66

ير وفيك انطوى العالم الأكبر

لأنهم يرون أن وجود الكون بما رحب إنما هو وجود مادي مجرد من الروح والحياة، وليس فيه من مظهر روحي حي أشرف من الإنسان.

في هذا الباب إذن أريد أن أؤلف كتابا عن الكون وكتابا عن الإنسان، أشرح فيهما ما أفهمه وما أحسه من معنى وجود المادة، ومعنى وجود الفكرة أو الضمير أو الروح.

وقد ألفت عن الأنبياء فكتبت «عبقرية محمد»، و«عبقرية المسيح»، و«أبي الأنبياء إبراهيم».

بقيت «عبقرية موسى» الكليم.

وبقيت معها «عبقرية بوذا»، و«عبقرية كنفشيوس».

ذلك أني تبينت من دراسة تاريخ النبوءات أن أنبياء الأديان الثلاثة الكبرى - وهي الموسوية والمسيحية والإسلام - قد ظهروا في الشرق الأوسط بين الأمم السامية، وتفسيري لذلك أن النبوة لم تكن لتظهر في بلاد الدول المتسلطة؛ لأنها تخضع في شرائعها وآدابها لقوانين السلطان، وعرف الكهان، ولم تكن لتظهر في الصحراء؛ لأنها تخضع لقوانين النار والعصبية، ولكنها تحتاج إلى بيئة تجمع بين أحوال الدولة وأحوال البادية، وهي مدينة القوافل.

إن مدينة القوافل تعرف المعاملات العامة والمصالح المختلفة والشرائع التي تقوم على حقوق المتعاملين غير مقيدين بسياسة السلطان ولا بعصبية القرابة، وفيها - أي في مدينة القافلة - تتعرض الأخلاق للفتنة والغواية لكثرة المتقلبين على المدينة من المترحلين المتنقلين، وكثرة طلاب الكسب والارتزاق حيث تروج التجارة وتروج دواعي اللهو والمتعة ...

ففي هذه البيئة تتهيأ الأحوال النفسية والاجتماعية لظهور هداة الأديان ودعاة الإصلاح والإنصاف من الرسل والأنبياء؛ ولهذا ظهر إبراهيم في مدن القوافل بين «أور» في الفرات وبعلبك في سورية وبيت المقدس في فلسطين، وظهر موسى في مدين وما حولها، وظهر المسيح في الجليل، ثم في بيت المقدس، وظهر نبي الإسلام في مكة بعد أن ظهر أنبياء العرب حيث تقوم العلاقات وسطا بين شريعة الدولة وشريعة البادية.

وموسى - عليه السلام - هو ثالث الرسل العظام في السلالة السامية، بعد أبي الأنبياء إبراهيم.

Неизвестная страница