ومهما يكن من الأمر فقد مرت الليلة وبادرنا منذ الصباح الباكر لنستعد للعمل، ولم أتردد في الشراء كما نصحني حمادة ودفعت لصاحبي كل ما كان معي وهو المائتا جنيه، وقلت له في بساطة إني أدفع له ما بقي من الثمن إذا استلمت البضاعة في دمنهور.
ولما خرجنا من المزرعة متجهين إلى المحطة همس حمادة في أذني: مائة جنيهه يا عم!
فقلت: ماذا تقصد؟
فأجاب: هذا القطن لا يساوي أقل من اثني عشر جنيها، وقد رضي هذا المغفل بأن يبيعه بعشرة. مائة جنيه يا عم، يدك!
وسحب يدي فقبض عليها قائلا: مبروك، والله زمان يا بو زهير!
ولم أحب أن أتورط في الآمال السابقة لأوانها، فلم أقل شيئا وأخذ حمادة يحدثني عن آخر أخبار السياسة التي كنت لا أعبأ بها كثيرا، فالانتخابات على وشك الابتداء والسيد أحمد جلال يستعد لمواجهة خصمه محمد باشا خلف، وستكون معركة طاحنة؛ لأن رئيس الوزارة المنتظر قريب محمد باشا، وجمعية شباب دمنهور تستعد للاجتماع مرة أخرى لأول مرة منذ الانتخابات الماضية، وستكون أسعار المظاهرات وأثمان الأصوات أعلى من الأسعار السابقة.
ولما وصلنا إلى دمنهور لم أدر إلى أين أذهب بهذه الصفة الكبيرة. كنت أبيع ما أشتري من الأقطان في كل مرة، وهي لا تزيد على عشرة قناطير أو خمسة عشر قنطارا، ولكن خمسين قنطارا تحتاج إلى العناية، فجنيه واحد أخسره في القنطار يؤدي إلى ضياع ربع ما جمعته في خبطة واحدة، وكان الأفضل في نظري أن أسرع إلى التخلص من هذا الحمل الثقيل قبل أن أقع في ورطة؛ فالأسعار لا تثبت على حال، واليوم أقرب إلى الاطمئنان من الغد، واتجه ذهني أول شيء إلى السيد أحمد جلال فقصدت إليه من توي بغير أن أتردد.
ودخلت عليه في مكتبه وكان لقاؤه سمحا كما عودني دائما كأن لم يحدث بيننا شيء يعكر الصفاء، وقال لي وهو يشير إلي بالجلوس: أين أنت يا سيد أفندي؟ ما هذه الغيبة؟
فأجبت في هدوء أصحاب الأعمال: تحت الأنظار يا سيدي!
فقال مبتسما: كنت أظن أنك لا تتركنا هكذا.
Неизвестная страница