أما «بوذا» و«كنفشيوس» فهما نوع آخر من أنواع الرسالة يقترب تارة إلى الشك، وتارة إلى تعليم الأدب والسلوك، وتفصيل البحث فيهما بقية لازمة بعد جلاء آيات النبوة في إبراهيم وبنيه عليهم السلام. •••
وقد تضاف هنا إضافة مناسبة ولكنها لا تخطر على البال لأول وهلة ... قد يقال: إن هذا شأن النبوة فيما مضى، فكيف يكون الإصلاح الديني بيننا في العصر الحديث ولا موضع هنا للبعث ولا للرسالة؟!
أقول إنه - حيث لا ينتظر البعث أو الرسالة - تنتظر الهداية على سنة النبوة، ولن تكون الهداية فيما أعتقد إلا بفضل «الشخصية الإنسانية» في صورة من صور الإلهام والتأثير بالقدرة المهيمنة على العقول والضمائر ...
كذلك كانت هداية جمال الدين، وكذلك كانت من بعده هداية تلميذه محمد عبده، وأحب ما أتمناه من موضوعات التأليف أن ألحق بعبقريات الإسلام كتابا عن عبقرية جمال الدين، وكتابا جامعا يترجم لهما في نسق واحد، ويترجم معهما ببعض الإيجاز لمن عمل على نهجهما في ديار الإسلام.
وقد ألفت عن «ابن سينا» وعن «ابن رشد»، وهما أكبر فلاسفة اللغة العربية في المشرق والمغرب.
وبقي كتاب عن «الغزالي» الفيلسوف الذي يصارع الفلاسفة، والفقيه الذي يؤدب الفقهاء، والمتصوف الذي يكشف عن عالم الخفاء، كما يكشف عن عالم الشهادة.
وليس في المشرق والمغرب من هو أرجح فكرا وأصفى عقلا وأقوى «دماغا» من هذا الإمام الجليل، ولولا اتساع الأفق الذي تدفعنا إليه الكتابة عنه لبدأت بترجمته ونقده قبل «ابن سينا» و«ابن رشد»، وغيرهما من حكماء المشرق والمغرب، ولعله مانع وشيك أن يزول؛ لأنه مانع يقتضينا واجبين معا، إذا كان العمل السهل يقتضينا واجبا واحدا لا موانع فيه ...
ولقد كتبت عن شعراء كثيرين.
كتبت المؤلفات المستقلة عن «ابن الرومي»، و«أبي نواس»، و«عمر بن أبي ربيعة»، و«جميل بثينة»، والفصول المتفرقة عن «المتنبي»، و«أبي العلاء»، و«دعبل»، و«بشار»، و«ابن زيدون»، و«ابن حمديس»، وغيرهم من المشارقة والمغاربة، ولا يزال في المجال متسع للمطولات عن أدب «أبي الطيب»، وأدب «أبي العلاء» على التخصيص.
وأريد أن أكتب ما يغني عن تفصيل الكتابة في الشاعرين الحكيمين، وفيمن عداهما من شعراء الأدب الغنائي، أو شعراء الرونق والجمال، وأحسب أنني أستغني عن ذلك اضطرارا، بكتاب يتناول موازين النقد في الشعر وفلسفة الجمال كما نطبقها على الفنون في صورتها التي تمتزج بالفكرة والعبارة النفسية على الإجمال، وشواهد هذا البحث من كلام الشعراء والبلغاء دليل يرجع إليه من شاء فيما تقوله فلسفة الجمال عن شعرائنا الحكماء وغير الحكماء.
Неизвестная страница