنها ليست مجنونة وبأنني مثل الجميع، أخذت تكرر أنها ليست مجنونة، حاولت إفهامها أنها تحتاج للمساعدة، زادت ثورتها، وبدأت تضرب رأسها بالحائط، لم يبق لدي إلا أن أصرخ بها أن تذهب إلى الحجرة، وكأنني أطلقت تعويذة سحرية، أخمدت ثورتها، وتحركت بصمت، بهدوء، ببطء، في اتجاه الغرفة المجاورة لغرفة جدتها.
كنت أفكر في مغادرة البيت والرحيل عن كل تلك الفوضى، لكنني أعطيتها وعدا، لكنني أيضا لم أحفظ الكثير من الوعود من قبل، لماذا أحاول مساعدتها؟ ربما لأنها تحتاج مساعدتي؟ ربما تعاطفت مع مأساتها؟ لا، لا أريد أن أصدق الفكرة، عشقتها، عشقت نصفيها، نعم، عشقت اثنتين، في واحدة، تمنيت الابتسام لهذا العبث، قمت أبحث عن أي شيء أشربه؛ فوجدتها خارجة من الغرفة عارية، نظرت لي متسائلة: لماذا ارتديت ملابسك مبتلة؟
أصابني الشلل لحظة أو ربما لحظات، كيف يمكنها التحول بتلك السرعة؟ عادت أرتيميس في تلك اللحظة إلهة الصيد بقوسها وجعبتها، تعتزم الصيد الأخير، تريدني وحدي لها، وتغار من اهتمامي بها، أقصد هي الأخرى، مشت للشرفة، قدمت صلواتها الصامتة لسيرابيس الغارق، ثم عادت مرة أخرى، سألتها عن شيء نشربه، ولا تنتهي مفاجآتها، نبيذ فرنسي فاخر معتق، مرة أخرى أفروديت وهيرا وسؤال باريس من الأكثر جمالا، وأفروديت لا تنوي الخسارة، لم تكن تلك هي أسلحتها الوحيدة، ولم تكن صلواتها لسيرابيس وحده، فقد بدأت أشعر بقوى بوسايدون، كانت تحيطني كالبحر يقتلع قطعة من الأرض ويفصلها، صرت جزيرة في بحرها، جزيرة لا ترى القمر، أنستني أرتيميس الأخرى، أنستني كل شيء.
انتهى اليوم بطردي من البيت، بعد منتصف الليل خرجت بملابسي المبللة وذهبت لشقتي بالمبنى المجاور لمبناها، ارتديت ملابس جافة، وعدت لمراقبتها، لم تكن ليلتها انتهت بعد؛ فقد ظلت تدخل الغرفة المغلقة وتخرج الأخرى منها مرات عديدة وكأن معركة بينهما تدور، ظللت أراقبها تتبدل، وتتحول من إحداهما للأخرى، حتى غافلني سلطان النوم حيث أجلس ولم أعرف كيف انتهت المعركة.
قمر يحاول الهروب
أفقت والساعة قاربت السادسة، شقة أمل هادئة، ليست بغرفة جدتها، ربما بالغرفة المغلقة، لم تطل انتظاري، أو تثر قلقي، فقبل أن أنتهي من إعداد بعض القهوة كانت قد خرجت من الغرفة المغلقة، أرتيميس ربة القمر، خرجت مسرعة كعادتها، تأكدت من إغلاق النوافذ، نوافذ الشقة، نوافذها، وقفت قليلا ربما أغلقت نوافذ حلمها أو خوفها، حتى القمر كان يحاول التسلل من ليلها، أمسكت به في السماء بعد الفجر بقليل، مكتملا ، لكنه هارب، هارب لكنه باه، يغوي إيوس ربة الفجر لمساعدته، أو التوسط لدى سيليني شبيهة أرتيميس، يبحث عن هيكاتي الربة الغامضة ذات الثلاثة رءوس المشرفة على أعمال السحر والكهانة وتحمي الساحرات، فهي لا تشرق إلا باكتماله وقبل شروق الشمس، ما الذي يجعل القمر يرحل من ليل أرتيميس ويغادر سماءها؟
Неизвестная страница
نزلت الدرج بخطوتها المنتظمة فنزلت متواريا بمدخل مبناي، خرجت سيارتها الفارهة لكن يبدو أنها غيرت رأيها؛ فأمرتها بالانصراف، وقفزت بسيارة أجرة، وقفزت في السيارة التالية لها، لم يكن من الصعب استنتاج أنها في الطريق للجامعة، هي قررت البحث عن أمل الأخرى، وأنا من خلفها، أتشوق لقرارها بالعلاج، اقتربنا من الجامعة تحت سماء ملبدة بالغيوم أحالت ذهبية الشمس لإضاءة بيضاء مائلة للزرقة، حتى الشمس ترفقت كثيرا برحلتها فانزوت خلف الغيوم.
من بوابة الدخول والجميع يحييها، مرحبا دكتورة أمل، أهلا دكتورة أمل، تحية مع ابتسامة، وتطلع باندهاش صريح، أو متوار، لملابسها، بدأت صلابتها في الشحوب، وخطوتها العسكرية في التعثر، بدأت عيناها في الشرود بين خيوط الظل، وبقع النور، ولم تخرج أمل الأخرى لنجدتها، تركتها، تركت أرتيميس ربة القمر فريسة لضوء الشمس المتسلل من بين الغيمات، حتى سقطت مغشيا عليها.
تعرف إلي بعض الطلبة وأنا أحملها صائحا أن يأتوا بسيارة أجرة، سمعت الهمهمات من خلفي، إنه دكتور عبد الله، وكانت تلك الهمهمات هي جواز مروري من بوابة الجامعة حاملا جسدها الرقيق، عائدا مرة أخرى لبيتها، فتحت بمفتاحها ومددتها بسرير جدتها، أميرة شاحبة، تنتظر رسالة ضوئية من القمر، تبعثها من جديد، ولا أعرف في أي صورة ستفيق أرتيميس؟
صرت أراقبها وأتجول بالشقة، أخرج للشرفة، أحدث بوسايدون، أفكر فيما سأقول لها حين تفيق، هي الآن عرفت الحقيقة، أنني لم أخادعها، كنت أعرف أن القادم ليس الأفضل على الإطلاق، لكن علينا تحمل برد الليل، لننعم بدفء الشمس؛ فالشمس تشرق وقت شروقها وليس وقت اشتهائها، ربما مورفيوس الآن يهمس لها ببعض الأحلام الجميلة علها تساعدها على الراحة، أي راحة تلك؟ وقد أدركت أنها لم تكن وحدها طوال تلك السنوات.
أطالت انتظاري بجوارها، حتى تلقت رسالتها الضوئية، وأفاقت، لم أعرف أيهما التي أفاقت، شاحبة، ذابلة، نظرت إلي كسحابة مثقلة بالماء، وما إن تلاقت الأعين حتى أفرغت شحنتها، دون برق يضيء، دون رعد يدوي، كانت تبكي صامتة، متوسلة، أربت على يدها، أمسح دمعها المالح، بقبلات حانية، حاولت الاعتدال قليلا ساعدتها لتسند ظهرها، سحبت يدها من يدي، شبكت أصابعها، أحنت رأسها في خشوع المصلين، لم أقطع صلواتها وبقيت بمحرابها صامتا حتى جاءت ثورتها برعد يدوي، وبرق يضيء، وبلا أمطار تذكر.
تدفعني عنها كلما حاولت الاقتراب منها، تصرخ بصوت بلا كلمات، تهدأ قليلا لتبكي، ثم تعاود الصراخ، تبكي بين ذراعي، ثم تدفعني عنها لتصرخ، تعاود وتعاود الهدوء والثورة، ثم انزلقت في السرير مرة أخرى، لتعاود النوم، أميرة شاحبة، لم أنتظر إفاقتها التالية بهدوئي السابق، فقد شعرت أنها تمر بصدمة عصبية، وربما تحتاج لبعض المهدئات، لم أصل للتصرف الأمثل، حتى أفاقت مرة أخرى بابتسامة شاحبة، وعين ثابتة، قائلة بصوت يشبه الفحيح: «أريد أن أعرف كل شيء عنها.» - هي ... من؟ - الدكتورة أمل خطاب ... [أكملت بصوت أكثر حشرجة] أستاذة تاريخ الفن.
عشيقتك. - هي ... أنت. - لا، لا تجمل الأشياء، هي مني وليست أنا، أرجوك لا تختر ألفاظك وحدثني بما في عقلك كما هو. - هي أرتيميس إلهة الصيد، وأنت أرتيميس ربة القمر، كلتاكما أرتيميس.
وبدأت أقص عليها روايتي منذ قابلتها، قلت كل شيء حدث، حتى مراقبتي لها، واكتشافي شخصيتها الأصلية، أو الشخصية الأخرى بالنسبة لي، رويت لها كيف هي أمل الأخرى، لم تكن مقاتلة كشخصية حامية لها، كيف هي ناعمة وحقيقية، هادئة وواثقة، جريئة، حية، كنت أتحدث وهي تبكي بلا صوت، كنت أحاول إذابة الجليد بينهما، أحاول أن أريها كيف أراها، وهي تبكي سنوات لم تعشها، تبكي نوبات إغمائها التي لم تعرف سببها، تحاول أن تشعر بما أقول، تحاول أن تدرك أقل القليل من كثير فاتها، كنت أحكي وهي تشتاق للقائها، هي الأخرى، التي أعشقها، كما أعشقها. - أريد مقابلتها. - من؟ - الأخرى، أريد مقابلتها، متى تأتي؟ - كيف؟ هي لا تأتي وأنت موجودة، لا أعرف كيف تقابلينها. - كيف تقابلها أنت؟ - لا أعرف هي فقط تأتي، أعرف كيف تذهبين أنت، بعدها هي تأتي. - وكيف أذهب؟ - أطلب منك الذهاب للغرفة. - ماذا؟! هل هذا كل شيء؟! تطلب مني الذهاب للغرفة؟! - نعم، أقول: «اذهبي إلى الغرفة.»
قبل أن يختفي ذهولها كانت أغمضت واستسلمت لهاتف النوم، لم أتوقع أن أحدا يمكنه الاستغراق في النوم بتلك السرعة، هي الكلمة السحرية «اذهبي إلى الغرفة»، لا أعرف إن كانت الأخرى ستأتي أم لا، أشتاق إليها؛ فهي تجيد الرقص على أوتاري المشدودة بين قلبي وعقلي، قد تفكر معي في مخرج من هذا المأزق، لم أكن مستمتعا بتلك الحالة الثنائية، أكن للاثنتين مشاعر قد يشوبها الصدق، وقد يصيبها الإطلاق، لكنني لن أتمكن من مجاراة امرأتين لا يفصلهما غير درجة بريق العينين، الشيء الوحيد المريح في الأمر أنني لن أخطئ في اسمها، كلتاهما أمل، أرتيميس، رغم كل القلق، ابتسمت.
لم تغب في نومها، أفاقت بعين مشرقة وابتسامة ساحرة، لم تكن هي، بل الأخرى، أرتيميس إلهة الصيد، لم تقم من الفراش، بل انسابت كعذب الماء، نظرت لملابسها بخجل لم أعتده منها، همست بخجل لا يقل عن نظرتها: «اسمح لي أن أخلع تلك الملابس، لا أطيق ذوقها.» لم تنتظر ردا مني، بل انبثقت عن ملابسها بنعومة انسيابها من الفراش، أو يزيد، عادت للفراش بجسدها الناعم المشدود، كأن شيئا لم يكن، كنت صامتا لا أحرك ما سكن مني، ولا أرفع عنها ناظري، نظرت لي نظرات متنوعة، إغواء، استعطاف ...
Неизвестная страница
استمالة ... وأخيرا ثقة، ثم تكلمت.
قالت بأنها من فعلت كل شيء، حققت كل أحلامها حين عجزت هي عن مواجهة والدها، ولن تقبل أن تتنازل عن حياتها الآن من أجلها، المثيرة للشفقة كما تصفها، قالت أيضا إنها تعرف عني الكثير، لم أفهم ما تقصده ولم تجبني حين سألتها، حاولت أن أثنيها، قلت بأنها هي، وهما نفسها، كانت تبتسم، تعبس، ثم تصر أنها لن تترك لها مساحة أخرى لتهدم ما بنته طوال تلك السنوات، سألتها عن مصير أمها، أجابت سأرعاها، هي لن تدرك الفرق، لا أحد يعرف حقيقتنا إلا أنت. - أنا؟ - نعم، كما أعرف أنا أيضا عنك الكثير، ولن أضع نفسي في مقارنة رخيصة بها، إذا رغبتها فعليك انتظارها بعيدا عني. - أريدكما معا، بردا ونارا، إلهة الصيد وربة القمر، أنا لدي حل. - أي حل؟ هل تظن أننا يمكننا التعايش أكثر من هذا؟ هل تدرك كم أشعر بالغثيان كلما خرجت لأخلع ملابسها وأزيل آثار عطورها الفجة من جسدي؟ - أنا أملك الحل. - هل يمكنها الذهاب للجامعة ومحاضرة الطلاب هناك؟ هي ذهبت اليوم، تركتها تذهب لتعرف من أكون.
كان جسدها يرتجف، احتضنتها، قبلت جبينها، كفيها، وهمست لها بأنني أعرف الحل وأحتاج مساعدتها، لتبقى هي، والأخرى، لنحيا جميعا في سلام، لكن لن أنجح بدون مساعدتها، هدأت قليلا، يجب أن نقابل طبيبا، أنا وهي والأخرى، لا أظنها سمعتني، فقد هدأت أنفاسها، وانتظمت عند رقبتي، نامت، وصدري وسادتها، هدأت أنا أيضا، أرحتها بفراشها، وأرحت الغطاء حتى رقبتها، وخرجت لبهو الشقة.
كان البهو يمتد بي فيقطع الشرفة ويطويها، يمتد حتى لامس أنامل البحر، كان يحملني لسيرابيس الغارق، لم أصدقه يوما، لكنني الآن أسأل وأنتظر إجابته، هل نجح التزاوج بين البطالمة وآلهة مصر القديمة؟ أم جفت إحداهما بدماء الأخرى؟ هل ستعود أرتيميس أختا فقط لأبولو؟ تترك القمر وتلقي بقوسها وسهامها وتعود لي، أمل خطاب، أستاذة تاريخ الفن، تصلي للبحر ساجدة على صدري، مغيرة بجوانحي، معربدة بجنباتي، هل تأتي مرة أخرى لتفرغ خمرها بثغري، وتترك كأسها فارغة بجوار فراشي؟ عاد البهو يلملم أطرافه، يعيد الشرفة ويغلق بابها، يحتجزني مرة أخرى، بلا أجوبة؛ فلم ينطق سيرابيس.
جلست، وظهري لباب الشرفة، كانت الأرض باردة، لكن قليلا من النبيذ وكثيرا من الدخان كفيل بنشر الدفء بداخلي فيملؤني، ويتسرب ليعطي الأرض حقها. كنت أنفث الدخان فينسحب لطرقة البيت حتى سترها بلونه الرمادي المحال لبعض الزرقة من مصباح صغير بنهاية الطرقة، كنت أراقب انسحاب الدخان الهارب مني إليها؛ فأشرب كأسا لي، وكأسا لها، وكأسا لها الأخرى، وكأسا للدخان المنسحب، حتى أتيت على الزجاجة كاملة، أردت المزيد، لكنني لم أتمكن من القيام، أمسكت الزجاجة الفارغة، أحدثها عن محنتي، ضحكت لها، لم يجبني سيرابيس؛ فهل أنتظر ردا من الخندريس؟
لم أكف عن التدخين ومراقبة الدخان، حتى بدا لي أنه ينزوي من مدخل الطرقة، كنت أراه يتبدد من فرط الحياء؛ فقد كانت أرتيميس تتحرك حافية القدمين، كأفروديت المبعوثة من البحر.
وحولها ملاءة الفراش، خجلا أم بردا لم أعرف، تقدمت في صمت، لم أعرف من هي، أأرتيميس إلهة الصيد أم ربة القمر؟ لم أتمكن من التفرقة أو التمييز، حتى جلست بجواري في صمت، أفلتت سيجارتي من يدي، سحبت نفسا عميقا ونفثته في الهواء، قالت بإيقاع منتظم: «أريد الذهاب للطبيب.» فعرفت أنها ربة القمر.
هذا ما حدث حتى أتينا سويا إليك، رويت لك كل ما حدث منذ عرفتها حتى أتينا، هي تنتظر الآن بالخارج.
أنهى عبد الله حديثه وما زال الطبيب ينظر إليه بعد أن توقف عن تدوين ملاحظاته، أوقف الطبيب مسجلة الصوت، وطلب من عبد الله دعوة أمل للدخول بمفردها، خرج عبد الله من الغرفة، أمسك بيد أمل، قبلها وأخبرها أن كل شيء سيكون بخير، دخلت غرفة الطبيب، وأغلق الباب خلفها.
أين هي؟
Неизвестная страница
دخلت أمل مترددة، لكن يد الطبيب العجوز الممتدة لمصافحتها، وابتسامته الودودة، خففتا بعض التردد، وأزالتا بعض التوتر. - أهلا دكتورة أمل. - أهلا بحضرتك، لكن لست دكتورة. - سنتحدث سويا في هذا الأمر، تفضلي بالجلوس أمل.
جلست أمل، وبمقعد متعامد وجلستها جلس الطبيب مبتسما، لم يسأل، بل بدأ بالحديث عن نفسه، أنا أحمد مراد، بدأت حياتي كطبيب مخ وأعصاب، زميل لوالدك رحمه الله، لم نتفق أبدا؛ كان يصدق العلم وكنت أثق في النفس، لا تنزعجي أمل؛ فأنا أعرف الكثير عنه، كنت دائما أصدق أن النفس السليمة تجعل الجسد سليما، ومهما وصل الطب لعقاقير تعالج اضطرابات وأمراض الجهاز العصبي، فلن يشفى من كانت نفسه عليلة؛ فبدأت من جديد وكنت تجاوزت الأربعين من عمري في دراسة علم النفس، وأحرزت العديد من الشهادات المتخصصة في هذا المجال، عفوا أمل، كما ترين، عجوز ثرثار، لكننا هنا لنتحدث عنك وليس عني، ماذا بك أمل؟
قبل أن تجيبه، قام واقفا: «قبل أن تبدئي، دعيني أعد لك بعض الشاي الأخضر، أعده جيدا.» ابتسمت أمل، فأضاف باسما: «لا تقلقي، إن تحدثت أكثر منك فسأدفع لك ثمن الجلسة، فربما كنت أحتاج لمن يسمع ثرثرتي.»
كانت أمل تشعر بارتياح أكبر الآن، تلفتت تتفقد الغرفة التي لم ترها منذ دخلتها، غرفة عتيقة إنجليزية الطراز، الجدران مغطاة بمكتبات، لمحت بعض العناوين لكتب في التاريخ والفلسفة والفن، ومجلدات ضخمة بدت لها طبية، مكتب كبير يتوسطه رقعة خضراء، ومنضدة ركنية عليها جرامافون ببوقه النحاسي الضخم يعمل بزنبرك، يظهر مقبضه من جانب صندوقه، وأسفله مجموعة من الأسطوانات الكبيرة، لم تتمكن من قراءة ما كتب عليها، لا يبدو طبيبا لها ولا تبدو عليه العجلة كباقي الأطباء، بدا لها فيلسوفا عاشقا للفن، أراحها شعور الألفة والإضاءة الدافئة وابتسامته وهو آت بأكواب الشاي، أعجبتها الرائحة قبل أن يضعه أمامها، أتى بمسجلة صوت صغيرة ودفتره وغليون قديم وصندوق معدني، عرفت أنه صندوق التبغ: «هل تسمحين لي بتدخين الغليون بينما نتحدث؟» أومأت موافقة وابتسامة تعلو وجهها، أغمضت عينيها وملأت رئتيها برائحة الشاي. - من أين أبدأ؟ [سألت أمل].
نظر لها وهو يشعل غليونه، أطفأ عود الثقاب وضغط زر التسجيل قائلا: «من حيث تروق لك البداية.» وبدأت أمل بالقليل من الخوف.
لا أعرف ماذا يحدث لي، أكاد أفقد عقلي، أوجاع الرأس تلازمني، لا أذكر أشياء يقولون أني فعلتها، لم أكمل تعليمي الجامعي، وعرفت منذ أيام أنني أستاذ دكتور بجامعة الإسكندرية، أستاذة تاريخ الفن، لا أعرف الكثير عن الفن وتاريخه، لكنهم جميعا يعرفونني هناك ولا أعرفهم.
أعرف أنني أحمل بداخلي إنسانة أخرى، أمل أخرى، قابلها عبد الله، يعرفونها بالجامعة، لكنني لم أقابلها، لا أعرفها، وددت مقابلتها، ربما لهذا السبب أتيت إليك دكتور مراد، لا أعرف ما فقدت من عمري وما أحرزت هي، لا أعرف هل يمكن أن نصبح أصدقاء، أنا وهي؟ يتهمني الجميع بالجنون لأنني لا أذكر ما يتحدثون عنه، أو ما يقولون إني فعلته، كان الموضوع يثير جنوني بالفعل، لكن بمضي السنوات اعتدت الأمر ولم يعد يثير حفيظتي، الأمور تغيرت الآن، وأريد أن أعرف كل شيء، كل شيء. - متى تغيرت الأمور؟ - مؤخرا. - منذ قابلت الدكتور عبد الله؟ - نعم، لا، لا أعرف، ربما. - اهدئي أمل، ليست جريمة، دائما ما يكون هناك إنسان يجعلنا نرى أنفسنا، يجدد فينا الرغبة في الحياة. - لا أعرف الكثير عن عبد الله، لكن الأخرى تعرف الكثير عنه، ظننت أنه يعرف امرأة أخرى، هو في الحقيقة يعرف امرأة أخرى. لم أحظ حتى بفرصة لحياة هادئة برفقة رجل، رجل، أميل إليه. - لا تخجلي أمل، من رجل تحبينه. - نعم أحبه، لكن هو؟ ربما يحبها هي. - سنصل لتلك النقطة لاحقا، لا تتعجلي. - عفوا دكتور، ألن تسألني؟ - ماذا تريدين أن أسألك؟ - أي شيء، مثل متى بدأت عدم التذكر؟ أو ما تظنين السبب فيما حدث لك؟ شيئا من هذا القبيل، أظن الأطباء يفعلون ذلك.
ابتسم الطبيب بود: «أعدك بالسؤال، ويمكنك الإجابة عما سألت، بالطبع إن كانت تلك إرادتك.» ابتسمت له أمل واسترسلت في حديث بدأته. - تعرف أبي، ربما لا تعرفه جيدا. - ما الذي لا أعرفه؟ - ربما تعرف الطبيب إسماعيل خطاب، لكن لا أظنك تعرف الزوج إسماعيل خطاب، أو الأب إسماعيل خطاب.
كان أبي خارج البيت، وفي وجود ضيوف بالبيت، شخص جميل هادئ، كنت أتمنى ألا يذهب ضيوف المنزل أبدا، وحين ينغلق الباب علينا، أنا وأمي، يتحول لرجل آخر، كائن صلب، عنيف، كان يعامل أمي بمنتهى القسوة، كنت أهرب من صوته إلى غرفتي، أضع الوسادة فوق رأسي، حتى دون أن أخلع حذائي أو أغير ثيابي، لأهرب من صوته، من تعنيفه المستمر لأمي، لكن صوته كان يوقظني، ليعنفني أنا الأخرى على نومي دون أن أغير ملابسي، كنت طفلة، لم يتوقف عن القسوة، ولم أتوقف عن الهروب لغرفتي والاختباء أسفل وسادتي الصغيرة، كبرت، وكبرت معي الوسادة، وكبرت معه قسوته، صارت أمي تتناسى قسوته؛ فتهرب هي الأخرى، لكنها كانت تهرب من ذاكرتها، حتى أصبح نسيانها مرضا، كانت تمحو ذاكرتها، حتى لم تعد تعمل.
كنت طالبة في كلية الطب، بالسنة الأولى، دخلتها رغما عني، كنت أريد دراسة إنسانية، تاريخا، فلسفة، اجتماعا، لا أعرف كيف تركت الكلية، لا أعرف كيف اختفى أبي من حياتنا، فقط وجدتني أطلق زوجا لي، لا أعرف متى تزوجته، حاولت كثيرا التذكر أين قابلته، وكيف تزوجته، وكيف وافق أبي وأنا في السنة الأولى بالجامعة! لم أتذكر، وكانت أمي وقتها مريضة بداء النسيان، كانت تنسى أنها أكلت، فتأكل مرة أخرى، وثالثة، ورابعة؛ فزادها النسيان داء آخر هو السمنة، تراكمت عليها الأمراض، لم تكن تستطيع الحركة، ولم أقبل أن تذهب لمشفى أو مصحة، أعددت لها جناحا كاملا للعلاج ويلازمها ممرضتان، كان الأمر سهلا من مشافي أبي التي أديرها، على الأقل ماليا، أو لا أديرها، أوقع على موازناتها، لا أظنني أستطيع إدارتها، لكن بعد نصيب أعمامي والمحامي والمراقب المالي ومصاريف المشافي، يتبقى لنا دوما ما يكفي ويزيد لنعيش بشكل لائق.
Неизвестная страница