وأخذت أصف له ما حدث بين مصطفى عجوة والعمال في ساعة الظهر، وما حدث مني حرفا حرفا وختمت حديثي بعبارة حماسية فقلت: إني كنت مدفوعا إلى تدخلي بشعوري القوي نحوه وبأني أؤدي واجبي نحو رجل أحبه وأحترمه، وشعرت بالدم يثور في وجهي مرة أخرى عندما وجدت أنه ما يزال هادئا.
وجاء الخادم يحمل فنجانين من القهوة فأخذ يرشف من فنجانه وقال لي: تفضل!
ولكني شكرته ومضيت في كلامي: لهذا لم أتوقع منك أن تطردني، وكانت دهشتي عندما سمعتك تقول لي سلم عهدتك أشد من أن أحاول الدفاع عن نفسي، والحق أني أيضا أخذت على خاطري، ولست أريد بكلامي هذا شيئا أكثر من أن أعرف السبب في غضبك؛ لأن الذي يهمني هو العلاقة التي بيننا.
فنظر نحوي باسما لأول مرة، ولكن ابتسامته كانت تحمل معنى كأنه يقول: «وما هذه العلاقة التي بيننا؟»
واعتدل في جلسته فصار أكثر هدوءا كأنه قط يرقد على فراش وثير.
وقال بصوت خافت: لم أكن أعرف من قبل أنني مهدد بكارثة. هذا شيء جديد يا سيد أفندي، ومع ذلك فلماذا لم تدع العمال وشأنهم؟ لم تكن لك علاقة بأعمالهم يا سيد أفندي. دعهم يا أخي يثوروا إذا شاءوا ويدمروا المحلج، وأنا أعرف كيف أعاملهم. كنت دائما أعرف كيف أعاملهم قبل أن تشرف المحلج.
وأحسست بالعرق ينضح من جسمي كأن إناء من الماء البارد صب فوق رأسي.
واستمر قائلا: لا تغضب من قولي يا سيد أفندي فأنت مثل ولدي وكنت أرجو أن تشق طريقك في الحياة معي. لا أنكر أنك أمين وذكي، وأنا أقدرك وأحبك وأعرف أنك من بيت طيب. كنت أود لو بقيت معي حتى تقدر أن تشتغل بعمل ينفعك هنا أو غير هنا، وكنت أحب أن تفتح عينيك للحقائق وتتعرف أمور الدنيا؛ لأن التجارب هي التي تعلمنا. كنت أتمنى أن تبقى معي وتتعلم كما يتعلم هؤلاء جميعا حتى تصير مثل مصطفى عجوة.
وكانت هذه الكلمة الأخيرة فوق طاقتي فقلت مندفعا: اسمح لي أن أقول إني لا أرضى بأن أقارن بمصطفى عجوة.
فرفع حاجبيه وتبسم قائلا: لست أبالي ما يقع بين بعض الموظفين وبعض من هذه المنافسات، ولا أحب أن أفتح أذني لها. هذا شيء طبيعي ولا أعيره التفاتا كثيرا، والذي أقصده أني كنت أود لو بقيت معي حتى تطمئن على مستقبلك. هذا كل شيء.
Неизвестная страница