راودني بعضهم عن نفسي، ولست آمنهم أن يغلبوني فقال لها النمر: قولي لهم وقولي إن أرادوا شيئا من ذلك، وقالت جمرة: إني سأكفيك ما كان قولا «١» فأرسلتها مثلا، تقول إن كان القول فإني سأكفيك القول.
٣٧- بمثل جارية فلتزن الزانية سرا أو علانية
٣٨- عوف يرنأ في البيت
زعموا أن جارية بن سليط بن الحارث بن يربوع بن حنظلة بن مالك- وسليط هو كعب، وإنما سمي سليطا لسلاطة لسانه- كان أحسن الناس وجها وأمدّهم جسما، وإنه أتى عكاظ وكانت من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، فأبصرته جارية من خثعم فأعجبها، وتلطفت له حتى وقع عليها، فلما فرغ قالت: إنك أتيتني على طهر وإني لا أدري لعلي سأعلق لك ولدا فموعدك فصال ولدي إن حملت لك، فسمّى لها اسمه، حتى وافى عكاظ لرأس ثلاثة أحوال، فوجدها قد ولدت غلاما وفطمته، فأقبلت الجارية معها أمها وخالتها يلتمسنه بعكاظ حتى رأته الجارية فعرفته، فلما رأته قالت الجارية: هذا جارية، قالت أمها: بمثل جارية فلتزن الزانية سرا أو علانية «٢» . ثم دفعن إليه الغلام فسماه عوفا فشرف وساد قومه، وهو عوف الأصم.
فذكر أن بني مالك بن حنظلة وبني يربوع تخايلوا «٣» يوما فقام عمرو بن همام بن رباح بن يربوع يخايل عن بني يربوع فقال الناس: ادخلوا عوفا الأصم البيت فإنه أن علم بما بينكم وشهد المخايلة أهلك هذين الحيين وأبى ذلك، فأولجوا عوفا قبة من قباب الملك لكيلا يسمع ما بينهم فظفر بنو مالك، ونادى مناد أين عوف؟ فقالت امرأته: عوف يرنأ في البيت «٤» فأرسلتها مثلا، فسمع عوف الكلام فوثب فإذا الناس فئتان يتخايلون، وضرب خطم فرس الملك بالسيف وهو مربوط بفناء القبة، فنشب السيف في خطم الفرس وقطع الرسن، وجال في الناس فجعلوا يقولون جهجوه جهجوه أي ازجروه وكفوه، فذلك قول متمم بن نويرة في يوم جهجوه «٥»:
وفي يوم جهجوه حمينا ذماركم ... بعقر الصفايا والجواد المربب
قال العجاج:
لقد أرنّي ولقد أرنّي ... غرا كآرام الصريم الغنّ
قوله أرني من الرنوّ وهو النظر الدائم،
1 / 42