Амин Хули и философские аспекты обновления
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Жанры
الإجابة على هذا في أن الموقف الديني المستنير موقف حضاري راشد، يدرك خاصية الاستقلال والتميز التي يتسم بها العلم والبحث العلمي والتفكير العلمي. فقد ترسمت شرائع العلم ونواميسه، وتعقدت آلياته وشق طريقه المظفر كفعالية إنسانية مستقلة، بمعنى أنها تحمل في صلب ذاتها حيثياتها وإمكانيات تناميها وفاعلية عوامل تقدمها المطرد، في طريقها ذي المعالم الواضحة.
المعالم الواضحة تعني إحكام المشروع العلمي فيرتكز في شتى ممارساته على أصوليات منهجية، ترتد في صورة خصائص منطقية دقيقة، ترسم للمشروع العلمي تخوما واضحة، مما يكفل تآزر الجهود العلمية، فتمثل متصلا صاعدا، يواصل صعوده أو تقدمه باستمرار، غده أفضل من يومه مثلما كان يومه أفضل من أمسه، فتمثل كل ممارسة من ممارسات العلم إضافة لرصيده، أو بالأحرى لرصيد الإنسانية.
6
إن استقلالية البحث العلمي هي أخص خصائصه، حتى إن معيار العلم، وهو معيار القابلية للاختبار التجريبي والتكذيب يفرق بين ما هو علمي وما هو غير علمي، يرسم حدودا صارمة حول العلم وقضاياه، فكل ما لا يقبل الاختبار التجريبي والتكذيب لا يعد علما؛ أي لا يحمل مضمونا معرفيا وقدرة تفسيرية عن العالم التجريبي، وهي حدود لن يتخطاها ما لا يحمل هذه الوظيفة المحددة للعلم الطبيعي؛ أي لا تتخطاها قضايا الدين والميتافيزيقا والفلسفة والفن والمشاريع الأيديولوجية والأخلاق المعيارية، بعضها أهم وأعلى من العلم وأكثر فعالية، لكنها ليست علما
Science ، فهي غير قابلة للاختبار التجريبي والتكذيب، وليس مطلوبا منها أن تقبله؛ لأنها تقوم بوظائف أخرى، وليس بوظيفة العلم التي تتجسد عينيا في السيطرة على الظاهرة الطبيعية. معيار التكذيب شهادة الصلاحية للقيام بهذه الوظيفة، إنه معيار العلوم الطبيعية، وفي نفس الوقت الخاصة المنطقية المميزة إياها. إلى كل هذا الحد تفرض المعرفة العلمية الطبيعية استقلالها.
موقف الاستنارة الدينية هو الذي يعترف بهذه الاستقلالية، ويدرك أنه لم يعد مجديا ولا مقبولا ولا حتى معقولا أية ملاحقة للعلم أو مصادرة أو تهميش له، أو محاولة لفرض الوصاية عليه. فندع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، ما للعلم للعلم، وما للدين للدين. وينفسح المسرح الحضاري للعلم والدين معا.
هذا الواقع المنشود ليس حلما طوباويا، بل شهده التاريخ في بعض من أينع مراحله، فلئن شهدت بدايات العلم الحديث طغيان الكنيسة ومعاركها الدامية معه، لا سيما في القرن السادس عشر، وشهد القرن التاسع عشر اكتمال تصور العلم للكون كآلة ميكانيكية مغلقة تسير بفعل العلل المادية والقوانين الحتمية، مؤكدا أنه لا إله ولا نفس ولا روح؛ أي شهد ذلك القرن طغيان العلم على الدين وجوره على إيمان العلماء. نقول لئن حدث هذا وذاك، فبينهما نجد القرن السابع عشر، حيث أحرز نجاح العلم الطبيعي خطى جوهرية بلغت الذروة في إنجلترا التي اكتمل فيها نسق الفيزياء الكلاسيكية على يد إسحق نيوتن ومواطنيه، حتى يلقب مؤرخو العلم القرن السابع عشر بعصر تفجر العبقرية الإنجليزية.
7
وليس غريبا أن نجاح حركة الإصلاح الديني واكتمال تحقق البروتستانتية كان أيضا في إنجلترا آنذاك. وعوامل نجاح الحركتين - الفيزياء الكلاسيكية والإصلاح الديني البروتستانتي - تشترك في الثورة على السلطة الدينية المتصلبة، وليس على الدين نفسه، بل من أجل الدين. وكما أشار مؤرخ الأفكار «فرانكلين باومر»، اعتقد «فرنسيس بيكون» مع جهابذة الجمعية الملكية - التي تضم أساطين العلوم الطبيعية - أنهم يدرسون توراة الطبيعة، وأن للعلم روافد دينية جياشة تكشف قدرة الله التي تتجسم في خلائقه. غير أن هذا الاعتقاد لم يحل دون قيام «بيكون» بحماية العلم من تدخل اللاهوت.
8
Неизвестная страница