مقدمة
1 - الخلفية التاريخية
2 - الاستجابة البيولوجية
3 - الاستجابة البصرية
4 - الاستجابة العاطفية
5 - الاستجابة الجمالية
6 - الاستجابة النفسية
7 - علاج الجسد
8 - تهدئة العقل
9 - الألوان المفضلة للأفراد
ملحق الصور
المراجع
مقدمة
1 - الخلفية التاريخية
2 - الاستجابة البيولوجية
3 - الاستجابة البصرية
4 - الاستجابة العاطفية
5 - الاستجابة الجمالية
6 - الاستجابة النفسية
7 - علاج الجسد
8 - تهدئة العقل
9 - الألوان المفضلة للأفراد
ملحق الصور
المراجع
الألوان والاستجابات البشرية
الألوان والاستجابات البشرية
تأليف
فيبر بيرين
ترجمة
صفية مختار
مراجعة
محمد إبراهيم الجندي
مقدمة
هذا الكتاب مليء بالمعلومات، وقد حاولت قصارى جهدي أن أجعله سهل القراءة. أعتقد أن المعلومات الواردة حول موضوع الكتاب تفوق أي قدر من المعلومات اجتمع في كتاب واحد من قبل؛ فهو يحتوي على ملاحظات دونتها على مدار فترة تقدر بنحو ثلاثين سنة. ولقد تحمست لتأليف هذا الكتاب، ليس من منطلق محاولة الظهور بمظهر العالم أو المتبحر في المعرفة، بل فقط لأن الألوان والاستجابات البشرية كثيرا ما كانت مصدر جذب مثيرا بالنسبة لي. لقد أردت أن أعرف كل ما يمكنني معرفته، وكنت متحمسا لتطبيق كافة أنواع المعارف الممكنة في عملي الاحترافي بصفتي مستشارا في الألوان.
بعد تدريب مبكر في مجال الفنون، بدأت أدرس الاستجابات المتعددة والمختلفة للألوان لدى الناس. انطوت هذه الدراسة على محتوى قليل من الفيزياء والكيمياء في مقابل محتوى أكبر من التاريخ والتقاليد والميثولوجيا والصوفية والرمزية وعلم النفس وعلم الجمال. وتناولت معظم كتاباتي (البالغة في مجملها 25 كتابا) الجانب الإنساني للون، وتأثيراته البيولوجية والثقافية القديمة والمعاصرة، وتطبيقاته العملية في الحياة المعاصرة، والأنماط الجديدة للتعبير بالألوان المستندة إلى دراسات استقصائية أجريت مؤخرا حول إدراك الألوان.
سبب لي ذلك بعض الحزن بصفتي كاتبا في موضوع الألوان؛ إذ أصبح من الصعب تصنيف توجهي، ومن السهل انتقادي. في هذا الكتاب، على سبيل المثال، من الممكن أن يقول أحد الصوفيين إنني متشكك للغاية، وقد يتهمني أحد العقلانيين بأنني صوفي إلى حد كبير! هذا الأمر لا يزعجني. بصراحة، كثيرا ما كان هدفي في كل الأعمال التي كتبتها عن الألوان تقريبا مسلطا نحو غاية واحدة؛ هي الناس. وإذا وجد بعض الأشخاص المنتمين لتوجهات معينة يتبنون وجهات نظر باطنية، وإذا كان غيرهم يريدون فقط أطروحات يمكن إثباتها على نحو كامل، فكلهم بشر على أي حال. إنني أحب الجميع، ومستعد تماما للاستماع لآرائهم، سواء وافقتهم الرأي أم اختلفت معهم.
انعقدت لجان للتحقيق في التأثيرات الفسيولوجية والبصرية والنفسية للألوان على يد مؤسسات مثل: جمعية هندسة الإضاءة إيلومينيتينج إنجينيرينج سوسيتي، وجمعية إنتر سوسيتي كلر كونسيل. وتتكون الجمعية الأخيرة من ممثلين عن 28 مجالا مختلفا، وتعقد مؤتمراتها في الولايات المتحدة وكندا. وفي عام 1976، عقد مؤتمر دولي عن ديناميكا الألوان في بودابست في المجر. وعقد أول اجتماع سنوي للجمعية الأمريكية للبيولوجيا الضوئية؛ ذلك العلم المرتبط كثيرا بالضوء والألوان، في ساراسوتا بولاية فلوريدا في عام 1973.
مثل هذه الجمعيات لديها اهتمام قوي وشخصي بتأثيرات الضوء والألوان. ولو تأملنا هذه التأثيرات من الناحية البيولوجية لوجدنا أنها تؤدي إلى اكتشاف تطبيقات علاجية لعدد من الأمراض الخطيرة والبسيطة التي تصيب البشر، وتستخدم كوسائل إيضاح بشرية عند التشخيص، ولو تأملناها من الناحية النفسية لوجدنا أن اللون على وجه الخصوص يكون ضروريا في البيئات المصطنعة؛ لمواجهة الحرمان الحسي الذي يمكن أن يؤدي إلى عدد لا نهائي من الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية. لقد تزايدت أعداد الناس الذين يعيشون «محبوسين» في مجمعات سكنية كبيرة، ودور نقاهة، ودور مسنين، وأصبح الأشخاص الذين يعانون من التوترات والأزمات الحياتية يزج بهم إلى المصحات العقلية، وحتى بين الأشخاص الأسوياء الذين يعملون في وظائف عادية، نجد أن المباني العملاقة مبنية ومصممة بحيث تصبح مجتمعات مبنية تحت الأرض وتحت البحر، يمكنها أن تحجب أعدادا غفيرة من البشر عن الطبيعة وعن ضوء الشمس. ومن الممكن أن يظل رواد الفضاء المخلصون حبيسي كبسولات فضاء عملاقة لأيام وأسابيع، بل حتى لشهور وسنين. قد يكون العلم قادرا على الحفاظ على سلامتهم البدنية، ولكن ما الذي يحول دون إصابتهم بالجنون من الناحية العقلية؟
من أجل كل هذه الأهداف، أتمنى أن يقدم هذا الكتاب بعض النصائح حول فوائد الألوان، وفي الوقت نفسه، أتمنى أن يكون مرجعا يسيرا يضم المصادر العديدة للمعلومات التي اطلعت عليها أثناء دراساتي.
الفصل الأول
الخلفية التاريخية
في هذه الأيام التي كثر فيها السفر حول العالم، يشاهد الناس من مختلف مناحي الحياة - التجارية والمهنية والعملية، بل حتى السياح العاديون - فنون العصور القديمة، التي تتباين ما بين رسوم الكهوف وكذلك البقايا الأثرية في مصر وكلدو والهند والصين واليونان وأمريكا الوسطى. يشاهدونها ولسان حالهم: كم كان الإنسان القديم يتمتع بذوق رائع في الألوان! ويفترضون على نحو خاطئ أن الإنسان القديم كان في حاجة بطريقة أو بأخرى إلى الجمال في حياته، ودفعه هذا إلى إحاطة نفسه بألوان ساحرة في شتى أنواع الفنون من العمارة والرسم والزخرفة والنحت والنسيج والخزف. وعلى الرغم من أن الإنسان القديم ربما كان لديه حس قوي تجاه الألوان، فإن اختياره للألوان لم يكن قائما على الأساس الجمالي وحده كما يحاول أن يوضح لنا هذا الفصل.
حتى عصر النهضة تقريبا، كان الإنسان يولي اهتماما للرمزية والغموض والسحر، وكان استخدامه للألوان يمليه عليه الصوفيون والفلاسفة والكهنة. لم يكن يطلق العنان لخياله على الإطلاق. ميزت مستحضرات التجميل الأعراق البشرية بعضها عن بعض، وكانت الحلي تتكون من تمائم ذات أغراض معينة، وكانت زخارف المقابر والمعابد تروي القصص، بل حتى الزخارف التجريدية كان لها معنى مرتبط بالآلهة والحياة والموت والمطر والحصاد والانتصار في الحروب.
أما الواضح والمميز، فهو أن لوحة الألوان التي استخدمها الإنسان القديم كانت بسيطة ومباشرة، ولا يكاد يوجد اختلاف في درجة اللون المستخدم في أي مكان في العالم القديم. تمثلت الألوان المستخدمة في الأحمر والذهبي والأصفر والأخضر والأزرق والأرجواني والأبيض والأسود. كانت علبة الألوان المصرية - التي توجد في المتاحف - مقسمة لثمانية ألوان، ونادرا ما كانت تزيد عن ذلك. أما بالنسبة لألوان الإغريق، فقد يندهش القارئ من هذا القول المقتبس عن الرسام البريطاني البارز السير ويليام بيتشي (1753-1839) تعليقا على الزخارف الإغريقية المتعددة الألوان؛ إذ يقول: «نلاحظ أن الاستخدام المشار إليه [استخدام ألوان متشابهة في عناصر متشابهة في الزخرفة والنحت] لا يبدو نتيجة أي نزوة عارضة أو خيال طارئ، لكنه نتيجة نظام راسخ في العموم؛ لأن ألوان الأجزاء المتعددة لا تبدو متنوعة من ناحية المواد المستخدمة في أي من المثالين المعروفين بالنسبة لنا ... ويصعب أن نشك في أنهم خصصوا لونا معينا لتلوين كل جزء من الأجزاء المختلفة للمباني وفقا للإجماع العام، أو تبعا لأصول الحرفة المتفق عليها.» (1) الألوان والإنسان نفسه
لا أبالغ إذا قلت إن الإنسان القديم أحاط نفسه بالألوان من كل جانب. كل الحضارات منذ بداية وجود الإنسان عبدت الشمس، ومن الشمس جاء الضوء واللون. وفي كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية التي تعود إلى قرون قبل الميلاد، يوصف الإنسان على النحو التالي: «يوجد في جسم الإنسان أوردة يطلق عليها هيتا، وهي صغيرة في مثل حجم شعرة مقسمة آلاف المرات، تمتلئ باللون الأبيض والأزرق والأصفر والأخضر والأحمر.» وتقول أيضا: «إن تماثل الشكل، وجمال اللون، وقوة وصلابة الماس تشكل معا الكمال الجسدي.» ونصح والد شفيتاكيتو ولده بخفة ظل فقال: «الإنسان يشبه غطاء الوسادة. قد يكون لون غطاء إحدى الوسادات أحمر، ولون غطاء الثانية أزرق، ولون غطاء الثالثة أسود، لكنها كلها تحتوي على القطن نفسه. وكذلك الحال مع البشر، فأحدهم جميل، والآخر أسود، والثالث قديس، والرابع شرير، لكن الإله موجود بداخلهم جميعا.» (كثير من المقتطفات المقتبسة من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية وغيرها من الأديان الشرقية القديمة مأخوذ من الكتاب الرائع «الكتاب المقدس للعالم» للكاتب فريدريك سبيجيلبيرج.)
وفي كتاب «أصل الإنسان» كتب داروين يقول: «نعلم أن ... لون البشرة يعتبر لدى البشر على اختلاف أجناسهم عنصرا بالغ الأهمية لجمالهم.» وربما لأسباب واضحة اعتبر المصريون أنفسهم من أعضاء العرق الأحمر، واستخدموا مساحيق زينة حمراء، وبالغوا في استخدام اللون الأحمر في تصوير أنفسهم. وكان اللون الأصفر لون الآسيويين، وكان اللون الأبيض لون شعوب الشمال، وكان اللون الأسود لون الزنوج.
في كتاب «الليالي العربية» للسير ريتشارد بيرتون (المترجم عن «ألف ليلة وليلة») توجد «حكاية الأمير المسحور»، وفيها تسحر زوجة الأمير سكان الجزر السوداء، فيقول: «والمواطنون الذين كانوا ينتمون لأربع ديانات مختلفة؛ حيث كانوا مسلمين ونصارى ويهودا ومجوسا، حولتهم بسحرها إلى أسماك، فتحول المسلمون إلى أسماك بيضاء، والمجوس إلى أسماك حمراء، والمسيحيون إلى أسماك زرقاء، واليهود إلى أسماك صفراء.» (2) عناصر العالم
كان الإنسان البدائي يرى الكون في صورة عناصر، واستمرت تلك الفكرة حتى العصور الحديثة، وسأقتبس مرة أخرى من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية تلك الإشارات المثيرة عن أهمية اللون الأحمر واللون الأبيض واللون الأسود؛ حيث تقول: «لكل الكائنات الحية يوجد حقا ثلاثة أصول فقط؛ فمنها منبثق من البيضة، ومنها منبثق من كائن حي، ومنها منبثق من جرثومة ...
اللون الأحمر للنار المتأججة هو لون النار، واللون الأبيض للنار هو لون الماء، واللون الأسود للنار هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه نارا؛ إذ هي مجرد نوع، مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للشمس هو لون النار، ولونها الأبيض هو لون الماء، ولونها الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه الشمس؛ لأنها مجرد نوع، ولأنها مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للقمر هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه القمر؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للبرق هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه البرق؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام. الأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة ...
أعلن علية القوم من المؤمنين ورجال الدين الكبار الذين عاشوا في الأزمنة السابقة وعلموا هذه الحقيقة الأمر نفسه قائلين: «من الآن فصاعدا، لا يمكن لأي أحد أن يقول لنا أي شيء لم نسمع عنه أو ندركه أو نعلمه.» من خلال هذه الألوان الثلاثة علموا كل شيء؛ فكل ما اعتقدوا أنه يبدو أحمر علموا أنه لون النار، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أبيض علموا أنه لون الماء، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أسود علموا أنه لون الأرض، وكل ما اعتقدوا أنه غير معروف تماما علموا أنه خليط من تلك الثلاثة.»
بالنسبة للإغريق القدماء كانت توجد أربعة عناصر، وما زالت تلك العناصر معترفا بها من قبل الصوفيين المعاصرين، واعترف بها ليوناردو دافينشي خلال عصر النهضة، وتمثلت تلك العناصر في الأرض والنار والماء والهواء. وقد قال أرسطو في كتاب «الألوان» (الذي ربما كتبه تلميذه ثيوفراستوس): «الألوان البسيطة هي الألوان الحقيقية للعناصر؛ أي ألوان النار والهواء والماء والأرض. الهواء والماء في حالة النقاء يكون لونهما الطبيعي هو الأبيض، والنار (والشمس) لونها أصفر، والأرض لونها الطبيعي أبيض، وبقية الدرجات اللونية المختلفة التي تكتسبها الأرض تكون ناتجة عن التلون بفعل الخضاب، كما نراه في حقيقة تحول الرماد إلى اللون الأبيض عند احتراق الرطوبة التي لونته. صحيح أن الرماد لا يتحول إلى الأبيض الناصع، لكن هذا يرجع إلى أنه يتلون من جديد، أثناء عملية الاحتراق، بفعل الدخان؛ ذلك الدخان أسود اللون ... والأسود هو اللون الحقيقي للعناصر أثناء عملية التحول. وقد يكون من السهل رؤية أن بقية الألوان تنشأ عن المزج، من خلال خلط هذه الألوان الأساسية.»
ظلت وجهة النظر تلك مقبولة لقرون عديدة. أما الصينيون فقد اعترفوا بوجود خمسة عناصر هي: الأرض ذات اللون الأصفر، والنار ذات اللون الأحمر، والماء ذو اللون الأسود، والخشب ذو اللون الأخضر، والمعدن ذو اللون الأبيض، وحذفوا عنصر الهواء. وعلق تشارلز ألفريد سبيد ويليامز في كتابه «أطر الرمزية الصينية» قائلا: «قام نظام الفلسفة الصينية بأكمله على هذه العناصر الخمسة، أو مكونات الطبيعة النشطة دائما.»
وفي القرن الأول الميلادي، ربط المؤرخ اليهودي يوسيفوس اللون الأبيض بالأرض، والأحمر بالنار، والأرجواني بالماء، والأصفر بالهواء. وبعد ذلك بخمسة عشر قرنا، قال الرائع ليوناردو دافينشي في كتابه «دراسة عن الرسم»: «أول الألوان البسيطة كلها هو اللون الأبيض، ورغم ذلك لن يعتبر الفلاسفة أن أيا من اللونين الأبيض أو الأسود يعتبر من الألوان؛ لأن اللون الأول هو المسبب أو المستقبل للألوان، بينما اللون الآخر محروم من الألوان. لكن نظرا لأن الرسامين لا يمكنهم الاستغناء عن أي منهما، فإننا سوف نضعهما بين الألوان الأخرى. ووفقا لترتيب هذه الأمور، فسوف يأتي الأبيض في المرتبة الأولى، والأصفر في المرتبة الثانية، والأخضر في المرتبة الثالثة، والأزرق في المرتبة الرابعة، والأحمر في المرتبة الخامسة، والأسود في المرتبة السادسة. لنعتبر أن اللون الأبيض هو ممثل الضوء الذي من دونه لا يمكن رؤية أي لون من الألوان، وسنعتبر الأصفر لون الأرض، والأخضر لون الماء، والأزرق لون الهواء، والأحمر لون النار، والأسود لون الظلام التام.» (3) جهات العالم الأربع
على صعيد استجابة البشر للألوان، من الغريب ملاحظة أن الإنسان تصور أن للأرض جهات أو اتجاهات أربعة لكل منها لون رمزي. ومرة أخرى لا يتعلق الأمر بصورة جوهرية بالجمال، لكنه يتعلق بالمعنى السحري والرمزي. لقد ارتدى الفرعون المصري تاجا أبيض اللون رمزا لسيطرته على مصر العليا، وتاجا أحمر اللون رمزا لسيطرته على مصر السفلى.
كانت شعوب التبت تتصور العالم جبلا شاهق الارتفاع، وأطلق المغول على هذا الجبل اسم سومور. كانوا يعتقدون أنه في بداية الزمان نمت الأرض وارتفعت قمتها عاليا على نحو لا يمكن للإنسان بلوغه، وهكذا وفرت مكان إقامة مناسبا للآلهة. وتقول إحدى الأساطير القديمة إنه: «في البداية، لم يكن يوجد سوى الماء وضفدع، ونظر ذلك الضفدع إلى الماء، وحول الرب ذلك الحيوان وخلق العالم على بطنه، وجعل على كل قدم من أقدامه قارة، لكنه أنشأ على سرة ذلك الضفدع جبل سومور. وعلى قمة هذا الجبل يوجد النجم القطبي.»
كان جبل عالم التبت يشبه في شكله الهرم المكسور القمة، وكانت الجوانب المواجهة للجهات الأربع للبوصلة مصبوغة وتلمع مثل الجواهر. إلى الشمال كان اللون الأصفر، وإلى الجنوب كان اللون الأزرق، وإلى الشرق كان اللون الأبيض، وإلى الغرب كان اللون الأحمر. وفي كل اتجاه من هذه الاتجاهات كانت توجد قارة على بحر مالح. وكانت القارات والجزر الطافية على تلك البحار تشبه في أشكالها وجوه الشعوب التي تقطنها. كانت شعوب الجنوب، في الهند والصين ومنغوليا، وجوههم بيضاوية، وشعوب الشمال وجوههم مربعة، وشعوب الغرب وجوههم مدورة، ووجوه سكان الشرق هلالية الشكل.
على القدر نفسه من الإثارة، كان تصور الصين القائل بوجود ملوك السماء الأربعة. كان مو لي شو حارس الشمال ذا وجه أسود، وكان داخل حقيبته مخلوق اتخذ شكل ثعبان أو فيل أبيض الجناحين يلتهم الرجال، وكان مو لي هونج حارس الجنوب ذا وجه أحمر، ويحمل مظلة الفوضى، عندما يرفع تلك المظلة يحل الظلام الشامل والرعد والزلازل، وكان مو لي تشينج حارس الشرق ذا وجه أخضر، وكانت ترتسم على وجهه الشراسة، وكانت لحيته تشبه السلك النحاسي، وبسيفه المسحور الذي يسمى السحابة الزرقاء أتى برياح سوداء أنتجت عشرات الآلاف من الرماح التي مزقت ودمرت أجساد الرجال، وكان مو لي هاي حارس الغرب ذا وجه أبيض، وكان صوت قيثارته يستمع إليه العالم أجمع، ويشعل النار في معسكرات أعدائه.
لا شك أن الجهات الأربع للأرض تشير إلى حركة الشمس من الصباح إلى الظهيرة إلى المساء، على أن تكون الجهة الرابعة هي التي تشير إلى تلك المنطقة من العالم التي لا تصل إليها الشمس. ومن مصر إلى التبت إلى الصين، ومن ثم حول أنحاء العالم، تتكرر الرموز الدالة على جهات البوصلة. وقد خصص قدماء الأيرلنديين اللون الأسود للشمال، والأبيض للجنوب، والأرجواني للشرق، والبني الرمادي للغرب، واختارت شعوب المايا التي سكنت شبه جزيرة يوكاتان اللون الأبيض للإشارة إلى الشمال، والأصفر للإشارة إلى الجنوب، والأحمر للإشارة إلى الشرق، والأسود للإشارة إلى الغرب. وبين قبائل الهنود الحمر الأمريكيين (قبيلة أباتشي، وقبيلة شيروكي، وقبيلة تشيبوا، وقبيلة كريك، وقبيلة زوني) خصصوا الألوان للإشارة إلى الجهات الأربع، وكانت تلك الألوان المخصصة من الممكن أن تختلف من قبيلة لأخرى.
تبعا لإحدى القصص الخرافية، فقد تجولت قبيلة نافاهو منذ آلاف السنوات في أرض محاطة بجبال شاهقة. شكلت مرتفعات ومنخفضات تلك الجبال الليل والنهار. كانت الجبال الشرقية بيضاء وأتت بالنهار، وكانت الجبال الغربية صفراء وأتت بالشفق، وكانت الجبال الشمالية سوداء وغطت الأرض بالظلمة. أما الجبال الزرقاء الجنوبية فخلقت الفجر.
خصص الهنود الحمر الألوان أيضا للعالم السفلي، الذي كان أسود في العموم، وللعالم العلوي الذي كانت لديه ألوان كثيرة. كل هذه الرمزية كانت جزءا من فنونهم. وكانت الوشوم الموجودة على وجوههم والألوان المستخدمة في الأقنعة والتماثيل والقبعات تحفل بالمعاني، وليست مجرد نتاج مزاج فني. وطبقوا هذه الألوان - الدالة على اتجاهات البوصلة - على أغانيهم ومراسمهم وصلواتهم وألعابهم. وحتى في اليوم الحاضر، عندما ينفذ أحد أفراد قبيلة هوبي أحد الرسوم باستخدام مساحيق الألوان الجافة، فإنه يكون صوفيا قبل أن يكون فنانا. واتباعا للتقاليد الدينية يضع اللون الأصفر أولا، ذلك اللون الذي يمثل الشمال. وبعد ذلك، يضع على الترتيب كلا من الأخضر أو الأزرق إلى الغرب، والأحمر إلى الجنوب، وأخيرا الأبيض إلى الشرق.
ما قد ينظر إليه كثير من الناس في وقتنا المعاصر باعتباره ساحرا ورومانسيا في حضارة الهنود الحمر له جذور - على الأرجح - في الصوفية والرمزية؛ فالهندي الأحمر لم يكن «مسحورا» فحسب بجمال الألوان، بل كان يعزو إليها سحرا محددا. وبالنسبة إليه، كان اللون الأحمر يرمز إلى النهار، والأسود يرمز إلى الليل دائما، وكان الأحمر والأصفر والأسود تمثل ألوانا ذكورية، بينما الأبيض والأزرق والأخضر تمثل ألوانا أنثوية. وربطت بعض القبائل الألوان بالعناصر الهندية الأربعة التي تمثلت في النار والرياح والماء والأرض. وبالنسبة لقبيلة شيروكي، مثل الأحمر النجاح والنصر، ومثل الأزرق المحنة والهزيمة، بينما مثل الأبيض السلام والسعادة، ومثل الأسود الموت، وكانت العصي المستخدمة في الصلوات خضراء فاقعة اللون لاستحضار المطر، وحمراء باهتة اللون قبل الحرب. (4) الآلهة
كل الأديان، البدائية أو غيرها، كانت تتصور آلهتها ذات ألوان براقة؛ لأن الآلهة تسكن دائما في السماء التي منها تسطع الشمس والقمر والنجوم وقوس قزح (وعادة كانت آلهة الأرض فانية أو شريرة). كان الإله هو الشمس نفسها في أغلب الأحيان. ودعوني أعرض بعض الأمثلة المختصرة المأخوذة في مجملها من كتابي «قصة الألوان».
في مصر، كانت الشمس نفسها هي رع وأوزوريس (كانت إيزيس هي القمر)، وقد يكون رمزها هو الذهبي أو الأصفر أو الأحمر. وفي أجزاء من الهند يقال إن لون الشمس كان هو الأزرق . ويقال إن اسم «سولومون» هو اسم الشمس في ثلاث لغات.
وفي اليونان القديمة، كان الأصفر أو الذهبي مخصصا للإلهة أثينا، وكان معبدها البارثينون في مدينة أثينا، وكان اللون الأحمر مخصصا للإلهة سيريس؛ إلهة الحصاد، وكان ديونيسوس؛ إله الخمر، ذا وجه أحمر، وكان لون إيريس هو لون قوس قزح.
وفي الهند، كان لون بوذا هو الأصفر أو الذهبي. ووفقا للنصوص المقدسة البوذية فإنه: «لم يكد يطأ بقدمه اليمنى بوابة المدينة حتى انبعثت من جسده أشعة لستة ألوان مختلفة، وانتشرت في كل حدب وصوب فوق القصور وأبراج الباجودا، وزينتها بما يشبه بريق الذهب الأصفر، أو بما يشبه ألوان إحدى اللوحات.» أما إذا تفكر البوذا في خطايا البشر، فإنه حينئذ يرتدي اللون الأحمر. وتقول المصادر البوذية: «كان الرجل المبارك الذي يرتدي رداء من قماش أحمر مزدوج، ويربط نطاقه على خصره، ويلقي بردائه العلوي على كتفه اليمنى؛ يذهب إلى هناك ويجلس، ويظل وحيدا لبرهة، ويبدأ في التأمل.»
وفي الكتاب المقدس، في العهدين القديم والجديد، توجد إشارات كثيرة إلى الألوان، وتوصف الألوان عند ذكر خيمة البرية ذات الستائر الكتانية ذات اللون الأزرق والأرجواني والقرمزي؛ فلقد أمر الرب موسى أن: «كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة؛ من كل من يحثه قلبه السموح تأخذون تقدمتي، وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس، وإسمانجوني (أزرق) وأرجوان وقرمز وبوص (كتان)، وشعر معزى، وجلود كباش محمرة، وجلود تخس، وخشب سنط، وزيت للمنارة، وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر، وحجارة جزع، وحجارة ترصيع للرداء والصدرة.»
كان لون الله الأب أزرق وفقا لسفر الخروج، «ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف تبدو كذات السماء في النقاوة.» وتقول الأسطورة إن الوصايا العشر كانت مكتوبة على حجر عقيق أزرق، وإن العقيق الأحمر كان على مقدمة سفينة نوح.
ويشبه حزقيال الرب بقوس قزح فيقول: «ومثل منظر قوس قزح في الغيم في يوم ماطر، هكذا كان منظر النور من حوله . كان هذا هو مظهر ما يشبه مجد الرب.» ويستطرد حزقيال فيقول: «وفوق المقبب الذي على رءوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق، وعلى شبه العرش شبه منظر إنسان عليه من فوق، ورأيت مثل منظر النحاس اللامع (لون الكهرمان).»
ويرتبط اللون الأخضر الزمردي بالمسيح. ووفقا للقديس يوحنا اللاهوتي: «وكان الجالس في المنظر شبه عرش من حجر اليشب والعقيق، وكان يوجد قوس قزح حول العرش يشبه الزمرد.» واللون الأزرق بين المسيحيين يرتبط غالبا بمريم العذراء.
وما زالت رمزية الألوان في كل من اليهودية والمسيحية حاضرة في طقوس هاتين الديانتين. ومع تغير الملابس المختلفة الألوان من فصل لآخر قد تبهج الألوان العين، لكنها تخبرنا عن الاحتفالات والآلام التي كانت ذات معان مهمة قبل أن تكون جميلة. (5) الكواكب والنجوم
كان القدماء يهتمون اهتماما مثيرا بالكون والشمس والنجوم والكواكب؛ لأنهم رأوا أنها هي المنظمة لكل أمور الحياة. ومعظم الأبنية الأثرية المتبقية من القرون الماضية تتكون من معابد وأضرحة، وليست منازل. وكان لزاما أن تكون الآثار المهمة أنيقة ومخصصة للقوى الإلهية، وليس للإنسان العادي. ومن الاكتشافات المميزة حقا تلك العلاقة الوثيقة والصوفية بين الألوان والعمارة. في الغالب، كانت المباني المصرية ذات أرضيات خضراء مثل المروج المحيطة بالنيل، وأسقف زرقاء مثل السماء.
دعوني أشر إلى مثالين رائعين على الرمزية اللونية في المعابد القديمة. منذ سنوات، أثناء رحلة استكشافية مشتركة ما بين المتحف البريطاني ومتحف بنسلفانيا، اكتشف الدكتور تشارلز ليونارد وولي «الزقورة» القديمة؛ جبل الرب، في منطقة أور الواقعة بين بغداد والخليج العربي، التي تعد واحدة من أقدم المباني في العالم. تلك الزقورة التي تعود إلى عام 2300 قبل الميلاد، كان يعتقد أنها المنزل الأصلي للنبي إبراهيم، والذي شيد قبل الطوفان. بلغ طول البرج 200 قدم، وبلغ عرضه 150 قدما، وكان ارتفاعه في الأصل حوالي 70 قدما. لقد كانت كتلة صلبة عملاقة من الحجر مكونة من أربع طبقات. ووجد وولي غيابا للخطوط المستقيمة. كانت المستويات الأفقية ناتئة للخارج، والمستويات الرأسية محدبة نسبيا، وهي سمة كان يعتقد قديما أنها ذات أصل إغريقي، وهي واضحة إلى حد كبير في مبنى البارثينون. كان لون الطبقة السفلى من البرج هو الأسود، وكانت الطبقة العليا حمراء اللون، وكان الضريح مغطى ببلاط مصقول أزرق اللون، وكان السقف مغطى بمعدن مطلي بالذهب. وكتب وولي فقال: «كان لهذه الألوان أهمية صوفية، وكانت تمثل أقسام الكون المختلفة، والعالم السفلي المظلم، والأرض الصالحة للسكن، والسموات والشمس.»
ثم اكتشف المزيد من «الزقورات» المهيبة؛ ففي القرن الخامس قبل الميلاد، كتب المؤرخ هيرودوت عن مدينة إكباتانا فقال: «بنى الميديون المدينة التي يطلق عليها الآن إكباتانا، وجدران تلك المدينة هائلة الحجم والقوة، وترتفع في دوائر بعضها داخل بعض. ويتمثل تصميم البناء في أن كل جدار لا بد أن يعلو على الجدار السابق له من خلال شرفات الحصن. وطبيعة الأرض المتمثلة في تل غير منحدر تفضل هذه الطريقة المستخدمة في البناء إلى حد ما، لكن تلك الطريقة متأثرة في الأساس بالناحية الفنية. عدد هذه الدوائر سبع، ويقف القصر الملكي والخزائن داخل الدائرة الأخيرة. ومحيط الجدار الخارجي يساوي تقريبا محيط الجدار الخارجي لمدينة أثينا. في هذا الجدار الأخير، تكون شرفات الحصن بيضاء، وتكون سوداء في الجدار التالي، وقرمزية في الثالث، وزرقاء في الرابع، وبرتقالية في الخامس، وكلها ملونة بالطلاء. أما الجداران الأخيران ففيهما الشرفات مغطاة باللونين الفضي والذهبي على الترتيب. كل هذه التحصينات أمر الملك ديوكس بتشييدها من أجل نفسه ومن أجل قصره.»
ووفقا لكل المؤشرات، فإن هيرودوت كان يشير إلى معبد نبوخذ نصر العملاق، الموجود في مدينة بورسيبا؛ المعروفة حاليا بمدينة بيرس نمرود. وقد اكتشفت أحجار ذلك المعبد في الأيام المعاصرة، ووجد أنها تحمل طابع الملك البابلي، الذي يبدو أنه أعاد بناء المعبد في القرن السابع قبل الميلاد. كانت قاعدة المبنى تبلغ 272 قدما مربعا، وترتفع لسبعة مدرجات كل منها يبعد عن نقطة مركزية. كتب جيمس فيرجسون عن هذا المعبد يقول: «هذا المعبد، كما عرفنا من فك رموز الشفرات المكتوبة على الأسطوانات الموجودة عند زواياه، كان إهداء إلى الكواكب السبعة أو الأجرام السماوية السبعة، ووجدنا وفقا لذلك أن المعبد مزين بالألوان الخاصة بتلك الكواكب، فكان المدرج السفلي الذي كثرت فيه الزينة بالقطع الخشبية أسود اللون مثل لون زحل، والمدرج التالي برتقالي اللون مثل لون المشتري، والثالث لونه أحمر رمزا للمريخ، والرابع أصفر؛ لأنه يخص الشمس، والخامس والسادس أخضر وأزرق على الترتيب؛ لأنهما مخصصان للزهرة وعطارد، وكان العلوي أبيض - على الأرجح - لأنه اللون الذي يخص القمر الذي كان مكانه في النظام الفلكي الكلداني في الأعلى.»
إن استخدام الألوان على هذا النحو هو بالطبع بعيد عن روح ومقصد اختيار الألوان المستخدمة في المباني في الوقت المعاصر. وأعتقد أنه من المهم تذكر أن الإنسان القديم كان صوفيا قبل أن يكون فنانا. وتوجد أدلة واضحة على أنه لم يعبر إلا قليلا عن مشاعره الخاصة، لكنه بدلا من ذلك نفذ التعليمات المعقدة التي أقرها الآخرون. كان أبو الهول وجهه أحمر اللون، وكان ملونا أيضا على هذا النحو زقورات آسيا الصغرى، وكافة أعمال العمارة والمنحوتات القديمة الإغريقية، وأهرامات ومعابد حضارة الإنكا ومايا والتولتك، وأضرحة المكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. (6) الثقافة
يمكن أن تستمر قصة التاريخ القديم للألوان إلى ما لا نهاية، ويمكن للقارئ المهتم بمعرفة ذلك التاريخ أن يستعين بكتاب آخر من مؤلفاتي. وختاما لهذا الفصل، إليكم ملاحظات متنوعة عن الألوان والثقافة التي تستمر في سرد الدور الرمزي والعملي للألوان في حياة الإنسان في الماضي (ستجدون المزيد من المراجعات التاريخية في مقدمات الفصول القادمة).
قد يتذكر المرء بعض الإشارات المتعلقة بالألوان من قبيل العصر الذهبي، الأرجواني الإمبراطوري، عقد الموف (الخبازي). في الصين، كان اللون الملكي لأسرة سونج الحاكمة (960-1127 ميلاديا) هو اللون البني، وكان اللون الملكي لأسرة مينج (1368-1644) هو اللون الأخضر، واللون الملكي لأسرة تشينج (1644-1911) هو الأصفر. وفي روما، كان الإمبراطور يرتدي الأرجواني تجسيدا لكوكب المشتري، وكان هذا اللون خاصا بالإمبراطور على نحو حصري.
وفي الهند، كان يوجد في الأصل أربع طبقات هي: البراهمة، والكشاتريون، والفايشاش، والشودر. وكما تقول القصة، فقد كان الجنس البشري مكونا من أربعة أعراق: من فم الخالق جاء البراهمة، ومن ذراعيه جاء الكشاتريون، ومن فخذيه جاء الفايشاش، ومن قدميه جاء الشودر. كانت هذه هي «الفارنات» الأربعة، و«فارنا» كلمة سنسكريتية تعني «لونا».
كان البراهمة بيض البشرة، وكان من المفترض أن يدرسوا، ويعلموا، ويقدموا القرابين لأنفسهم، ويكونوا كهنة لغيرهم. كانوا يعطون العطايا ويتسلمونها، وكانوا مميزين ومن طبقة مقدسة، وكان الكشاتريون حمر البشرة، وكان من المفترض أن يدرسوا لا أن يعلموا، وأن يقدموا قرابين بأنفسهم، لكن لم يكن مسموحا لهم بالعمل ككهنة. كان من المفترض أن يقدموا العطايا لا أن يأخذوها. كانوا يمثلون طبقة الجند، وحكموا وخاضوا الحروب. وكان الفايشاش صفر البشرة، وكانوا يمثلون طبقة التجار. كان مسموحا لهم بالدراسة وتقديم القرابين بأنفسهم، وتقديم العطايا، وزراعة الحقول، وتربية الماشية، والتجارة، وإقراض المال بفائدة، وكان الشودر سود البشرة، وكانوا ينتمون لطبقة الخدم، ويكسبون قوتهم من خلال العمل لدى الآخرين، وكان من الممكن أن يمارسوا بعض الفنون المفيدة، لكن لم يكن مسموحا لهم دراسة نصوص الفيدا المقدسة.
كانت الألوان مخصصة للكواكب ولعلامات دائرة البروج، وما زال المنجمون المعاصرون يخصصونها للكواكب أيضا (تذكر وصف هيرودوت لمدينة إكباتانا المقتبس في السابق).
كانت لمختلف أشكال التراث ألوان خاصة لشعارات النبالة والأعلام والشعارات الرمزية، ودلالة رمزية لهذه الألوان استمرت حتى يومنا المعاصر، مثل تلك الموجودة في الملابس الدينية وفي الأوشحة الممثلة للمواد التي يتعلمها الطلاب في كبرى الكليات على النحو التالي: القرمزي للدين، الأزرق للفلسفة، الأبيض للفنون والآداب، الأخضر للطب، الأرجواني للحقوق، الأصفر الذهبي للعلوم، البرتقالي للهندسة، والوردي للموسيقى.
وتوجد لدى القبائل البدائية حتى يومنا الحاضر طقوس خاصة بالألوان متعلقة بالميلاد والموت، وختان الصبية، وبلوغ الفتيات، وحماية قتلة الأسود وقتلة البشر. وفي تلك الطقوس يلون أفراد القبيلة أجسامهم بالأصباغ، ويرتدون التمائم، ويعرضون الألوان السحرية في ملابسهم الشعائرية. لقد كانت الغرابة تكتنف ألوان القدماء، وكذلك الجمال، وإن جاء مصادفة.
وفيما يلي بعض الإشارات المثيرة المتعلقة بالأهمية الأسطورية والرمزية للألوان في حياة البشر على مر العصور. لقد كان اللون يستحوذ على حياة الإنسان البدائي والقديم من الميلاد إلى الممات؛ فمن وشاح التعميد الأرجواني الذي يرتديه الكاهن المسيحي في أوروبا، إلى الصبي الهندي الأحمر الذي كانوا يلطخون وجهه بالطين الأبيض عند ختانه، لطالما كان اللون في كل البقاع وفي كل الأمم واحدا من أولى وسائل التبرك لدى الإنسان، وآخر وسيلة تبرك مقدسة تغطي جسده؛ فقد كانوا عندما يصل الصغير إلى مرحلة الطفولة يحمونه بالطلاسم، ويخلصون منزله من الشرور من خلال سحر الألوان، وتقريبا كان كل ما هو متعلق بالحضارة والثقافة مرتبطا بألوان الطيف.
لقد كانت الحياة عزيزة، والدم مأساويا، والموت مروعا، وكان الإنسان في صراع لا ينتهي مع قوى الطبيعة، وإرادة الآلهة، ولعنة الشياطين. كان الإنسان يولد من جسد امرأة، وعندما يموت يتعفن جسده ويتحول للون الأسود. كان يختن، وكان منظر دم البلوغ يخيفه. كان يعزل ابنته، وكان واجبا تغطيتها باللون الأحمر، أو دفنها في التراب، أو حبسها في أحد الأكواخ، وكان لزاما أن تأتي ووجهها مخضب بالأحمر والأبيض؛ كي لا تلد وحوشا بعد زواجها. كان لزاما أن تتزوج، وكان لا بد أن تكون مراسم الزواج الأكثر بهجة بين الطقوس. ويجب أن تعج مراسم الزواج بالألوان، وكان لزاما حماية العروسين بقوة سحر الألوان طوال حياتهم الزوجية.
وبين اليهود القدماء، كانت طقوس الزواج تتم تحت التاليت؛ وهو وشاح حريري ذهبي اللون مدعوم بأربعة حبال، وكانت العروس تسير حول ذلك الوشاح سبع مرات تخليدا لذكرى حصار أريحا. وفي الهند، كانوا يستخدمون الخضاب الأحمر، وحتى الدم أيضا، وكانت العروس الهندوسية قبل ستة أيام من زفافها ترتدي ملابس صفراء قديمة رثة لإبعاد الأرواح الشريرة، وكانت ملابس طقوس الزفاف صفراء، وكذلك كانت ملابس الكاهن أيضا، وكانت الزوجة بمجرد أن تتزوج ترتدي ملابس صفراء عند عودة زوجها من رحلة طويلة.
وفي الصين، كانت العروس ترتدي رداء أحمر مطرزا بالتنانين، وكانت تحمل على كرسي زفاف أحمر مزين بمصابيح منقوش عليها اسم عائلة العريس باللون الأحمر، وكانت تحمل مظلة حمراء. كانوا يفرقعون من أجلها مفرقعات حمراء، وخلال مراسم الزفاف كان العروسان يشربان نخبا من خمر وعسل من قدحين مربوطين معا بشريط أحمر.
وفي اليابان، كان يقال إن ابنة الرجل الذي أطعم ألف حصان أبيض في منزله ستتزوج أميرا. وفي الهند الشرقية الهولندية، كانوا ينثرون الأرز الأحمر أو الأصفر على العريس لمنع روحه من الطيران. وكان الأحمر لون جرعة الحب السحرية، وكانوا يقولون لو أن اسمي فتى وفتاة كتبا على ورقة بيضاء بدم دجاجة؛ فإن هذه الفتاة ستصبح مفتونة بالفتى عندما تلمس بهذه الورقة.
وكان الأحمر والأصفر لوني الزواج في مصر والشرق وروسيا وجزر البلقان، وما زالا كذلك. وفي البلدان الغربية، كان الأزرق هو لون العبادة. وفي إحدى القصائد الإنجليزية القديمة، المعروفة للجميع، تنصح العروس بارتداء ما يلي:
شيء قديم، وشيء جديد.
شيء مستعار، وشيء أزرق.
وإذا كانت مراسم الزواج مبهجة، فقد كانت طقوس الموت ثقيلة الوطأة، ومعقدة، ومهيبة. لقد واجه الإنسان أكبر الألغاز على الإطلاق، ودخل إلى عوالم لم يرجع منها أحد مطلقا. وعلى الرغم من أن الحياة الفانية الخالية من الخطايا قد تضمن خلاص الإنسان، فحتى الإنسان المخطئ قد لا يموت للأبد. ورغم ذلك، سواء كان الميت صالحا أم شريرا، فلا بد أن يدفن. ويجب أن تعد أسرته جسده وتجهز المقبرة بالتجهيزات الضرورية لرحلته إلى عالم الخالدين.
وفي البلاد البربرية، كانت خرافة غدر الشياطين تحكم السكان الأصليين، فعندما كان يقتل أحد أفراد شعب ناندي الذين يسكنون شرق أفريقيا فردا من قبيلة أخرى، فإنه كان يدهن جانبا من جسده ورمحه وسيفه باللون الأحمر، والجانب الآخر باللون الأبيض. وكان يعتقد أن هذا يحميه من شبح الضحية. وفي فيجي، كان الشخص الذي ضرب رجلا آخر بهراوة فأرداه قتيلا يلطخه زعيم القبيلة باللون الأحمر من شعر رأسه لأخمص قدميه. وفي جنوب أفريقيا، كان قاتل الأسود يدهن جسمه باللون الأبيض، ويجلس في عزلة لأربعة أيام، ثم يعود إلى قريته ولحمه مغطى باللون الأحمر.
أما اللون الأسود، فهو اللون العالمي للحداد بين كل الشعوب الغربية تقريبا؛ لأنه يشبه مظهر الموت تماما. وبعض القبائل البدائية يصبغون أسنانهم باللون الأسود بعد وفاة أحد أقاربهم. وفي إنجلترا، كانت ملابس الأرامل بيضاء مغطاة بالأسود. وكان الخدم أثناء الحداد على سادتهم يرتدون ملابس سوداء لا يخالطها أي لون آخر، حتى في الأزرار.
الفصل الثاني
الاستجابة البيولوجية
يتناول هذا الفصل ظواهر الضوء الأبيض والضوء الملون وتأثيرها على الكائنات الحية. يقول ريتشارد جيه وورتمان: «يبدو واضحا أن الضوء هو أهم عامل بيئي، بعد الغذاء، في التحكم في وظائف الجسم.» دعوني أتطرق إلى التأثيرات البيولوجية للضوء من خلال التعليق أولا على الأشكال الأخرى للطاقة الكهرومغناطيسية. إذا بدت الفقرات القليلة التالية أكاديمية بالنسبة للقارئ المثقف، فسامحوني من فضلكم.
المدى الكامل للطاقة الكهرومغناطيسية، وفيها الضوء المرئي والضوء الملون، مدى هائل. تسافر كل هذه الطاقة بسرعة تقدر بحوالي 186 ألف ميل في الثانية، وفقا لقياس ألبرت ميكلسون لها منذ عقود عدة مضت. وعلى الرغم من ثبات السرعة، فإن أطوال موجات الطاقة تختلف باختلاف قياسها من قشرة إلى أخرى، وعلى الرغم من أن قياسات تلك الموجات تتراوح ما بين عدة آلاف قدم عند أحد طرفي الطيف الكهرومغناطيسي وأجزاء متناهية الصغر من البوصة عند الطرف الآخر، فإن المجتمع العلمي راض إلى حد كبير عن دقة الأرقام. (1) تحت الضوء المرئي
تستخدم الموجات الطويلة في الاتصال اللاسلكي، بعد أن اخترعه جولييلمو ماركوني في مطلع القرن العشرين، وتستخدم تلك الموجات في الاتصالات الطويلة المسافة. وقد نقل ماركوني الإشارات لأول مرة عبر المحيط الأطلنطي في عام 1901. ومثل ذلك بداية عالم هائل من الاتصالات «اللاسلكية» التي تخدم اليوم أغراضا ضرورية في الحياة العصرية. وحصل ماركوني على جائزة نوبل في عام 1909. وثاني أطول الموجات الكهرومغناطيسية هي موجات الحث الحرارية التي تستخدم في رفع درجات الحرارة من أجل تصليد المعادن.
تحتل موجات البث التجاري (إيه إم: تضمين السعة) المرتبة الثالثة، وتتمتع هذه الموجات بالقدرة على الانعكاس من طبقة الأيونوسفير؛ ومن ثم السفر حول الأرض. وتستخدم نطاقات الموجات القصيرة في البث العام، وفي سيارات الشرطة، وسيارات الأجرة، وفي الاتصالات اللاسلكية في النطاق المدني التي ظهرت في سبعينيات القرن العشرين. أما الموجات المستخدمة في الإنفاذ الحراري؛ وهي الموجات القادرة على توليد الحرارة عبر أقطاب كهربائية مثبتة بجسم الإنسان لتخفيف التهاب المفاصل وألم الأعصاب؛ فهي الأقصر بين هذه الموجات.
وينقل بث راديو إف إم (تضمين التردد) والتليفزيون والرادار عندما تصبح الموجات أقصر. ولأن هذه الطاقة تخترق طبقة الأيونوسفير، فإنها لا تنعكس إلى الأرض. ورغم ذلك، فمن خلال إطلاق أقمار صناعية فوق الأرض، يمكن استخدام تلك المحطات الموجودة في السماء كمرايا كي تعكس هذه الموجات مرة أخرى. وتستخدم أبراج الموجات الدقيقة (الميكروويف) التي نراها في كل أنحاء المعمورة لنقل الرسائل من نقطة إلى أخرى في خطوط مستقيمة.
وتخترق الأشعة تحت الحمراء الغلاف الجوي الثقيل. وبالاستعانة بكاميرات حساسة لهذه الطاقة سوف تلتقط صور للكون، لكنها غير مرئية للعين البشرية. ويمكن تسليط هذه الأشعة مثل البندقية لالتقاط أي شيء يشع حرارة، مثل أجسام جنود العدو (أو بقر الريف). أما الحرارة الإشعاعية المنبعثة من المشعات ومصابيح الأشعة تحت الحمراء فلها موجات تحت الضوء المرئي بكثير. (2) فوق الضوء المرئي
يتراوح نطاق المنطقة المرئية من طيف الموجات الكهرومغناطيسية ما بين الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي، وتتلاشى عند الأشعة فوق البنفسجية الطويلة الموجة. وقد ركز العلماء الأشعة ذات الضوء المرئي الموحد (غالبا الحمراء) في شعاع الليزر واستخدموها في تسليطها على القمر، وإنشاء قنوات اتصال، وقطع المعادن، وعمل ثقوب في قطع الماس، وإصلاح انفصال الشبكية في العين البشرية، بالإضافة إلى قائمة من الأمور المذهلة الأخرى التي تتزايد باستمرار. وأصبحت أشعة الليزر أيضا جزءا من التقنية الحديثة المسماة بالتصوير التجسيمي، الذي يخلق صورا ثلاثية الأبعاد دون استخدام طرق التصوير الفوتوغرافي التقليدية.
تنتج موجات الأشعة فوق البنفسجية الطويلة الفلورة في كثير من المواد، وتستخدم في مصباح الفلورسنت الحديث. والموجات فوق البنفسجية ذات الطول الموجي المتوسط تسفع الجلد (ويمكن أن تؤدي زيادة التعرض لها إلى الإصابة بالسرطان)، وتساعد في إفراز فيتامين د، وعلاوة على ذلك فإن إشعاع الأشعة فوق البنفسجية الأقصر طولا يقتل الجراثيم، ويعقم المواد الصلبة والماء والهواء.
تستخدم الأشعة الحدية أو الأشعة السينية «اللينة» في علاج بعض الأمراض الجلدية، وتستخدم الأشعة السينية ذات الطول الموجي القصير في أغراض التشخيص، في حين أن الأشعة السينية «الصلبة» تستخدم لعلاج الأورام والسرطانات العميقة داخل جسم الإنسان. وتستخدم أشعة جاما، التي اكتشفها بيير وماري كوري في عام 1898، في علاج الكثير من أنواع السرطان المميتة. أما انبعاثات الانشطار النووي المرتبط بالقنبلة الذرية، وقصف نواة الذرة، والمفاعل النووي، فما زالت أقصر من نظائرها، وأما الأشعة الأقصر طولا موجيا بين كل الموجات، فهي الأشعة الكونية المنتشرة في الكون، وهي بمنزلة اللغز. (3) مخاطر الطاقة الكهرومغناطيسية
لو كانت كل موجات الطاقة الكهرومغناطيسية مرئية للعين البشرية، لبدت وكأنها عاصفة ثلجية مسببة للعمى متجهة صوب الإنسان من كل الاتجاهات. إذن ما المخاطر التي تنطوي عليها تلك الطاقة؟ إن الإنسان مدرك للغاية لأخطار التعرض الزائد للطاقة النووية، ولإشعاع الراديوم والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية الزائدة عن الحد. كما أن المفاعلات النووية معرضة باستمرار للهجوم العام. ووقوع حوادث في تلك الأماكن من الممكن أن يؤدي بالفعل إلى نتائج كارثية، لكن ماذا عن الطاقة التي يفترض أنها غير ضارة؟ إن أجهزة التليفزيون الملون تبعث إشعاعا غير مرغوب فيه، واليوم أصبح مطلوبا من الناحية القانونية أن تزود تلك الأجهزة بدروع حماية على نحو مناسب. ويمكنك الشعور بهذه الطاقة عند وضع يدك بالقرب من شاشة التليفزيون. كما خضعت أفران الميكروويف أيضا للرقابة، ولا بد أن تزود بدرع حماية. وكما قال أحد مهندسي الإلكترونيات المتشككين بلهجة تحذيرية: «إن أفضل طريق لإعداد الطعام هو وضعه في الفرن، وغلق باب الفرن وتشغيله، والخروج مسرعا من المطبخ!»
يتعرض الناس عادة للإشعاع من أجهزة التليفزيون، ومن وسائل البث اللاسلكي باستخدام نظام تضمين السعة ونظام تضمين التردد، ومن أبراج الإرسال التليفوني، ومن أنظمة الاتصالات اللاسلكية والرادار المستخدمة في الشرطة وإذاعات النشرة الجوية وإذاعات المطارات، والإذاعات ذات النطاق المدني، والمحركات الكهربائية، والمولدات الكهربائية، وخطوط نقل البيانات العالية القوة، ولا داعي لذكر المخاطر المعروفة جيدا. كتب جون أوط في كتابه «الصحة والضوء» فقال: «وردتنا تقارير أيضا من مقاطعة مانيتوبا في كندا تفيد بأن قطعان الأبقار الحلوب الموجودة على مسافة ميلين من أبراج الإرسال التليفوني المعتمدة على موجات الميكروويف؛ قد انخفض إنتاجها من الحليب انخفاضا كبيرا، بالإضافة إلى الدواجن التي أصبحت تنتج جزءا قليلا من إنتاجها المعتاد من البيض، فضلا عن إصابة أسراب من الدجاج بحالة هياج هستيري مفاجئ لم يستدل على سببه.»
تطل علينا الأخبار اليوم بمقالات تتحدث عن المخاطر المتعلقة باستنزاف الأكسجين في طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي للأرض؛ تلك الطبقة التي تمتص بكفاءة إشعاع الأشعة فوق البنفسجية المميت. وتقول تلك المقالات إن الطائرات التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، والغاز المنبعث من رشاشات الأيروسول، وكذلك تجارب القنابل الذرية تستنزف الأكسجين. وإذا زادت نسبة وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض، فسوف تتدمر الكثير من أشكال الحياة النباتية والحيوانية، وسوف يحتاج الإنسان إلى حماية مناسبة من تلك الأشعة. أما الآثار البيولوجية لمصادر الإضاءة الصناعية (سوف نتحدث عنها بمزيد من الاستفاضة في الفصل القادم)، فتمثل مصدر قلق أقل تهديدا من غيره. وقد كثر الحديث عن «التلوث الضوئي»، ويقصد به غياب الضوء المتوازن أو ضوء الطيف الكامل. وتوجد أسباب وجيهة تجعل الإنسان ينظر بعين الريبة لوسائل الإضاءة التي لا ترقى للمصادر الطبيعية، المتمثلة في ضوء الشمس، أو ضوء السماء المتمثل في النجوم والقمر. وسوف أشدد على هذه النقطة في الصفحات القادمة. سوف أناقش أهمية الألوان للنباتات والحشرات والأسماك والطيور والحيوانات والبشر. (4) النباتات
أجري عدد كبير من الأبحاث حول تأثيرات الألوان على الحياة النباتية. وكان من ضمن الباحثين البارزين في هذا المجال إتش إيه بورثويك؛ من وزارة الزراعة الأمريكية، وستيوارت دون؛ من جامعة نيو هامبشاير، وآر فان دير فين وجيه مايور؛ من معامل أبحاث فيليبس في هولندا. لاحظ بورثويك وجود عداء بين الضوء الأحمر المرئي والأشعة تحت الحمراء غير المرئية؛ فالضوء الأحمر يؤدي إلى تبرعم بذرة الخس على سبيل المثال، في حين أن الأشعة تحت الحمراء تؤدي إلى موت البراعم. وبالمثل، يثبط الضوء الأحمر إزهار نباتات النهار القصير، ويدعم إزهار نباتات النهار الطويل. وقال فان دير فين ومايور إن النباتات تمتص الضوء الأحمر امتصاصا فائقا؛ ومن ثم يحدث نمو للنباتات على النحو الأكمل. وكان للضوء الأزرق تأثيرات مشابهة، لكن نشاط النباتات ظل حياديا أو انخفض مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر، ودمرت الأشعة فوق البنفسجية النبات.
الغريب في الأمر أن النباتات سجلت أعلى استجابة للضوء الأحمر والضوء الأزرق، وكانت غير نشطة مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر المصفر. أما العين البشرية، فتجد أعلى حساسية (قدرة على الرؤية) مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر المصفر. وفي صوبة زجاجية ذات ضوء صناعي ضعيف، تكون الإضاءة الخضراء «آمنة» للنباتات؛ لأن استجابة النبات لها إن وجدت فإنها ستكون قليلة. ويقول فان دير فين ومايو إن تأثير هذا الضوء على عالم فسيولوجيا النبات «يشبه تأثير الضوء الأحمر الياقوتي على مصور فوتوغرافي.»
وفي رسالة إلى المؤلف، ناقش ستيوارت دون؛ الباحث في مختبرات فسيولوجيا النباتات بجامعة نيو هامبشاير، نمو شتلات الطماطم فقال: «كان الإنتاج الصادر عن ضوء المصابيح البيضاء الدافئة هو الأعلى بين كل مصابيح الفلورسنت المتاحة في الأسواق. واحتل المرتبة التالية إنتاج المصابيح الزرقاء والوردية. وكانت إنتاجية المصابيح الخضراء والحمراء منخفضة. حققت المصابيح الحمراء التجريبية «العالية الشدة الضوئية» أعلى إنتاج بين كل المصابيح. أما نمو الساق (الاستطالة)، فيزيد زيادة كبيرة في وجود الجزء الأصفر من الطيف الضوئي ...» لكن «العصارة تزيد عن طريق الموجات الضوئية الطويلة (الأحمر)، وتقل عن طريق الضوء الأزرق.»
ويمكن التعجيل بتفتح زهور الأقحوان من خلال تغطية النباتات بقطعة قماش لجزء من النهار لتقليل طول تعرضها للضوء، ويمكن التحكم في الأوراق الملونة لزهرة بنت القنصل (البوينسيتيا) على نحو مشابه من خلال زيادة ساعات إضافية من التعرض للضوء في أوقات معينة. واقتباسا من مقالة لفيكتور إيه جرولياك: «تتضمن الأنواع الشائعة من نباتات النهار القصير كلا من الأزهار النجمية، وعشبة الخنازير، وزهور الداليا، والقسموس، وزهرة بنت القنصل، والأقحوان، والسرو المتسلق، والكبوسين أبو خنجر، وفول الصويا، والتبغ، وكل أزهار بداية فصل الربيع؛ مثل البنفسج وزهور الدموية (جذر الدم). ومعظم خضراوات الحدائق ومحاصيل المزارع تنتمي لنباتات النهار الطويل. وينمو القمح على نحو سريع عند زيادة ساعات النهار. وباستخدام الضوء الكهربائي لزيادة طول النهار، نمت ثلاثة أجيال من القمح في سنة واحدة. إن ساعات النهار الطويلة للغاية في صيف ولاية ألاسكا مسئولة إلى حد كبير عن زيادة محاصيل القش والقمح والبطاطس والخضراوات التي تنمو في ألاسكا. وفي المقام الأول، تتسبب زيادة طول ساعات النهار في الجزء الشمالي من وادي سنترال فالي في ولاية كاليفورنيا في نضج البرتقال في تلك المنطقة؛ ليصبح جاهزا لغزو الأسواق قبل أسابيع عدة من محصول البرتقال الذي ينمو على بعد أربعمائة ميل في النصف الآخر من الوادي في أقصى الجنوب.
نعتقد عادة أن النباتات الدائمة الإزهار أو النباتات الدائمة الإثمار هي أنواع خاصة بأصناف مثل الورد أو الفراولة، لكن كثيرا من النباتات يمكن أن تصبح دائمة الإزهار عندما نجعل طول ساعات النهار ضمن نطاق الإزهار الطبيعي. وهذا النطاق ضيق نسبيا بالنسبة لمعظم النباتات؛ ولذلك تقل النباتات الدائمة الإزهار في المناطق معتدلة المناخ التي تتغير فيها باستمرار مدة النهار. أما في المناطق الاستوائية التي تصل فيها ساعات النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، أو ما يقرب من ذلك طوال السنة، فنجد أن النباتات دائمة الإزهار هي القاعدة وليست الاستثناء، تماما كما قد تتوقع.»
إذا كانت الدورات الطبيعية لتعاقب الليل والنهار ليست مضبوطة وفقا لاحتياجات النبات، فقد تحدث المشاكل، وقد قال جون أوط عن نبات بنت القنصل (البوينسيتيا): «سمعت قصة من هونولولو تفيد بأن غرفة التجارة هناك وقعت في صعوبة عندما حاولت تشغيل مصابيح الضوء الغامر على بعض زهور البوينسيتيا في إحدى الحدائق. ومن المعروف أيضا أن وجود ضوء الشارع على مقربة شديدة من إحدى صوب البوينسيتيا سوف يسبب كافة أنواع مشاكل الإزهار للنبات.»
من المعروف أن مصابيح إنارة الشوارع تسبب الموت المبكر للشجر، وقد يكون سبب ذلك أنها تحث الشجرة على البدء في نمو غير طبيعي. وأضاف أوط بعض القصص العجيبة عن النباتات والضوء فقال: «ومن المثير أن تضع نبات الشمعية الذي يتفتح ليلا ونبات الصبار الذي يتفتح نهارا جنبا إلى جنب داخل خزانة مظلمة تماما، وتلاحظ أن النبات الليلي يتفتح في وقت الليل ثم يغلق خلال وقت النهار، بينما النبات النهاري يستجيب على نحو معاكس، بغض النظر عما إذا كان المصباح المتوهج العادي موقدا أم مطفأ. ومن الأمثلة الجيدة الأخرى: الطريقة التي يبسط فيها نبات المستحية أوراقه ويخفض فروعه ليلا، ثم يستعيد وضعيته النهارية عند شروق الشمس في الصباح التالي. وإذا وضعت نبتة المستحية في خزانة مظلمة خلال فترة النهار، فإن أوراقها تظل متفتحة في وضعية وقت النهار حتى تغرب الشمس خارج الخزانة. وسوف تستأنف النبتة وضعيتها النهارية عندما تشرق الشمس حتى لو ظلت داخل الخزانة المظلمة.» وهذا يجعل المرء يتساءل عن السحر الكامن وراء تلك الظواهر!
وفي فرنسا، أدى تعريض البطاطس للضوء الأحمر إلى تحفيز الإنبات، وحققت غلات المحاصيل نسبا مرضية. وعلى نحو سريع، أصبحت زراعة النباتات الزهرية في ظل إضاءة صناعية كاملة هواية قومية في الولايات المتحدة؛ ما جعل لغز وسحر الألوان أكثر إثارة للرجل العادي. (5) الحشرات
كثير من الحشرات إحساسها بالألوان ضعيف؛ فهي غير حساسة للون الأحمر، لكنها حساسة للون الأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي، وكذلك اللون فوق البنفسجي غير المرئي للإنسان. واختبرت مجموعة من الباحثين هم: إتش بي وايس، وإف إيه سوروسي، وإي إي ماكوي الابن، ما يقرب من 4500 حشرة، معظمها من الخنافس، ووجدوا أن 72 بالمائة من الحشرات استجابت بإيجابية لبعض الأطوال الموجية، بينما استجابت نسبة 33 بالمائة للأخضر المصفر، واستجابت نسبة 14 بالمائة للأزرق البنفسجي، واستجابت نسبة 11 بالمائة للأزرق، واستجابت نسبة 11 بالمائة للون فوق البنفسجي. وأظهر عدد قليل من الحشرات بعض الانجذاب إلى الألوان الدافئة؛ «ولذلك يبدو عموما أن الأطوال الموجية الأقصر للضوء أكثر تحفيزا وجاذبية، في حين أن الأطوال الموجية الأطول أقل تحفيزا إلى قدر كبير، وربما منفرة بطبيعتها لأشكال الحياة من رتبة غمديات الأجنحة [الخنافس].»
تستطيع الحشرات أيضا رؤية الأشعة فوق البنفسجية ورؤية ترددات تقترب من الأشعة السينية. ووجد فون فريش أن النحل يستطيع رؤية الفرق بين الأزرق والرمادي إذا كانا على نفس الدرجة من السطوع، لكنه تشوش عند إجراء الاختبار نفسه مع اللون الأحمر. وليست الحشرات وحدها التي لديها نطاق رؤية للألوان مختلف عن نطاق الطيور أو الإنسان، بل الزهور أيضا قد يختلف مظهرها بالنسبة لها؛ فبعض الأزهار (مثل البقلة الحمراء) تعكس الأشعة فوق البنفسجية، بينما الزهور الأخرى (مثل الزينية الحمراء) لا تعكسها. علاوة على ذلك، فالأشكال الموجودة على أجنحة بعض الفراشات والعثث سيكون تكوينها مختلفا تحت ضوء النهار الطبيعي عنه تحت الأشعة فوق البنفسجية.
إن المصابيح الكهربائية الصفراء التي تروج دعائيا على أنها طاردة للحشرات هي في الحقيقة مجرد مصابيح لا تحتوي على عامل جذب الحشرات، بينما تعد الأشعة فوق البنفسجية مصدر إغراء حاسما. ويبدو أن البعوض ينفر من الألوان الفاتحة وينجذب إلى الألوان القاتمة. وعند تبطين بعض العلب بقماش رقيق باللون الأزرق الكحلي والوردي والأصفر، تجمع قدر أكبر من الحشرات على العلب الزرقاء أكثر من العلب الوردية أو الصفراء. (6) الأسماك
قال جوردون لين وولز في كتاب «عيون الفقاريات»: «لا يعرف عن أي سمكة عدم امتلاكها القدرة على رؤية الألوان.» واستنتج أيضا أن: «الأسماك عموما تبدو إما كارهة للون الأحمر وإما مفضلة له على نحو حاسم.» في الماء يمتص الإشعاع الأحمر سريعا، بينما الأشعة الزرقاء وفوق البنفسجية لا يتم امتصاصها.
درس جون أوط؛ الباحث في معهد أبحاث الصحة البيئية والضوء، أنواعا أعلى من الأحياء البحرية، ولاحظ تأثيرات الأطوال الموجية المختلفة وشدة الضوء على الأسماك الاستوائية؛ فالأسماك الصغيرة التي أنتجت في ظل إضاءة فلورسنت وردية بلغت نسبة الإناث فيها 80 بالمائة، وبلغت نسبة الذكور فيها 20 بالمائة، ولم تنتج أي صغار في ظل الضوء الفلورسنت الأزرق، بل إن كميات الضوء الضعيفة للغاية تؤثر على التطور الطبيعي للسمك. ويناقش أوط معدل الوفاة في بيض السلمون المرقط في مفرخة ولاية نيويورك، الذي ارتفع فجأة إلى 90 بالمائة بعد أن كان أقل من 10 بالمائة، قائلا: «أرجع الدكتور ألفريد بيرلموتر - من جامعة نيويورك - السبب إلى تركيب مصابيح فلورسنت 40 واط في السقف، ووجد باحث آخر يدرس سمك تراوت قوس قزح أن المكون البنفسجي والمكون الأزرق للضوء الأبيض أو المرئي لهما تأثير مميت أكثر من تأثير الألوان الخضراء والصفراء والبرتقالية.» (7) الطيور
تتميز الطيور برؤية فائقة للألوان لا سيما اللون الأحمر، ويقال إن هجرة الطيور تتأثر بطول مدة النهار. عندما تصبح أيام الصيف أقصر، يستحث الطائر شيء داخله (ربما من خلال الغدة النخامية) كي يسافر لمناطق أفضل من الناحية المناخية. وقد يحدث هذا حتى عندما تصبح محاصيل الخريف ناضجة، وتكون البذور والحشرات وافرة.
يعرض الفلاحون الهولنديون واليابانيون الطيور المغردة لقدر أعلى من الإضاءة لتحفيزها على الغناء. ووجد أحد العلماء الإنجليز أن الزرازير التي تعيش في سيرك بيكاديلي في لندن وما حوله تتزاوج في وقت لا تتزاوج فيه طيور الزرازير الأخرى الموجودة في أكسفورد. وافترض هذا العالم أن السبب وراء ذلك هو ضوء مسارح برودواي. ولزيادة إنتاج بيض الدجاج والبط، يستخدم غالبا مزيد من الإضاءة لإكمال مدة ضوء النهار.
هل يوجد لون منفر للطيور؟ لقد نثرت حبوب مسمومة في أحد الحقول لقتل الفئران (التي لا ترى الألوان)، وتناولت الطيور تلك الحبوب دون تمييز. ولو كانت الحبوب المسمومة قد صبغت باللون الأخضر ما كان هذا سيشكل أي فارق بالنسبة للفئران، لكن الطيور كانت ستعتبر تلك الحبوب غير ناضجة وتبتعد عنها. وقد فكر البريطانيون في استخدام ملون أرجواني على مدارج الطائرات لتنفير الطيور، وربما لإبعادها. (8) الحيوانات
إن طول مدة النهار له تأثيرات مشابهة على الحيوانات، ويقول فريدريك إيلينجر إن مدة ضوء النهار تبدو السمة الأهم من كل السمات في تحفيز أو تثبيط النشاط الجنسي. وفيما يلي ما قاله إيلينجر في كتابه «الأساسيات البيولوجية للعلاج الإشعاعي»، إذ قال إن الخيول والحمير تتزاوج خلال الفصول التي يكون فيها ضوء النهار طويلا، ويقل نشاطها الجنسي من أكتوبر إلى يناير. وعند تعريض الفرسات إلى إضاءة إضافية خلال شهور الشتاء قد يتأثر نشاط التبويض. وتقل الخصوبة في الماشية والأغنام والخنازير خلال شهور الصيف. وفي هذه الأنواع من الحيوانات السالفة الذكر يقتصر النشاط الجنسي عادة على فصلي الخريف والشتاء.
ويروي إيلينجر المزيد عن باحث من ألاسكا يدعى دبليو جيه سويتمان: «حصل على تحسن في خصوبة الحيوانات خلال فصل الشتاء من خلال توفير الإضاءة للحيوانات [الأبقار] لمدة 14 ساعة يوميا، في حين أن ضوء النهار في ذلك الوقت من السنة يستمر فقط لمدة تتراوح ما بين ست وثماني ساعات.» ووجد عالم آخر يدعى إتش جيه فون شومان «أن عدد ساعات ضوء الشمس هو العامل الأهم في تكوين القرون» عند الأيائل. وافترض أن الحيوان يمتص ضوء الشمس من خلال جلده؛ مما يؤدي إلى تكوين فيتامين «د» وتعزيز نمو القرن. وتمكن عالم حيوان يدعى تي إتش بيسونت من تحويل لون حيوانات بنات عرس إلى الأبيض في الصيف بدلا من الشتاء؛ من خلال تنظيم تعرضها لضوء النهار. ونجح أيضا في جعل الماعز تدر لبنا في أوقات من العام لا تدر فيها اللبن؛ وذلك من خلال التحكم في تعرضها للضوء.
وفيما يتعلق ب «لون» الضوء، وفقا لما قاله أوط، فإن الأشخاص الذين يربون الشنشيلات سوف يحصلون على نسبة عالية نسبيا من الذكور إذا ظلت الحيوانات معرضة لضوء مصباح متوهج (دافئ) عادي، وبالمثل سوف يحصلون على نسبة عالية من الإناث إذا ظلت الحيوانات معرضة لضوء مصباح متوهج (أزرق) يشبه ضوء النهار. إن استخدام مصابيح ضوء النهار الزرقاء أصبح الآن ممارسة تجارية. وربما قد تجد المشكلة الأزلية؛ المتمثلة في تفضيل الأجناس في المواليد من بني البشر، حلا بواسطة الضوء الملون!
ويصف أوط دراسة حالة تمثلت في حبس حيوانات المنك خلف نوافذ بلاستيكية مختلفة الألوان. حيوانات المنك عادة تكون شرسة خلال فترة التزاوج. أصبحت الحيوانات المحبوسة وراء النوافذ ذات اللون الوردي أكثر عدوانية، بينما الحيوانات المحبوسة وراء النوافذ البلاستيكية الزرقاء أصبحت أكثر وداعة، ومن الممكن التعامل معها مثل الحيوانات الأليفة التي تربى في المنزل. وأصبحت كل الإناث حوامل بعد التزاوج. أما الاستنتاج التجريبي من هذه الدراسة، فهو أن الإنسان مثل حيوان المنك يبدو أنه يستثار بالإشعاع الأحمر، ويهدأ تحت تأثير الإشعاع الأزرق. (9) البشر
كتب الدكتور توماس آر سي سيسون يقول: «إن الضوء لا يقدم الإنارة فحسب للوجود البشري، لكنه يؤثر تأثيرا بدنيا قويا يشمل مكونات كثيرة داخل جسم الإنسان، وبعض العمليات الاستقلابية، وحياة وتوليد الخلايا، وحتى إيقاعات الحياة. إن الضوء موجود في كل مكان، ويمكن استغلاله، وهو ليس حميدا بالكامل.» وما يدهش كثيرا من الناس هو أن قدر اختراق الضوء «المرئي» لعضلات وأنسجة الحيوانات والبشر أكبر مما كان يتخيل البشر في السابق. وفي حين أن الأشعة تحت الحمراء تخترق العضلات والأنسجة أيضا، فإن الأشعة فوق البنفسجية لا تخترق، لكنها تؤثر فقط على الجلد تأثير سطحيا (لكنه مميت). ويختتم سيسون كلامه قائلا: «سوف تنفذ كميات هائلة [من الضوء المرئي] عبر الجلد، ونسيج تحت الجلد، وحتى الأعضاء المركزية، إذا كانت شدة الضوء قوية بما يكفي.» وجعل إي إي وشركاه الضوء يخترق جماجم الأغنام والكلاب والأرانب فوجدوا «أن الضوء يصل إلى الفصوص الصدغية والوطاء في مجموعة أنواع من الثدييات.» والوطاء هو جزء في الدماغ - في قاع الدماغ - يعتقد أنه يحتوي على مراكز عصبية ذاتية وألياف عصبية ذاتية حيوية تتحكم في وظائف مثل التنفس وحركة القلب والهضم. وعند تأثر الحيوان بالضوء، فإنه يستجيب طبيعيا إما بطرق مفضلة، وإما بطرق إيجابية أو سلبية؛ اعتمادا على احتياجاته. وفي مقال لدورية إندروكرينولوجي (72: 962، 1963) توصل دبليو إف جانونج وآخرون إلى استنتاج يقول إن: «الضوء البيئي يمكنه اختراق جمجمة الثدييات بقدر يكفي لتحفيز الخلايا الكهروضوئية الموجودة في نسيج الدماغ.» وهذا يعني أن الضوء ضروري لحياة صحية وعادية، وأن الطبيعة طورت طرقا تؤثر بها على الجسم من خلال أنسجة الجلد والعيون، وحتى الجمجمة نفسها. (9-1) تعاقب فترات الضوء والظلام
من المؤكد أن الضوء ضروري للوجود البشري، وكذلك تعاقب الضوء والظلام. وحيث إن الضوء والظلام يسببان تأثيرات فسيولوجية مختلفة في الجسم؛ فدرجة حرارة الجسم، على سبيل المثال، سوف تتغير. وتأثير الضوء قد يحفز إفراز الهرمونات في مجرى الدم، وقد يشعر الأشخاص الذين يسافرون من الغرب إلى الشرق بفترات نعاس، ومتاعب بدنية، واضطراب ذهني. وقد يتطلب السفر إلى الفضاء تعاقب فترات الضوء والظلام في الإضاءة الصناعية للحفاظ على سلامة الجسم البشري. ولا يقتصر الأمر على الضوء فحسب، بل يلزم تنظيم فترات التعرض للضوء.
إذا اضطربت فترات تعاقب النهار والليل، أو طالت على نحو غير معتاد، فقد يتبع ذلك نتائج غريبة. إليكم مثالين على ذلك: قد يتوقف الحيض لدى نساء الإسكيمو خلال ليل القطب الشمالي الطويل، وقد تسكن الشهوة الجنسية عند رجال الإسكيمو أيضا. هذا الأمر ليس على الإطلاق سمة عرقية ينفرد بها شعب الإسكيمو؛ فهذه التأثيرات نفسها يبدو أنها تحدث لأي شخص يتعرض لتناوب فترات طويلة من ضوء الشمس والظلام. مع بداية الشتاء الطويل في القطب الشمالي تقل الرغبة الجنسية لدى البشر، وتنتعش الرغبة مرة أخرى مع بداية الربيع. وقد تتزوج الفتيات في قبائل جرينلاند الشمالية في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، لكن قد لا يحدث الطمث إلا بعد بلوغهن سن التاسعة عشرة أو العشرين. وعادة يولد أطفال الإسكيمو بعد تسعة أشهر من قدوم الربيع وعودة شمس القطب الشمالي.
في مقالة كتبها فرانسيس ويديش بعنوان: «العقل الرنان»، أشار إلى قرية في أمريكا الجنوبية انخفض فيها معدل المواليد بعد تركيب المصابيح الكهربية في القرية. وفي حين أن القرويين ربما وجدوا استخدامات أخرى لساعات الإضاءة الإضافية بخلاف التناسل، فقد كتب الدكتور إدمون ديوان مقالة مثيرة بعنوان: «عن إمكانية تطوير وسيلة تحديد نسل مثالية تعتمد على تناوب فترات التحفيز الضوئي». فمع تشغيل الإضاءة الصناعية الإضافية خلال أيام معينة من الشهر، من المحتمل أن تقل فرصة الإخصاب. ولو كانت المصابيح زرقاء وليست حمراء (حيث يقال إن اللون الأحمر مثير جنسيا)، فقد يزيد التحكم في تحديد النسل. (9-2) الحرمان من الضوء
إن انعدام الضوء يؤدي أيضا إلى نتائج غريبة. المكفوفون، بطبيعة الحال، يستجيبون للضوء من خلال الجلد مثل أي شخص. وقد يعاني عمال المناجم الذين يعملون لفترات طويلة في الظلام أو في بيئة شبه مظلمة من مشاكل في العين، مثل دوران مقلة العين على نحو لا يمكن السيطرة عليه.
وتتحدث مهنة الطب عن حالات التشنج الإيمائي في الأطفال الرضع، وتعني هذه الحالة العجز عن النمو. وفي سلسلة من الحالات التي أوردها الدكتور ويليام بي روثني، يتضح أن الضوء، أي ضوء في المطلق، يعد مهما للغاية حتى بالنسبة لحديثي الولادة. وقد دخل المستشفيات عدد كبير من الرضع بسبب عدم استجابتهم للرعاية المقدمة في المنزل. وعلى الرغم من أنه في كل الحالات كانت هناك «أدلة على إهمال الوالدين ... فإنه عند فحص منازلهم تبين أن كل رضيع من هؤلاء الصغار يقضي معظم وقته، إن لم يكن كل وقته، في بيئة مظلمة»؛ إذ من المحتمل أن تكون الأم منشغلة بمشاهدة التليفزيون أو تفضل الانعزال عن الحياة أو العالم. وفي أي من الحالات، فعند تعريض الصغار للضوء ومنحهم الحب والعطف، استأنفوا الصحة والنمو على نحو طبيعي. (9-3) التعرض للضوء لفترات طويلة
على النقيض مما سبق، فإن التعرض للضوء باستمرار وعلى نحو غير منقطع قد يؤدي أيضا إلى مشاكل. وقد أجرى البروفيسور تي آر سي سيسون؛ أستاذ طب الأطفال ورئيس معمل أبحاث حديثي الولادة بكلية طب جامعة تمبل في فيلادلفيا، عدة تجارب حول «آثار التعرض المستمر للضوء على التواتر البيولوجي لهرمون النمو البشري في البلازما». ونظرا لأن الاستجابة المستمرة للضوء يصعب تحملها، حتى بين البالغين وأعينهم مغمضة، فإن مثل هذا التعرض يجعل تكيف الأطفال معه أمرا مستحيلا. وتمثلت التجربة في تعريض حديثي الولادة لفترات متفاوتة من حيث مدة وشدة الإضاءة. الأطفال، بطبيعة الحال، يكتسبون نظما «فوق يومي» عند التعرض للضوء والظلام. واستنتج سيسون أن الإضاءة المستمرة في حضانة المستشفى (تلك الإضاءة الملائمة للممرضات) «إما أنها تمنع أو تدمر النظم اليومي لهرمون النمو البشري في بلازما الدم، الذي يظهر وجوده في الأطفال الحديثي الولادة عند تعرضهم لفترات متعاقبة من الظلام والضوء، كما أنها ترجح خطأ الإضاءة المستمرة في الحضانات.» (9-4) تأثيرات الألوان
إن تأثيرات الألوان البيولوجية والبصرية والنفسية يناقشها هذا الكتاب في فصول أخرى. أما سيسون فقد كتب قائلا: «أوضحت دراسات بارعة تدور حول تأثيرات البقاء المستمر في بيئة مظلمة أو بيئة مضيئة، وتأثيرات الضوء ذي توزيعات الطاقة الطيفية المختلفة؛ وجود تأثيرات على حجم العضو، وأنماط النمو والنضج الجنسي في بعض أنواع الحيوانات التي من الممكن أن يكون الإنسان من ضمنها.»
كيف يمكن قياس تأثيرات «الألوان» على نحو دقيق؟ لقد ركزت معظم أعمالي التي تناولت الألوان والبشر (وقد كانت تلك الأعمال مستفيضة إلى حد كبير) على الاستجابات النفسية والعاطفية أكثر من تركيزها على الاستجابات البيولوجية. وكما هو مذكور على نحو مختصر في الفصل السادس، فإن جهاز البوليجراف (جهاز كشف الكذب) يمكن استخدامه في قياس التنفس، والنبض، وتوصيل راحة اليد للكهرباء (استجابة الجلد)، وغيرها من الأفعال الفسيولوجية الأخرى، بينما جهاز تخطيط كهربية الدماغ (جهاز رسم المخ) يمكن استخدامه لقياس موجات الدماغ. لقد تم التحقق من التأثيرات المختلفة للألوان مرارا وتكرارا، وأي شخص يشكك في هذه التأثيرات فإن لزاما عليه إما الاعتراف بتحيزه، وإما بانعزاله عن مكتشفات مختبرات العلم الحديثة.
إذا عدنا إلى التاريخ القريب، فسنجد أن سيدني إل بريسي كتب مقالة عن «تأثيرات الألوان على الكفاءة العقلية والحركية». في ذلك الوقت؛ أي منذ ما يزيد عن 50 سنة، كانت شهادة المعالجين بالألوان، أمثال إدوين دي بابيت، ما زالت تحظى بالمصداقية رغم تكذيبات الطب المعترف به. وتدريجيا حطم بريسي تأكيدات الآخرين الذين سبقوه، يقول: «سيبدو من المعقول استنتاج أنه إذا كان للون «حقا» أي كفاءة ذهنية وحركية جوهرية، فلا بد أن تكون العلاقة ذات طبيعة عامة وأولية للغاية؛ كأن يؤدي السطوع إلى التحفيز، أو أن يسبب اللون الأحمر الضيق والتشتت، لكن لا يمكن توقع تأثيرات أكثر تحديدا.» وأعلن باحث آخر؛ يدعى هيرمان فولمر، في مقال بعنوان «دراسات عن التأثير البيولوجي للضوء الملون» أنه «لا يمكننا على الإطلاق إيجاد قاسم بيولوجي مشترك بين البيانات التجريبية المختلفة.» فعلى سبيل المثال، عارض فولمر نتائج معينة تقول إن معدل نمو الفئران كان أكبر في ظل تعرضها للضوء الأحمر، وأدى ذلك إلى مزحة كلاسيكية ساذجة نوعا ما تقول: «إن زيادة الوزن في الحيوانات الحمراء في نهاية التجربة كان تفسيرها يعود جزئيا إلى حمل أحد هذه الحيوانات.»
ومن الأخطاء الشائعة التي حقا لا تغتفر في معظم أبحاث الألوان، أن كثيرا من القائمين على هذه الأبحاث قد لا يدركون أن تأثيرات الألوان تكون دائما مؤقتة؛ فالتعرض للون لا يسبب استجابات تستمر لفترة طويلة؛ فعند تعرض أحد الأشخاص لنطاقات قوية من أي لون (أو إذا تعرض لضوء ساطع)، فستوجد استجابة فورية يمكن قياسها بسهولة من خلال الأجهزة. إن الاستجابة للألوان لا تختلف عن الاستجابة للكحول والتبغ والقهوة، فهي تستمر لفترة قصيرة ثم تخبو. وفي واقع الأمر، إذا كان اللون الأحمر مثيرا (وهو كذلك بالفعل)، فبعد فترة من الوقت قد تنخفض الاستجابات الجسمانية لمستوى «أقل» من المستوى الطبيعي. وإجابة عن سؤال هل كان الأحمر لونا مثيرا أم لا، فالجواب هو: «نعم، ربما، لا» اعتمادا على عنصر الوقت. إن الاستخدام «الوظيفي» للألوان في هذا الشتاء في كثير من التطبيقات، مثل المصحات العقلية (انظر الفصل الثامن)، يهدف إلى استخدام «مجموعة متنوعة» من الألوان كي تظل الاستجابات البشرية نشطة باستمرار، وتجنبا للتكيف البصري أو الرتابة العاطفية. (10) بعض الاستنتاجات
في العموم، تتباين الاستجابات البيولوجية لطرفي طيف الألوان المتمثلين في الأحمر والأخضر أو الأزرق. هذا ملاحظ بالفعل في النباتات، وفي الأنواع الدنيا والعليا من الحياة الحيوانية. وفي بني البشر، يميل الأحمر إلى رفع ضغط الدم، ومعدل النبض، وزيادة معدل التنفس، واستجابة الجلد (التعرق)، وإثارة الموجات الدماغية. ويمكن ملاحظة وجود استجابة عضلية (توتر) وزيادة في معدل طرفات العين. ويميل اللون الأزرق إلى إحداث تأثيرات معاكسة لتأثيرات اللون الأحمر؛ إذ يخفض ضغط الدم ومعدل النبض، كما تقل استجابة الجلد، وتميل الموجات الدماغية إلى الانخفاض. أما المنطقة الخضراء في الطيف اللوني، فهي محايدة إلى حد ما. أما الاستجابات للونين البرتقالي والأصفر، فهي مشابهة للاستجابات للون الأحمر، لكنها أقل وضوحا. وسأتناول الاستجابات النفسية والروحانية للألوان في الفصلين الرابع والسادس.
في نظر مؤلف هذا الكتاب، فإن التأثيرات النفسية للألوان أكثر إثارة من التأثيرات الفسيولوجية. لقد بدأ استخدام الألوان المناسبة في البيئات الصناعية يحظى بأهمية كبرى، فكثير من أمراض الجسم أصبح ممكنا تخفيف شدتها وشفاؤها من خلال الممارسة الطبية الحديثة، والجراحة، والأدوية الكيميائية، والمضادات الحيوية، لكن «أمراض» الذهن من الصعب جدا علاجها، وأصبح انتشارها متزايدا في الحياة المعاصرة. وكما لاحظ كارل يونج بحكمة في كتابه «تكامل الشخصية»: «إن الكوارث الهائلة التي تهددنا ليست حوادث فيزيائية أو بيولوجية ناتجة عن فعل عناصر الطبيعة، لكنها حوادث روحانية ... فالإنسان بدلا من تعرضه للوحوش البرية، وسقوط الصخور، وفيضان المياه، أصبح معرضا اليوم لقوى عناصر نفسه الإنسانية.»
أما فيما يتعلق بالمستقبل، فإن الأهمية الحيوية للضوء - واللون - بالنسبة لبقاء الإنسان واضحة على نحو كاف. وبلا شك فإن الناس في الأجيال القادمة سوف يسافرون إلى الفضاء ويقضون بعض الوقت هناك، وسوف يعيشون تحت البحر وداخل مدن ذات قباب. ستكون الحياة معقدة للغاية ومصطنعة. وستكون بيئة الإنسان أبعد ما تكون عن الطبيعة، وسيكون لزاما عليه التحكم فيها وإلا قضي عليه. وحتى في وقتنا المعاصر، يقضي الناس صغارا وكبارا فترات مطولة من أوقاتهم في المدارس والمكاتب والمستشفيات والمؤسسات مع تناقص معدل تعرضهم لضوء النهار الطبيعي.
إن الإنسان يلوث بيئته الطبيعية ويدمرها؛ فالمواد الكيميائية التي يستخدمها الإنسان تخل بكثير من أشكال التوازن الموجودة في الطبيعة، كما أن جبالا من القمامة تتراكم في كل مكان، وتلقى في البحر أو تدفن في الكهوف، بل لقد بدأ الإنسان يملأ السموات بالأقمار الصناعية المستهلكة، فحول فضاء ما وراء السحب إلى ما يشبه ساحة السيارات المستعملة. لن يكون الإنسان مضطرا لتدمير نفسه في لحظة باستخدام قنبلة هيدروجينية، بل سيخنق نفسه ببطء حتى الموت.
بيد أن ذلك الحلم العتيق المتمثل في التناغم بين الإنسان والطبيعة ينتهي دائما بالتصادم بينهما. ويجب على الإنسان أن يكفر عن خطاياه في حق الطبيعة، لكن من أجل بقائه يجب أن يستقل عن العالم الطبيعي. وقد زعم أحد العلماء أن الإنسان إذا استمر في سلب الأرض من الحياة الخضراء، فإنه سوف يحرم الغلاف الجوي من الأكسجين، وسوف يختنق كل البشر. ورغم ذلك، فالإنسان يستطيع صناعة أكسجين لنفسه. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الإنسان صناعة طعامه في ظل ضوء صناعي، وباستخدام أسمدة من تصنيعه.
يبدو أن النشاط البشري كله تقريبا يتجه صوب البيئة المحكومة، ولا يمكن تصور إمكانية تغيير أو إيقاف هذا التوجه؛ فالإنسان ترك الطبيعة في الريف لأنه ظن أن هذا هو مكانها الطبيعي في الأساس. ولم تعد الجبال وشواطئ البحار أماكن سكنى للإنسان، بل مجرد أماكن يزورها في العطلات الأسبوعية والإجازات؛ فالإنسان يعتقد أنه مشغول لدرجة لا تسمح للطبيعة بإزعاجه؛ فهو لديه أمور يريد إنجازها في عجلة، ولا يمكنه الاستسلام لأي شيء متقلب، سواء كان طبيعيا أم غير ذلك. ومن الممكن تماما خلال عقود معدودة أن يخرج الإنسان من مسكنه المصطنع إلى آفاق الطبيعة الرحبة، ويشير من وراء الغطاء البلاستيكي الشفاف للمركبة التي يقطنها ويقول لأطفاله: «قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن أسلافكم اعتادوا العيش في الخارج!»
الفصل الثالث
الاستجابة البصرية
يوجد قدر كبير من الصوفية والرمزية مرتبط بالعين البشرية. الشمس، على سبيل المثال، كانت عين الإله؛ فالإله رع في مصر القديمة، عندما أجبره الأشرار على ترك الأرض، التجأ إلى هيئة الشمس، وبعد ذلك أخذ يراقب عادات البشر وهفواتهم. وأصبحت عين حورس الشهيرة - حيث كان حورس ابن إيزيس وأوزوريس - رمزا في تميمة ما زال الناس يرتدونها كقطعة مجوهرات نفيسة. وكانت ترسم العيون على مقدمات السفن والطائرات. وواجه الناس لعنة العين الشريرة بالأحجار النفيسة ورسم نقطة حمراء على الجبين.
أما إذا تناولنا العين من الناحية الفسيولوجية بدلا من الناحية الصوفية، فسنجد أن العين باعتبارها عضوا حسيا لها تاريخ مثير؛ فالنظرية الفيثاغورثية الإغريقية القديمة (في القرن السادس قبل الميلاد) كانت تقول إن الأشعة المرئية تصدر عن العين وتصطدم بالشيء ثم تنعكس إلى العين مرة أخرى. كانوا يفترضون أن «النار» توجد داخل العين، ويمكن ملاحظة ذلك عند الضغط على العين؛ لأن هذا الضغط يجعل النار تومض أمام العين، وهذه النار، مثل نار المشعل أو الفنار أو المصباح، كانت قوة الرؤية النشطة. ولم تغفل تلك النظرية حقيقة أن ضوء الشمس ينير الأرض خلال النهار، بينما يغطيها الليل في الظلام. وكانوا يرون أن نار العين تكمل ببساطة الضوء الطبيعي وتلقي أشعة معينة حيثما كانت الرؤية مركزة.
لم يكن أفلاطون متأكدا تماما من هذه النظرية وتحدث عن ظاهرة مزدوجة فقال: «دعونا نطبق المبدأ القائل ... أن لا شيء ذاتي الوجود، وسنرى أن كل لون، أبيض وأسود وكل الألوان الأخرى، ينشأ نتيجة مقابلة العين للحركة الملائمة، وأن ما نطلق عليه جوهر كل لون ليس عنصرا فعالا ولا هو خامل، وإنما شيء بينهما، ويكون خاصا بكل متبصر.»
ونفى أرسطو فكرة احتواء العين على النار، ورغم ذلك بدا أن خليفته ثاوفرسطس (القرن الرابع قبل الميلاد) يشير إلى أفكار أفلاطون وفيثاغورس، لكن مع بعض التحفظات؛ فقال إنه من المحتمل وجود انبعاثات صادرة عن العين. وعند الحديث عن الدوار قال ثاوفرسطس إن الشخص قد يرتعش ويرتجف عند النظر لأسفل أثناء وجوده على مرتفعات شاهقة. وما حدث في هذا المثال هو أن الرؤية وضعت في وضعية مزعجة، وتلك الوضعية بدورها أزعجت أعضاء الجسم الداخلية، إلا أنه عند النظر إلى السماء فإن هذا التعب لا يحدث؛ لأن المسافة الخالية امتصت ببساطة الأشعة الصادرة من العين؛ «فالضوء القوي يطفئ الضوء الأضعف.»
وبعد عدة قرون (القرن السادس عشر الميلادي) اكتشفت الفسيولوجية الأدق للرؤية، وتأسس علم طب العيون كما هو معروف اليوم. أما عن طريقة حدوث رؤية الألوان على وجه التحديد، فما زال هذا الأمر يمثل لغزا، وما زلنا في حاجة إلى أن يقدم العلم نظرية أو تفسيرا مقبولا على نحو كامل. (1) الرؤية بلا عيون
قبل استقصاء الجوانب الأكثر عقلانية المتعلقة بالرؤية ورؤية الألوان، وقبل مناقشة وجهات النظر الحديثة، دعوني أخبركم عن بعض الأمور الغريبة بل الملغزة.
في عام 1924، نشر المؤلف الفرنسي جول رومان كتابا يحمل عنوانا فرعيا هو «الرؤية بلا عيون». وعلى الرغم من أنه لم يسع مطلقا للحصول على مساعدة الأكاديمية الفرنسية للعلوم، فإن نجاح تجاربه أكده الكثير من الخبراء التقنيين والأكاديميين المشهورين الذين كان من بينهم أناتول فرانس، الذي دافع بحزم عن نظريات رومان. وفقا لهذا الرجل الفرنسي، فإن جلد الإنسان حساس للضوء (وهذه حقيقة بالتأكيد تنطبق على كافة أشكال الحياة تقريبا وفيها الإنسان). وأطلق على ذلك مصطلح الإدراك المجاور للشبكية. وباستخدام واقيات مصممة خصيصى لوصول الضوء إلى مختلف أجزاء الجسم - لكن ليس إلى العينين - حفز حدوث الإدراك المجاور للشبكية. واقتباسا من كتاب رومان: «على سبيل المثال، إذا كانت اليدان عاريتين، وكانت الأكمام مرفوعة إلى المرفقين، وكانت الجبهة عارية، وكان الصدر غير مغطى، فبإمكان الشخص أن يقرأ بسهولة بالسرعة العادية صفحة من رواية أو مقالة من جريدة مكتوبة بالحجم المعتاد في الطباعة.»
وأعلن رومان أن اليدين هما الأكثر حساسية للضوء، ثم الرقبة، ثم الحلق، ثم الخدين، ثم الجبهة، ثم الصدر وظهر العنق والذراعين والفخذين؛ فالصور الأساسية المكونة في أعصاب اللمس «ترى» اللون وكذلك الشكل. وفسر قائلا: «إن تجاربنا تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يوجد لدى الإنسان «وظيفة مجاورة للشبكية»؛ أي وظيفة الإدراك البصري للأشياء الخارجية (اللون والشكل)، دون تدخل الآلية العادية للرؤية من خلال العينين.» وزعم أن أي شخص ذكي من المحتمل أن يكون قادرا على قراءة عناوين الصحف وهو معصوب العينين، وقال إنه «في ظل الإضاءة العادية يكون الإدراك النوعي للألوان ممتازا.» بل من الممكن أن يكون المرء قادرا على «شم» الألوان من خلال أنفه؛ وعن هذا يقول: «إن إدراك الألوان من خلال المخاط الأنفي لا ينتمي للنظام الشمي؛ فهو لا يعتمد على إدراك «روائح» تنتمي للمواد الملونة. إنه إدراك بصري على وجه التحديد.»
لم يحرز الكثير من التقدم على مدار السنوات التي أعقبت رومان؛ لأن العالم الذي عاش فيه كان عالما مشككا يتطلب حقائق أكثر واقعية عن تلك التي قدمها. وبعد حوالي 40 سنة، وجدت امرأة مذهلة تستطيع قراءة وتمييز الألوان بأنامل أصابعها (وبعدها وجد آخرون). أحيا هذا الانبهار تلك الظاهرة واكتسبت شهرة دولية.
ومن القصص الممتازة المعاصرة التي تتناول الرؤية بلا عيون تلك التي يرويها كتاب «الاكتشافات الروحانية خلف الستار الحديدي» للمؤلفتين شيلا أوستراندر ولين شرودر. وتتمثل تلك القصة في فتاة روسية تدعى روزا كوليشوفا تستطيع الرؤية بأصابعها! وشاهد الأطباء المشككون قدرتها على قراءة وكتابة وتسمية الألوان «كما لو كان قد نما لها زوج ثان من العيون في أناملها.» أرسلت روزا إلى موسكو حيث استمرت في تقديم أدائها المذهل تحت مراقبة شديدة، واستمرت قادرة على «رؤية» الأحمر والأخضر والأزرق عند تغطية الأوراق الملونة بورق شفاف أو ورق سلوفان أو بالزجاج. ووقف المعهد الروسي الكبير للفيزياء الحيوية في حيرة من أمره، لكنه كان مضطرا إلى الاعتراف بقدرة روزا على «الإبصار عبر الجلد». وأرسلت مجلة «لايف» في ذلك الوقت أحد المراسلين إلى موسكو، ونشرت فيما بعد قصة مصورة بارزة عنها.
ظهر أشخاص آخرون يتمتعون بالقدرة المدهشة نفسها، وكان من بينهم امرأة من فلينت بولاية ميشيجان تدعى السيدة باتريشيا ستانلي. بدا لهذه السيدة أن بعض الألوان دبقة، وبعضها ناعم، وبعضها خشن. وكما قالت باتريشيا في مجلة «لايف» (12 يونيو، 1964): «الأزرق الفاتح هو الأنعم. وتشعر أن الأصفر دبق للغاية، لكنه ليس بنعومة الأزرق الفاتح. الأحمر والأخضر والأزرق الداكن ألوان دبقة. وتشعر أن الأخضر أكثر لزوجة من الأحمر، لكنه ليس خشنا. والأزرق الكحلي يتصدرهم في اللزوجة، ويسبب إحساسا بالكبح والإبطاء. ويعطي البنفسجي إحساسا بالكبح أكثر قوة؛ يبدو أنه يبطئ اليد، ويبدو ملمسه أكثر خشونة.»
توجد علاقة هنا بالصور التخيلية (نتعرض لمناقشتها في الصفحات المقبلة)؛ حيث تبدو الرؤية بلا عيون هبة من الطبيعة، وأكثر ما نلاحظها في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سبع واثنتي عشرة سنة. هل من الممكن تدريب الأعمى على رؤية الألوان وتمييزها باستخدام الأصابع أو المرفق أو اللسان أو الأنف؟ منذ حالة روزا كوليشوفا، أمعن الروس في استقصاء الرؤية من خلال الجلد، وعقدوا الآمال على أن يستطيعوا منح الأعمى على الأقل جزءا من الإدراك «البصري»، ولو كان ضعيفا. دربوا بعض المكفوفين على ذلك. وما دام عضو الإدراك الحقيقي موجودا في الدماغ وليس العين، فمن الممكن أن يستخدم الأعمى أدلة من الجسم والجلد «لرؤية» العالم وألوانه الطيفية. وكما قالت أوستراندر وشرودر: «إذا كانت أشياء ضرورية معينة مثل مقابض الأبواب والصنابير والهواتف، ومقابض الآنية، والأطباق، والأشياء المتحركة على وجه الخصوص ملونة، مثلا، باللون الأصفر في غرفة مضاءة بالمصابيح الصفراء إضاءة ساطعة؛ فقد يتمكن الأعمى فعليا من رؤية تلك الأشياء من خلال جلده بسهولة تضاهي تقريبا تلك السهولة التي نجد بها إبريق القهوة بأعيننا.» (2) عن «تصوير الأفكار»
يشير إدوارد دبليو راسل في كتابه «تصميم المصير» إلى البروفيسور تي فوكوراي؛ من جامعة كوياسان، الذي «اكتشف أن بعض الأشخاص يستطيعون التركيز على التصميم أو الصورة، ثم من خلال الفكر وحده ينسخون صورة واضحة من التصميم أو الصورة إلى لوح فوتوغرافي مغطى بمادة عازلة دون الاستعانة بالضوء أو العدسات.» مستحيل؟ توجد حالة مشابهة جيدة التوثيق عن رجل من شيكاجو يدعي تيد سيريوس. كان تيد سيريوس رجلا جاوز الأربعين من عمره، ولم يتلق إلا قدرا قليلا من التعليم، ويعمل خادم فندق في شيكاجو. كان تيد عصبي المزاج، وربما كان معتلا نفسيا بعض الشيء، وكان يعاني من مشكلة معاقرة الخمر.
رغم ذلك، كان تيد سيريوس يستطيع التحديق في كاميرا البولارويد فيخرج من الكاميرا، أحيانا، صورا غامضة، وكانت الصور الصادرة عن أفكاره التي تظهر الناس قليلة مقارنة بالصور التي تظهر الأماكن والمباني مثل: برج إيفل، وتاج محل، والبيت الأبيض. وأخذ الدكتور جول أيزنبود؛ الطبيب النفسي وزميل الرابطة الأمريكية للطب النفسي، ذلك الرجل تيد سيريوس تحت جناحه، ونقله إلى دنفر، وعلى مدار عامين أخضعه لسلسلة من التجارب كان يشهدها في حينها الكثير من الأصدقاء والعلماء والمصورين والسحرة. كانت النتيجة أن ألف الدكتور جول أيزنبود كتابا مصورا من 368 صفحة (انظر قائمة المراجع). يمكن للشخص المتشكك أن يحضر كاميرا بولارويد خاصة به، وفيلما خاصا به، ويمسك الآلة بنفسه، بل ويفتح مصراع الكاميرا، وستخرج (ليس دائما لسوء الحظ) صور شبحية لطواحين هواء، وسفن، وسيارات، وفندق هيلتون في دنفر، وبرج قلعة وستمنستر أو الحافلة الإنجليزية ذات الطابقين.
لم يستطع تيد سيريوس أن يفسر موهبته، ولم يكن لديه أدنى اهتمام بمحاولة تفسيرها، وقال إن هذه الهبة سوف تزول. وقد زالت مع مرور الوقت. ويعلق جول أيزنبود في كتابه المثير قائلا: «اعترف الدكتور هانز برجر؛ مكتشف الأمواج الدماغية، بالحقيقة المحتملة المتمثلة في التواصل عبر التخاطر، لكنه لم يصدق أن أي نوع من «إشعاعات» الأمواج الدماغية التي قاسها جهاز تخطيط الدماغ يمكن أن يكون مصدر تلك الموجات.» (3) الصور التخيلية
استكمالا لخصائص الرؤية البالغة الغموض، سأتناول الآن ظاهرة الصور التخيلية. في السنوات الأخيرة، أدت دراسة الرؤية والصور التخيلية إلى اكتشاف ظواهر متعددة ومدهشة. ومن بين هذه الظواهر سحر الألوان الذي يصاحب عادة عقار الهلوسة إل إس دي (ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك). لكن في البداية دعوني أستعرض دليل الصور التخيلية المعروف على نحو أفضل لدى بعض الأفراد الموهوبين.
وفقا للكاتب إي آر ينش في كتابه «الصور التخيلية»، فإن الصور التي يراها البشر تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي: صور الذاكرة، والصور التلوية، والصور التخيلية. النوع الأول من هذه الصور هو نتاج العقل والتخيل، ويأتي على هيئة فكرة أو خاطرة. أما الصور التلوية فتعني معناها الحرفي إلى حد كبير، الذي يعني مشاهدة الصور بعد مشاهدتها في الحقيقة؛ فهي تلك الصور التي شاهدناها بالفعل، وربما يكون لها شكل وتصميم وبعد ولون محدد، وقد يختلف حجمها باختلاف قرب أو بعد الأسطح التي تحدق العين فيها. ويكون مثل هذا النوع من الصورة مكملا عادة؛ فنرى الأبيض في منطقة كانت سوداء في الأصل، والأحمر يأتي محله الأخضر، وهكذا. أما النوع الثالث، الصور التخيلية، فهو النوع الأكثر تميزا. وكتب ينش عن هذا النوع فقال: «الصور التخيلية هي ظواهر تحتل موقعا وسيطا بين الأحاسيس والصور - وعلى غرار الصور الفسيولوجية المعروفة باسم الصور التلوية، فإنها «ترى» دائما بالمعنى الحرفي - وتتسم بأنها ضرورية تحت أي ظرف، وتشترك في هذه السمة مع الأحاسيس.»
الصور التخيلية هي هبة الطفولة والشباب، وهبة المجنون، وهبة متلقي الإلهام الصوفي. وعلى الرغم من أنها تبدو مشابهة للظواهر الخارقة للطبيعة، فإنها حقيقة حسية؛ فالطفل الذي يلعب بألعابه قد يتمكن من عرض صور حية لتلك الألعاب في عقله. وقد لا تكون تلك الصور مجرد نتاج التخيل؛ فربما تكون ملموسة إلى حد كبير، وذات تكوين له أبعاد ولون وحركة. إنها بمنزلة «شرائح فانوس العرض» بالنسبة للعين والدماغ، وتعرض في مكان محلي محدد. إنها صور حقيقية تماما مثل شرائح الفانوس المعروضة، وسوف تتبع حركات العين تفاصيلها. وقد يجد الأشخاص المصابون بحالة هيستيرية نتيجة لتناول المخدرات أو بسبب الاضطرابات العقلية أنهم يهاجمون من قبل أعداء مخيفين. وقد عرف أن بعض هؤلاء الأشخاص قد هربوا لينجوا بحياتهم، بل وقفزوا من النوافذ. وقد رأى الأشخاص الواقعون تحت تأثير الهذيان الارتعاشي أن الفئران تزحف من الحوائط، والأسلاك بارزة من أنامل الأصابع.
إلى حد كبير، لم تحظ تلك الظاهرة إلا بقدر قليل من الاهتمام حتى السنوات الأخيرة. ونظرا لأن هذه الظاهرة تختفي مع العمر، فمن المحتمل أن تختفي عند البلوغ؛ فعقل الشخص البالغ على الرغم من قدرته على التعامل مع هذه الظاهرة، فإنه يحيلها إلى فترة الطفولة التي تتسم بالحماس الشديد. ورغم ذلك فالشخص يرى الصور؛ فالصور تقف أمام العينين، وتميز العينان التفاصيل التي يمكن إحصاؤها وتمييزها على أساس اللون.
وحسب كلام ينش، فالصور التخيلية تخضع للقوانين نفسها التي تحكم الأحاسيس والإدراكات، وهي «في حقيقة الأمر، أوضح علامة على نظام الشخصية المعتادة في مرحلة الشباب.» ومن خلال تلك الصور، يمكن للعلم أن يجد تفسيرات معقولة لقصص تحكي عن خروج القديسين من صورهم وسيرهم، وعن مخلوقات غريبة، وعن الغيلان، وعن الشياطين التي ترى بالعين المجردة. ولأن الصور التخيلية أحاسيس حقيقية، فمن الممكن أيضا أن تكون الغيلان والشياطين حقيقية، وبدلا من تلاوة التعاويذ ووصف إجراء اختبارات عقلية، يمكن التعامل مع الشخص الذي اعترف برؤية هذه الأمور على أنه شخص عاقل لديه حدة بصرية تتجاوز الحدة المعتادة؛ فالأشباح قد تسكن العقول بدلا من المنازل أو القلاع القديمة.
معظم الأشخاص يعترفون بوجود فجوة بين الإحساس والخيال، لكن كما يزعم ينش فإن بعض الأشخاص لديهم «خبرات وسيطة» غريبة بين الأحاسيس والصور. هؤلاء الأشخاص يستحضرون الصور رأي العين حقيقة، واستجاباتهم صريحة وعفوية إلى حد كبير. وبالنسبة لهم، قد يتلازم الإحساس والخيال معا، ويرتبطان ارتباطا وثيقا في بعض التجارب المرئية الواقعية واضحة التفاصيل.
إن ظاهرة الصور التخيلية تزخر بالكثير من الطرافة والسحر. ورغم ذلك، فعند تناولها من ناحية عملية على نحو أكبر، نرى أنها قد تخدم أغراضا مفيدة. وعن هذا كتب ينش يقول: «لقد أظهر بالفعل الباحثون في مجال الصور التخيلية أن أكثر ما يشبه عقل الطفل ليس التركيبة الذهنية لعالم المنطق، بل التركيبة الذهنية للفنان.» وفي أثناء العملية التعليمية قد يؤدي فرض وجهة نظر وعقلية وأسلوب الشخص البالغ على الطفل إلى كبت الشخصية التخيلية؛ ومن ثم قد يحول هذا بينه وبين التعبير الإبداعي والطبيعي؛ «فعلى سبيل المثال، يمكن للطفل المتخيل، دون بذل مجهود كبير، أن يستحضر في ذهنه رموزا من الأبجدية الفينيقية أو من الكلمات العبرية ... إلخ، أو يمكن لشخص يتمتع بقدرة قوية على استحضار الصور في خياله أن ينظر إلى عدد من الكلمات المطبوعة للحظة، ثم يذهب إلى غرفة مظلمة ويسترجع النص مصورا في خياله. ومن الممكن تصوير حركات العين التي تحدث أثناء قراءة النص بالخيال المصور.» (4) عقاقير الهلوسة
خلال ستينيات القرن العشرين، تأسست ثقافة مخدرات واسعة الانتشار على أساس بسيط هو قطرة من عقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (إل إس دي) على قطعة من السكر. وفي كل أنحاء البلاد، بدأ على نحو مفاجئ عدد لا يحصى من الأشخاص، معظمهم من الشباب، في ابتلاع قطع السكر والتحليق في رحلات سماوية. وكان من أبرز سمات تلك الرحلات تفجر لون ساطع ومتدفق ووامض لم يشاهد مثله على الأرض قط. ونتيجة لذلك، توصلوا لاكتشاف مذهل يتمثل في وجود عالم رائع من الألوان يوجد داخل النفس البشرية، وهذا العالم يوجد مدفونا كما لو كان داخل برميل ذهبي تفتحه قطرة من عقار إل إس دي فيندفع السحر خارجا منه. لقد أصبحت عملية الرؤية معكوسة؛ لقد أصبحت تأتي من الداخل إلى الخارج، وليس من الخارج إلى الداخل.
كيف فسر العلم ذلك؟ بينما استلقى آلاف من الشباب على الأرض الجرداء أو المفروشة بالبسط وحلقوا في رحلات العقار - رحلات سيئة أو رحلات ممتازة - سعى العاملون في مجال الطب سعيا حثيثا إلى التوصل لتطبيقات لهذا العقار العجيب؛ فقد كان من الممكن استخدامه في علاج بعض الأمراض العقلية، وكان من الممكن استخدامه لخلق حالات نشوة لدى المرضى على فراش الموت؛ فهذا العقار بإمكانه أن يزيح عنهم الخوف من الموت. لقد كان يسبب الهلوسة في واقع الأمر. لقد كان عقارا رخيصا وقويا على نحو مدهش؛ فزجاجة قطارة مليئة بعقار إل إس دي كانت كافية للتحليق في 5 آلاف رحلة.
لطالما كان معروفا منذ قرون أن عقاقير الهلوسة توجد في الحشيش والأفيون وصبار البيوت وصبار المسكال. كان الهنود الحمر يتعاطون البيوت المستخلص من الصبار كجزء من الطقوس الدينية. وكانت مجموعة ثقافة عقار إل إس دي التي انتشرت في أمريكا خلال الستينيات تستخدم كثيرا أيضا هذا العقار لأغراض دينية؛ لتحقيق التناغم بين كل ما هو مطلق. كيف يمكن وصف آثار عقار إل إس دي؟ كتب ألدوس هكسلي يقول: «يرفع عقار المسكالين الألوان إلى قوة أعلى، ويجعل المتلقي واعيا بدرجات ألوان مختلفة لا تعد ولا تحصى، يكون أعمى عنها تماما في الأوقات العادية.» وقال هنريك كلوفر: «من المستحيل إيجاد كلمات تصف ألوان المسكال.» وفي الغالب، كانت الرؤى تتخذ السمة الشرقية، كما لو كان السجاد الشرقي قد انبعثت فيه الحياة، لكن بألوان شديدة على نحو خيالي لا يصدق.
ومن أبرز الشخصيات التي تعد مرجعا في عقار إل إس دي ستانيسلاف جروف. كان ستانيسلاف جروف رئيس البحث النفسي في مركز الأبحاث النفسية في ميريلاند في بالتيمور، وأستاذا مساعدا في علم النفس في جامعة جونز هوبكنز. أجرى الدكتور جروف تجارب على عقار إل إس دي على مدار سنوات تزيد عن 15 سنة، وأجرى ما يزيد عن ألفي جلسة هلوسة. وفي كتابه «علم النفس والصوفية» (الذي حرره ستانلي آر دين) فصل مميز عن كثير من ملاحظاته. ومن بين هذه الملاحظات أن الرحلات التي يشهدها متعاطو عقار إل إس دي يمكن أن تكون إلى العالم السفلي مثلما يمكن أن تكون إلى العالم العلوي؛ فمن الممكن أن يشهد المرء أحاسيس الوحدة الكونية والقداسة والسلامة والنعمة من ناحية، ومن الممكن أن يشهد رعبا شديدا من ناحية أخرى.
يقدم جروف الكثير من الإشارات المدهشة عن تجارب أشخاص مختلفين؛ فمن الممكن أن يشهد أحدهم بأن الكون يبتلعه، أو يشعر بأحاسيس شريرة، أو يشعر بالاضطهاد، ويرى تنانين وثعابين وأخطبوطات: «إنها دوامة كونية تسحب الشخص وعالمه بلا رحمة نحو مركزها.» وقد يراود الشخص مفاهيم مثل: الجحيم، والعذاب الذي لا يحتمل، والحرب، والوباء، والكوارث، وقد يشعر الشخص بالموت والميلاد من جديد، وإطلاق قدر هائل من الطاقة، ويرى انفجارات وبراكين وقنابل ذرية. ويمكن أن يشعر بعدمية شاملة وموت الأنا، وقد يشعر أيضا بإحساس غامر بالحب، فنجد أن الشخص «يدرك الكون على أنه جميل على نحو لا يمكن وصفه.» وقد تراود الشخص «رؤى لمصادر تشع ضوءا يعتبره إلهيا، لونه أزرق سماوي، أو بلون طيف قوس قزح، أو بلون ريش الطاوس.»
وتأكيدا لنظرية يونج القائلة بالعقل الباطن الجمعي، فبعض متعاطي عقار إل إس دي قد يشهدون ميلادهم وولادتهم من رحم أمهاتهم، وقد يشهدون أصداء الميثولوجيا الإغريقية، وقصص الكتاب المقدس، واحتفالات الطقوس الوثنية. وقد يعود المتعاطي إلى أسلافه فيعيش من جديد تجارب أسلافه الأولين. وقد يشهد المتعاطي مقابلات وجها لوجه مع الآلهة القديمة إيزيس ومازدا وأبولو ويهوه والمسيح، ويعلق جروف قائلا: «إن مقابلة هذه الآلهة تصحبها عادة مشاعر قوية للغاية تتراوح ما بين الرعب الخارق للطبيعة وفرط السعادة بسبب النشوة.»
واهتمام جروف بعقار إل إس دي يكمن في استخدام ذلك العقار في علاج مختلف الاضطرابات العاطفية، والفصام، والانحراف الجنسي، وإدمان الكحول، وإدمان المخدرات، ورغم ذلك فقد كان يحضر جلساته أيضا العلماء والفلاسفة والفنانون والمعلمون. لقد أدى تعاطي عقار إل إس دي إلى أشكال جديدة من الفن، فبالإضافة إلى الألوان الزاهية، كانت الرؤى تظهر - في أغلب الأحيان - خطوطا مموجة، وفسيفساء، وزهورا، وحيوانات، وأنماطا هندسية، وجواهر، وأطرا شبكية، وشبكات بلورية، وأقراص عسل النحل، وزخارف كلها تميل إلى الحركة. وقد حاول الفنانون رسم هذه الرؤى على لوحات من قماش الكانفاه.
ومن ثقافة عقار إل إس دي جاءت حانات الديسكوتيك في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين. وفي عكس لإجراء التعاطي الكيميائي النفسي، حاولت حانات الديسكوتيك المسببة للهلوسة، وبنجاح معقول باستخدام الأضواء الومضية، والألوان المتدفقة، والتصميمات والأنماط الانسيابية، والأصوات الصاخبة، إخفاء العالم الحقيقي لأحد التخيلات الروحانية والكابوسية دون تعاطي المخدرات. لكن وجد أن الأضواء الومضية تسبب نوبات صرع، بينما قد تسبب المصابيح النابضة الوامضة التنويم المغناطيسي، وتؤدي إلى الصداع والنعاس وأنواع بسيطة من الانهيار العصبي. (5) والآن لنعد إلى الأرض
لن أحاول وصف العين البشرية أو عملية الرؤية، لكنني سأركز على موضوع هذا الفصل، وهو الاستجابة البصرية. كتب جيمس بي سي ساوثول يقول: «الإبصار الجيد، الذي يعتمد عليه، هو ملكة تكتسب فقط من خلال عملية طويلة من التدريب والممارسة والتجربة. إن رؤية الشخص البالغ هي نتيجة لتراكم ملاحظات وارتباطات أفكار من كل الأنواع؛ ولذلك فهي مختلفة كثيرا عن رؤية الرضيع غير المدرب الذي لم يتعلم بعد أن يركز عينيه ويعدلها ويفسر ما يراه على نحو صحيح. معظم حياتنا ونحن صغار نقضيها دون وعي منا في اكتساب وتنسيق كمية هائلة من البيانات المتعلقة ببيئتنا، وكل منا يحتاج إلى تعلم استخدام عينيه للرؤية مثلما يحتاج إلى تعلم استخدام رجليه للسير ولسانه للتحدث.»
في الفصل الثاني الذي يتناول الاستجابة البيولوجية، أشرنا إلى دور الضوء - والرؤية - في ضمان رفاهة الكائنات الحية، ومنها الإنسان، وقيامها بوظائفها على النحو الملائم. والضوء بطبيعة الحال ضروري للرؤية، لكن أهميته تمتد لتشمل ما هو أكثر من ذلك. على مدار سنوات، ركزت صناعة الإضاءة في المقام الأول على الرؤية. أي مصادر الإضاءة هي الأكثر توفيرا؟ أيها تعطي أكبر قدر من الإضاءة؟ وخلال تاريخ تطور الإنسان كانت المصادر التي استمد منها الإنسان الضوء منذ القدم هي الشمس والسماء، وبعد ذلك استخدم ضوء النار، والمصباح الزيتي، والشموع المصنوعة من الشحم، ومصباح الكيروسين، ومصباح فتيلة الكربون الذي اخترعه توماس إديسون، والزئبق، وبخار الصوديوم، والانبعاثات الفلورية، وغيرها من المصادر. وتضمنت الوثائق الخاصة بصناعة المصابيح إشارات إلى القدم شمعة (وحدة قياس شدة الإضاءة) للطاقة الضوئية - أي طاقة ضوئية - لتمكين الإنسان من الرؤية بوضوح خلال المهام الموكلة إليه. ونتيجة لذلك صنعوا مصادر للضوء تضم بخار الصوديوم أو بخار الزئبق والفلور وغيرها من المواد، واستخدمت على نطاق واسع كما لو كانت المهمة الوحيدة للإضاءة هي تمكين الإنسان من الرؤية. هذا ليس نقدا، وما دام الإنسان قادرا على السير في الهواء الطلق، ولعب كرة السوفتبول، والسباحة والجلوس على الشاطئ نصف عار، فسوف تكون كل الأمور على ما يرام؛ لأنه يستطيع امتصاص أشعة الشمس الصحية والاحتفاظ بصحة جيدة، لكن إذا ظل الإنسان في مكان مغلق محدود المساحة لساعات طويلة، بعيدا عن الطبيعة وبعيدا عن الشمس، فسوف يحتاج إلى ضوء متوازن يشع الطيف الكامل أو شبه الكامل، بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية. وتوجد أدلة كثيرة على أن طول التعرض لبخار الصوديوم أو بخار الزئبق أو لضوء الفلورسنت التقليدي سوف يؤدي إلى اختلال توازن الحالة الصحية للإنسان.
قد يدفعنا التوهم إلى زعم أنه إذا حصل الإنسان على الغذاء الكافي، فإنه يستطيع «العيش» في ظلام دامس. إن عالم الإنسان الأعمى مظلم، لكن من الناحية البصرية فقط؛ حيث إن جسمه ما زال يمتص الطاقة الإشعاعية. وإذا كان الإنسان لا يستطيع العيش بالخبز وحده، فإنه لا يستطيع أيضا العيش جيدا في ظل إضاءة سيئة أو من دون إضاءة على الإطلاق. إن تعريض حيوانات مثل الفئران لنطاقات محدودة من الطيف لفترة طويلة أدى إلى ظهور آثار عدوانية في سلوكها. وبعيدا عن التأثيرات البيولوجية للضوء، فالإنسان مخلوق روحاني بالإضافة إلى كونه مخلوقا ماديا؛ فالحرمان الحسي - وسوف نناقش هذا الموضوع في الفصل الثامن - يمكن أن يقود الإنسان إلى الجنون، أو على الأقل يحرمه من القدرة على التفكير السليم، وأي شخص يعاني من صدمة ذهنية أو عاطفية مزمنة، سيعاني في النهاية من أمراض بدنية، وسوف يقصر عمره. (6) الاستجابات للضوء الملون
معظم البيئات الصناعية في الوقت الحاضر تعرض الناس لمصادر ضوء غير متوازن؛ فالمصباح المتوهج يفتقد على نحو كامل تقريبا الأطوال الموجية فوق البنفسجية، إذ تمتص الأنابيب الزجاجية المستعملة في معظم مصابيح الإضاءة الفلورسنت الأشعة فوق البنفسجية وتشعها. وبعض مصابيح الزئبق الغنية بالأشعة فوق البنفسجية تفتقر إلى ترددات الأشعة الحمراء والأشعة تحت الحمراء. ويكره الناس مصابيح الزئبق الشفافة لأنها تشوه الألوان الموجودة في المكان، وتجعل بشرة الإنسان تبدو بمظهر قبيح.
وبعيدا عن السمات البيولوجية للضوء، ماذا عن الاستجابات البصرية للبشر تجاه الضوء الملون؟ منذ سنوات أشار إم لاكيش إلى أن اللون الأصفر هو أكثر منطقة تحظى بالانتقائية، وهو الجزء الأكثر سطوعا في الطيف اللوني؛ فهذا اللون ليس له زيغ لوني (وهذا يعني أن العين تراه عادة بوضوح كامل)، كما أنه مريح نفسيا. وأوضح لاكيش أيضا من خلال التجربة أنه من خلال ترشيح الإشعاع الأزرق والإشعاع البنفسجي في مصباح الزئبق (وأيضا في مصباح التنجستن) ظلت حدة البصر ثابتة من الناحية العملية، على الرغم من تقليل كمية الضوء التي امتصها المرشح. وهذا يعني أن اللون الأصفر يتمتع بمزايا قاطعة بالنسبة لحدة البصر؛ فعلى سبيل المثال، يتميز مصباح الصوديوم بالكفاءة العالية على الرغم من أن تسببه في الزيغ اللوني يجعل من المستحيل استخدامه في كثير من الظروف.
ويضع سي إي فيري وجيرترود راند الإضاءة الصفراء على رأس قائمة الإضاءة المفضلة، يليه الأصفر البرتقالي والأخضر المصفر والأخضر. وكانت الألوان القاتمة المتمثلة في الأحمر والأزرق والبنفسجي هي الأقل حظا في قائمة الإضاءة المفضلة. وفي واقع الأمر، من الصعب للغاية على العين الإبصار بوضوح في ظل إضاءة زرقاء، كما أن اللون الأزرق سيجعل الأشياء تبدو ضبابية ومحاطة بهالة. ورغم ذلك، فعند تكيف العين مع الظلام الشديد يبدو أن العين تتمتع بأفضل حدة إبصار في ظل الإضاءة الحمراء. وقد استخدمت الإضاءة الحمراء على نطاق واسع في لوحات التحكم في الطائرات، وفي غرف التحكم في السفن والغواصات؛ فتأثير الضوء الأحمر قليل على العين المتكيفة مع الظلام، كما أنه لا يرى في واقع الأمر على الحواف الخارجية للشبكية التي لا يوجد بها خلايا مخروطية؛ ولذلك فهو مناسب لاستخدامه كمصباح تعتيم، وسوف يفشل في إثارة الرؤية في العين إلا عند تسليط أشعته بالقرب من النقرة المركزية للشبكية. (7) الإضاءة من أجل المظهر الجيد
من الافتراضات الساذجة التي يفترضها كثير من المهتمين بمصادر الإضاءة الصناعية اعتقاد أن تلك المصابيح لا بد أن تكون شبيهة قدر الإمكان بضوء النهار الطبيعي. فإذا كانت الغرفة أو المنطقة تتطلب التمييز الدقيق بين الألوان، فقد تكون محاكاة ضوء النهار الطبيعي ضرورية، لكن لا بد أن ندرك على نحو تام أن مثل هذا النوع من مصادر الإضاءة لا يجعل بشرة الإنسان تبدو جميلة بأي حال من الأحوال؛ إذ سوف تتحول البشرة للون الشاحب والرمادي تحت تأثير هذه الإضاءة. في واقع الأمر، إن الاستخدام المتعارف عليه لمستحضرات التجميل (قبل قدوم ظل العين الأخضر والأزرق وأحمر الشفاه الأبيض) كان وضع ذرور الوجه الوردي على البشرة، ووضع أحمر الشفاه الأحمر على الخدين والشفتين؛ لإبراز ما اعتبرته معظم النساء مقصد الطبيعة. ووجد الباحثون أيضا أن فكرة ذاكرة البشر عن اللون الحقيقي للبشرة تتمحور حول اللون الوردي إلى حد كبير.
ما هو الضوء الطبيعي في نهاية المطاف؟ يتراوح ضوء النهار من الصباح إلى الظهيرة إلى المساء ما بين اللون الوردي والبرتقالي والأصفر والأبيض والأزرق، ثم يعود مرة أخرى إلى ألوان الغروب الدافئة. كل هذه الألوان هي الضوء «الطبيعي». وقد لاحظ الهولندي إيه إيه كراتوف منذ سنوات مضت حقيقة أنه في مستويات الإضاءة «المنخفضة»، يبدو العالم «عاديا» إذا كان لون الضوء دافئا (إن الإضاءة الباردة في المستويات المنخفضة تجعل الأشياء تبدو مخيفة وغير طبيعية). ومع ازدياد شدة الإضاءة، يكون لزاما استخدام ضوء أكثر برودة لضمان المظهر الطبيعي للأشياء.
ومن أجل الحصول على مظهر جيد، لا بد من استخدام الضوء الدافئ في مستويات الإضاءة المنخفضة، واستخدام ضوء أكثر برودة أو أكثر بياضا في المستويات العالية، وبعض مصنعي المصابيح مدركون لهذا الأمر. ومن الملاحظ أن المصابيح المتوهجة والأنابيب الفلورسنت البيضاء الدافئة «مفضلة على نحو أكبر في المستويات المنخفضة»، بينما مصابيح الزئبق الباردة البيضاء وضوء النهار ومصححة الألوان تحظى ب «قدر كبير من التفضيل في المستويات العالية». ويشتهر ضوء الشموع، الحقيقي أو المصطنع، بجو الدفء والألفة والحميمية الذي يشعه. ويوصى باستخدام ضوء النهار البارد في مستويات إضاءة عالية من أجل إنجاز مهام العمل وبيع المنتجات. ستبدو حانة الشراب كما لو كانت تعج بالغيلان والأشباح الموتى إذا كانت الإضاءة فيها زرقاء أو بنفسجية خافتة، بينما الفصل المدرسي أو المكتب في ظل إضاءة حمراء أو وردية فاقعة سيكون مستهجنا بصريا ونفسيا، كما توجد اعتراضات على مصباح بخار الصوديوم (الأصفر اللون) أو مصباح الزئبق (الأخضر اللون) عند استخدام أي منهما في زمان ومكان يلزم فيه الحكم على بشرة ومظهر الأشخاص. (8) لون البيئات
لنتحول الآن من الضوء والإضاءة إلى الألوان والسطوع عند استخدامها في المناطق والأسطح في البيئات التي صنعها الإنسان. كتب إم لاكيش: «المهمة البصرية لا تنفصل عن البيئة الموجودة فيها ... إن الرؤية العالية، وسهولة الرؤية، وظروف الرؤية الجيدة كلها ناتجة إلى حد كبير عن جودة هندسة السطوع.» ويقصد بهندسة السطوع التحكم في اللون كما ستراه العين البشرية على الجدران والأسقف والأرضيات والمفروشات؛ ففي هذا الصدد تتأثر الاستجابات البشرية تأثرا جذريا.
للانطلاق من الفئران إلى الإنسان، في دراسة أجرتها المفوضية الأمريكية للطاقة الذرية في عام 1968، بحث جيه إف سبالدينج واثنان آخران من الباحثين تأثير الألوان المرئية على النشاط الإرادي في فئران بيضاء من سلالة آر إف. وضعت القوارض في حجيرات لفترات بلغت 18 ساعة، بعدها تتلقى الفئران استراحة، ثم توضع لمدة 18 ساعة أخرى في حجيرة أخرى إلى أن اختبرت كل البيئات. استعانوا بالدورات التي تدورها الفئران على عجلات النشاط الشبيهة بتلك العجلات التي نراها في أقفاص السناجب في تحديد مقياس نشاطها. الفئران حيوانات ليلية، ولذلك تكون في أقصى حالات نشاطها في الظلام، كما أظهرت نتائج الاختبار. وثاني أكبر فترات نشاطها كان في ظل الإضاءة الحمراء. إن فئران سلالة آر إف ترى اللون الأحمر على أنه ظلمة. «كان النشاط في الضوء الأصفر أكبر إلى حد كبير من نشاطها في ضوء النهار وفي الضوء الأزرق، وكان أقل إلى حد كبير من نشاطها في الظلام وفي الإضاءة الحمراء.» علاوة على ذلك، أظهرت الفئران العمياء اختلافا قليلا في مستوى نشاطها بغض النظر عن لون الإضاءة؛ مما أكد الزعم القائل بأن النتائج التي كشفت عنها الدراسة كانت «نتيجة للمستقبلات البصرية».
سنتناول الاستجابات البشرية تجاه الألوان في المحيط البيئي بقدر أكبر من التفصيل في الفصل القادم الذي يتحدث عن الاستجابة العاطفية. وفي الغالب، لطالما افترض العباقرة التقنيون في مجال الرؤية أن البشر يرون على نحو أفضل، وبمستوى راحة أكبر، في البيئة التي تكون كل المناطق الواقعة في مجال الرؤية فيها متسمة بالسطوع الثابت. وللأسف، فإن هذا الافتراض ليس أبعد ما يكون عن الحقيقة فحسب، بل يعد أيضا قلبا للحقيقة. وكما سنعيد في جزء آخر من هذا الكتاب، لا سيما في الفصل الثامن الذي يتناول الحرمان الحسي بصريا (وعاطفيا)، فإن الراحة تتطلب التغيير والتنوع المستمر. ووفقا لما قاله إتش إل لوجان، فإن الكائن البشري في حالة تدفق مستمر. كل وظائف الإنسان تتمدد وتنحسر باستمرار. الأفكار البسيطة سوف تؤثر على التنفس ومعدل النبض. إن ميل التجارب الفسيولوجية والنفسية إلى التذبذب واضح جدا لدرجة أنه سوف يحدث حتى إذا ظل العالم الخارجي ثابتا. إن مناطق السطوع الثابت ستبدو أنها تظهر ببطء وتختفي ببطء، وسوف تغلق فتحة بؤبؤ العين في واقع الأمر وتتسع نسبيا، والأصوات الثابتة لن تسمع على نحو ثابت، وسوف يختلف الإحساس بالذوق والحرارة والبرودة والضغط، وسيكون هذا مستقلا على نحو مفاجئ عن المثيرات الثابتة للمراحل الأولى من التعرض. وإذا استمرت هذه الرتابة لفترة طويلة، فسوف تتدهور القدرة على الاستجابة للمثير.
يحتاج البشر إلى مثيرات دورية متغيرة ليظلوا حساسين ومنتبهين لبيئاتهم. إن الراحة والانسجام يرتبطان عادة بالتغيير المعتدل، إن لم يكن التغيير الجذري. وهذا التغير يتعلق بالسطوع، بالإضافة إلى العناصر الأخرى الموجودة في البيئة. وإذا كان التنبيه المفرط قد يسبب الضيق، فقد ينتج الضيق عن الرتابة الشديدة أيضا. (9) مخاطر شدة السطوع
الوهج ليس عدو الرؤية الواضحة فحسب، بل عدو الراحة البدنية والعقلية والعاطفية أيضا. مثال بسيط على ذلك: لا شك أن القارئ قد لاحظ أن الضيق قد يصحب التعرض البصري لملعب مغطى بالجليد «حتى في ظل يوم غائم». يقول تي آر سي سيسون: «لطالما كان معروفا أن إصابة الشبكية تحدث للبشر الذين يعانون من «عمى الجليد»، الذي يعد نتيجة لانعكاس ضوء الشمس.»
يشيع استخدام اللونين الأبيض والعاجي في دهان الحوائط في المنازل. وليس لدي أي اعتراض على ذلك سوى القول إن اللون الأبيض جاذبيته العاطفية ضعيفة؛ فهو حيادي وعقيم، ومن المحتمل أن يكون رتيبا إن لم يكن مملا. إن المساحات الواسعة البيضاء تكون مناسبة من الناحية الجمالية لاستخدام ألوان مميزة في المفروشات. وقد يكون هذا جذابا، لكن المبالغة في استخدام الأبيض على الجدران (وربما في الأسقف والأرضيات والمفروشات) في أماكن مثل المكاتب والمدارس والمستشفيات؛ سوف تؤدي إلى مخاطر مؤكدة «إذا تضمنت هذه البيئة البيضاء مستويات عالية من الإضاءة أيضا.»
من الأعمال الكلاسيكية ذلك الكتاب الذي ألفه سي إي فيري وجيرترود راند منذ عدة سنوات بناء على طلب الجمعية الطبية الأمريكية. كتبا في ذلك الوقت أن: «العين تطورت تحت ضوء النهار. وفي ظل هذا الظرف حدثت ثلاثة تكيفات فقط، والعين لا تحتاج حقا إلا لثلاثة تكيفات فقط، هي: استجابة البؤبؤ لتنظيم كمية الضوء الداخلة إلى العين؛ لمساعدة العدسة في رؤية الضوء المنبعث من الأشياء على مسافات مختلفة، والتكيف والتقارب لوضع الشيء في المحور الأساسي للعدسة، ووضع الصورة في النقرة المركزية.» هذه التكيفات تميل إلى العمل بتناسق، وعند الفصل بينها قد تحدث مشكلة. إن زيادة السطوع في مجال الرؤية، إذا فصل عن المهمة، قد يتسبب في إعاقة الرؤية. ونتيجة لذلك ستكافح العين من أجل تصحيح الأمور. «إن السعي إلى تنقية الرؤية من خلال سوء التكيف غير الفعال هو سبب ما يطلق عليه عموما إجهاد العين.» وكتحذير إضافي، قال فيري وراند في الختام: «إن وجود زيادة في السطوع في مجال الرؤية يسبب استثارة قوية للعين كي تنظر إلى ذلك التوهج وتتكيف معه. وهذه الاستثارة لا بد من السيطرة عليها من خلال جهد إرادي. ونتيجة معارضة التحكم الإرادي للاستثارة الانعكاسية تتعب العين سريعا، وتفقد القدرة على دعم دقة التكيف اللازم لرؤية العمل بوضوح.»
ويتفق أطباء العيون مع هذا الرأي؛ فالوهج الأبيض، الذي يعد نوعا من أنواع عمى الجليد الصناعي، يمكن أن يسبب احتقانا في العين والتهابا وعتمة، ويمكن أن يفاقم من اختلال عضلات العين، ومشاكل انكسار العين وقصر النظر والاستجماتيزم (اللابؤرية). قد لا يحدث ذلك في يوم ولا في أسبوع، لكن على مدار فترة طويلة. وعند أداء مهام صعبة باستخدام العين، فإن شدة السطوع في مجال الرؤية العام تجعل كفاءة الرؤية معكوسة. وهذا يعني أن العين «سريعة» في التكيف مع السطوع، و«بطيئة» في التكيف مع الظلام. فإذا كانت البيئة المحيطة ساطعة والمهمة مظلمة، فإن القدرة على العمل بكفاءة سوف تصبح متعذرة بشدة. (10) تطبيقات عملية
توجد دروس مستفادة من الملاحظات السالفة الذكر. كثير من قراء هذا الكتاب قد يكونون معماريين، أو مصممين داخليين، أو نقاشين مزخرفين، أو غيرهم من المهتمين بالاستخدام «الوظيفي» للألوان في البيئات البشرية (باستثناء المنازل التي لا بد أن يغلب فيها على الأرجح الذوق الشخصي). وفيما يتعلق بموضوع «السطوع»، فمن الممكن توجيه السلوك والانتباه بسهولة من خلال المبادئ الموصوفة في هذا الكتاب.
لتوجيه الانتباه «خارجيا» على أفضل وجه نحو إحدى البيئات، لا سيما البيئات الداخلية التي قد يقوم فيها الإنسان بأعمال «عضلية»، وقد توجد بها مخاطر، يوصى ببيئة ساطعة اللون (أصفر، مرجاني، برتقالي). إذا وجدت العين البشرية الكثير من الإضاءة، فإنها سوف تنظر إلى البيئة المحيطة بها وتتأقلم معها. وقد تتوافر السلامة أيضا. وإذا كانت البيئة الداخلية تهدف إلى إنجاز مهام أثناء الجلوس، بالاستخدام الشديد للعين أو الذهن، فسيكون من الأفضل تقليل السطوع في البيئة بوصفه مصدر من مصادر التشتيت. ومع حوائط وأرضيات ومعدات ذات درجات ألوان متوسطة (أخضر، أخضر مزرق، رملي، طيني محروق) ووحدات إضاءة إضافية فوق المهام - إذا كان ذلك ضروريا - سوف يستطيع الأشخاص التركيز على نحو أفضل. وسيلاحظ أنه خلال أداء المهام الذهنية الصعبة، سيغمض الكثير من الأشخاص أعينهم لحجب البيئة تماما. ومن مزايا هذين المبدأين أنهما يسمحان باستخدام مجموعة متنوعة كبيرة من الخيارات اللونية؛ فالسطوع يتصدر الأهمية، ويأتي العامل الجمالي للون كعامل اختياري. (11) الرؤية الملونة
حوالي ثمانية بالمائة من الرجال يعانون من بعض العجز في رؤية الألوان، بينما نسبة النساء تقل عن نصف بالمائة. ويتمثل هذا العجز عادة في عدم القدرة على رؤية الأحمر أو الأخضر أو كليهما؛ فاللون البني والأخضر الزيتوني، على سبيل المثال، قد يبدو أنهما متماثلان.
وتوجد أمثلة قد يكون عمى الألوان فيها ناشئا عن الاستثارة، أو قد يعقب ظروفا مرضية معينة. في مرض الصفراء، قد يبدو العالم أصفر على نحو أساسي، وقد تأتي الرؤية الحمراء بعد نزيف الشبكية أو عمى الجليد، وقد تعقب الرؤية الصفراء التسمم بنبات القمعية أو بمادة الكينين، وقد يكون سبب الرؤية الخضراء جروح القرنية. وقد وجدت الرؤية الزرقاء في حالات إدمان الكحول. وفي عتمة التبغ، قد تكون الرؤية حمراء أو خضراء. وفي حالة التسمم بالسانتونين، قد يبدو العالم أزرق في البداية، وقد توجد مرحلة ثانية يستمر فيها المريض في رؤية الأصفر لفترة طويلة، وكذلك مرحلة الرؤية البنفسجية قبل التعافي الكامل. وبعد استخراج المياه البيضاء، قد يصاب المريض بالرؤية الحمراء، وقد يتبعها في بعض الأحيان رؤية زرقاء. ونادرا ما تحدث الرؤية الخضراء أو الصفراء في تلك الحالة.
خضعت الرؤية وعضو البصر لأبحاث طبية شاملة. وقد بذلت محاولات في مجال العلاج بالألوان من أجل تخفيف بعض حالات الحزن لدى البشر، من خلال تسليط ضوء ملون على العين في محاولة لاستثارة أعصاب العين أو إراحتها؛ ومن ثم التأثير على الجسم نفسه، ربما من خلال سلسلة من التفاعلات الداخلية. وقد قيل إن تسليط الضوء الأزرق والبنفسجي على العين يعد مبشرا في حالات الصداع، ويقال إن الضوء الأحمر يزيد من ضغط الدم، ويتعامل مع بعض أنواع من الدوار، ويقال إن الضوء الأصفر أو الأخضر أو الأزرق يخفف آلام الهضم، والضوء الأصفر مفيد في حالات معينة من الاضطرابات الذهنية.
يتناول الفصل الثامن هذه الاستجابات بمزيد من التفصيل. وإذا كان الإنسان حساسا للألوان، فإن جسمه يصبح أيضا لوحة للألوان. ويقدم آرثر أبوت في كتابه «ألوان الحياة» وصفا ممتازا للمظاهر المتغيرة التي يتخذها جسم الإنسان؛ حيث قال: «تعزى حمرة الدم إلى الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. أما الخدود الوردية التي تميز الشباب فتشير إلى الحالة الصحية للدم، مع البشرة الرقيقة التي تتمتع بالصحة. يمكن للرجل الأبيض أن يظهر كل الألوان تحت ظروف معينة؛ ولذلك من الممكن على نحو أكثر ملاءمة أن يسمى «ملونا»، في حين أن الزنجي - الذي نطلق عليه لفظ «ملون» - هو أسود، وهذا يعني غياب الألوان. إن الرجل الأبيض يمكن أن يبدو أبيض تماما بسبب الخوف، أو فقدان الدم ... إلخ، ويمكن أن يبدو رماديا من الألم، وأحمر من الإجهاد، الغضب ... إلخ، وأخضر بسبب الصفراء والسموم المحقونة، وأصفر بسبب اليرقان، وأزرق بسبب البرد وضعف الدورة الدموية، وقلة الأكسجين، وبنيا بسبب سفعة الشمس، وأرجوانيا بسبب الاختناق، وأسود بسبب التحلل.» (12) الرؤية ليست نعمة دائما
أختتم هذا الفصل بملاحظة محبطة: لطالما كتب الشعراء عن نعم الرؤية، وروى الكتاب المقدس قصصا عن استعادة العميان للبصر، وتوجد سيناريوهات ومسرحيات كثيرة تحكي عن عالم رائع من الألوان يكتشفه الشخص الذي كان أعمى في السابق. ومن المؤكد أن الرؤية من أعظم نعم الحياة، لكن قصص الكتاب المقدس والأساطير والحكايات الدرامية التي تتحدث عن استعادة البصر لا تقود دائما إلى سعادة لا حدود لها للأشخاص الذين عادت لهم الرؤية مرة أخرى، سواء عن طريق معجزة أو بطريقة أخرى؛ يقول آر إل جريجوري في كتابه «العين والعقل»: «يبدو أن الإصابة بالاكتئاب لدى الأشخاص الذين استعادوا بصرهم بعد سنوات طويلة من العمى يعد سمة شائعة في كل الحالات.» ويروي قصة عن رجل عمره اثنتان وخمسون سنة كان يجد صعوبة في التأقلم على الرؤية بعد عملية زرع قرنية ناجحة؛ فقد وجد أن ما تعلمه من خلال حاسة اللمس كان متعارضا على نحو واضح مع الواقع عندما استعاد بصره: «لقد وجد العالم شاحبا. وكان حزينا لرؤية تقشر وعيوب الدهان على الأشياء. كان يحب الألوان الفاقعة، لكنه كان يشعر بالإحباط عندما يبهت الضوء، وأصبحت خيبات أمله واضحة وشاملة، وكف تدريجيا عن الانخراط في الحياة، ومات بعد ثلاث سنوات.» ودعوني أبهج القارئ؛ حيث توجد استجابات أسعد للألوان موصوفة في الفصل القادم!
الفصل الرابع
الاستجابة العاطفية
لدي خبرة كبيرة في تطبيقات الألوان في البيئات البشرية، لكن خبرتي في استخدامها في المنازل أقل من خبرتي في استخدامها في الصناعات والمؤسسات التي تزاول فيها مهام العمل، أو يكون لزاما فيها ضمان السلامة البصرية والبدنية والعاطفية الجيدة. ولقد أجري عدد من الاختبارات السريرية كانت مهتمة في الأساس بإجهاد العين وتأثيره على الجسم وإطار الذهن، واستخدمت أجهزة خاصة بالعيون لقياس معدل رمش العين وإجهاد الشبكية، مع استدعاء متخصصي العيون لفحص الحاجة إلى العلاج الطبي أو إلى نظارات تصحيح الإبصار بعد فترات محددة من الوقت.
اكتسبت هذه الشهادة مباشرة وبسهولة؛ لأنه من الممكن استخدام الأجهزة وتسجيل بيانات حقيقية، لكن في المجالات النفسية لا يكون اتباع المنهج الواقعي و«العلمي» بهذه السهولة. إن أجسام البشر متشابهة للغاية، لكن عقولهم وأرواحهم مختلفة جذريا. ولطالما كان من الصعب إجراء أبحاث في مجال علم النفس. إن الاستجابات الواعية تجاه الألوان أو أي شيء آخر ليست ضرورية على الإطلاق مثل الاستجابات غير الواعية، ومن الممكن أن يحدث التداخل بينهما؛ ففي الفنون على سبيل المثال، يوجد أشخاص يفضلون الواقعية، ويكرهون التجريدية، والعكس أيضا صحيح. وبالتأكيد فإن أيا من هذين التوجهين ليس صحيحا أو مطلقا بالنسبة «لكل» الأشخاص.
هل الألوان «دافئة» و«باردة»؟ منذ عدة سنوات أجريت دراسة في مجال الإضاءة وكانت نتائجها سلبية، وأعلن «دليل الإضاءة» الصادر عن جمعية هندسة الإضاءة أن هذا الزعم: «يبدو أنه ليس له أساس في حقيقة الأمر.» إن كلمة «حقيقة» تثير المشاكل دائما فيما يتعلق بأي شيء عاطفي. إن حقائق الجوع يمكن قياسها في ضوء تدفق العصارات الهضمية في معدة الشخص، لكن من سيشعر «بالجوع» إذا وضع أحد التقنيين أنبوبا مطاطيا داخل المعدة لاستخراج العصائر! لا بد من قبول أدلة الحواس سواء أكانت حقائق أم لم تكن حقائق. فإذا كان الأحمر لونا دافئا بالنسبة لك، وكان لونا باردا بالنسبة لي، فكلتاهما حقيقة، لكنها حقيقة شخصية بالنسبة لكل منا.
يتناول هذا الفصل الاستجابات العاطفية للألوان. إن الدراسات المقدمة والنتائج الموصوفة في هذا الفصل خاضعة بكل صراحة للتشكيك والخلاف حولها، وأقدمها على أي حال مدركا تماما «حقيقة» أنه إذا كانت الاستجابات الفردية تختلف، فإن الاستجابات الشائعة بين مجموعة من الأشخاص يمكن أن تكون مبررا كافيا للوصول إلى استنتاجات من الممكن قبولها. ليس لزاما على الجميع قبول أن الأحمر لون دافئ، لكن إذا قبل ذلك غالبية الأفراد، فسيكون هذا كافيا. وتصف الفصول القادمة الأجهزة (البوليجراف وجهاز رسم المخ) المستخدمة في تسجيل الاستجابات البشرية تجاه الألوان. أما في الوقت الراهن، فدعوني أصف التجارب القديمة والحديثة المتعلقة بالألوان والاستجابة العاطفية.
قد لا تكون الاستجابات العاطفية للألوان غامضة ومراوغة كما اعتقد البعض، وربما يكون لها أساس فسيولوجي وأساس نفسي أيضا. وقد كتب كندريك سي سميث؛ الرئيس السابق للجمعية الأمريكية لعلم البيولوجيا الضوئية، فقال: «إن الآثار النفسية للضوء، لا سيما الضوء الملون، معروفة جيدا، لكنها ليست مفهومة جيدا. إن هذه الآثار قد ترتبط بعلاقة سببية مع العمليات البيولوجية الصرفة التي يستثيرها الضوء في الدماغ. وهذا بدوره سوف يؤثر على السلوك النفسي. وشدة الضوء بالإضافة إلى نوعية الطول الموجي من الممكن أن تغيرا الإنتاجية والحالة المزاجية.» ويوافقه الرأي جون أوط فيقول: «وراء الاستجابات النفسية للألوان استجابات أساسية أكثر لأطوال موجية محددة للطاقة الإشعاعية.» (1) عودة إلى التاريخ
في عام 1875، زود طبيب أوروبي اسمه بونزا عدة غرف بنوافذ من الزجاج الملون، والحوائط الملونة، والأثاث الملون. وكان الأحمر والأزرق هما اللونين المستخدمين في الأساس. فيما يتعلق باللون الأحمر كتب يقول: «بعد قضاء رجل يعاني من هذيان يتسم بقلة الكلام ثلاث ساعات في غرفة حمراء، أصبح مسرورا ومبتهجا، وفي اليوم الذي أعقب دخول رجل مجنون كان يرفض كل أنواع الطعام إلى الغرفة، طلب الفطور وتناوله بنهم مفاجئ.» وفيما يخص اللون الأزرق «وضع رجل عنيف كان لزاما إبقاؤه مرتديا قميص المجانين في غرفة النافذة الزرقاء، وبعد أقل من ساعة أصبح أهدأ.» ورغم ذلك، ففي الوقت الحاضر لم يعد ملاذ الغرفة الحمراء والغرفة الزرقاء موجودا. لقد طبق الطب معالجات وطرقا ومعدات وعقاقير جديدة. وأصبح استخدام الألوان، عند تخصيصه للبيئات، معقدا إلى حد كبير، كما سنوضح في الفصل الثامن. والألوان بطبيعة الحال ليست علاجا، لكنها مفيدة في المساعدة في إثارة حالة مزاجية لطيفة في البشر. وهذه الحالة ضرورية دائما لتحقيق أفضل رعاية طبية.
في عام 1910، لفت شتاين الانتباه إلى توترية عضلية عامة في الاستجابات العضلية في الجسم البشري بفعل الضوء. وتشير كلمة «توترية» إلى حالة النشاط الثابت التي يحافظ عليها الجسم. وتعد حالة التوتر العضلي والاسترخاء العضلي على سبيل المثال تغيرات توترية. وكلتا الحالتين واضحتان، وممكن قياسهما إلى حد ما، فضلا عن كونهما دليلا جيدا على تأثير الألوان. واكتشف فير أن اللون الأحمر يزيد التوتر العضلي من 23 وحدة؛ وهو معدله الطبيعي، إلى 42 وحدة، وأن البرتقالي يزيد الوحدات إلى 35، والأصفر إلى 30، والأخضر إلى 28، والأزرق إلى 24، وكلها معدلات فوق المعدل الطبيعي. ورغم ذلك، ففي العموم نجد أن ألوان الطيف الدافئة مثيرة، بينما الألوان الباردة باعثة على الاسترخاء.
من خلال الإثارة البصرية، لاحظ إيه ميتسجر أنه عند تسليط الضوء على عين واحدة لكثير من الحيوانات والبشر يمكن حدوث حالة توتر عضلي في نصف الجسم المرتبط بهذه العين. وصاحب هذه التغيرات التوترية تغيرات في «الأحاسيس السطحية والعميقة. وأظهرت كلتاهما اعتمادها الثابت على المثيرات البصرية.» واستنتج أن تأثير الضوء لم يشمل العضلات فحسب، بل كان مؤثرا في إحداث تغيرات في جسم الكائن كله.
وكطريقة تجريبية، جعل ميتسجر الشخص يمد ذراعيه أفقيا أمام جسمه، وعند تسليط الضوء على إحدى عينيه، حدثت زيادة في التوترية في جانب الجسم نفسه الموجودة فيه العين . وارتفعت الذراع الموجودة في جانب الضوء وانحرفت ناحية جانب العين المضاءة. وعند استخدام الألوان، تسبب الضوء الأحمر في تباعد الذراعين إحداهما عن الأخرى، وتسبب الضوء الأخضر في تقاربهما إحداهما من الأخرى في سلسلة من الحركات التشنجية. وفي حالات الصعر (رجفة الرأس)، أدى التعرض للضوء الأحمر إلى زيادة التململ، بينما قلله الضوء الأخضر.
وعلى القدر نفسه من الإثارة كانت تجارب إتش إيرينفالد؛ فقد أوضح أنه عند تسليط الضوء على الوجه والرقبة من الجانب سوف تنحرف الذراعان الممدودتان نحو الضوء الأحمر، وتبتعدان عن الضوء الأزرق. وتحدث هذه الاستجابة على نحو مستقل عن حاسة البصر! فقد حدثت والعينان محجوبتان عن الضوء، بل وشوهدت في الأشخاص العميان!
يبدو أن الاستجابة التوترية تحدث في اتجاهين، في حين أن الأخضر المصفر هو النقطة الحيادية التي لا تحدث عندها أي استجابة معينة. وفيما يتعلق باللونين البرتقالي والأحمر، يحدث انجذاب للمثير. ومن ناحية الأخضر والأزرق، يحدث ابتعاد عن المثير. وحتى الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية غير المرئيتين، فإنهما يتسببان في حدوث ردود أفعال انعكاسية، مما يقدم أدلة أخرى على حقيقة أن الجسم يستجيب بالفعل للألوان حتى دون رؤيتها. وعلى الرغم من أن من أجروا التقارب فيما بعد وجدوا سببا للاتفاق، وكذلك للاختلاف مع ميتسجر وإيرينفالد، فلا يمكن للمرء أن يشك في الوقت الحاضر في أن الجسم البشري يستجيب للضوء والألوان، وأنه بالفعل يبعث أيضا إشعاعا من تلقاء نفسه. (2) فيليكس دويتش
في عام 1973، أجرى الطبيب فيليكس دويتش بحثا يستحق الثناء عن الآثار العاطفية للألوان. وألقى اكتشافه ضوءا مهما ليس فقط على الممارسة الطبية فيما يتعلق بالألوان، بل أيضا على علم نفس الألوان ككل. وكتب دويتش فقال: «كل فعل من أفعال الضوء له في تأثيره مكونات فيزيائية ومكونات نفسية أيضا.» وهذا يعني ببساطة أن طاقة الضوء تؤثر على الجسم مباشرة، وكذلك من خلال العين والعقل. ويوضح - على سبيل المثال - أنه عند علاج أحد الأمراض الرئوية، مثل السل، باستخدام الضوء، يحدث أثر بيولوجي حقيقي، إلا أنه علاوة على ذلك أظهر المريض استجابة مبهجة للصفات الممتعة المتعلقة بالهواء الطلق وضوء الشمس. وسوف يشعر المريض ب «أحاسيس وإثارات نفسية تعزز من خلال الجهاز العصبي الذاتي كل الوظائف الحيوية؛ فتفتح الشهية، وتحسن الدورة الدموية ... إلخ. ومن خلال هذه المظاهر يتحسن بدوره التأثير الفيزيائي للضوء على عملية المرض.» وعلى هذا النحو، فإن دويتش يتحدث عن تأثير الضوء والانطباع الذي يتركه الضوء؛ فأحدهما تأثير فيزيائي، والآخر تأثير عاطفي، وكل منهما يحقق العلاج عند استخدامه على حدة، وعند استخدامهما معا فإنهما يكونان «علاجا» عالي الفعالية في كثير من الأمثلة.
كملاحظة شائعة، نرى أن أمزجة الناس تتغير بفعل البيئة، بفعل القبح والجمال، بفعل الطقس المشمس والطقس الممطر. وبالمثل هي الاستجابات للألوان؛ فهي إما محبطة وإما ملهمة. فإذا وضعنا الناس في مكان ساطع ومتناغم، فإن معظم الأشخاص سيجدون أن حالتهم المزاجية تحسنت. ومع تحسن الحالة النفسية، فإن الجهاز الدوري والنبض وضغط الدم والتوتر العصبي والعضلي قد تتأثر على نحو مبشر. وهذه الاستجابات لا تلاحظ بوضوح، ولا تتبع قاعدة عامة، وفقا لما قاله دويتش. واستطرد قائلا: «وعند تقييم هذه الاستجابات التي يمكن أن ينعتها المرء بالعاطفية، والتي تظهر نتائجها العضوية على نحو ثانوي فقط، يجب أن يعتمد المرء على نحو حصري تقريبا على شهادات الأفراد الذين أجري عليهم الاختبار. وهذه الشهادات ليس دائما من السهل تحديد مدى صحتها.»
إن هذا العمل الذي يعد الأول من نوعه الذي قدمه دويتش سبق إلى حد كبير أعمالا مشابهة باعثة على الثقة والتفاؤل قدمها غيره من الباحثين المؤهلين والثقات الذين جاءوا بعده، وقد كتب أيضا: «إن تأثير الحالة المزاجية، والانزعاج النفسي، والخوف، والسعادة، والحزن، وانطباعات العالم الخارجي تكشف عن نفسها بوضوح في كل من التغيرات الداخلية والخارجية المتعلقة بالجهاز الدوري. إن التغيرات في تكرار وإيقاع النبض، وكذلك تذبذبات ضغط الدم تعد تعبيرات خارجية عن العوامل المؤثرة نفسيا التي حدثت.» وقد عالج مرضى كانت حالاتهم تعود إلى أصل عصبي، أو كانوا يعانون من اضطرابات في إيقاع نبض القلب، فقال دويتش: «خلال فترة الاستقصاء، تخلينا عن كل الإجراءات العلاجية الأخرى التي قد تؤثر على الجهاز الدوري.»
كانت الطرق التي اتبعها دويتش أبعد ما تكون عن السطحية؛ فقد اختار غرفة مطلة على حديقة. وكانت الألواح الزجاجية الخاصة بالنوافذ مصممة بحيث تضم ألوانا مختلفة، واستخدم إضاءة صناعية ملونة داخل الغرفة، واستعان بلونين أساسيين: الأحمر الدافئ والأخضر البارد، وطلب من الشخص النظر بهدوء من النافذة. وترك الشخص بمفرده لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة. وبعد هذه المدة سأله عن إحساسه العام وعن انطباعه عن الإضاءة. وفي النهاية، طلب منه تكوين ارتباطات ذهنية حرة متعلقة بالمكان، وتذكر أي شيء من الممكن أن يكون قد ورد على باله.
وصف دويتش عددا من الحالات والنتائج التي أعقبت التعرض لأماكن داخلية ملونة. واشتكت إحدى المريضات التي تعاني من الخوف من الذبحة الصدرية من ضيق التنفس، وعوز الهواء، وخفقان القلب، وخافت من عودة نوبة التشنج التي جعلتها تفقد الوعي عندما حدثت لها منذ عدة سنوات. وفي حالة أخرى، اشتكى المريض من نوبات ضعف، وضيق تنفس، وأحاسيس بالضغط على الصدر أدت إلى الخوف من الاختناق.
درس دويتش وقاس انخفاضات ضغط الدم، ولاحظ أي تغيرات أو تحسنات في الصحة الجسدية والسلامة العقلية لمرضاه، ولخص استنتاجاته على النحو التالي: تؤدي الألوان إلى حدوث رد فعل منعكس في الجهاز الدوري، وتسبب ذلك من خلال الأحاسيس والمشاعر. والتأثير الذي يحدث ليس خاصا بأي لون أو أي ألوان متعددة؛ فالألوان الدافئة قد تهدئ شخصا وقد تثير آخر، والألوان الباردة بالمثل قد تثير أحد الأشخاص وتكون سلبية بالنسبة لشخص آخر. إن التعرض لإشعاع الضوء الأحمر أو الأخضر قد يسبب زيادة في مستوى ضغط الدم وتسارع معدل النبض، أو قد يحدث العكس اعتمادا على التكوين النفسي الخاص بكل شخص.
ماذا يحدث؟ وفقا لدويتش فإن: «الإثارات العاطفية التي نتعرف عليها من خلال التغيرات في مستوى ضغط الدم ومعدل وإيقاع النبض تحدث من خلال الارتباطات الذهنية.» فقد يذكرك اللون الأخضر بالطبيعة والجبال والبحيرات، وقد يذكرك اللون الأحمر بغروب الشمس والمدفأة. «هذه الارتباطات السطحية تؤدي إلى ذكريات راسخة، وهذا يفسر الأهمية الانفعالية للتوجهات تجاه الألوان.»
أعتقد أن هذا الملخص مقبول إلى حد ما، ويجب أن نلاحظ أن دويتش تجنب الإتيان بمزاعم محددة خاصة بألوان محددة. ومؤلف هذا الكتاب يتفق تماما مع هذا الموقف؛ فالألوان في حد ذاتها، كل الألوان، تعالج نفسيا، «إن العملية النفسية التي استثيرت نذكرها هنا بسهولة على هذا النحو إن الضوء الملون يغير البيئة. ومن خلال تغيير منظر البيئة، ينفصل الفرد عن الواقع.» ويصبح الفرد على طريقه للشفاء، ويساعده في المضي قدما عملياته الذهنية والعاطفية. (3) كيرت جولدشتاين
كان كيرت جولدشتاين من الكتاب والباحثين المثيرين؛ وقد وجد في كتابه «الكائن الحي»، وفي الكثير من المقالات التي نشرها في الصحف الطبية أن الألوان لها قيمة علاجية وفائدة في العلاج النفسي.
كتب جولدشتاين يقول: «ليس تصريحا زائفا على الأرجح إن قلنا إن «إثارة لون معين يصحبها نمط استجابة معين في الكائن الحي ككل».» وتأكيدا لأعمال ميتسجر وإيرينفالد المذكورة للتو، فإن الاستجابة العضوية من الممكن ملاحظتها عند تقديم استثارة اللون وملاحظتها بحرص. وهذا يعني أن الاستجابة للألوان راسخة، وهي أصيلة في العملية الحياتية. «يزيد تأثير الألوان لدى المصابين بالأمراض العصبية والمصابين بأمراض الذهان.» وكتب جولدشتاين عن امرأة مصابة بمرض مخيخي تميل إلى السقوط على نحو مفاجئ، وتمشي مشية مضطربة. وعندما ارتدت هذه المرأة فستانا أحمر، أصبحت تلك الأعراض أكثر وضوحا. وكان للملابس الخضراء والزرقاء تأثير معاكس؛ حيث استعادت المرأة توازنها إلى مستوى طبيعي نسبيا.
وعلى هذا النحو، يمكن للألوان أن تؤثر على قدرة الجسم على الحفاظ على وضعيته. كما ذكرنا من قبل، فإن الضوء الأحمر من الممكن أن يجعل الذراعين المبسوطتين تبتعدان إحداهما عن الأخرى، والضوء الأخضر يمكن أن يجعلهما تقتربان إحداهما من الأخرى. وفي المريض المصاب بضمور الجانب الأيسر من الدماغ، فإن الذراع الموجودة في الجانب المتأثر سوف تنحرف بمعدل أبعد من الطبيعي. و«نظرا لأن هذا الانحراف يكون محدد القدر في ظل ظروف معينة، ويتغير قطعا إثر الاستثارة بألوان مختلفة، فإن هذه الظاهرة يمكن أن تستخدم كمؤشر في دراسة تأثير الألوان على الأداء.»
يختل توازن الكائن البشري بتأثير اللون الأحمر على نحو أكبر بكثير من تأثير اللون الأخضر. وعلى هذا النحو، توصل جولدشتاين إلى استنتاج يقدم جوابا مهما للمهتمين بالاستجابة البشرية للألوان، فقال: «إن انحراف الذراعين على نحو أقوى عند الاستثارة بالضوء الأحمر يرتبط بتجربة الانزعاج والرفض والانجذاب إلى العالم الخارجي على نحو غير طبيعي. إنه مجرد تعبير آخر عن إحساس المريض بالتعرض للتطفل والعدوان والإثارة من قبل اللون الأحمر. وقلة الانحراف (عند الاستثارة باللون الأخضر) ترتبط بالانسحاب من العالم الخارجي، والالتجاء إلى هدوئه ومركزه الشخصي. وتمثل التجارب الداخلية الجانب النفسي من استجابات الكائن البشري. ونواجه جميعنا في الظاهرة الملحوظة الجانب البدني من الاستجابة.» وكثير من الأشخاص الذين يعانون من الارتعاشات والتشنجات قد يجدون أن مثل هذه الاضطرابات تخف حدتها إذا ارتدوا نظارات خضراء؛ فتلك النظارات تحجب أشعة الضوء الأحمر، ولها تأثير مهدئ.
كتعميم حول مواصفات الألوان، يقدم جولدشتاين هذه التوصية المثيرة للمؤسسات التي يشغلها مجموعات من الأفراد بغرض العمل، أو بسبب الخضوع للعلاج الطبي أو النفسي: «يمكن القول إن الأحمر مثير للنشاط ومفضل للأفعال التي نحددها بعواطفنا، والأخضر يخلق حالة التأمل والتنفيذ الدقيق للمهمة. وقد يكون الأحمر مناسبا لخلق الخلفية العاطفية التي ستنبثق عنها الأفكار والعمل، وفي ظل اللون الأخضر، تتطور تلك الأفكار، وتنفذ تلك الأفعال» (تأكيد جولدشتاين). (4) سيسيل ستوكس - الألوان والموسيقى
توجد علاقات عاطفية قوية بين الألوان والموسيقى، وقد كتب عنها الكثيرون، وفي حين أن أي علاقة «فيزيائية» (تردد الاهتزازات) يمكن أن تكون محل شك، فإن إحساس التناغم بين الموسيقى والألوان هو إحساس عام تماما. وقد كتب فاجنر عن هذا التناغم بصفته موسيقيا، وكتب عنه كاندينسكي بصفته فنانا من بين الكثير من الفنانين والملاحظين الآخرين.
في حوالي عام 1921، اخترع توماس ويلفريد أحد فنون الألوان المتحركة، أطلق عليه اسم لوميا، إلا أن ويلفريد لم يكن مهتما بأي شيء ذي طبيعة علاجية. وفيما بعد، في أربعينيات القرن العشرين، تمكن سيسيل ستوكس من كاليفورنيا من استخدام أفلام صور متحركة تجريدية تحتوي على ألوان وأصوات في علاج المصابين بأمراض الذهان. ولد سيسيل ستوكس في إنجلترا في 6 أبريل عام 1910، وتوفي عن عمر يناهز 46 عاما في لوس أنجلوس، في 14 ديسمبر من عام 1956. وخلال حياته ترأس مؤسسة أوروراتون الأمريكية في هوليوود، وتمكن من تأسيس العديد من ملاجئ الموسيقى والألوان في المستشفيات الحكومية في أنحاء أمريكا. لقد كان ستوكس واحدا من رواد مهرجانات الضوء والسيرك الكهربائي، ونوادي الديسكو التي ظهرت لاحقا. وكان ما تحتوي عليه من أنماط ضوئية متحركة، وألوان مستحثة بالصوت، وأدوات إلكترونية، وأفلام وعروض غريبة تهاجم الحواس لأغراض فهمها كلها بنفسه جيدا منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.
ابتكر سيسيل ستوكس وصمم ما أصبح معروفا باسم أفلام أوروراتون. وفي هذه الأفلام، كانت أنماط متحركة تجريدية «بالألوان الكاملة» تغطي شاشة عريضة بمصاحبة الموسيقى؛ حيث كان أندريه كوستالينتس وفرقته يعزفون «كلير دو لون»، وبينج كروسبي يغني «هوم أون ذا رانج»، و«جوينج ماي واي»، و«آفي ماريا»، كانت تأثيرات الألوان مأخوذة من تكوينات كريستالية نامية ومتمددة مصورة بالألوان التكنيكلر؛ باستخدام الضوء المستقطب (تقنية معروفة جيدا اليوم). وعلى أي حال، كانت الألوان تتدفق في سلاسة، وعلى نحو رائع، أمام العيون بأنماط مبهجة وطبيعية تماما. ومن خلال مهارة يعرفها ستوكس فقط، كانت سرعة عرض النمط تتغير، وكان تصاعد وتضاؤل شدة اللون متناغمين - على نحو لافت للنظر - مع السمات البصرية والعاطفية للموسيقى.
وثق عمل ستوكس على نحو منمق في مقالة أعدها هيربرت إي روبين وإلياس كاتس، واشتملت المقالة على إطارين ملونين بحجم صفحة كاملة مأخوذين من أحد أفلامه. وانطلق روبين وكاتس «يراقبان آثار أفلام أوروراتون على المرضى المصابين بالاكتئاب الذهاني ... لمعرفة الآلية النفسية المتحكمة في استجابات المرضى المصابين بالاكتئاب الذهاني عند مشاهدتهم هذه الأفلام، وأيضا من أجل استخدام هذه الأفلام كوسيلة علاج نفسي.» قدمت المقالة بالتفصيل نتائج الدراسة، واقتبست من تقارير ست حالات على النحو التالي: «كان من الملاحظ أن مرضى الهوس الاكتئابي في الحالة المذكورة خاضوا تجارب تنفيس عن النفس، وبدا أنهم استفادوا من مشاهدة الأفلام.»
وكما أوضح روبين وكاتس، فإن المريض المصاب إصابة بالغة أو المشلول قد يصاب باكتئاب شديد، وقد يتملكه العناد ويقاوم المساعدة الطبية ويسعى إلى الانتحار. ومع ازدياد حالة الاكتئاب سوءا قد يشتد مرضه على نحو مروع. ورغم ذلك، فمع التوصية المتمثلة في استخدام الموسيقى والألوان، كما هو الحال في أفلام أوروراتون، فإن «معظم المرضى أصبح من السهل التواصل معهم إلى حد كبير ... والمرضى الذين كانوا يعانون في السابق من حبسة الكلام أو تأخر الكلام أصبحوا يتحدثون بحرية أكبر ... ومع حالة سهولة التواصل مع هؤلاء المرضى، أصبح ممكنا للطبيب النفسي بناء علاقة تفاهم معهم.»
إذا كانت نوادي الديسكو وفرق الروك آند رول الموسيقية بأضوائها الوامضة، وألوانها البراقة، وأصوات الصرير التي تحدثها تثير الأعصاب، وتتغلب على الخجل والحياء في البشر، وتثير تأثيرات مشابهة لتلك التي تعقب تعاطي عقار إل إس دي المهلوس - إذا كانت تسبب أشكالا صغرى من الانهيار العصبي - فإن سيسيل ستوكس كان يعلق آمالا مناقضة تماما لتلك التأثيرات على وسيلته المعتمدة على الصوت واللون؛ فمن خلال «الموسيقى البطيئة والمهدئة والحزينة نسبيا»، كان متأكدا من أن الأرواح المريضة عقليا «يمكن أن تنفس عن توتراتها المكبوتة الناتجة عن الصراعات وخيبات الأمل.» لقد كان مهتما، بوصفه رائدا، بالقيم الروحية والنفسية للألوان والأصوات، وبالعوامل البيئية المؤثرة والمتحكمة التي سوف تتطور أكثر بلا شك، وتطبق على نطاق أوسع مع مرور الوقت.
إليكم مقتطفا من إحدى الحالات المذكورة في مقالة روبن وكاتس: «المريض إي، دخل هذا المريض البالغ من العمر 26 سنة المستشفى ... في 5 يونيو 1945 لعلاج إضافي لجروح متعددة في الجسم من الدرجة الثانية والثالثة ... لم يظهر هذا المريض أي أعراض عقلية حتى 16 أغسطس 1945، عندما كتب على إحدى أوراق الصليب الأحمر الأمريكي عبارة: «أحضروا من فضلكم بعض السم لقتلي.» كان المريض مشوها نتيجة لحروق شديدة في الوجه متضمنة الأذنين، وكذلك كلتا اليدين. كان مضطربا ومهتاجا ومكتئبا ومتأخرا ومستغرقا في التفكير، وكان يفكر كثيرا في أنه فقد السيطرة على حياته ... وكان يعبر في أغلب الأحيان عن رغبته في الموت كوسيلة لحل مشكلته العاطفية ... في 21 سبتمبر 1945 وقبل عرض الفيلم، بدا أن المريض مكتئب نسبيا. جلس المريض ورأسه لأسفل يتحسس حذاءه. وطوال عرض الفيلم، بدا مستغرقا تماما في الموسيقى والألوان ... وفي نهاية العرض جلس باستقامة، وأخذ ينظر إلى أرجاء الغرفة. لم يعد يبدو عليه الاكتئاب. وخلال جلسة النقاش الجماعي فيما بعد، تعاون مع الطبيب النفسي، وأجاب عن الأسئلة بصراحة، وعندما غادر الغرفة لم يعد يجر قدميه في تباطؤ.» (5) الأزرق جميل
هذا عنوان مقالة قصيرة نشرت في عدد 17 سبتمبر 1973 من مجلة «تايم». أشارت المقالة إلى أحد أعمال هينر إيرتل؛ مدير أحد معاهد علم النفس العقلاني في ميونخ. وقد أجرى هينر دراسة استغرقت ثلاث سنوات على أطفال لتقدير تأثير لون البيئة على الكفاءة التعليمية، إن لم يكن لقياسه. طليت غرف ذات أسقف منخفضة بألوان مختلفة. وكانت الألوان الأفضل والأكثر شعبية هي الأزرق الفاتح والأصفر والأخضر المصفر والبرتقالي. وفي هذه البيئات، يمكن أن يرتفع معدل الذكاء إلى قدر كبير يعادل 12 درجة. أما الألوان المسماة بالألوان القبيحة؛ الأبيض والأسود والبني، فسببت انخفاضا في معدل الذكاء؛ «وجد الباحثون أن الألوان الشائعة تثير أيضا الانتباه والإبداع، وغرف اللعب البيضاء والسوداء والبنية جعلت الأطفال يشعرون بقدر أكبر من الملل.» إن هذه النتائج التي توصل إليها إيرتل تؤكد اعتراض مؤلف الكتاب على استخدام الحوائط البيضاء، أو الرمادية، أو غير الملونة في البيئات الداخلية المغلقة التي تتجمع فيها مجموعات من الأشخاص، ويلزم فيها دعم الراحة البدنية، والكفاءة البصرية، والمهارة اليدوية، والهدوء العاطفي. ووجد إيرتل أن اللون البرتقالي يحسن السلوك الاجتماعي، ويرفع الروح المعنوية، ويقلل سمات العدوانية والانفعالية، وقد أكد مؤلف هذا الكتاب هذه النتيجة.
إن التكيف مع البيئة لا شك هو بداية الوعي والفهم لكل الحيوانات ومنها الإنسان. معظم الأشخاص شهدوا، أو شاهدوا في الأفلام، ميلاد الدجاج والماشية والمهار. في البداية، تشعر هذه الحيوانات الوليدة بالفضول تجاه العالم الذي يدور حولها، ويتبع ذلك تعلق شديد بحماية أمهاتها لها. ووضع هينر إيرتل وزملاؤه هذه الملاحظة في اعتبارهم، وصمموا مهدا من البلاستيك المقوى الشفاف ليمكن الوليد من رؤية ما يدور حوله. وقد تعزز التطور العقلي لعدد من الأطفال حديثي الولادة الذين تربوا بهذه الطريقة؛ «في عمر 18 شهرا، كان الأطفال في المجموعة التجريبية أكثر ذكاء على نحو قياسي مقارنة بالأطفال البالغين من العمر عامين الذين وضعوا في مهود تقليدية.» أما عن التوصيات المقترحة حول الألوان المفضل استخدامها في البيئات والمستخلصة من واقع خبرتي، فأقدمها في الفصل الثامن.
الفصل الخامس
الاستجابة الجمالية
كتبت كتب كثيرة عن موضوع هذا الفصل. إن مبادئ تناغم الألوان كثيرا ما كانت محل اهتمام ليس فقط من الفنانين، وإنما من المعماريين والمصممين والعاملين في النسيج والخزف والزجاج والفسيفساء، والبستانيين ومنسقي الزهور كذلك. وقد تكرر كثيرا الحديث عن موضوع مجموعات الألوان المتناغمة؛ فتوجد دوائر الألوان ومقاييس الألوان، وأدوات مزودة بأقنعة ومؤشرات، وتوجد إشارات لا تعد ولا تحصى عن مشاعر الأفراد، بالإضافة إلى نظريات لفنانين معينين. (1) الرمزية مقابل التعبير الشخصي
من الجيد توضيح أن استخدام الإنسان القديم للألوان لم يكن في الأساس منصبا على الجماليات، فالتوجه المعاصر تجاه الألوان، بصفته عنصرا جماليا، يعود إلى حد ما إلى عصر النهضة وليس قبل ذلك. بالنسبة للإنسان القديم، كان يوجد جمال ومجد في الألوان والتصميم، لكن تعبيره الفني لم يكن يثيره أي رغبة جمالية أو عاطفية بالقدر نفسه الذي كانت تثيره رغبته المحمومة في أن يرمز إلى ألغاز الكون والقوى الخارقة للطبيعة؛ فالكتابة الهيروغليفية وزخارف المقابر والتوابيت المصرية لم تكن زخارف نفيسة لأصحاب الأذواق الرفيعة. ويتحدث إي إيه واليس بودج عن الصور المصرية الموجودة في «كتاب الموتى» فيقول: «من الممكن أن تكون هذه الصور قد أضيفت فقط باعتبارها رسوما توضيحية لمختلف نصوص ذلك الكتاب، لكني أعتقد أنها، على غرار رسوم شعب البوشمن التي وجدت في كهوف في جنوب أفريقيا، رسمت ولونت بهدف ليس له علاقة بالأفكار الفنية أو التطور الفني. وكان هذا الهدف هو إفادة الميت بواسطة طرق سحرية.» والأمر نفسه صحيح بالنسبة للزخارف الداخلية للمباني، من خلال النحت والرسم والتصميم، ليس فقط في وادي النيل، لكن في كلدو، وفي الهند والصين واليونان وروما! فمن خلال زخارف الجدران والتماثيل وصور الكتب، أضفى الإنسان سحرا على وجوده، وعبد آلهته، وصور فلسفته وعلومه، وحدد كل بقعة في الأرض والسموات، وسجل تاريخه، وحمى حياته، وضمن خلاصه.
خلال فترة 4 آلاف سنة حتى عصر النهضة، كانت لوحة الألوان بالبساطة التي وصفناها في الفصل الأول؛ إذ كانت تتكون من اللون الأحمر والذهبي والأصفر والأخضر والأزرق والأرجواني والأسود والأبيض. لا شك أن مثل هذه الألوان كانت بسيطة؛ لأنها كانت ترمز إلى معرفة الإنسان وفلسفته؛ فقد كانت تتحدث عن الألغاز والآلهة والشياطين والفناء. ونتيجة لذلك كانت قوية وفاقعة؛ فالأحمر فقط - وليس الوردي أو الوردي الداكن أو الأحمر البني الداكن - كان يمكنه أن يرمز إلى البشر، وإلى عنصر النار، ولون النهار، والأزرق فقط - وليس ظلاله الفاتحة أو الداكنة - كان يمكنه أن يمثل عنصر الهواء، لون الرب الأب. كان لزاما أن تكون الألوان مباشرة؛ لأنها تقدم تفسيرات مباشرة وواضحة للحياة على الأرض، وللحياة بعد الموت.
كثير من الأمور المتعلقة بهذه الرمزية مذكورة في الفصل الأول من هذا الكتاب. أما الأمر المميز إلى حد كبير، فهو أن لوحة الألوان نفسها فعليا كانت موجودة في كل الحضارات القديمة من أفريقيا إلى آسيا الصغرى، وآسيا، وأوروبا، وشعب المايا وشعب الإنكا في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. وبالنسبة للعمارة الإغريقية والنحت الإغريقي (وقد كان معظم هذه الأعمال ملونا بالمناسبة)، فقد استخدمت الألوان نفسها مرارا وتكرارا، ومرة تلو الأخرى على مدار قرون. وعلى الرغم من العثور على بعض صور الأشخاص الواقعية إلى حد كبير، فلا أحد من الفنانين القدماء (المجهولين في معظمهم) انغمس مطلقا في التعبير التجريدي أو الرومانسي الصرف - أي «روح» أي شيء مثل الحرية والأمل والخير والإلهام - التي أمتعت الكثيرين من فناني العصور الحديثة. وفي واقع الأمر، كانت هذه الزخارف القديمة مهتمة بأمور عملية مثل التناغم مع الطبيعة والآلهة، والتوسل من أجل هطول الأمطار، ووفرة المحاصيل، والنجاة من الأوبئة والأمراض، والحياة بعد الموت. (2) دافينشي وعصر النهضة
دعوني أبدأ قصتي عن المفاهيم الحديثة لتناغم الألوان بالحديث عن ليوناردو دافينشي، الذي كتب ببلاغة وبصيرة فائقة في كتابه «أطروحة عن الرسم». قبل ظهور التصوير الفوتوغرافي بوقت طويل، أعلن دافينشي أن «الهدف الأول للرسام هو أن يجعل أحد الأجسام المدورة البارزة يبدو مجسما على السطح المستوي للصورة، ومن يتفوق على الآخرين في هذا الصدد يستحق أن يعتبر الأكثر مهارة من الآخرين في مهنته. ونظرا لأن إتقان هذا الفن يأتي من التنسيق الحقيقي والطبيعي للضوء والظل، أو ما يطلق عليه «كياروسكورو» (الضوء والظل)، فإذا ضن الرسام بالظلال عندما تكون ضرورية، فإنه يخطئ في حق نفسه ويجعل عمله وضيعا في عين الخبراء؛ كي يكسب احتفاء لا قيمة له يأتيه من السوقيين والجهلة الذي ينظرون فقط لسطوع وبهجة الألوان الموجودة في الصورة، ولا يهتمون مطلقا بالبروز.»
كان لدى دافينشي أفكار محددة عن الألوان والجمال والتناغم. وبدلا من تفسير وجهات نظره، سأدعه يتحدث بنفسه: «من بين الأجسام المختلفة المتساوية في البياض، والمتساوية في بعدها عن العين، سيبدو الجسم المحاط بأكبر قدر من الظلمة هو الأكثر بياضا، وعلى النقيض، فإن الظل الذي سيبدو أكثر ظلمة هو ذلك المحاط بلون أبيض بالغ السطوع.
من بين الألوان المتساوية في الإتقان، اللون الذي سيبدو أكثر تميزا هو ذلك الذي يرى بالقرب من نقيضه المباشر؛ لون باهت على لون أحمر، أسود على أبيض ... أزرق بالقرب من أصفر، أخضر بالقرب من أحمر؛ لأن كل لون يرى على نحو أكثر تميزا عندما يكون مقابلا لنقيضه، مقارنة بمواجهته لأي لون آخر مشابه له.
إذا أردت تقديم قدر كبير من الظل، فلا بد من فعل ذلك من خلال تباين كبير بينه وبين قدر كبير من الضوء، وإذا أردت تقديم قدر كبير من السطوع، فلا بد من مواجهته بظل قاتم للغاية؛ ولذلك فإن الأصفر الفاتح سيجعل الأحمر يبدو أكثر جمالا عما إذا كان مقابلا للون الأرجواني.
توجد قاعدة أخرى، من خلال مراعاتها - على الرغم من أنك لن تزيد من الجمال الطبيعي للألوان - يمكن بوضع لونين جنبا إلى جنب أن يعطيا مزيدا من التألق أحدهما إلى الآخر. كما هو الحال عند وضع الأخضر بالقرب من الأحمر، في حين أن التأثير سيكون العكس تماما إذا وضعنا الأخضر بالقرب من الأزرق.
يتحقق التناغم والتألق أيضا من خلال التنسيق الحكيم بين الألوان؛ مثل الأزرق مع الأصفر الفاتح أو الأبيض وما شابه ذلك.»
وفيما يخص طريقته في الرسم قال: «بعد الأسود والأبيض، يأتي الأزرق والأصفر، ثم الأخضر والأسمر المصفر أو العنبري، ثم الأرجواني والأحمر. هذه الألوان الثمانية كلها تنتجها الطبيعة. وبهذه الألوان أبدأ خلطات الألوان، الأسود أولا والأبيض، الأسود والأصفر، الأسود والأحمر، ثم الأصفر والأحمر.» ويضيف قائلا: «يزداد جمال الأسود في الظلال، والأبيض في الضوء البالغ القوة، والأزرق والأخضر في الألوان المتوسطة بين الظلمة والسطوع، والأصفر والأحمر في الضوء الأساسي، والذهبي في الانعكاسات، والأحمر الأرجواني في الألوان المتوسطة بين الظلمة والضوء.»
سيطر أسلوب دافينشي في الرسم المعروف باسم أسلوب الضوء والظل (كياروسكورو) على عصر النهضة، وعلى الأجيال التي تلته. لقد فهم الظلال الملونة، والظلال المتداخلة، والظلال الساقطة، وربما توقع ظهور الفن التجريدي عندما كتب: «عند رمي إسفنجة مشربة بألوان مختلفة على حائط، فإنها تترك عليه بعض البقع التي قد تبدو مثل منظر طبيعي. وصحيح أيضا أنه قد ترى مجموعة من التركيبات في تلك البقع وفقا لتوجه العقل الذي يتأمل هذه البقع؛ ومن أمثلة تلك التركيبات: رءوس الرجال، أو حيوانات متعددة، ومعارك، ومناظر جبلية، وبحار، وسحب، وغابات وما شابه ذلك.» لقد فضل دافينشي المعرفة والفهم على الإحساس الصرف فقال: «كل من يقنع نفسه بأنه يستطيع أن يحتفظ في ذاكرته بكل تأثيرات الطبيعة فهو مخدوع؛ لأن ذاكرتنا ليست واسعة لهذه الدرجة؛ لذلك استشر الطبيعة في كل شيء.» (3) السير جوشوا رينولدز
كل فناني العصور الحديثة كان لديهم إحساس قوي تجاه الألوان، وكلهم افتخروا بموهبتهم الاستثنائية في التعبير بالألوان. وأفضل تخصيص بقية هذا الفصل لنظريات تناغم الألوان الواسعة الاطلاع والأصلية إلى حد كبير، مع مقولة فاصلة قصيرة للسير جوشوا رينولدز. كتب رينولدز يقول: «من الضروري، في رأيي، أن نلاحظ أن مساحات الضوء في الصورة تكون دائما بألوان هادئة دافئة، أصفر أو أحمر أو أبيض مصفر، وأن يستبعد اللون الأزرق أو الرمادي أو الأخضر بشكل كامل تقريبا عن هذه المساحات، وأن تستخدم تلك الألوان فقط لدعم وإبراز تلك الألوان الدافئة، ومن أجل هذا الغرض، سيكون كافيا استخدام جزء قليل من الألوان الباردة. وعند عكس هذا السلوك، وجعل الضوء باردا والألوان المحيطة به دافئة، كما نرى غالبا في أعمال الرسامين الرومانيين والفلورنسيين، فلن يكون الفن قادرا، حتى لو كان ذلك على يد روبنز أو تيتيان، على أن يجعل الصورة رائعة ومتناغمة.» وكان رينولدز متأكدا للغاية من تعميمه، ويقال إن جينزبره دحض هذا المبدأ وعكسه عن عمد، وذلك عندما رسم رائعته الشهيرة «الولد الأزرق». (4) يوهان فولفجانج فون جوته
كرس الشاعر الألماني الكبير جوته سنوات كثيرة لدراسة الألوان، وعارض نظريات نيوتن العلمية معارضة شرسة. ورغم ذلك، فقد كان جوته مخطئا في هذا الصدد، وما أسهم به في فن الألوان كان حماس العبقري وروحه وبصيرته المميزة. وقد اخترع جوته دوائر ومثلثات الألوان.
كان لجوته آراء قوية فيما يتعلق بالعامل الجمالي والعامل العاطفي في الألوان، واعتقد أن كل الألوان مشتقة من الضوء والظلام، وأن اللونين الرئيسيين الأساسيين هما الأصفر والأزرق. ورأى أن بعض الألوان كانت «إيجابية»: الأصفر، الأصفر المحمر (البرتقالي)، الأحمر المصفر (الزنجفري). وفيما يتعلق بالأصفر: «في أعلى مستويات نقاوته، يحمل دائما بطبيعته السطوع، ويحمل طابعا هادئا ومبهجا ومثيرا على نحو هادئ ...» وقال عن قرمزي الزنجفر: «تأثير هذا اللون غريب على قدر غرابة طبيعته؛ فهو يعطي انطباع الجدية والرزانة، وفي الوقت نفسه يعطي انطباع الجمال والجاذبية.» كانت الطاقة عالية في الأصفر المحمر: «يعطي الأصفر المحمر انطباع الدفء والبهجة؛ لأنه يمثل لون لهيب النار الأكثر شدة، وإشعاع شمس الغروب الأكثر اعتدالا ... ولا عجب أن الرجل غير المتعلم الطائش الفج لا بد أن يسره كثيرا هذا اللون.»
وكان ضمن الألوان «السلبية» الأزرق والأزرق المحمر (البنفسجي)، والأحمر المزرق (الأرجواني). وفيما يتعلق بالأزرق، يقول جوته: «لهذا اللون تأثير غريب على العين ولا يمكن وصفه؛ فهو قوي كلون، لكنه على الجانب السلبي، وفي أعلى حالات نقاوته، يمكن القول إنه تناقض مثير؛ ولذلك فإن مظهره يمثل نوعا من التناقض بين الإثارة والاسترخاء.» وقال عن البنفسجي: «يتعمق الأزرق في الأحمر على نحو معتدل جدا، ثم يكتسب شخصية نشطة إلى حد ما، على الرغم من أنه على الجانب السلبي ... ويمكن القول إنه يسبب لنا الإزعاج أكثر مما يسبب لنا البهجة.»
وعلى الرغم من أن جوته كان يكره اللون الأخضر المصفر، فقد كان مغرما باللون الأخضر نفسه: «إن الأصفر والأزرق، اللذين نعتبرهما اللونين الأكثر أساسية ولونين بسيطين، إذا توحدا عند ظهورهما الأول، في أولى حالات نشاطهما، فستكون النتيجة اللون الذي نطلق عليه الأخضر. يتولد لدى العين انطباع بالامتنان على نحو مميز عند رؤية هذا اللون.» وإذا كان الأخضر متوازنا على نحو مثالي بين الأصفر والأزرق، فإن: «الناظر لن تكون لديه الرغبة ولا القوة في تخيل حالة أفضل منه. لذلك، ومن أجل الغرف التي نعيش فيها باستمرار، فإن اللون الأخضر هو اللون الأكثر اختيارا في العموم.» وفيما يتعلق بالتناغم، فإن الأصفر والأزرق مجموعة ضعيفة التناغم، والأصفر والأحمر لهما «تأثير باعث على السكينة والروعة». وكان البرتقالي والأرجواني بالنسبة لجوته لونين يسببان الإثارة ورفع الروح المعنوية، فقال عنهما: «إن الجمع بين الأصفر والأخضر لطالما كان له أثر عادي، لكن بطريقة مبهجة. أما الأزرق والأخضر، على النقيض من ذلك، فلهما أثر عادي على نحو منفر. وأطلق أسلافنا الصالحون على هذين اللونين الأخيرين ألوان المهرج.»
وبالنسبة للتناغم فقد فضل المكملات، مثلما فعل شيفيرول لاحقا. وفي إشارة إلى دائرة الألوان كتب يقول: «الأصفر يتطلب الأزرق المحمر؛ والأزرق يتطلب الأصفر المحمر؛ والأحمر يتطلب الأخضر «والعكس».» وتوقع أن يكون لدى الفنانين معرفة مناسبة بترتيب الألوان وتناغمها فقال: «إن التجنب المقيت بل والحازم لكل الآراء النظرية المتعلقة بالألوان وكل ما ينتمي إليها، موجود حتى الآن بين الرسامين. وهذا تحيز لا يلامون عليه على أي حال ؛ لأن كل ما أطلق عليه نظريات حتى الآن كان لا أساس له، ومتذبذبا، وشبيها بالتجريبية.» وبذل جوته قصارى جهده لإصلاح ذلك. (5) يوجين ديلاكروا
في عصره، ناضل ديلاكروا من أجل الألوان وحارب النمطية وأصبح بطل أتباع المدرسة الانطباعية. كان يراقب بدقة ظواهر الألوان في الطبيعة، وكان تواقا للمعرفة؛ فكتب يقول: «إن عناصر نظرية الألوان لم نحللها ولم نتعلمها في كليات الفنون؛ لأنه في فرنسا يعتبر من غير الضروري دراسة قوانين الألوان، وفقا للقول المأثور: «رسامو التصاميم يصنعون. أما رسامو الألوان فيولدون.» أسرار نظرية الألوان؟ لماذا نطلق لفظة أسرار على تلك المبادئ التي يجب أن يعلمها كل الفنانين، ويجب أن يتعلموها؟» أصبح ديلاكروا مثار الإعجاب، وحفر اسمه في ذاكرة الجميع بسبب تعليقاته القاطعة مثل: «عدو كل الألوان هو الرمادي ... امنع كل ألوان الأرض ... وأعطني لون الطين وسأصنع منه جلد فينوس، لو سمحت لي بإحاطته بما أريد من ألوان.»
كان لدى ديلاكروا وجهة نظر مميزة تجاه الألوان وفضول تجاهها أيضا. وإليكم مقتطفا مبهجا من «الدورية» التي كان يكتبها: «من نافذتي أرى نجارا يعمل، عاريا حتى خصره، في أحد المعارض. ألاحظ كيف أن الألوان النصفية لجسده ملونة بقوة مقارنة ببقية جسمه الذي لا يتحرك. ولاحظت الأمر نفسه بالأمس في ساحة سان سولبيس؛ حيث كان أحد المتسكعين يتسلق تماثيل النافورة، في الشمس. البرتقالي الباهت في لون لحم الجسم، والألوان البنفسجية الأقوى للظلال الساقطة، والانعكاسات الذهبية في الظلال التي أصبحت بارزة على الأرض. سيطر اللون البرتقالي واللون البنفسجي بالتناوب أو اختلطا معا. كان اللون الذهبي ينطوي على لون أخضر. وأظهر الجسم لونه الحقيقي فقط في الهواء الطلق، وفوق كل هذا تحت أشعة الشمس؛ فعندما يخرج المرء رأسه من النافذة يصبح مختلفا إلى حد كبير عما كان عليه وهو داخل المبنى. ومن هنا تأتي حماقة اللوحات المرسومة في المرسم التي تبذل قصارى جهدها في تزييف هذا اللون.» وكان لانتقاده «للوحات المرسومة في المرسم» ودعوته إلى ملاحظة الألوان في «الهواء الطلق» أثرهما في إثارة وإلهام شباب المدرسة الانطباعية في عصره. وقد أصبح بعضهم رسامين للمناظر الطبيعية يرسمون بالفعل في الهواء الطلق خارج الأماكن المغلقة! (6) ميشيل أوجين شيفيرول
كان ديلاكروا من المعجبين بميشيل أوجين شيفيرول؛ الكيميائي الفرنسي ورئيس قسم الأصباغ في مصانع جوبلين الشهيرة لقماش النجود الموجودة خارج باريس. ورغم أن ديلاكروا حاول في وقت من الأوقات مقابلة شيفيرول، فإن هذا اللقاء لم يتم مطلقا؛ ربما بسبب تدهور صحة شيفيرول (الذي عاش إلى أن وصل إلى 103 سنة). وعلى أي حال، ففي عام 1835، نشر شيفيرول واحدا من أعظم الكتب التي كتبها عن الألوان؛ وهو كتاب «مبادئ التناغم والتباين في الألوان». وأشار هذا الكتاب إلى «الرسم، والزخرفة الداخلية، وأقمشة النجود، والسجاد، والفسيفساء، وزجاج النوافذ الملون، وتلوين الأوراق، وطباعة القماش القطني كاليكو، والطباعة البارزة، وتلوين الخرائط، والملابس، وتنسيق المناظر الطبيعية والزهور، إلخ». وقد كرمته الحكومة الفرنسية لاحقا بميدالية برونزية وتمثال، وطبعة خاصة لكتابه الرائع بمناسبة عيد ميلاده المائة.
وتعد جهود شيفيرول الإبداعية في مجال الألوان بارزة في ثلاثة جوانب كبرى؛ أولا: على الرغم من أن الفن التجريدي لم يكن موجودا في وقته، فإن نقاشات شيفيرول ورسومه التصويرية للصور التلوية وتأثيرات التباين المتناوب والمتزامن أثرت قطعا على ما ظهر لاحقا من رسامين غير تمثيليين، وبعض مدارس الرسم مثل مدرسة الفن البصري. ولاحقا نسخت هذه الاكتشافات وقلدها وسرقها آخرون. ثانيا: أثرت دراساته عن المزج اللوني البصري على المدرسة الانطباعية، وعلى المدرسة الانطباعية الجديدة، وعلى كافة أشكال التعبير اللوني المتعلقة بالظواهر البصرية. ثالثا: كان واحدا من أوائل الرجال الذين وضعوا مبادئ محددة للتناغم اللوني (التي سنعرضها بعد قليل)، والتي أصبحت دراستها ضرورية عند تعليم الألوان والتدريب عليها منذ ذلك الحين.
ماذا يعلمنا شيفيرول عن تناغم الألوان؟ في البداية، لقد فرق بين أشكال التناغم الصادرة عن التشابه وتلك الصادرة عن التباين. كانت أشكال التناغم الصادرة عن التباين هي الأشكال المفضلة لديه، فيقول شيفيرول: «كلما زاد الاختلاف بين اللونين أصبح ارتباطهما مفضلا فيما يتعلق بالتباين بين كل منهما، وكلما تقارب الشبه بينهما زاد خطر إضرار ارتباطهما بجمالهما .» وبافتراض أن القارئ تلقى بعض التدريب في مجال التناغم بين الألوان على صعيد أكاديمي، دعوني أستعرض ما كررته الكثير من الكتب. تأمل دائرة ألوان تقليدية مثل تلك التي استخدمها شيفيرول، تجد أنها تتكون من ألوان أساسية هي الأحمر والأصفر والأزرق، وألوان ثانوية هي البرتقالي والأخضر والبنفسجي، وألوان وسطية مثل البرتقالي المحمر، والبرتقالي المصفر، والبنفسجي المحمر.
توجد تناغمات قائمة على التشابه، ويتمثل ذلك في الألوان المتجاورة في دائرة الألوان؛ وهي: الأحمر مع البرتقالي المحمر، أو البرتقالي، أو البنفسجي المحمر، أو البنفسجي. وتوجد تناغمات الأضداد المباشرة أو الألوان المتكاملة؛ وهي: الأحمر مع الأخضر، والأصفر مع البنفسجي، والبرتقالي مع الأزرق، وكل لون من هذه الألوان يقع مواجها للآخر في دائرة الألوان. وتوجد تناغمات الألوان المتكاملة المنقسمة؛ وهي: لون أساسي مع اللونين الموجودين على جانبي اللون المكمل له. ومن أمثلة ذلك: الأحمر مع الأخضر المصفر والأخضر المزرق، والأصفر مع البنفسجي المحمر والبنفسجي المزرق، والأزرق مع البرتقالي المحمر والبرتقالي المصفر. وتوجد التناغمات الثلاثية؛ وهي ثلاثة ألوان تقع على مسافة متساوية بعضها من بعض في دائرة الألوان؛ مثل الأحمر والأصفر والأزرق، والبرتقالي والأخضر والبنفسجي، والبرتقالي المصفر، والأخضر المزرق، والبنفسجي المحمر. وتوجد تناغمات رباعية، وتضم أربعة ألوان موجودة على مسافة متساوية بعضها من بعض في دائرة الألوان؛ مثل: الأحمر والبرتقالي المصفر والأخضر والبنفسجي المزرق، والأصفر والأخضر المزرق والبنفسجي والبرتقالي المحمر، والأزرق والبنفسجي المحمر والبرتقالي والأخضر المصفر. وأضاف شيفيرول قائلا إنه «عندما يكون الجمع بين لونين يعطي مظهرا سيئا، فمن المفيد دائما الفصل بينهما باللون الأبيض.» وكان الأسود مناسبا أيضا للفصل بين الألوان. أما الرمادي فكان «أقل تأثيرا من الأسود والأبيض.»
أما تأثير شيفيرول الذي ما زال مستمرا على أنماط الفن المعاصرة فقط، فتمحور حول قانون التباين المتزامن. كيف يعمل هذا القانون؟ لنقتبس ما قاله: «إذا نظرنا في الوقت نفسه لقطاعين من درجتين مختلفتين للون نفسه، أو لقطاعين من الدرجة نفسها للونين مختلفين متجاورين، فإذا كان القطاعان غير عريضين للغاية، فسوف تدرك العين تعديلات معينة تؤثر أولا على شدة اللون، وتؤثر ثانيا على التركيبة البصرية للونين المتجاورين تباعا. كل الظواهر التي لاحظتها تبدو لي أنها تعتمد على قانون بسيط للغاية إذا نظرنا إلى معناه العام قد يمكننا التعبير عنه بهذه الطريقة: «في حالة رؤية العين في الوقت نفسه للونين متجاورين، سيبدو اللونان مختلفين قدر الإمكان، من حيث كل من التركيبة البصرية وشدة درجة كل منهما.» وهذا يعني أن اللونين المختلفي «اللون» سوف يميلان إلى «التباعد» إلى حد كبير أحدهما عن الآخر، واللونين المختلفي «القيمة» (السطوع) سوف يظهر أحدهما أفتح، والآخر أغمق من الآخر بسبب التباين.»
ومضى شيفيرول في سرد قوائم طويلة وأمثلة على هذا التباين. وكانت هذه النتائج المدهشة راجعة إلى كل من تأثير الصور التلوية وإلى النتائج الفردية للألوان المختلفة التي تشوشت أو امتزجت على شبكية العين. وكثير مما قاله شيفيرول يعتبر كلاما أكاديميا في وقتنا المعاصر. أما في وقت شيفيرول فقد كانت تلك الحقائق مذهلة. وفي حال لم يكن القارئ على معرفة بأمور التباين المتزامن في الألوان، فإليكم بعض أمثلة هذا التباين: إذا رأينا منطقة حمراء بالقرب من منطقة صفراء، فإن الصورة التلوية للأحمر (الأخضر) سوف تجعل الأصفر يبدو مخضرا، والصورة التلوية البنفسجية للأصفر سوف تجعل الأحمر بالمثل يبدو أرجوانيا، بيد أن اللونين المكملين يعزز سطوع أحدهما الآخر، ويجعل كل منهما الآخر يبدو ساطعا. فإذا تجاور الأحمر والأخضر، فكل منهما ستزيد قوته بسبب صورهما التلوية. وعن هذا كتب شيفيرول: «الأحمر؛ اللون المكمل للأخضر، عند إضافته للأحمر، فإنه يزيد من شدته، والأخضر؛ اللون المكمل للأحمر، عند إضافته للأخضر، فإنه يقوي شدته.»
وفي مسألة الخلطات البصرية (الخطوط الرفيعة أو النقاط الصغيرة الملونة المختلطة في شبكية العين) تمكن شيفيرول من استخدام خبرته الكبيرة في عالم الألوان التي اكتسبها أثناء صناعة أقمشة النجود في مصنعي جوبلين وبوفيه، وصناعة السجاد في مصنع سافونري؛ تلك المنسوجات الفرنسية المتميزة عالميا. وتمثلت استنتاجاته فيما يلي: «يوجد «مزيج من الألوان» يحدث عند تجزئة مواد مختلفة الألوان تجزئة شديدة، ثم تجميعها بحيث لا تستطيع العين تمييز تلك المواد بعضها عن بعض؛ وفي هذه الحالة تتلقى العين انطباعا واحدا.» ويختلف هذا الانطباع عن انطباع الألوان المرئية في المناطق الكبيرة المتجاورة. وقد أثبت الأمريكي أوجدن رود لاحقا أنه يتمتع بقدر كبير من قوة الملاحظة في موضوع خلطات الألوان المرئية. (7) أوجدن نيكولاس رود
أصبح أوجدن نيكولاس رود؛ الأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، المرجعية الأمريكية الرائدة في البصريات الفسيولوجية عند نشر كتابه «علم الألوان الحديث» في عام 1879، والذي أصبح عنوانه في الطبعات اللاحقة «كتاب الألوان للطلاب». وعلى الرغم من كون رود عالما، فإنه كان يمتلك موهبة كبيرة بصفته فنانا، ومن ثم كان قادرا على تفسير البيانات التقنية تفسيرا جيدا بمفردات جمالية مفهومة. الأمر المميز في رود أن كتابه؛ الذي ترجم إلى الفرنسية في عام 1881، أصبح مرجعا لأتباع المدرسة الانطباعية الجديدة، وقرأه بنهم رسامون أمثال: كاميل بيسارو، وجورج سورا، وبول سينياك.
كتب رود: «نشير إلى عادة وضع كمية مكونة من نقاط صغيرة من لونين قريبا جدا أحدهما من الآخر، والسماح باختلاطهما عن طريق العين من على مسافة مناسبة ... والنتائج المكتسبة من خلال هذه الطريقة هي خلطات حقيقية من الضوء الملون ... وهذه الطريقة هي تقريبا الطريقة العملية الوحيدة المتاحة للفنان، التي من خلالها يمكنه فعليا مزج، ليس الأصباغ، لكن كتل الضوء الملون.» كان هذا مبدأ أسلوب التجزؤ الذي درسه (لكن لفترات قصيرة) رسامون مثل: فان جوخ، وهنري ماتيس، وإميل برنارد، وتولوز لوتريك. وقد بقيت أمثلة مميزة للمدرسة التجزيئية من صنع هؤلاء الرسامين.
قدم رود النصح إلى ألبرت إتش مونسل عند تطوير كرة مونسل للألوان، ونظرا لموهبته في الفن، فقد تضمن كتابه فصولا عن الرسم والزخرفة والتناغم، وأقر بأن الشكل أهم من الألوان في الرسوم الواقعية، لكن «في فن الزخرفة يكون عنصر اللون أهم من الشكل.» وكرر كثيرا من تجارب شيفيرول، وتحدث عن تناغم الأضداد، والألوان المتجاورة، والألوان الثلاثية، وقدم قوائم شاملة لمجموعات الألوان السيئة، والمتدنية، وغير المستحسنة، والمستساغة والممتازة. وعلى غرار جوته، فقد شعر أن «الأخضر والأزرق، على سبيل المثال، اجتماعهما معا فقير من الناحية الجمالية، ورغم ذلك فإن وجودهما معا يتكرر باستمرار في الطبيعة، كما في حالة رؤية السماء الزرقاء من خلال أوراق الأشجار الخضراء.» وربما استعار مونسل كلام رود في العبارة التالية الواردة في كتاب «علم الألوان الحديث»: «نعود الآن لفرضية أن أفضل تأثير ينتج عندما تكون الألوان الموجودة في أحد التصاميم متناسبة؛ بحيث إذا صنعنا خليطا مركبا من هذه النسب يكون الناتج لونا رماديا حياديا.»
كان رود مصدر فخر لأمريكا، وقد أعيد نشر كتابه الرائع الذي يستحق إعادة النشر في وقت قريب (1973). لقد دافع عن المعرفة والانضباط - والموهبة - بصفتها من متطلبات الفن. (8) فاسيلي كاندينسكي
قليل من الرسامين العظماء كانوا أصحاب نظريات ألوان، باستثناء قليل كان منهم دافنشي. في واقع الأمر كان السير جوشوا رينولدز محاضرا أكثر منه معلما. وعلى الرغم من أن ديلاكروا كان مراقبا فطنا للطبيعة، فإنه لم يحاول تحديد أو تنظيم ملاحظاته الكثيرة النبيهة حول الألوان. أما في الفنون المعاصرة، فيتربع اسم فاسيلي كاندينسكي على عرش الرومانسية بل والتمجيد. فمن بين واضعي نظريات الألوان، وضع كاندينسكي نظرية تعد الأكثر خيالية وغموضا بين النظريات. ولقد طبق أفكاره على لوحاته الخاصة، واستغل طيف الألوان ليقدم بعضا من أندر التصاميم التجريدية على مستوى حرفة الرسم، وفي هذه التأثيرات كان الشكل قطعا في المرتبة التالية للألوان.
كان كاندينسكي، مثل معظم الرسامين، يؤمن بالفردانية؛ فقد كانت شخصيته تصبغ كل افتراضاته بصبغته الخاصة، وكان يرى أن للألوان تأثيرا روحانيا تماما مثلما لها صفة مادية؛ «فالألوان تصدر ذبذبات روحانية مماثلة. ولأنه فقط يمثل خطوة تجاه هذه الذبذبات الروحانية، فإن هذا الانطباع المادي الأولي يعد في غاية الأهمية.» وهذا يعني أن اللون لديه قدرات غريبة، وأن مسائل التناغم لا بد أن تتأمل روح الإنسان وكذلك رؤيته. «من الواضح ... أن تناغم الألوان لا بد أن يعتمد فقط على الذبذبات المماثلة في الروح الإنسانية. وهذا أحد المبادئ الدالة للحاجة الداخلية.»
للطيف اللوني أبعاد كبيرة من الدفء والبرودة والضوء والظلمة؛ ولذلك يمكن أن يكون للألوان أربعة ظلال حسب ما يروق للشخص: دافئ ومضيء، أو دافئ ومظلم، أو بارد ومضيء، أو بارد ومظلم. كان الأزرق والأصفر هما المسيطران. «في العموم، إن الدفء أو البرودة في أحد الألوان يعني اقترابا إلى الأصفر أو الأزرق على الترتيب.» كان كاندينسكي يؤمن بوجود حركة في الألوان الرئيسية، وكان يرى أن الأصفر لديه أكبر قدرة على الانتشار. وكان يرى أن الأصفر يميل إلى الأبيض، ويميل إلى الاقتراب من الرائي، وكان يعتقد أن الأزرق يميل إلى الأسود وينكمش على نفسه ويتراجع، وقال عنه: «إن قوة المعنى العميق هي الأزرق.» «الأحمر يدور للداخل بشدة محددة وقوية، ويتوهج داخل نفسه، بنضج، ولا يوزع قوته بلا هدف.» «البرتقالي لون أحمر أصبح أقرب إلى البشر بفعل الأصفر.» «البنفسجي لون أحمر منسحب عن البشر بفعل الأزرق.»
كان كاندينسكي يعتقد أن الألوان «الشديدة» (الأصفر) مناسبة للغاية للأشكال الحادة الحواف، وأن الألوان الناعمة العميقة (الأزرق) مناسبة للغاية للأشكال المستديرة. والشكل أيضا يؤثر على الجاذبية؛ فالدرجة اللونية نفسها يمكن استخدامها لإعطاء قيم روحية مختلفة من خلال أشكال مختلفة. (9) ألبرت هنري مونسل
يعد ألبرت هنري مونسل أشهر الرسامين الأمريكيين. وكرة الألوان التي ابتكرها في بداية القرن العشرين، والتي حسنها العلماء الأمريكيون منذ ذلك الحين؛ أصبحت أكثر أنظمة الترميز اللوني الموجودة شيوعا في الاستخدام في وقتنا المعاصر. كما أن كتابه «الترميز اللوني»، الذي نشر في الأساس في عام 1905، ما زالت تصدر منه طبعات أخرى منذ ذلك الحين. إن تحريري لنظريات مونسل عن تناغم الألوان (دون الجوانب التقنية لكرة الألوان) كان مخصصا لكتاب «قواعد الألوان»، الذي كتبه تي إم كليلاند في عام 1921، واحتوى على فصول قصيرة كتبها مونسل بنفسه قبل وفاته في عام 1918.
كان مونسل في عصره يتبنى ذوق الفيكتوريين المتأخرين ذي النزعة المحافظة. وتوجد مقتطفات مثيرة تعبر عن آرائه: «إن الإحساس بالراحة لهو نتيجة للتوازن، في حين أن عدم التوازن الظاهر يتطلب دائما وسيلة للتصحيح.» وقد تطلب هذا وضع حد له. «إن استخدام الألوان الشديدة القوة يجهد العين فحسب، وهذا الأمر ينطبق أيضا على الألوان البالغة الضعف.» وقد تختلف المدرسة الوحشية الفرنسية مع هذه النزعة المحافظة، مثلما قد يختلف معها معظم الفنانين المعاصرين. «ويجب أن يتجنب المبتدئون الألوان القوية» في حين أن «الألوان الهادئة هي علامة الذوق الرفيع.» «إن عربة السيرك وملصقها الدعائي، على الرغم من نجاحهما في جذب الانتباه اللحظي، سرعان ما تصبح رؤيتهما مؤذية للغاية لدرجة تجعل المرء يعرض عنهما.» وأخيرا، «إذا كنا نرغب في أن يصبح أبناؤنا على تربية حسنة، فهل من المنطقي أن نبدأ بتشجيع الأذواق الهمجية؟»
إن مبادئ التناغم التي وضعها مونسل، التي سنراجعها الآن، تدرس حاليا في كثير من المدارس، وتتسم هذه المبادئ بأنها صارمة وأكاديمية؛ فهي تقيد التعبير بدلا من أن تحرره. في كتاب كليلاند المذكور آنفا، وصفت (ورسمت بالألوان الكاملة) تسعة من مبادئ مونسل التي سأسردها هنا: (1)
يحتفي مونسل احتفاء كبيرا بالألوان المتوسطة القيمة (السطوع) والمتوسطة الكروما (مصطلح اخترعه) أو الصفاء. وباستخدام مقياس مكون من تسع درجات رمادية، سيكون مزيج من الدرجات 1 (أسود)، و5 (رمادي متوسط)، و9 (أبيض) مزيجا مثاليا؛ وبذلك ستكون الدرجة 5 هي نقطة التوازن دائما بين الدرجات 3، 5، 7، والدرجات 4، 5، 6. ستبدو الألوان الفاتحة مناسبة على الألوان القاتمة وكذلك الألوان القاتمة على الفاتحة، لكن مع استخدام القيمة 5 كمحور ارتكاز. (2)
الألوان المتناغمة الأحادية اللون التي تتضمن أحد الألوان الأساسية يجب أيضا أن تتبع المبدأ السالف ذكره. واللون المثالي سيكون لونا ذا قيمة متوسطة هي 5، وكروما صفاء لوني درجته 5، بالإضافة إلى (أ) قيمة 3 أو 7 أو 4 أو 6 من اللون نفسه، أو (ب) 3 أو 7 أو 2 أو 8 درجة صفاء لوني (كروما). ويمكن ترتيب الألوان المتناغمة الأحادية اللون المائلة لكن مع استخدام القيمة 5 / 5 كلون أساسي. (3)
وكما هو الحال مع شيفيرول، فإن الألوان المتكاملة هي ألوان متناغمة إلى حد كبير، لكن مع تحفظات معينة. ومرة أخرى، فاللون الأحمر ذو القيمة 5 يمكن أن يجتمع على نحو متناغم مع أخضر مزرق من القيمة 5 على لون رمادي قيمته 5، أو يمكن جمع لون أحمر من درجة كروما 5 مع لون أخضر مزرق درجة كروما 5 على لون رمادي قيمته 5. والألوان المتكاملة الأخرى يمكن ، بالطبع، تنسيقها بالطريقة نفسها. (4)
وتفرد مونسل تماما باعتقاد أن توازن القيمة 5 يعد توازنا مرغوبا. ووفقا لهذا المبدأ، فإن اللون الأحمر الذي قيمة صفائه اللوني (الكروما) تعادل 3، على سبيل المثال، سوف يحتاج لونا أخضر مزرقا ذا قيمة كروما تعادل 3 لتحقيق التوازن. أما لو كانت قيمة الكروما للون الأحمر هي 6، فإن منطقة ذات لون أخضر مزرق تعادل ضعف حجم الأحمر المستخدم ستكون ضرورية لتحقيق التوازن. (5)
وعلى غرار المبدأ الرابع، ففي حالة القيم المختلفة، فإن أي كروما أقوى لا بد أن تحتل منطقة أقل من أي كروما أضعف. «يمكن إثبات الجمال إذا قيست كل المناطق ووضعت على قرص، وإذا كانت نتيجة دوران المناطق على القرص هي لونا رماديا حياديا من القيمة 5؛ فسيكون كل شيء على ما يرام!» (6)
يمكن ترتيب الكرومات المختلفة والقيم المختلفة ترتيبا منسقا كما في المبدأ 5، لكن مع مرور النتيجة المقاسة دائما من خلال القيمة 5 السحرية. (7)
يمكن جمع الألوان المتجاورة مع الألوان المكملة المنقسمة، لكن على نحو متوازن كما هو مذكور سابقا. (8)
يمكن أن نحدد في كل أجزاء كرة الألوان تسلسلات متضائلة من القيم الفاتحة إلى القاتمة، ومن الكرومات الصافية إلى الكرومات الضعيفة. (9)
يمكن ترتيب المسارات البيضاوية بين الألوان المتقابلة؛ فهي معقدة لكنها جميلة.
إن مبادئ مونسل قد تؤدي إلى التناغم، لكن معظمها - مع الأسف - يؤدي إلى مجموعات لونية باهتة ورمادية لا تكاد تعكس الذوق المعاصر وتفضيل الألوان الفاقعة. (10) فيلهيلم أوستفالد
إذا كنا نتناول كرات الألوان وأنظمة الألوان من أجل أغراض التناغم، فإن مبادئ أوستفالد أهم من مبادئ مونسل (وقد أوليت اهتماما مكثفا لكلا النظامين). يقل اهتمام أوستفالد بالقيمة والكروما في مقابل زيادة الاهتمام بصفات البياض والسواد في اللون.
على النقيض من رود ومونسيل، وكلاهما كان يمارس مهنة الرسم، فقد كان فيلهيلم أوستفالد عالما فاز بجائزة نوبل في الكيمياء في عام 1909، وكان مهتما بمشاكل تنظيم الألوان، وابتكر مفهوما جديدا عن ترتيب الألوان (وقد قدم شكرا مستحقا لعالم النفس الألماني إيفالد هيرينج)، واكتسب شهرة عالمية بصفته خبيرا في الألوان. وقد نشر أحد كتبه؛ وهو «الكتاب التمهيدي في الألوان»، في عام 1916، ووصل عدد طبعاته إلى 15 طبعة. وفي ترجمة إنجليزية لاحقة حملت عنوان «المقدمة التمهيدية في الألوان» (1969)، أضيف فصل يتحدث عن تاريخ أنظمة الألوان وملحق لتقييم إنجازات أوستفالد.
وبينما أكد مونسل على أهمية القيمة والكروما (الصفاء اللوني)، تناول أوستفالد صفات البياض والسواد في اللون. وكان النموذج العقلاني للون هو المثلث، مع وجود اللون الصافي (ن) عند إحدى زواياه، ووجود الأبيض (ض) عند الزاوية الثانية، والأسود (س) عند الزاوية الثالثة. وكل التنويعات الممكنة لأي لون يمكن تحديدها داخل هذا المثلث: ن + ض + س = 1.
ويمكن التعبير عن نظريات أوستفالد في التناغم على نحو بسيط، فيقول أوستفالد إن أي ألوان متماثلة في محتوى اللون والأبيض والأسود ستكون متناغمة (بغض النظر عن الاختلافات في القيمة)، ومقاييس الألوان المتشابهة في محتوى اللون والأبيض (ن ض) متماثلة في محتوى الأسود. وفي هذه المقاييس تكون الدرجة الأغمق صافية، وتكون الدرجة الأفتح ضعيفة. ومقاييس الألوان المتشابهة في محتوى اللون والأسود (ن س) متماثلة في محتوى الأبيض، وفيها تكون الدرجة الأفتح صافية، والدرجة الأغمق باهتة. ومقاييس الألوان المتشابهة في محتوى الأبيض والأسود (ض س) (مقاييس رأسية) كانت هي المفضلة للغاية لدى أوستفالد، وأطلق عليها «سلسلة الظل»، وشبهها بتجسيم الكياروسكورو الذي اتبعه رسامو عصر النهضة. وكانت هذه المقاييس ذات محتوى متساو في اللون على نحو واضح. وكانت تلك الألوان المتناغمة المسماة «النجمة الدائرية» على قدر أكبر من التعقيد، وحددت درجات متناسقة في مجسم الألوان، على غرار التسلسلات المتضائلة والمسارات البيضاوية التي حددها مونسل، لكن مع مراعاة حذرة لتوازن محتوى الأبيض أو الأسود أو اللون.
وقد كتب ميتلاند جريفز كتابا رائعا عن مونسل. ويعد إيجبرت جيكوبسن من أفضل الكتاب الذين كتبوا عن أوستفالد (انظر قائمة المراجع). والكتب الأخرى الموصى بها التي تتضمن ملاحظات عن التناغم توجد ضمن أعمال يوهانس إيتين، وجوزيف ألبرس، وبول كلي، وفرانس جاريتسون. للاطلاع على مبادئ أخرى عن تناغم الألوان أقل أكاديمية عن التي تناولناها هنا، استعينوا بكتبي الخاصة، ومعظمها يحاول ابتكار نماذج جديدة للتعبير اللوني مأخوذة من عجائب وظواهر الإدراك البشري. (11) تفضيلات الألوان
أجري الكثير من الاختبارات حول تفضيلات الألوان (الألوان من أجل الألوان) على مدار سنوات؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن حديثي الولادة، الذين يتأثرون لا شك بالجاذبية البصرية أكثر من المتعة العاطفية، يطيلون النظر إلى الألوان المضيئة مثل الأصفر والأبيض والوردي والأحمر أكثر من غيرها من الألوان. وبالنسبة للأطفال، يبدأ حبهم للون الأصفر في التراجع، ويستمر هذا التراجع مع مرور السنوات. وبعد ذلك يفضلون اللون الأحمر والأزرق، وهما لونان مفضلان عالميا، ويظلون معجبين بهذين اللونين طوال الحياة. ومع البلوغ، يزيد حبهم للألوان ذات الطول الموجي الأقصر (الأزرق، والأخضر) مقارنة بالألوان ذات الطول الموجي الأطول (الأحمر، والبرتقالي، والأصفر). وأصبح الترتيب الآن هو: أزرق، أحمر، أخضر، بنفسجي، برتقالي، أصفر. وهكذا يظل هذا هو الترتيب الأبدي والعالمي.
إن نزعة تفضيل الألوان تلك موجودة تقريبا في كل البشر من الجنسين، وفي كل الأشخاص باختلاف جنسياتهم وعقائدهم. وهذا أمر مؤكد من جميع الجهات. وقد وجد تي آر جارث أن ترتيب الألوان المفضلة لدى الهنود الحمر هو: الأحمر، الأزرق، البنفسجي، الأخضر، البرتقالي، الأصفر. وكان ترتيب الألوان المفضلة لدى شعب الفلبين هو الأحمر، الأخضر، الأزرق، البنفسجي، البرتقالي، الأصفر. وبين الزنوج كان الترتيب هو: الأزرق، الأحمر، الأخضر، البنفسجي، البرتقالي، الأصفر؛ وهو الترتيب نفسه بالنسبة لكل الأشخاص الآخرين تقريبا. وحتى بين الأشخاص غير العاقلين الذين خضعوا للاختبارات، وجد إس إي كاتس الترتيب نفسه تقريبا؛ الذي تمثل في: الأزرق، الأخضر، الأحمر، البنفسجي، الأصفر، البرتقالي. وكان الأخضر هو اللون المفضل للسجناء الذكور، وكان الأحمر اللون المفضل للسجينات الإناث. وبدا أن الألوان الدافئة تلقى استحسانا لدى مرضى الأمراض العضوية، وأن الألوان الباردة تلقى استحسانا لدى المرضى المصابين بالهيستيريا إلى حد كبير.
وتلخيصا للصورة كاملة، جمع إتش جيه آيزينك مجموعة من الأبحاث تضم حوالي 21 ألفا وستين حكما فرديا. احتل الأزرق المرتبة الأولى، وتلاه الأحمر، ثم الأخضر، والبنفسجي، والبرتقالي، والأصفر. وفي تلخيص مشابه للاختلافات بين الجنسين، كان الترتيب كما هو باستثناء أنه في حين وضع الرجال البرتقالي في المرتبة الخامسة، والأصفر في المرتبة السادسة، وضعت النساء الأصفر في المرتبة الخامسة، والبرتقالي في المرتبة السادسة. (12) مجموعات الألوان
كثير من الأبحاث خصص أيضا لمجموعات الألوان. وأثناء العمل مع الأطفال وجد إم إيمادا أن تفضيلات الألوان لدى الأطفال لم تكن عشوائية، على الرغم من أن ملكة التمييز الجيد لم تتطور لديهم إلى حد كبير؛ فعند إعطاء الصغار أقلام التلوين السوداء، مالوا إلى رسم الجمادات، مثل السيارات والمباني، وعند إعطاء الأطفال أنفسهم أقلام تلوين ملونة، ألهم ذلك خيالهم فرسموا أشخاصا وحيوانات ونباتات، وكان الأحمر مع الأصفر والأحمر مع الأزرق مجموعات ألوان مفضلة عند الأطفال. وفي تجارب مشابهة، وجدت آن فان نيس جيل أن الأصفر يشيع استخدامه مع البنفسجي المحمر أو الأزرق، وأن الأطفال يحبون أيضا الجمع بين الأزرق والأخضر. إن التباين، بطبيعة الحال، يبدو أكثر إثارة من التشابه أو الاختلاف الطفيف.
وباستخدام أضواء ملونة ساقطة على حائل، وجد ويليام إي والتون وبيلا إم موريسون أن مجموعة الأحمر والأزرق حققت أعلى المراتب بين البالغين، وتلاها الأزرق مع الأخضر، والأحمر مع الأخضر، والشفاف والأزرق، والكهرماني والأزرق، والكهرماني والأخضر، والأحمر والكهرماني، والشفاف والكهرماني. يوجد المزيد من المعلومات عن الألوان المفضلة للأطفال والكبار ومعناها فيما يتعلق بالشخصية في الفصل التاسع. (13) جيه بي جيلفورد
أجرى جيه بي جيلفورد عددا من الاستقصاءات التقنية حول تناغم مجموعات الألوان، ورأى أن المسألة تنطوي على أمور أخرى أكثر من مجرد المتعة العاطفية، فقال: «أعتقد أنه أكثر من مجرد تعبير مجازي قولنا إن النسيج الحي، لا سيما نسيج الدماغ، تولد الألوان والمتعة أو الانزعاج مثلما تولد مجموعات المواد الأخرى ظواهر مثل الحرارة أو المغناطيسية أو الكهربية.»
وفيما يتعلق بمجموعات الألوان المتناسقة كتب: «توجد بعض الأدلة على أن الاختلافات القليلة للغاية أو الكبيرة للغاية في الألوان تعطي نتائج مرضية على نحو أكبر مما تعطيه الاختلافات المتوسطة. وتعد هذه النزعة أقوى في النساء منها لدى الرجال.» ومن ثم فمن المحتمل أن يرى الشخص تناغما إما في الألوان القريبة الشبه أو في الألوان المعاكسة والمتناقضة، وليس في علاقات أخرى. وإذا تخيلنا دائرة الألوان، فسنجد أن الأصفر، على سبيل المثال، سيبدو متناغما مع البرتقالي المصفر والأخضر المصفر، وسنجد الأزرق متناغما مع البنفسجي المزرق أو البنفسجي. ولن يكون مستحسنا جدا على وجه الخصوص في مجموعة تضمه مع البرتقالي أو الأخضر، أو حتى الأحمر. وبالمثل حدد جيلفورد من خلال الأبحاث أنه إذا كان الاختيار بين الدرجات الرمادية والألوان الصافية، فإن الأنماط الصافية ستكون هي المفضلة، وإذا كان الاختيار بين الدرجات القاتمة والدرجات الفاتحة، فإن الدرجات الفاتحة ستكون المفضلة.
وتوجد علاقات تربط بين الألوان والموسيقى والطعام والروائح والأشكال والأنماط والصفات الملموسة مثل الدفء والبرودة والحالات المزاجية. وتجدون المزيد من المعلومات في كتابي «سيكولوجية الألوان والعلاج بالألوان»، وتوجد معلومات أخرى أيضا في فصول أخرى من هذا الكتاب.
الفصل السادس
الاستجابة النفسية
يتناول هذا الفصل الانبعاثات، المرئية وغير المرئية، والهالات، والجسم النجمي، والتفريغ الهالي، وجسم البيوبلازما (الجسد الأثيري)، والمصطلحات الحديثة؛ مثل: الديناميكا الكهربية، والسايكوترونية، والديناميكا الحيوية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أمورا خاضعة للتحقيق العلمي الجاد، بالإضافة إلى كونها أمورا تستخدم في استغلال العامة.
بصفتي كاتبا في مجال الألوان، فإنني كثيرا ما يوجه لي انتقادات بسبب اهتمامي بالأمور الباطنية، وتوجهي نحو الأمور الروحية والصوفية. وكثير من الرقباء على كتبي يصرون على تقديم «الحقائق»، وهو ما لا أستطيع الوفاء به في أغلب الأحيان. وهذا لا يضايقني على نحو مبالغ فيه؛ فالعالم يعج بالألغاز التي ليس لها تفسير واضح، لا سيما ما يتعلق بالظواهر المرتبطة بالأمور النفسية. ودفاعا عن نفسي، دعوني أذكر الرائع ألبرت أينشتاين الذي قال معترفا: «أنا لم أتوصل إلى فهمي للقوانين الأساسية للكون من خلال عقلي المنطقي.» وقد عمل توماس إديسون على اختراع جهاز للتواصل مع الموتى، وكان فرويد مفتونا بالظواهر الروحانية (الأحلام!) وكتب أبحاثا عن التخاطر والباطنية، وكان يونج مهتما باستجابات الجلد وكتب أن: «النشاط الكهربي للجلد يتغير تغيرا لافتا للنظر عند سماع أذني (الشخص) كلمات مرتبطة بالمشاعر.» أنا معجب باستنتاج بي دبليو كوير في كتابه «الألوان وشخصيتها»؛ حيث قال: «علم الظواهر لا يقدم أي حقائق على الإطلاق ... (فهو) يتناول الألوان «على قدر» تجربتنا معها فحسب، ولا يتناولها كحقيقة مادية أو مفهوم مجرد؛ فهو يتعامل مع الراصد فقط على قدر تجربته مع الألوان، ولا يتعامل معه باعتباره آلية فسيولوجية.»
إن اهتمام الشخص بالباطنية ينعكس بالتأكيد على بقية معتقداته. يمكن تقديم حجج لإثبات أو نفي وجود الآلهة. أما المهم بالنسبة لعقلي، فهو انبهار الإنسان بالأمور التي تفوق قدرته على الفهم. وهذا هو رأيي. لماذا يؤمن ملايين البشر بالقوى الخارقة للطبيعة وبالتنجيم؟ لماذا هم مخرفون، وساذجون، ويصدقون الألغاز التي تبدو ضعيفة منطقيا أو غير منطقية من منظور الحقائق؟ (1) الصوفية القديمة والحديثة
في الاتجاه الصوفي، استخدمت الحضارات القديمة كلها تقريبا الألوان كرمز للصفات السامية للثقافة البشرية، ورغم ذلك وجد بعض الفلاسفة الذين تجاوزوا الرمزية الرسمية للألغاز ودرسوا الضوء الهالي الذي كان يعتقد أنه ينبعث من جسم الإنسان. وهنا، في هذا الضوء الهالي، يمكن أن نجد العلامات الحقيقية للثقافة واضحة لا تخطئها عين، مثل قوس قزح، مرئية، وفعلية، وفيها نجد الإشارة الحقيقية إلى الصفات المتأصلة في الإنسان، خيرها وشرها.
يشبه الإنسان بالجسم السماوي الذي يشع انبعاثات ضوئية. ويشير هذا المفهوم عادة إلى الشمس أو إلى إله أعلى غير مرئي تمنح أشعته الحياة والروح للبشر. وكانت الهالات والملابس والشعارات والجواهر والزخارف التي استخدموها على أنفسهم كأشخاص، أو استخدموها على تماثيل آلهتهم ترمز إلى الطاقات الروحية المنبعثة من الجسم. ومثل غطاء الرأس المزخرف لدى القديس المصري والهالة لدى القديس المسيحي الأجسام الهالية للأشخاص المختارين من قبل السماء. وكانوا يفترضون أن هذه التدفقات تنصب من على سطح الجسم، وأن ألوانها كانت مقياسا للتطور الثقافي، والكمال الروحي، والصحة البدنية.
يرى الصوفيون أن كل النباتات والحيوانات تصدر هالات (وقد أثبت هذا الأمر في العصور الحديثة). وفي الإنسان، كانت هذه الهالة جزءا من هويته بقدر ما هي جزء من جسمه. وقد قال أشخاص مشهورون أمثال بنفينوتو تشيلليني: «منذ ذلك الوقت الذي رأيت فيه تلك الرؤيا الغريبة وحتى الآن، استقرت هالة من المجد (أروع من وصفها) فوق رأسي. يراها كل شخص اخترت أن أريها له، لكن هؤلاء الأشخاص كان عددهم قليلا للغاية. يمكن مشاهدة هذه الهالة فوق ظلي في الصباح منذ شروق الشمس ولمدة حوالي ساعتين، وترى على نحو أفضل بكثير عندما يكون العشب مبللا بالندى.»
قدم إدوين دي بابيت، في كتابه الشهير «مبادئ الضوء واللون»، الكثير من المعلومات القيمة عن عمل السيدة ميني ويستون المتعلق بالألوان الروحية التي يقال إنها تصدر من الدماغ. وكونت هذه الألوان ما أطلق عليه بابيت «الغلاف الأودي». وأوضح في البداية الحاجة إلى وجود تناغم بين انبعاثات العالم والجسم البشري، وأوصى بضرورة أن ينام الشخص ورأسه متجه نحو الشمال كي «يرقد في اتجاه خط الزوال المغناطيسي» (وكانت أسوأ وضعية هي اتجاه الرأس ناحية الغرب)، وقال إن الضوء الأودي يظهر بأشكال متعددة؛ فيظهر على هيئة الوهج، وعلى هيئة لهب، وعلى هيئة خيوط من نور أو وميض أو سديم، وعلى هيئة دخان، وعلى هيئة شرارات. وكان يعتقد أن الغلاف الأودي أرفع مرتين من الغلاف العادي؛ لأن انبعاثاته كان يفترض أنها أرفع مرتين من انبعاثات الضوء.
وأعلن الوسيط الروحاني إدجار كايس مؤخرا أنه رأى ألوانا تحيط بمعظم الأشخاص، ورغم ذلك فقد كانت تفسيراته لهذه الألوان هي تفسيرات الصوفيين على نحو تقليدي؛ فكان الأحمر يرمز إلى القوة والحيوية والطاقة، وكان البرتقالي يرمز إلى الفكر والتأمل، والأصفر إلى الصحة والعافية، والأخضر كان لون الشفاء، والأزرق كان لون الروح، والنيلي والبنفسجي كانا يشيران إلى الأشخاص الباحثين عن الخبرة الدينية. وعلى نهج أسلافه كتب: «اللون المثالي، بطبيعة الحال، هو الأبيض. وهذا ما نسعى جميعنا إليه. فإذا كانت أرواحنا في توازن مثالي، فإن كل انبعاثاتنا الملونة سوف تمتزج ويصبح لدينا هالة من الأبيض النقي.» وتنبأ إدجار كيس بالأهمية العملية الكبرى لدراسة الهالة. ويمكن تفسيرها بغرض التشخيص والمعالجة، وسنرى هذا الأمر في الصفحات المقبلة. وحذر قائلا: «لكني لا أعتقد أن المعالجة بالألوان ستصبح منتشرة أو عملية إلى أن نقبل حقيقة الهالات ونعتاد على قراءتها؛ كي نكتشف الخلل الذي يسبب الإزعاج للشخص.» (2) النهج السريري
يوجد في الألوان عامل نفسي، وجذاب، وعاطفي، وملهم من جميع النواحي، ويشبه القوى الخفية. وقبل مناقشة الأمور التي يرغب الطب الحديث في الاعتراف بها فيما يخص الألوان والهالة، دعوني أنتقل من وجهة النظر الباطنية إلى وجهة النظر السريرية. إن دراسة الهالة المحيطة بالبشر ودراسة الضوء النجمي لا تعتبر دائما ضربا من ضروب الصوفية والسحر، بل إن أكثر الأشخاص ارتيابا مجبر على الاعتراف بوجود انبعاثات من نوع ما تصدر عن الجسم البشري. وهذه الانبعاثات لا يمكن الشعور بها فحسب مثل الحرارة أو الرائحة، بل في ظل الظروف المناسبة يمكن رؤيتها بالفعل. وقد كتب السير أوليفر لودج؛ الذي كان منجذبا للظواهر الروحية، فقال: «تميل كل الأدلة إلى إقناعي بأننا نمتلك جسما أثيريا بالإضافة إلى الجسم المادي ... فهذه هي الهوية المنظمة التي تكون الجسم.» (2-1) العظيم فرانز ميسمر
إن الجسر الذي يربط ما بين الانبعاثات النجمية الصوفية ومجالات الطاقة التي يعترف بها العلم الحديث شهد عبورا مبدئيا منذ فترة طويلة تعود إلى القرن السابع عشر؛ ففي عام 1679، كتب ويليام ماكسويل أطروحة بعنوان «الطب المغناطيسي» قال فيها: «إن الأشعة المادية تتدفق من كل الأجسام التي تعمل فيها الروح بموجب وجودها، ومن خلال هذه الأشعة تنتشر الطاقة والقدرة على العمل. الروح الحيوية التي نزلت من السماء نقية وغير متغيرة وكاملة هي أم روح الحياة الموجودة في كل شيء. وإذا استغللت هذه الروح الكونية من خلال الكائنات المحملة بها، فإنك بهذه الطريقة تستدعي لمساعدتك سر العصور الأكبر. إن الطب الكوني ما هو إلا الروح الحيوية مكررة في الشخص المناسب.»
هذا الافتراض الكبير ألهم، لاحقا، الأب الروحي للتنويم المغناطيسي فرانز أنطون ميسمر (1733-1815). أصبح ميسمر خبيرا في المغناطيسية الحيوانية، ودرس في فيينا، وفتح عيادة شهيرة في باريس جذبت المرضى من كل أنحاء أوروبا، وأعلن أنه: «يوجد تأثير متبادل بين الأجرام السماوية والأرض والأجسام الحية.» اخترع ميسمر حوضا مغناطيسيا بيضاويا محفوفا بكراسي أو مقاعد يجلس عليها المرضى. ووصفت الحيلة في ذلك الوقت على النحو التالي: «السيد ميسمر؛ طبيب خريج كلية طب فيينا بالنمسا، هو المكتشف الوحيد للمغناطيسية الحيوانية. إن هذه الطريقة التي تعالج عددا كبيرا من الأمراض - الاستسقاء، والشلل، والنقرس، والإسقربوط، والعمى، والصمم العرضي وغيرها - تقوم على استخدام سائل أو وسيلة يوجهها السيد ميسمر نحو الأشخاص الذين يلجئون إليه، أحيانا بأحد أصابعه، وأحيانا بقضيب معدني يمسكه بإصبع آخر ويشير به حسبما يختار. ويستخدم أيضا حوضا مزودا بأحبال موصلة يربطها المرضى حول أنفسهم، ومزودا أيضا بقضبان حديدية مثنية يقربها المرضى من المعدة، أو الكبد، أو الطحال، أو في العموم إلى أي جزء في الجسد يشكون منه. وكان المرضى، لا سيما النساء، يصابون بتشنجات أو يصابون بنوبات تؤدي إلى الشفاء. ويضع المنومون المغناطيسيون [أولئك الذين كشف السيد ميسمر سره لهم، وعددهم يزيد على المائة، من بينهم النبلاء الأوائل في البلاط الملكي] أيديهم على الجزء المصاب ويدلكونه لبعض الوقت. وتعجل هذه العملية بتأثير الحبال والقضبان. وكل يومين يتم تخصيص حوض للفقراء، ويعزف الموسيقيون في غرفة الانتظار مقطوعات موسيقية مخصصة لبث البهجة في قلوب المرضى. ويرى الرجال والنساء من كل الأعمار والمستويات قادمين بأعداد غفيرة إلى منزل الطبيب الشهير؛ ومنهم الجندي ذو شارة الشرف، والمحامي، والراهب، والأديب، والطاهي الممتاز، والحرفي، والطبيب، والجراح. إنه لمشهد رائع يصدر حقا عن أرواح مرهفة الحس، أن ترى رجالا متمايزين بحكم الأصل أو المكانة الاجتماعية ينومون مغناطيسيا، بعناية عطوفة، وأيضا أطفالا ومسنين، وفوق كل ذلك الفقراء. أما بالنسبة للسيد ميسمر، فهو يظهر روح الإحسان في كل أحاديثه؛ فهو رجل رزين وقليل الكلام. ويبدو أن رأسه تعج دائما بأفكار رائعة.» كان عملاء ميسمر مشهورين إلى حد كبير، وكان باستطاعته أيضا مغنطة الماء واستخدامه كإكسير علاجي. وعلى الرغم من أن البعض امتدحه، فقد نظر البعض الآخر إلى أعماله باعتبارها أعمالا شيطانية؛ ولذلك فقد كان محسنا رائعا ومحتالا في الوقت نفسه. (2-2) جورج ستار وايت
في العصر الحديث، درس عدد من الباحثين الأمور المتعلقة بالهالة الضوئية. ودعوني أشر إلى أعمال جورج ستار وايت، ووالتر جيه كيلنر، وأوسكار باجنال.
إن كتاب «قصة الهالة الضوئية البشرية»، الذي كتبه جورج ستار وايت، سلك مسلكا متوسطا إلى حد كبير ما بين وجهة النظر الصوفية البليغة ووجهة النظر العلمية المتواضعة. واتفق وايت مع ميسمر فقال إن الغلاف المغناطيسي يحيط بالحيوانات والنباتات، وقال إن هذه الانبعاثات مختلفة وخاضعة للتغيير. ومن خلال قبول هذه الانبعاثات يمكن للمرء تفسير ألغاز التخاطر، والمعرفة المستقبلية بالأحداث، وهي أشياء كثيرا ما تحدث للإنسان. وقال إن الصحة والمرض كلاهما واضح في هذه الهالة، وإن الأشعة يتغير مظهرها عندما يلتفت الشخص نحو الجهات المختلفة للبوصلة. «بغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه الحياة أو قوة الحياة، وبغض النظر عن المركبة التي تحمل الحياة داخلها - سواء أكانت حية أم غير حية - فلا بد أن يكون وجود غلاف مغناطيسي هو سمة هذه المركبة.» واختتم وايت كلامه قائلا إن الانبعاثات المغناطيسية الصادرة من سبابة اليد اليسرى وإبهام اليد اليمنى انبعاثات إيجابية، وإن الانبعاثات الصادرة من سبابة اليد اليمنى وإبهام اليد اليسرى سلبية. ووصف خزانة للهالة الضوئية لدراسة هذه الظاهرة، وقال إن لون الهالة الضوئية المتوسطة هو الأزرق الرمادي (وحاليا يستخدم تصوير كيرليان، الذي سنتناوله لاحقا في هذا الفصل، لالتقاط صور فعلية للهالات). (2-3) والتر جيه كيلنر
أما عن التوجه الأكثر منطقية وبعدا عن التحيز فنجده في كتاب والتر جيه كيلنر «الغلاف البشري». لقد تجنب كيلنر على نحو متعمد تماما الجوانب الصوفية للضوء الهالي، وأجرى تحقيقه بمنتهى المثابرة التي تميز العاملين في المختبرات. وتمثلت استنتاجاته في أن الجسم البشري يحيط به غشاء مرئي يتكون من ثلاثة أجزاء محددة؛ أولا: شريط ضيق قاتم عرضه ربع بوصة، وهو ملاصق للجلد. وبعده تمتد هالة ثانية للخارج تتراوح ما بين بوصتين وأربع بوصات. وهذه الهالة هي الأوضح. وبعدها توجد هالة ثالثة ضبابية المظهر وليس لها إطار محدد عند حافتها الخارجية، ويبلغ عرضها في العموم حوالي ست بوصات. تنبعث الإشعاعات عادة عند الزوايا اليمنى من الجسم. هذه الأشعة الداخلية كهربية في المظهر ، وتتسم بأنها غير مستقرة، فهي تتحول وتتغير. وتصدر أشعة أطول من الأصابع، والمرفقين، والركبتين، والوركين، والثديين. ووفقا لكيلنر، فإن اللون الدال على الصحة هو الرمادي المزرق المشوب بأصفر وأحمر. أما اللون الأكثر رمادية والأبهت فيدل عادة على جسم مريض. وعلى الرغم من ذلك، فقد فضل كيلنر أن يبني تشخيصاته على شكل الهالة وليس على صفاتها اللونية. (2-4) أوسكار باجنال
عكف أوسكار باجنال على دراسة وتطوير أعمال كيلنر إلى حد كبير. وفي كتابه «أصل وخصائص الهالة البشرية»، قدم عددا من النظريات المثيرة، بالإضافة إلى تفسير مفصل للإجراء اللازم اتباعه لجعل هذه الهالة مرئية. وقد يرى البعض هذه الهالة ببساطة عند النظر إلى الشخص في غرفة ضعيفة الإضاءة. وعلى الرغم من ذلك، فقد حذا باجنال حذو كيلنر واستخدم حائلا خاصا.
قسم باجنال الهالة إلى جزأين: جزء داخلي وجزء خارجي. وتتسم الهالة الداخلية، التي يبلغ عرضها حوالي ثلاث بوصات بضياء واضح وأشعة تنبثق على هيئة خطوط مستقيمة. وهذه الهالة واحدة تقريبا في كل الأشخاص، ومن الممكن أن يكملها مجموعة أشعة خاصة منبعثة من أجزاء مختلفة من الجسم ليست متوازية بالضرورة مع الأشعة الأخرى. والهالة الخارجية، وهي أكثر رقة، تتوسع مع العمر، وعادة يكون قطرها أكبر لدى النساء منه لدى الرجال، ويبلغ متوسط عرضها حوالي ست بوصات. ويرى اللون في أفضل حالاته في هذه الهالة، ويكون مائلا إلى الزرقة أو إلى الرمادي. وكلما زادت زرقة اللون كان العقل أكثر ذكاء، وكلما زادت رمادية اللون كان العقل أبلد. وتخضع الهالة الخارجية لتغير جذري بسبب الحالة المزاجية أو المرض. ويقول باجنال إنه لا تسطع أي هالات من شيء ميت.
عند دراسة الهالة، يلزم في البداية جعل العين حساسة من خلال النظر إلى السماء عبر مرشح ديسيانين (أزرق) خاص. وبعد ذلك، يجلس الناظر وظهره إلى النافذة، ويسمح بدخول إضاءة ضعيفة إلى الغرفة، ويقف المريض العاري أمام حائل حيادي. ووفقا لما قاله باجنال، فإن الضوء الهالي لديه أطوال موجية محددة تقع خارج نطاق الطيف المرئي. ونظرا لأن الأشعة الزرقاء والبنفسجية ترى على نحو أفضل من خلال الخلايا العصوية مقارنة بالخلايا المخروطية، فإن المرشح الأزرق يميل إلى استبعاد أشعة الضوء الحمراء والبرتقالية ذات الطول الموجي الأطول مع إبراز الأشعة البنفسجية. ويمكن أيضا إكساب العين الحساسية من خلال النظر أولا إلى قطع من الورق الأصفر؛ مما يرهق أعصاب الشبكية عند رؤية الأحمر والأخضر، وفي الوقت نفسه يعطي استجابة أقوى تجاه اللون الأزرق.
ووفقا لباجنال، فإن الأمراض العضوية يبدو أنها تؤثر على الهالة الداخلية. إن الأشعة المنبعثة من الممكن أن تفقد لمعانها وتبدو باهتة أو شفافة. ويبدو أن الاضطرابات العقلية والعصبية والبلوغ والطمث تؤثر على الهالة الخارجية. وعند الإصابة بمرض ما، فمن الممكن أن تظهر بعض البقع الداكنة. وعلى الرغم من ذلك، فإن أكثر ما يقدم معلومات عن الأمراض لهو الشكل العام للهالة. إن الهالة التي تتضاءل فجأة عند منطقة الفخذ قد تشير إلى أن الشخص يعاني من مرض عصبي. ويعد وجود نتوء خارجي بعيدا عن العمود الفقري علامة مميزة للإصابة بالهيستيريا. وعادة يكون المصابون بالأمراض العصبية لديهم هالة خارجية ضعيفة وهالة داخلية باهتة. ويبدو أن الاضطرابات البدنية تؤثر على السطوع، وأن الأمراض العصبية تؤثر على جودة اللون. ويشخص باجنال الحمل على النحو التالي: تصبح الهالة أعرض وأعمق فوق الثديين، ويتسع الضباب في المنطقة الموجودة أسفل السرة مباشرة، ويوجد انخفاض نسبي في صفاء اللون الأزرق، وهي ظاهرة تتغير مع تقدم الحمل. ويشعر باجنال أن الطب والجراحة قد يخدمهما إجراء المزيد من الدراسات السريرية؛ إذ يبدو أن هذه الانبعاثات الصادرة من الجسم لها أهمية كبيرة. وهذه النظرة وهذا الافتراض وجدا الدعم والإثبات في العصور الحديثة، كما سنوضح فيما يلي. (3) الهالة البشرية
تعد الهالة البشرية أحد المجالات التي حققت فيها الصوفية القديمة انتصارات مذهلة في العصور الحديثة؛ فما كان ينظر إليه الكثيرون على أنه افتراضات ملتبسة؛ اتضح الآن أنه حقيقة محددة. لقد كان الناس يرون الهالات ويؤمنون بها قبل قرون من معرفة وجود الطاقة الكهرومغناطيسية. وأي شخص يشك الآن في حقيقة الانبعاثات البشرية (بالإضافة إلى الحرارة والرائحة والرطوبة) فإنه يحبس نفسه في سجن الماضي. يرسل الجسم البشري سلسلة من المجالات الكهربية أو المغناطيسية. وانبعاثات هذه المجالات يمكن قياسها باستخدام الأجهزة الحديثة مثل جهاز تخطيط كهربية الدماغ (جهاز رسم المخ)، الذي يقيس موجات الدماغ. إن الطاقة تأتي من كل أعضاء الجسم ومن الجلد نفسه. لقد اجتمع الصوفي القديم والعالم الحديث معا في المختبر نفسه. (3-1) تصوير كيرليان
دعوني أبدأ بما يعرف بتصوير كيرليان (إذا كان القارئ يتمتع بالمعرفة في هذا المجال، فليسامحني على هذا التلخيص). في الوقت الحاضر، كتبت مقالات وكتب عن «كلام الجلد»؛ وفيه يقدم النشاط الكهربي للجسم معلومات عن أفكار ومشاعر الشخص. إن تصوير كيرليان يصور الهالات. وتكشف أساليب الارتجاع البيولوجي الاستجابات العاطفية والفسيولوجية تجاه الألوان.
في حين تحدث الصوفيون عن الألوان بطريقة حماسية وخيالية، وكتب رجال أكثر حكمة عن إجراءات غامضة إلى حد كبير، وصف الروسيان سيميون دي وفالنتينا كيرليان حوالي عام 1958 طريقة تتمثل في استخدام انبعاثات عالية الجهد لتصوير «أشكال متوهجة» لأشياء حية وغير حية. وقد أجريت محاولات ناجحة إلى حد ما من قبل، وأجريت محاولات على قدر مساو من النجاح منذ ذلك الحين. وفيما يعرف حاليا بتصوير كيرليان، أصبحت الهالة أشبه بسجل ملموس ومرئي. والآن يدخل العالم عصر الديناميكا الكهربائية والديناميكا الحيوية (من المراجع الجيدة في هذا الصدد كتاب «هالة كيرليان» للمؤلفين ستانلي كريبنر ودانيال روبين).
ماذا يرى؟ لنقتبس ما قاله أوستراندر وشرودر: «يجب أن نلاحظ أنه عند التصوير على فيلم ملون متعدد الطبقات باستخدام ألواح على هيئة أقراص، تترجم أجزاء مختلفة من جلد الإنسان لألوان مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، تكون منطقة القلب شديدة الزرقة، ويكون الزند أزرق مخضرا، والورك زيتونيا ... ويوجد سبب لافتراض أنه عند حدوث تجارب عاطفية غير متوقعة (مثل الخوف والمرض)، فإن اللون المتأصل في أحد مناطق الجسم يتغير. ويبدو لنا أن هذه المظاهر المميزة تستحق دراسة جادة؛ نظرا لأهميتها في التشخيص في المجال الطبي؛ من أجل الاكتشاف المبكر للأمراض ... ودعونا نتوقف لنتأمل المرات العديدة التي لوحظ فيها النشاط الكهربي في جلد إنسان حي. في المجال البصري، على خلفية تمثل شكل الجلد، ترى قنوات تفريغ الانبعاثات الكهربية ذات السمات المتغيرة؛ تفريغ نقطي، وتفريغ إكليلي، وتوهجات على شكل عناقيد ذات إشعاع ضوئي. وتتسم بألوانها المختلفة؛ فمنها الأزرق، ومنها الخزامي والأصفر. وقد تكون زاهية أو باهتة، ثابتة أو متغيرة الشدة، متوهجة بين الحين والآخر أو متوهجة باستمرار، عديمة الحركة أو متحركة ... في بعض أجزاء الجلد، تتوهج النقاط الزرقاء والذهبية على نحو مفاجئ، وسمتها المميزة هي إيقاع من التوهجات وعدم الحركة ... وقد يكون لون العناقيد أزرق لبنيا، أو أرجوانيا فاتحا، أو رماديا، أو برتقاليا.»
أما عن طرق إنتاج صور كيرليان أو صور مجال الإشعاع فهي موصوفة بالتفصيل في كتاب «الهالة الحية» للمؤلف كيندال جونسون. كما يصف أوستراندر وشرودور في كتاب «دليل اكتشافات ما وراء الطبيعة» أيضا أساليب وطرق تصوير كيرليان بتفاصيل مستفيضة. من خلال التفريغات العالية الجهد الكهربي - لكن دون عدسات أو كاميرات - تسجل صور فوتوغرافية لهذه الانبعاثات. وقد يكون من غير الضروري وصف الأساليب أو الأدوات المستخدمة نظرا لأن وحدات تصوير كيرليان الكهربائي موجودة الآن في السوق (1976) من خلال شركة إدموند ساينتيفيك العلمية في نيوجيرسي. ومن خلال صور لأحد الأصابع ملتقطة بتقنية التصوير الكهربائي توصل جونسون لعدة استنتاجات مثيرة؛ يقول: «بدا أن الراحة والاسترخاء والشعور بالسكينة مرتبطة بهالة واسعة ساطعة ملساء ... وأن الخوف أو القلق يميلان إلى جعل الهالة ضعيفة متقطعة بها بقعة.»
إلى الآن لم يتم التقاط صور كيرليان - أو صور المجال الإشعاعي - للجسم ككل. فالهالة البشرية من الرأس للقدم، التي وصفها الصوفيون القدماء، ووصفها كيلنر وباجنال في الأوقات الأكثر حداثة، لم تسجل بعد على أي فيلم أو لوح فوتوغرافي ضخم. وقد يكون هذا غير ضروري؛ لأنه من خلال دراسة أمواج الدماغ واستجابات الجلد بأجهزة متقدمة نتعلم الكثير عن التكوين الجسماني والعاطفي للإنسان. (3-2) اكتشافات تشخيصية
استكمالا لحديثنا عن الهالة، توجد أدلة واضحة على أن التحولات والتغيرات قد تشير وتتنبأ في واقع الأمر بأمراض فسيولوجية ونفسية لدى الفرد . في الطب النفسي الجسدي، الذي قد تؤدي فيه الظروف البيئية إلى التوتر والخوف والاكتئاب، وقد تسبب هذه الأشياء بدورها عددا من الأمراض الفسيولوجية؛ يمكن أن تقدم دراسة الهالة مساعدة كبيرة في التشخيص. ويمكن اكتشاف الحالات العاطفية بطرق عدة على النحو التالي: من خلال جهاز رسم المخ (الذي يسجل الموجات الدماغية)، وكذلك من خلال إنتاج الهرمونات، واتساع حدقة العين، والضغط على الأصابع، وقدرة راحة اليد على توصيل الكهرباء.
إن وجود الهالة في حد ذاته قد يساعد في تفسير أو على الأقل تأكيد العلاج النفسي، وفيه يمكن لأشخاص نادرين معينين أن يقدموا المساعدة من خلال «وضع اليد» في بعض الحالات المرضية التي تصيب البشر. ويوجد بعض الباحثين المعترف بهم الذين يعتقدون أنه من خلال تصوير كيرليان يوجد دليل مرئي على تدفق الطاقة، أو على التفاعل بين البشر وبين بيئاتهم، وأنه من خلال المعالجين النفسيين يمكن أن تتدفق هالة المعالج إلى الشخص الذي يعالجه. قد يبدو هذا احتمالا بعيدا، لكن الطب النفسي الجسماني الليبرالي لا يرفض تماما مثل هذه «المعجزات». وتقدم ثيلما موس في كتابها الرائع «احتمالية المستحيل» وصفا جيدا لتصوير كيرليان. وفيما يتعلق بموضوع العلاج النفسي قالت: «أعتقد حقا أن الصور (تصوير كيرليان) توضح إمكانية انتقال الطاقة ليس فقط من المعالج إلى المريض، لكن من المريض إلى المعالج.» ويوجد أيضا تدفق للطاقة أو تفاعل بين البشر وبين بيئتهم. والمعالج ذو الهالة الواسعة يمكن أن ينقل الطاقة لشخص ذي هالة ضيقة. علاوة على ذلك، توجد أربعون إشارة إلى العلاج الروحي في الكتاب المقدس. (3-3) الوخز بالإبر
بلغت الأجهزة الإلكترونية مبلغا من التطور مكنها من تحديد نقاط الوخز بالإبر (هوكو) في جسم الإنسان. ويمتلك الروس جهاز توبيسكوب، فيصف كيندال جونسون أحد اختراعاته قائلا: إن جهاز التوبيسكوب الروسي يضيء عند لمس نقاط الوخز الإبري؛ وبذلك يعد جهازا مفيدا لمتخصصي الوخز بالإبر. وسواء أكان الوخز بالإبر مرحبا به من قبل الأطباء أو مرفوضا، فلا بد ألا ينسى المرء أن الصينيين اعترفوا به لبضعة آلاف من السنوات. وبحكمة ، كتب طبيب أيزنهاور بول دودلي وايت الذي زار الصين فقال: «لو كان غير مفيد لتوقف استخدامه منذ آلاف السنوات. توجد فائدة فيه، لكن من الصعب قول ما هي هذه الفائدة بالتحديد.» هل من الممكن أن يكون الوخز بالإبر يحتاج إلى الإيمان والصوفية لدعمه؟ (3-4) طاقة البيوبلازما
إن الانبعاثات الهالية للجسم الأثيري قد لا يرجع سببها بالكامل إلى درجة حرارة الجلد، أو استجابة الجلد الجلفانية، أو المجالات الكهربية أو المغناطيسية، أو التعرق؛ فمن المحتمل جدا أن تكون هناك طاقة أخرى، أو ظواهر غير متوقعة ولا يمكن تفسيرها بالنظرية الفيزيائية. وسواء أكان اسمها الطاقة البيوبلازمية أم أي مصطلح آخر، فالعلم لا شك لديه انبعاثات أخرى وغامضة عليه فهمها ورصدها.
يقول هارولد ساكون بير من جامعة ييل إنه إذا كانت الانبعاثات مغناطيسية، فإن المجالات الكهرومغناطيسية داخل الجسم تتأثر بمجالات أكبر موجودة في كل الكون؛ وهذا يؤكد المفهوم الصوفي القائل بوجود كون صغير داخل الكون الكبير. ونجد عمل بير الفريد موصوفا من قبل إدوارد دبليو راسل في كتابه «تصميم المصير»، فيقول: «كل الكائنات الحية - سواء الجسم البشري، أو الحيوانات، أو الأشجار، أو النباتات، أو الكائنات الحية الأدنى - تمتلك مجالات كهرومغناطيسية، وتقع تحت سيطرة هذه المجالات.» وقد تكون الانبعاثات مسئولة أيضا عن ألغاز الإدراك الخارج عن الحواس. «ومن دون الاستعانة بالعلم، فإن انتقال الأفكار كثيرا ما كان «حقيقة أثبتتها التجارب» لعدد لا حصر له من الأشخاص منذ بداية التاريخ البشري. إنه أمر شائع معترف به يحدث بين الأزواج والزوجات، وبين الوالدين والأبناء، وبين الأشخاص الذين تجمعهم عاطفة مشتركة.»
في مقاله «المجالات المغناطيسية لجسم الإنسان»، يشير ديفيد كوهين إلى ميسمر، ويصف الوسائل المستخدمة حاليا في تفقد المجالات المغناطيسية للجسم البشري، يقول كوهين: «في الوقت الراهن، تخضع المجالات المغناطيسية لجسم الإنسان للقياس في عشرة مختبرات على الأقل، كما أنها موضوع ثماني رسالات دكتوراه وحوالي خمسين بحثا منشورا.» إن الجسم البشري لهو حقا «مصدر للمجالات المغناطيسية». وقد رصدت هذه المجالات في غرف محمية خاصة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ويعلق كوهين قائلا إن «القياسات المسجلة للقلب والدماغ والرئتين من الممكن أن تكون ذات قيمة بالنسبة للتشخيص السريري وفي الأبحاث الفسيولوجية.»
يضم كتاب «الطب النفسي والصوفية» (تحرير ستانلي آر دين) فصولا ممتازة كتبتها شفيقة كاراجولا؛ من كلية الأطباء الملكية في إدنبرة، وجون سي بياراكوس؛ معالج نفسي ممارس للمهنة ورئيس معهد تحليل الطاقة الحيوية في نيويورك. وتصف الدكتورة كاراجولا النطاقات الهالية الثلاثة على النحو التالي: المجال الأول: هو مجال الطاقة الحيوية، ويمتد هذا المجال من حوالي ثلاثة إلى خمسة سنتيميترات خارج الجسم، ولديه لون أزرق، والمجال الثاني ذو الأنماط اللونية المتغيرة: يكشف عن مشاعر الشخص، والمجال الثالث: هو مجال عقلي، وهو «يظهر ملكة العقل والتفكير لدى الفرد». ويوجد مجال رابع مكمل. تقول الدكتورة كاراجولا إن هذه المجالات يمكن استخدامها لأغراض التشخيص. إن دوامة الطاقة الموجودة عند الحنجرة يكون لونها أزرق أو بنفسجيا شاحبا في الإنسان السليم. ويكشف اللون الأحمر أو البرتقالي عن وجود مشاكل في الغدة الدرقية يمكن اكتشافها مسبقا.
بعض الأطباء الموهوبين معروف عنهم رؤية الهالات في مرضاهم وتشخيص حالاتهم من الهالات، دون أن يشيروا عادة إلى هذه الرؤية على الإطلاق. ويعلن بعض الأطباء النفسيين أن الأشخاص المصابين بأمراض عقلية لديهم أيضا رائحة مميزة. ويصف الدكتور بياراكوس الهالة والأداة المستخدمة في قياسها، ويتحدث أيضا عن ثلاث طبقات أو مجالات لها، يقول بياراكوس: «إن الحركة الأساسية للطبقات الثلاث يمكن وصفها بأنها موجة تتحرك بعيدا عن الجسم ... أنا أعتبر المجال في الأساس تعبيرا عن كل جوانب الإنسان البدنية والعاطفية والعقلية والروحانية.» هذه تصريحات طبيب نفسي لا صوفي! وكتب أيضا: «يبدو أن البشر يسبحون في بحر من الفيض مخضب على نحو منتظم بألوان فاقعة تغير ألوانها باستمرار، وتتلألأ، وتهتز. في حقيقة الأمر، أن تكون حيا يعني أن تكون غنيا بالألوان ونشطا.» وأشار إلى تغيرات متعددة في الأمراض وقال إن الخوف يؤدي إلى تأثير البهت. وأشار إلى أن مرضى الفصام أظهروا اضطرابات شديدة. (3-5) الجلد يتحدث
كتبت العديد من المقالات، وعلى الأقل كتاب واحد عن «حديث الجلد» (وذلك الكتاب هو «اللمس: أهمية الجلد للبشر» للكاتب أشلي مونتاجيو). تقريبا كلنا جربنا شعور احمرار اليدين وتعرقهما وكذلك تعرق الإبطين. ومن خلال جهاز كشف الكذب (البوليجراف)، لوحظ توصيل الجلد للكهرباء ووثق بالفعل. وما يحدث هو أن الجهاز يسجل النبضات الكهربائية التي تكشف على نحو مفاجئ مشاعر الشخص؛ ليس على نحو ثابت، لكنه عام. ويمكن للجهاز كشف معلومات عن مشاعر الشخص. وقد جرب يونج الجهاز ولاحظ أن النشاط الكهربي للجلد يمكن أن يتأثر حتى بتداعيات الكلمات.
وكتبت باربرا بي براون في كتابها المذهل «عقل جديد، جسم جديد» أن «الجلد يرى بالألوان»؛ فالجلد يستطيع التمييز بين الألوان. «ويعد الجلد أيضا مؤشرا جيدا على الألوان، ويبدو أنه يعكس طريقة معالجة عصبونات الدماغ للمعلومات المتعلقة بالألوان. وتدعم التجارب التي تظهر استجابات الجسم للألوان المعتقد الشائع الذي يقول إن الألوان تحفز حالات شعورية معينة خاصة بالألوان على اختلافها.» عند عرض ألوان مختلفة على شاشة، أظهر جهاز كشف الكذب استجابة أقوى تجاه اللون الأحمر عنها تجاه اللون الأخضر، وأظهر استجابة أكبر تجاه اللون البنفسجي مقارنة باللون الأخضر. ومن الواضح أن المعلومات المسجلة اختارها الدماغ من خلال العين، ثم عبر عنها كهربائيا من خلال الجلد. ومن الواضح أن الهالات الضوئية لها دور في هذا الصدد. (3-6) الموجات الدماغية
وضع روبرت أورنشتاين وروجر سبيري نظرية تقول إن نصفي الدماغ لديهما وظيفتان مختلفتان. لقد كان كل من الرجلين مهتما بأساليب الارتجاع الحيوي واستجابات الموجات الدماغية. وباختصار، فإن النصف الأيسر من الدماغ بارع في المنطق، بينما النصف الأيمن يميل إلى الحدسية إلى حد كبير. والمحامون من المحتمل أن يكون نصف الدماغ الأيسر أنشط لديهم، في حين أن الفنانين كان النصف الأيمن لديهم هو الأنشط.
وبالانتقال من البوليجراف، الذي يقيس استجابة الجلد، إلى جهاز تخطيط الدماغ (جهاز رسم المخ)، الذي يقيس الموجات الدماغية، تظل الهالة تشع، تقريبا كل أجزاء الجسم البشري تولد تيارا كهربيا. وينطبق هذا على الدماغ بصفة خاصة. وإذا ضخمت هذه الكهرباء على نحو صحيح، فإن قدرا كافيا من هذه الطاقة يمكن تطويره لإطفاء المصابيح وإشعالها (ولتشغيل القطارات الكهربية التي يلعب بها الأطفال). إن ما يطلق عليه الارتجاع الحيوي يجذب استحسانا شعبيا كبيرا. وتوجد جمعية أبحاث الارتجاع الحيوي، ومئات الباحثين والتقارير البحثية التي تخصصت في هذه الظاهرة. وتمتلك أيضا شركة إدموند ساينتيفيك العلمية، التي ذكرنا سابقا أنها مصنع جهاز تصوير كيرليان، أجهزة مراقبة ارتجاع حيوي متاحة، وكذلك مجسات موجات ألفا (1976). وما كان في السابق تطورا علميا أصبح للأسف ألعوبة علمية زائفة. ويستخدم مرقاب استجابة الجلد الجلفانية أيضا في فحص استجابات النباتات للضوء، وتجاه اللمس، والموسيقى، وصوت الإنسان، والدخان.
ومن خلال سيطرة الفرد على موجات ألفا (أو غيرها من الموجات)، يمكن تنظيم استجابات الجسد من الداخل للخارج، إن جاز التعبير. إن السيطرة على موجات ألفا بصفتها وسيلة للتأمل تمثل بارقة أمل للطب النفسي الجسماني في علاج أمراض مثل: ضغط الدم المرتفع، والصداع الشقي، والأرق، والربو، وتأهيل مدمني المخدرات، كما يمكنها أيضا التعامل مع المخاوف والتوترات والإحباطات النفسية.
وفيما يتعلق بالألوان، حاولت باربرا براون تحديد «هل كانت المشاعر تجاه الألوان تعدل الموجات الدماغية، أم أن الموجات الدماغية تتأثر أولا بالألوان ثم تتكون المشاعر لاحقا؟» وسجلت نشاط الموجات الدماغية عند عرض ألوان مختلفة. واستنتجت براون أن: «التداخل بين ارتباطات الألوان والحالات الشعورية وارتباطات الألوان والموجات الدماغية ... يشير إلى احتمالية أن نشاط الفرد المتعلق بالألوان من الممكن أن ينشأ عن العمليات العصبية الأساسية نفسها التي تنشأ منها الموجات الدماغية ... وأميل إلى تفضيل فكرة أن الاستجابة العصبونية للخلية الدماغية تجاه اللون تحدث أولا؛ لأنه في دراساتي ودراسات الآخرين نجد أن الاستجابة الكهربية للدماغ تجاه اللون الأحمر هي التنبه أو الاستثارة، في حين أن الاستجابة الكهربية للدماغ تجاه اللون الأزرق هي استجابة استرخاء. وهذا الأمر يحدث في الحيوانات، وكذلك في الإنسان.» ومنذ هذا الكتاب، فقدت أساليب الارتجاع الحيوي بعض سحرها، وتوقف الكثير من اجتماعات الممارسين، والمجموعات السريرية، والاجتماعات المحلية والإقليمية. ورغم ذلك، فقد أصبح الارتجاع البيولوجي مسألة مثيرة للغاية للطب التشخيصي والعلاجي، ولا شك أنه سيستمر خاضعا للبحث في المستقبل.
يبدو أن الهالة، واستجابة الجلد، واستجابة الدماغ - وأيضا ضربات القلب والتعرق وضغط الدم - مرتبطة بالألوان من خلال النبضات الكهربية. إن الصوفي القديم أو الشامان، والمعالج الروحي، والطبيب النفسي الحديث وعالم النفس السريري، كلهم كانوا - ولا بد أن يظلوا - مهتمين بقوس قزح الذي يحيط بكل الكائنات. وقد أصبحت الخرافة مدعومة بالحقيقة؛ فالعالم ملون بالكامل ظاهرا وباطنا.
الفصل السابع
علاج الجسد
اعتقد الإنسان في قدرة الألوان على الشفاء منذ بداية التاريخ المدون، وربما قبل ذلك. وسبب ذلك قد يكون بسيطا إلى حد كبير؛ فضوء الشمس يمنح الحياة لكل الكائنات، ومن دونه يكون الموت. وحتى المخلوقات التي تستطيع العيش في ظلام كامل تحتاج إلى الأغذية التي تأتي من المناطق التي تضيئها الشمس. تحدثت الفصول الأولى من هذا الكتاب عن التقاليد القديمة، والرمزية، والميثولوجيا، والخرافات المتعلقة بالألوان. ويولي هذا الفصل اهتماما خاصا بفن العلاج قديما وحديثا. (1) الأزمان القديمة
شهد العلاج بالألوان تقلبات ما بين الازدهار والانحسار على مدار القرون؛ فقد أجله الأطباء القدماء، وآمنوا بخواصه العلاجية، وشخصوا باستخدام الألوان، ووصفوها للعلاج. وفي عصر التنوير، ظل العلاج بالألوان، لكن استمراريته كانت في الأغلب راجعة إلى ولاء الصوفيين. ولاحقا رفض علم الطب الحديث العلاج بالألوان، لكن هذا لم يدم طويلا، كما سيروي هذا الفصل؛ إذ استعادت كفاءته سابق مجدها مؤخرا؛ فعلى سبيل المثال، في علم الأحياء الضوئية المعترف به، يوجد وعد بعلاجات جديدة وطرق جديدة لعلاج كثير من أمراض الحياة.
إن عبادة الشمس والضوء كثيرا ما ظلت تأسر الإنسان، وكانت طبيعة الأمراض التي تسبب رعشة البدن، وتسبب القرح والحمى، وتنشر الأوبئة، وتؤدي إلى الموت مجهولة لسبب بسيط؛ ألا وهو عدم معرفة الميكروبات والفيروسات، بسبب عدم وجود أجهزة يمكنها كشفها على نحو مكبر. جرب القدماء كل أنواع المعالجات من المواد الكيميائية إلى الأدوية العضوية وغير العضوية، وحتى التمائم، وفوق كل ذلك التوسلات والقرابين والتضرعات إلى الآلهة.
وفي بردية إبريس المصرية، التي تعود إلى عام ألف وخمسمائة قبل الميلاد، يوجد إشارات عديدة إلى معادن ملونة مثل الملكيت والطين الأحمر والأصفر، وتوجد أيضا إشارة إلى لبخة اللحم النيء لعلاج كدمة العين، وإلى كتلة حمراء لعلاج الإمساك، وإلى سائل كتابة زنجفري مخلوط بدهن الماعز والعسل لتسكين الجروح. ومارس الزرادشتيون في بلاد فارس القديمة نوعا من العلاج بالألوان اعتمد على انبعاثات الضوء. (2) وجهات نظر بدائية
وقبل الانتقال إلى استعراض منظم للممارسة الطبية الحديثة بداية بالعظيم أبقراط، سأذكر الأطباء المشعوذين، والمعالجين الروحانيين، والشامانات، ومجموعة المعالجين بالسحر الذين ما زالوا يمارسون المهنة حتى يومنا المعاصر، ويفوق عددهم في واقع الأمر عدد خريجي كليات الطب في الحضارة الغربية!
ترتبط الشامانية بالشعوب البدائية في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وبقبائل الإسكيمو، واللابيون، والشعوب الأصلية للشرق الأقصى وجنوب المحيط الهادي. يقوم الشامانات بدور الكهنة والعرافين وطاردي الأشباح والأطباء؛ فيمارسون الفصد، والتدليك بالعجن، والتنويم المغناطيسي، ويستخدمون الأعشاب والأدوية المدجلة والتمائم، كما أنهم على معرفة جيدة بالأدوية المعالجة مثل الكينين، والمخدرات مثل صبار البيوت. إنهم يرتدون ملابس مبهرجة، ويرتدون ملابس تجعلهم يبدون كهيئة الدببة والنسور والقنادس والأسود والنمور، ويحملون مسابح وخشخيشات وعصيا سحرية، ويزعمون امتلاكهم لقدرات روحانية. وقد كتب علماء الأنثربولوجيا عن الشامانات. وتزخر أعمال مثل كتاب «الغصن الذهبي» للسير جيمس جورج فريزر بمعلومات عن معارف الألوان.
كان المرض هو لعنة الشياطين الشريرة، ويجب طرده من خلال المعالج الروحاني، ليس فقط بواسطة التعاويذ، وإنما بالأدوية المأخوذة من الطبيعة أيضا. كان من الممكن أن يلوي جسده، أو يهز الخشخيشات، أو ينفث في وجه المريض. واستخدم شعب النافاهو الدهانات البيضاء والحمراء والصفراء والزرقاء والسوداء في ممارساتهم العلاجية. وبعض المعالجين الروحانيين كانوا فنانين مهرة صنعوا رسومات رملية ذات جمال فائق كي ينالوا رضا الآلهة. وكانت توجد مراسم معقدة مرتبطة بالألوان متعلقة بالميلاد، والوفاة، والزواج، وقتل الرجال والحيوانات، واستجلاب الشمس أو المطر. (3) التعاويذ والتمائم
اعتقد الناس أنه نظرا لأن المرض يأتي من الطبيعة على نحو غامض، فإن الأشياء المأخوذة من الطبيعة، وفيها الألوان، من الضروري استخدامها لمكافحته. وما قد نعتبره اليوم مجرد قطعة مجوهرات كان - على الأرجح - تميمة للحماية، بالإضافة إلى كونه قطعة زينة؛ فعين الحسد يمكن صرفها ومنع أذاها من خلال بعض أحجار الفيروز، أو الخرز الأزرق، أو طلاء بالأحمر أو بالأسود على الجبهة، أو شريط أحمر، أو قطعة من المرجان. كتب إي إيه واليس بودج في كتابه: «التمائم والخرافات»: «في بازارات القاهرة وطنطا، من المعتاد بيع خرزات خزفية زرقاء ذات سطح أزرق لامع، يبلغ قطرها نصف بوصة بالكامل، إلى رجال القوافل الذين يصنعون منها أطواقا ويربطونها على جباه الجمال قبل الانطلاق في رحلاتهم عبر الصحراء. وكان سكان هذه البلاد يعتقدون أن النظرات المؤذية من العين الحاسدة يمكن صرفها إلى هذا الخرز، وإبعادها عن الحيوانات ... ومن المؤكد إلى حد ما أن القطع النحاسية المستديرة وغيرها من قطع الزينة التي كانت تزين لجام أحصنة العربات وأحصنة الجر، مثل الأبواق النحاسية الكبيرة التي تتدلى من أطواقها، كان الهدف الأصلي منها حماية الحيوان من عين الحسد، لكن هذه الحقيقة أصبحت منسية، وأصبحت التمائم مجرد قطع زينة.»
في الكتب الأخرى التي ألفتها أوردت الخرافات القديمة التي تتمحور حول الجواهر؛ فقد كان الكهرمان يستخدم لعلاج آلام الأذن وأمراض العين. وكانت حبات الكهرمان تستخدم لعلاج الحمى والروماتيزم وآلام الأسنان والصداع. وكان الجمشت يستخدم لعلاج النقرس، وكان العقيق الأحمر يوقف النزف الدموي، وكان العقيق الأبيض يستخدم لتفتيت الحصوات، وكان الزمرد يستخدم لعلاج أمراض العيون، وكان حجر البجادي يستخدم لعلاج الطفح الجلدي. أما حجر اليشب فكان يستخدم لعلاج الاستسقاء، وكان مفيدا في تسهيل الولادة. وكان حجر الكهرمان الأسود يستخدم لعلاج الصرع، وكان الياقوت المغموس في الماء يستخدم كدواء معالج للمعدة. وفي فترة متأخرة تعود إلى عام 1948، قدم أحد مراسلي يونايتد برس إنترناشونال تقريرا عن «صيدلية» في مستشفى في حيدر آباد في الهند تضم وصفات تتضمن الذهب ومساحيق اللؤلؤ والزمرد والياقوت. وقال أحد أطباء هذا المستشفى: «إننا نستخدم أسرارا طبية كثيرا ما أثبتت نجاحها عبر العصور. إن نظرياتنا هي خلاصة المعرفة الطبية للمغول والفرس والإغريق والرومان والمصريين والهنود والعرب. نحن أنفسنا لا يمكننا دائما شرح سبب نجاح وصفاتنا الطبية، لكنها كثيرا ما كانت ناجحة عبر القرون.»
كان من الممكن أيضا استخدام وصفات من الفطر المأخوذ من القبر، والندى المأخوذ من الحشائش، واستخدام أعضاء الكائنات ذات الدم البارد والكائنات ذات الدم الحار، والنباتات التي تشبه اليد في الهيئة (لعلاج اليد)، أو تشبه السن (لعلاج السن). وفي الوقت الحاضر ما زالت توجد سوق كبيرة في الصين لبيع الجنسنج الصيني الذي يقال إنه يطيل العمر، ويعمل كمنشط جنسي، بالإضافة إلى فوائد أخرى. (4) الخرافات اليوم
يوجد أناس في عصرنا الحالي يخافون من القطط السوداء، ومن ارتداء اللون الأصفر في المسارح، ومنهم العروس التي ترتدي شيئا أزرق اللون، ومنهم من تعج لغاتهم بإشارات إلى حراس سود، وأيام حمراء، وظلام أزرق، وحسد أخضر، وغضب أرجواني، وطعم بني في الفم، ووثنيين صفر. ومنذ فترة ليست ببعيدة، كان الأطباء يرتدون معاطف قرمزية، وكان يستخدم قماش الفانلة الحمراء في علاج الحمى القرمزية والتهاب الحلق. واقتباسا لكلام بودج: «وجد عدد كبير من الخواتم المصنوعة من حجر اليشم الأحمر، ومن الخزف الأحمر والزجاج الأحمر في مقابر في مصر؛ كلها غير منقوشة، وكلها بها فجوة، ولا يعرف كيف ولماذا استخدمت هذه الخواتم، لكن وجهة النظر الحديثة تقول إن الجنود والرجال الذين كانت أعمالهم أو واجباتهم تدفعهم إلى الاشتباك مع أعدائهم كانوا يرتدون تلك الخواتم لتمنعهم من الإصابة، أو لكي توقف النزيف في حالة تعرضهم للجراح. ومن الممكن أن تكون قد ارتدتها النساء لمنع النزف.» (5) أصول الطب الحديث
في العادة، يبجل الطب الحديث أبقراط (460 إلى حوالي 370 قبل الميلاد) بصفته مؤسس الطب الحديث. كان أبقراط قليل الاهتمام بالأمور الغامضة مقارنة باهتمامه بالعادات والحميات التي يتبعها البشر، وضربات قلب الإنسان، وشحوب الجلد. وبذلك يكون قد أسس توجها تشخيصيا وعلميا تجاه أمراض البشر. وما زال حتى يومنا الحاضر يقسم خريجو كليات الطب قسما منسوبا لأبقراط.
في القرن الأول الميلادي، كتب أورليوس كورنيليوس سيلسوس ثمانية كتب عن الطب. كان توجهه نحو الألوان عمليا وعقلانيا أكثر منه باطنيا. كانت الأدوية توصف مع وضع الألوان في الاعتبار . وكانت توصف مجموعة كبيرة من الزهور - مثل: البنفسج، والسوسن، والنرجس، والورد، والليلك - والمعاجين باللون الأسود والأخضر والأحمر والأبيض. وكتب عن المعجون الأحمر فقال: «يوجد أحد أنواع المعاجين لونه أحمر تقريبا يبدو أنه يجعل الجرح يلتئم سريعا جدا.» وقال عن الأصفر: «عند وضع مرهم الزعفران مع زيت السوسن على الرأس، فإنه يعمل على استدعاء النوم وتهدئة العقل.»
كان جالينوس (130 إلى حوالي 200 بعد الميلاد) الطبيب الملكي لماركوس أورليوس وغيره من الرومان المشهورين، وقد كتب ما يقرب من 500 أطروحة، وألقى المحاضرات، وألقى الدروس، وقام بالتجارب والتشريح، وظل يمثل مرجعية في الطب لا يشق لها غبار فعليا على مدار عدة قرون. وكان جالينوس منجذبا إلى الألوان فقال: «لقد مسحت بمرهم أبيض من شجرة الحياة.» وكانت تغيرات الألوان بارزة في تشخيص الأمراض. وإليكم أحد تساؤلاته: «إذن كيف يمكن أن يتحول الدم إلى العظم دون أن يصبح أولا، وقدر الإمكان، متخثرا ومبيضا؟ وكيف يمكن للخبز أن يتحول إلى دم دون أن يفارق تدريجيا بياضه، ويكتسب الحمرة تدريجيا؟»
وفي العصور المظلمة، انتقل مقر التقدم في الطب من روما إلى العالم الإسلامي. وكان ابن سينا (980 إلى حوالي 1037 بعد الميلاد)، ذلك العربي الذي قضى معظم حياته في فارس، قد كتب كتاب «القانون في الطب»، الذي يعد تحفة عصره، ومنحه مكانة هائلة حتى القرون الوسطى. كانت الألوان تظهر في كل كتابات ابن سينا، وكانت توجد أهمية تشخيصية في لون الشعر واللحم والعيون والبول والبراز. ووضع جدولا يوضح فيه علاقة الألوان بالحالة المزاجية للإنسان وبالحالة البدنية للجسم. ومثل سابقيه من الأطباء، كان مهتما بالأخلاط، أو بسوائل الجسم، فكتب يقول: «حتى الخيال، والحالات العاطفية، وغيرها من العوامل تؤدي إلى تحرك الأخلاط؛ ولذلك إذا حدق المرء بتركيز في شيء لونه أحمر، فإنه سيؤدي إلى تحرك الخلط الدموي؛ ولهذا السبب يجب عدم السماح للشخص الذي يعاني من نزيف الأنف بالنظر إلى الأشياء ذات اللون الأحمر الفاقع.» وقال إن الأزرق يهدئ من حركة الأخلاط. وعلى غرار سيلسوس الذي سبقه، فقد كانت الزهور جزءا أساسيا من علاجاته، وكانت الزهور الحمراء تشفي أمراض الدم، بينما الزهور الصفراء تشفي أمراض الجهاز الصفراوي. (6) عودة إلى الصوفية
اختفى منطق أبقراط وسيلسوس وجالينوس وابن سينا - المتمثل في دراسة الأدلة الموضوعية والعلمية البحتة للمرض - خلال العصور الوسطى. وتصدر المشهد أخوية من الصوفيين والخيميائيين الذين تحدثوا عن التناغم مع القوى الإلهية، وعن الرب، وعن الفلسفة، وعن قوانين الطبيعة.
وعلى صلة وثيقة بهذه القصة المختصرة التي تتحدث عن الألوان في تاريخ الطب، يأتي اسم باراسيلسوس (1493-1541) الذي حرق على الملأ كتب جالينوس وابن سينا معلنا أن المرض سببه عدم التناغم مع الطبيعة. كان يرى أن الإنسان يتكون من جسم مادي، وجسم أثيري، وجسم نجمي، وذات، وذات عليا، وزعم أن الشمس تحكم قلب الإنسان، وأن القمر يحكم عقله، وأن زحل يحكم الطحال، وأن عطارد يحكم الرئتين، وأن الزهرة تحكم الكليتين، وأن المشتري يحكم الكبد، وأن المريخ يحكم الصفراء، وقال إن جسم الإنسان يتكون من الملح والكبريت والزئبق، وإذا اختل توازن هذه العناصر فإن هذا الاختلال يتبعه المرض. وأصبح العبقري والمرجعية باراسيلسوس مشهورا في كل أنحاء أوروبا (وما زال يحظى بتقدير الصوفيين حتى وقتنا الحاضر). كان يعالج باستحضار الأرواح، والموسيقى، والألوان، والتمائم، والأعشاب، وتنظيم الحمية الغذائية، والفصد، وتليين البطن.
أما الخيمياء، وحجر الفيلسوف، وإكسير الحياة، فهي قصة في حد ذاتها. إنها بمنزلة مقدمة للكيمياء الحديثة تفخر بأسماء مثل: روجر بيكون، وبن جونسون، وألبرتوس ماجنوس، وتوما الأكويني، ونيكولاس فلاميل، وريموند لولي، وجيكوب بومه، وباراسيلسوس السالف الذكر. ربما كانت الخيمياء معنية بتحويل المعادن، لكنها فوق كل ذلك كانت «علما» صوفيا وخفيا. ويمكن تشبيه حجر الفلاسفة بالمسيح، فهو مزيج من الوثنية والمسيحية. وما زالت مخطوطات ومجلدات موجودة حتى الآن عن الخيمياء، وقد جذبت كارل يونج لأنها مليئة بكشوف عميقة وروحانية متعلقة بما أسماه «اللاوعي الجمعي»، وألغاز الكون، والجنة والجحيم، وإعادة الخلق الممكنة للإنسان نفسه.
تزخر الخيمياء بالإشارات إلى الألوان، وكانت الألوان الرئيسية فيها هي الأسود والأبيض والأحمر، وكانت تضم سبعة معادن متعلقة بالكواكب السبع، بالإضافة إلى النسور، والسمندرات ، والأسود، والغربان ، والحمام، والبجع، والطواويس، والزهور، وكلها تستخدم في الجمال والرمزية. كانت لغة الخيميائي مخفية في الاستعارات، وكانت معانيها معروفة فقط لممارسيها، وكان أكبر الإنجازات التي تحلم بها هو إكسير حقيقي للحياة؛ وهو حجر أحمر وذهب صالح للشرب يمكن أن يمنح الحياة الأبدية والخلو من الأمراض. واليوم أصبحت أحلام الخيميائيين حقائق من خلال صناعة البلاستيك، والأحجار النفيسة، والتطبيقات المذهلة للطاقة الإلكترونية، وانشطار الذرة. (7) الطبيب بابيت الرائع
من رحم عصر النهضة، ومتفقا مع المبادئ السليمة لأبقراط وسيلسوس وجالينوس وابن سينا، جاء علم الطب كما هو معروف اليوم متمثلا في فيزاليوس، وهارفي، وليفينهوك، وباستور، وكوخ، وفلمينج، والمجهر، والمجهر الإلكتروني، والأشعة السينية، والراديوم، والليزر، وكمبيوتر تشخيص الأمراض. كون إدوين بابيت فترة فاصلة إن لم تكن مقاطعة لتقدم الممارسة الطبية والجراحية المتنورة. ويمثل بابيت أحد الرجال المتميزين في تاريخ العلاج بالألوان. لقد كان عبقريا، وكذلك دجالا هاجمته ونبذته واختلفت في أمره مهنة الطب القانونية، في حين عشقه الصوفيون.
جاء قبل بابيت الجنرال إيه جيه بليزنتون، الذي كان يعيش في فيلادلفيا، وألف كتابا في عام 1876 حمل عنوان «الأزرق وضوء الشمس»، ووصف في هذا الكتاب بيتا زجاجيا له ألواح زجاجية زرقاء وشفافة. وزعم زراعة كرمات عنب وارفة، واستخدم الخنازير كحيوانات تجارب محاولا زيادة وزنها. وكان يرى الجنرال أن السماء تحمل أسرارا متعلقة بالرخاء الذي تحفل به الحياة؛ فهي «تنتزع الأكسجين من غاز حمض الكربونيك، وتمنح الكربون للنباتات، وتدعم كلا من الحياة النباتية والحيوانية بالأكسجين الذي تقدمه.»
وبعد ذلك بعام، كتب إس بانكوست كتابا آخر بعنوان «الأزرق والضوء الأحمر» هاجم أطباء عصره، ومدح «الحكماء القدماء»، وتحدث مفاخرا عن علاجات معجزة تتمثل في تمرير أشعة ضوء الشمس عبر زجاج أحمر أو أزرق، وقال: «أثناء فترة ازدهار حياة الإنسان، يكون التقدم من الأسود إلى الأحمر؛ فالأحمر يمثل قمة ريعان النضج، وعند تراجع حياة الإنسان يكون المسار من الأحمر إلى الأسود، وفي كل من الازدهار والتدهور يمر الإنسان باللون الأبيض؛ حيث يمثل فترة الصحة الوافرة والمرونة التي تميز أول النضج والمرحلة الوسطى في الشيخوخة.»
وفي العام التالي، جاءت رائعة إدوين دي بابيت كتاب «مبادئ الضوء واللون»، الذي خلق ثورة عالمية، وإن كانت محدودة في فن العلاج بالألوان (دعوني أوضح أنني لست من أنصار نظريات بابيت. لقد كتبت عنه وحررت كتابه في عام 1967، واعتبرته واحدا من أكثر الشخصيات المميزة في مجال الألوان الواسع والعام). ولد بابيت في هامدن، في نيويورك، في 1 فبراير 1828، وكان ابنا لراعي كنيسة بروتستانتية طائفية (توفي في عام 1905، وهو والد إيرفينج بابيت الكاتب في مجال الإنسانيات والأستاذ في جامعة هارفرد). بدأ حياته كشاب راشد بالعمل مدرسا، وكتب ونشر كتبا عن فن الخط، واهتم بالدين و«الحقائق الروحانية». وفي منتصف العمر، أعلن بابيت أنه عالم مغناطيسي وطبيب روحي. لا شك أنه قضى سنين في تأليف كتاب «مبادئ الضوء واللون» الذي ضم 200 ألف كلمة و560 صفحة. وعند نشر هذا الكتاب في عام 1878، أصبح بابيت رجلا مشهورا على الفور، وسرعان ما أصبح رئيسا لكلية نيويورك للمغناطيسيات. ومن أقواله: «إن العلاج بالألوان يعتمد على حقيقة أبدية، وكلما بكرنا في تقبل هذه الحقيقة الرائعة، كان هذا أفضل لكل الأطراف.» كان هذا يوم المعالجين الروحانيين، وأدوية الوصفات العلاجية المسجلة، والأحزمة المغناطيسية، ومستحضرات زيت الحية الشافي، وعدد لا يحصى من الأدوية السحرية. ودخل بابيت مجال العلاج بالألوان، وباع الكتب، و«الأقراص الملونة»، و«القوارير الملونة»، وغرفة «الضوء الحراري» الخاصة للعلاج بالألوان، وزجاج ملون، ومرشحات ملونة، و«نافذة ملونة» جميلة مصممة بأبعاد 57 في 21 بوصة مصنوعة من الزجاج الملون توضع داخل منزل يواجه الجنوب، وخلفها يمكن للأشخاص الانغماس في معالجات بالألوان مفيدة للصحة.
كون بابيت سلسلة علاقات رائعة بين الألوان والعناصر، وبين العناصر والألوان، ووصف هذه الأمور بأنها ألوان حرارية وألوان كهربية. ودعونا نقتبس مما قاله: «توجد سلسلة تدرجات ثلاثية في القدرات الغريبة للألوان، ويقع مركز وذروة التأثير الكهربي الذي يهدئ الأعصاب في اللون البنفسجي، وذروة التأثير الكهربي الذي يهدئ الجهاز الوعائي تقع في اللون الأزرق، وذروة السطوع تقع في اللون الأصفر، وذروة السخونة أو الحرارة تقع في اللون الأحمر . وهذا ليس تقسيما خياليا للصفات، بل تقسيم حقيقي؛ فاللون الأحمر الذي يشبه اللهب ينطوي على مبدأ الدفء في حد ذاته، والأزرق والبنفسجي ينطويان على مبدأ البرودة والكهربية. وبذلك توجد لدينا أساليب كثيرة للتأثير اللوني، ومنها تدرجات الألوان، وتدرجات الضوء والظل، وتدرجات النعومة والخشونة، وتدرجات القوة الكهربية، وتدرجات القوة الضوئية، والقوة الحرارية ... إلخ.»
وكتب عن العلاج بالألوان يقول: «الضوء الأحمر، مثل الأدوية الحمراء، هو عنصر التدفئة في ضوء الشمس، لا سيما مع تأثيره المثير للدم وللأعصاب إلى حد ما، خاصة عند تسربه من درجات الزجاج الأحمر الذي لن يسمح فقط بدخول الأشعة الحمراء، بل سيسمح بدخول الأشعة الصفراء أيضا؛ وبذلك يثبت فائدة في حالات الشلل وغيره من أمراض السبات والأمراض المزمنة.» وقال إن الأصفر والبرتقالي يثيران الأعصاب؛ «فالأصفر هو المبدأ الأساسي لتحفيز الأعصاب، بالإضافة إلى كونه المبدأ المثير للدماغ الذي يعد الرأس الأساسي للأعصاب.» وكان يستخدم كملين ومحفز للقيء ومطهر معوي. وكان يستخدمه بابيت في علاج الإمساك والأمراض الشعبية والبواسير. وعند خلط الأصفر بقدر كبير من الأحمر فإنه يصبح مدرا للبول، وعند خلطه بقدر قليل من الأحمر يصبح مثيرا للدماغ، وعند خلطهما مناصفة فإنه يصبح منشطا ويساعد الجسم البشري في العموم. يتمتع الأزرق والبنفسجي «بقدرات تتمثل في البرودة والكهربية والتقلص». وكلا اللونين يهدئان كافة الأجهزة التي تكثر فيها الأمراض الالتهابية والعصبية، مثل عرق النسا، ونزيف الرئتين، والتهاب السحايا الدماغية النخاعية، وصداع الألم العصبي، والعصبية، وضربة الشمس، والتهيجية العصبية. وكان الأزرق والأبيض فعالين إلى حد كبير في علاج عرق النسا، والروماتيزم، والانهيار العصبي، والصلع، وارتجاج المخ. وبتنبؤ نادر، وصف الذرة وقال في كتابه هذا التصريح المميز: «إذا وضعت مثل هذه الذرة في وسط مدينة نيويورك، فسوف تولد إعصارا يجعل كل مبانيها العملاقة، وسفنها، وجسورها، والمدن المجاورة لها، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة تقريبا، تتحول إلى شظايا تذروها الرياح وتحملها إلى السماء.»
وحتى يومنا هذا، أي بعد مائة سنة من عصر بابيت، ما زال العلاج بالألوان الذي أسسه موجودا وقيد الممارسة، وما زالت الكتب التي قامت على مبادئه تنشر. وتوجد دورات ومحاضرات واجتماعات ومدارس ألوان، كلها تعود إلى بابيت. وعلى الرغم من أن معداته وأجهزته ووصفاته لا يمكن تصنيعها أو تطبيقها على نحو قانوني في الولايات المتحدة، فإن العلاج بالألوان ما زال «علما» حيا في إنجلترا. وإذا كان القارئ مهتما بهذه الشعوذة، فعليه مطالعة بعض هذه الكتب (معظمها ذات غلاف ورقي) الموجودة في قائمة المراجع؛ وهي كالتالي: دبليو جيه كولفيل، وكورين هيلين، وجيه دادسون هيسي، ورولاند هانت، وسي إي إيرديل («الألوان والسرطان»)، وإس جي جيه أوزلي، وسي جي ساندر. «قوة الأشعة» للكاتب سي جي جيه أوزلي نشر لأول مرة عام 1951، وأعيدت طباعته تسع مرات حتى عام 1975. وفي هذا الكتاب مديح لبابيت. ولا يتردد أوزلي في وصف معالجات ألوان للأمراض بداية من الربو وحتى الصرع، والداء السكري، والروماتيزم، والالتهاب الرئوي، والاضطرابات العقلية. (8) الممارسة الحدية
ربما لن يوجد مطلقا تمييز قاطع بين ما هو نفسي في الطب وما هو جسماني وعضوي. وكما قلت في فصول أخرى من هذا الكتاب، ثمة عوامل نفسية في المرض إلى جانب العوامل الجسمانية الصرفة. إن وجود الطبيب النفسي الذي يهتم بعقول البشر وأرواحهم المعنوية ومشاعرهم ضروري تماما مثل وجود طبيب المعالجة المثلية والجراح اللذين يهتم كل منهما بالجسم البشري.
ولنذكر بعض الأمثلة الحدية على العلاج بالألوان باستخدام الألوان المرئية؛ فالضوء الأحمر كثيرا ما استخدم لعلاج الحمرة، والحمى القرمزية، والحصبة، والإكزيما. وقد يكون اللون الأحمر للميكروكروم فعالا في علاج الجروح. والسبب في ذلك يرجع إلى حد ما إلى امتصاصه للضوء الأزرق. ويقال إن الضوء الأحمر يقلل الألم في شقوق ما بعد الجراحة، والالتهابات الحادة، وحروق الأشعة فوق البنفسجية. إن الأحمر (والأشعة تحت الحمراء) ينتج حرارة في الأنسجة ويوسع الأوعية الدموية، وقد يساعد في تخفيف آلام الروماتيزم، والتهاب المفاصل، والتهاب الأعصاب، والألم القطني. وللأزرق تطبيقات حديثة ومهمة، كما سنذكر لاحقا؛ فقد وصف استخدامه لعلاج الصداع، وارتفاع ضغط الدم، والأرق. وقد يرجع سبب ذلك إلى تأثيراته الباعثة على الهدوء النفسي. ويقال إن الأصفر؛ ذلك اللون المبهج للعين، يفتح الشهية. ووجد أن أشعته ترفع ضغط الدم المنخفض المرتبط بفقر الدم، والوهن العصبي، والضعف العام، ربما على نحو نفسي جسماني. وكان الأخضر حياديا في معظم الحالات. وكما يقال في مواضع أخرى، فإنه حيادي في تأثيراته على النبات، وربما يكون هذا التأثير الحيادي نفسه منطبقا على البشر. (9) الممارسة الطبية الحديثة
دعوني أنتقل من الأمور الصوفية التي تثير على الأرجح شكوك علم الطب المعترف به قانونيا حاليا في كل أنحاء أمريكا والعالم، وأتحدث عن الأطباء والممارسين حملة مؤهلات كليات الطب وأصحاب رخص ممارسة المهنة المعتمدة من قبل الحكومة.
إلى حد كبير، بسبب بابيت ومجموعة كبيرة من المعالجين بالألوان المدعين والمحتالين، نظرت مهنة الطب الحديث بعين الازدراء إلى اللون باعتباره عاملا علاجيا. ولطالما تبنى الطب الحديث توجها عدائيا صريحا أكثر منه لا مباليا. وقد استهجنت الجمعية الطبية الأمريكية ومكتب البريد الأمريكي المعالجين بالألوان ومنعتهم من مزاولة المهنة. ورغم ذلك، ففي الوقت الحاضر، يشق الضوء واللون طريق العودة إلى مجال الطب. وفي العلم المعروف باسم علم الأحياء الضوئية، تجرى دراسة التأثيرات الغريبة للضوء، المرئي وغير المرئي؛ إذ إنها تميل إلى إحداث تغيير أو تأثير على المواد الكيميائية، والكائنات الحية، والميكروبات، والنباتات، والحيوانات، والبشر. وقد بذلت قصارى جهدي لأكون على اطلاع بأحدث تطورات الأبحاث. ويسعدني أن أقدم في هذا الكتاب بعض اكتشافاتي.
اعترف الطب الحديث بقيمة إشعاع الأشعة تحت الحمراء على سبيل المثال؛ فهي مفيدة في تخفيف بعض الأوجاع والآلام، كما يعترف أيضا بفوائد الأشعة فوق البنفسجية، ولها استخدامات علاجية كما سنوضح لاحقا. وفي نطاقات أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي الكامل، توجد استخدامات علاجية للأشعة السينية، وأشعة الراديوم، والأشعة الطويلة، التي تستخدم في الإنفاذ الحراري. لكن ماذا عن الضوء «المرئي»؛ الأحمر، والأصفر، والأخضر، والأزرق؟ لقد اقتبست من بعض المصادر القليلة المقبولة، وفقا لما قاله فريدريش إلينجر، فإن «معرفة أهمية الضوء المرئي كعامل معالج تتناسب عكسيا مع الأهمية العامة للضوء المرئي في الأحياء.» ويقول توماس آر سي سيسون : «إن الضوء المرئي ، وكذلك الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء، لديه القدرة على إحداث تأثيرات بيولوجية كبيرة. وقد كانت الاستخدامات الطبية للطيف المرئي مهملة إلى حد كبير من جهة الأطباء على مدار السنوات التسعين الماضية.» ويقول ريتشارد جيه وورتمان: «من الواضح أن الضوء المرئي قادر على اختراق أنسجة كل الثدييات إلى عمق كبير. وقد لوحظ وجوده داخل دماغ أحد الخراف الحية.» (9-1) العلاج بأشعة الشمس
إن معرفة أن الضوء واللون من العوامل العلاجية لها بداية مبكرة؛ فوفقا لما يقوله فريدريش إلينجر: «معرفة التأثير العلاجي للضوء يعد من أقدم الممتلكات الفكرية للبشر. وبطبيعة الحال، اعتمدت أقدم التجارب على مصدر الضوء الطبيعي المتمثل في الشمس. وحمام الشمس ممارسة تعود لزمن قديم؛ إذ كان الآشوريون والبابليون وقدماء المصريين يمارسونه، وكان يوجد طائفة عالية التطور تستحم بالشمس والهواء في اليونان وروما قديما. وكان الجرمان القدماء يقدرون القدرات الشفائية لضوء الشمس تقديرا كبيرا، واتخذوا من الشمس المشرقة إلها وعبدوها، كما مارس شعب الإنكا في أمريكا الجنوبية عبادة الشمس أيضا.»
ومع التقدم العلمي للطب، واستخدام إجراءات وأجهزة تشخيصية جديدة، ومواد كيميائية، وأدوية ومضادات حيوية جديدة، أصبح الفن القديم المتمثل في العلاج بالشمس مهملا. وفي القرن التاسع عشر، ظهر على الساحة رائد عصري؛ حيث قدم العلاج الضوئي في بداية جديدة. وجد الدنماركي نيلس آر فينسن فوائد سحرية في الضوء. وقد سعى في سنواته الأولى إلى علاج الجدري باستخدام الضوء الأحمر المرئي لمنع النسيج الندبي. وفي حوالي عام 1896، لاحظ الخواص الإشعاعية لضوء الشمس وأسس معهد الضوء لعلاج السل، وحصل نظير ذلك على جائزة نوبل في عام 1903. أصبح ضوء الشمس العلاج الرئيسي للسل، وأصبحت المصحات حول العالم تصمم بطراز معماري متمثل في باحات وردهات وأسطح تدخلها الشمس.
إن الأشعة فوق البنفسجية ضرورية لرفاهة البشر؛ فهي تساعد في منع الكساح، وتعزز تكوين فيتامين د، وتدمر الجراثيم، وتحدث عددا من التغيرات داخل الجسم. وعلى الرغم من ذلك، فإن زيادتها يمكن أن تؤدي إلى سرطان الجلد. ووفقا لما قاله عالم الكيمياء الحيوية دبليو إف لوميس ، فقد كان الكساح: «أول مرض ناتج عن التلوث الجوي.» خلال الثورة الصناعية عتم الدخان الأسود السماء، وأصبح الكساح بلاء وبائيا يتفشى على نطاق كبير في مدن إنجلترا وأوروبا. قديما، كانت الإصابة بهذا المرض تعزى إلى سوء التغذية، لكن ثبت أن السبب يعود إلى نقص التعرض للأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس. وكان الأطفال المولودون في الخريف أكثر عرضة للإصابة بالكساح مقارنة بأولئك المولودين في الربيع.
يلزم بلا شك وجود مقدار من الضوء فوق البنفسجي في البيئات الصناعية، وتصنع حاليا مصادر ضوء تشع هذا الضوء. وقد استخدم الروس على مدار سنوات الأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى ضوء الفلورسنت التقليدي في المدارس والمستشفيات والمكاتب. في المدارس، حقق الأطفال نموا أسرع من المعتاد، وتحسنت القدرة على العمل والدرجات التي أحرزوها، وقلت الإصابة بالنزلة (التهاب القناة التنفسية). كما يطلب من عمال المناجم الروس الحصول على علاجات الأشعة فوق البنفسجية. فماذا يحدث؟ وفقا لتقرير للمفوضية الدولية للإضاءة، فإن «تأثير الأشعة فوق البنفسجية يعزز العمليات الإنزيمية للتمثيل الغذائي، ويزيد نشاط جهاز الغدد الصماء، ويعزز الاستجابة المناعية البيولوجية للجسم، ويحسن توتر الجهاز العصبي والعضلي المركزي.» هذا كثير. وبالإضافة لذلك، يمكن ملاحظة أنه على الرغم من أن الأشعة فوق البنفسجية مفيدة لصحة الكائنات الحية، فإنها يمكن أن تدمر الأعمال الفنية، والأصباغ، والملونات، والمنسوجات؛ ولذلك فإن استخدامها قد يكون مناسبا في المدارس وليس في المتاحف أو المعارض الفنية. الضوء المتوهج، الذي لا يشع تقريبا أي أشعة فوق بنفسجية هو الأفضل استخداما في تلك الأماكن. وتوجد مزيد من الملاحظات عن الأشعة فوق البنفسجية والضوء المتوازن في الفصل الثاني. (9-2) الحساسية الضوئية
إذا كانت الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تسفع الجلد وتسبب التهاب الجلد، فإن الضوء المرئي يمكن أن تكون له تأثيرات أيضا. على سبيل المثال، إنها لحقيقة غريبة أن التعرض للضوء «المرئي» يمكن أن يساعد في علاج الضرر الناتج عن ضوء «الأشعة فوق البنفسجية» غير المرئي.
في مرض نادر يعرف باسم «الشري الشمسي»، قد يصاب بعض سيئي الحظ بطفح جلدي عند التعرض لضوء أزرق أو بنفسجي «مرئي». والسبب؟ يفسر هارولد إف بلوم فيقول: «لا ضير في قول إن هذه الاستجابة تحدث في الجلد الطبيعي، بخلاف هذه الحالة؛ بسبب وجود مادة نشطة ضوئيا تمتص المناطق الزرقاء والبنفسجية من الطيف.»
إن الطفح الجلدي، الذي يحدث عند التعرض لضوء الشمس، قد يعقب استخدام مستحضرات التجميل والعطور ومستحضرات ما بعد الحلاقة، وقد يعقب أيضا تناول كعكة الفراولة أو كعكة الحنطة السوداء. ومعروف عن العمال التعرض للطفح الجلدي بعد التعرض لبعض الأبخرة الصناعية، وحمل الجزر البري أو التين، ومنتجات قطران الفحم. وقد تتعرض بعض الحيوانات إلى «حروق» مميتة بسبب ضوء الشمس بعد تناول نباتات معينة مثل عشبة القديس جون. وكتب آرثر سي جيزا يقول: «في بعض أجزاء من إيطاليا ... يمكن تربية الغنم الأسود فقط، وفي بعض أجزاء من شبه الجزيرة العربية يمكن تربية الخيول السوداء فقط. كما يغطون الأجزاء البيضاء في الخيول السوداء بأصباغ سوداء.»
وعلى الرغم من أن معظم الآثار المذكورة آنفا غير مرغوبة ومؤذية، فحاليا في مجال المعالجة الضوئية، يجد الخلق المتعمد للحساسية الضوئية تطبيقات علاجية؛ فبعض الأشخاص المصابين بحساسية تجاه الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة الزرقاء البنفسجية المرئية في ضوء الشمس يمكن إعطاؤهم دواء يمنع بفعالية هذا الإشعاع غير المرغوب، ويمكن هؤلاء الأشخاص من الاستمتاع بالحياة في الهواء الطلق في أحد الأيام المشمسة. ويمكن علاج الصدفية بأصباغ توضع موضعيا. وفي العدوى المعروفة باسم فيروس «الحلأ البسيط» (قروح الزكام) أصبحت ممارسة شائعة أن تدهن المنطقة المصابة بأحد الأصباغ ثم تعرض للضوء المرئي. وقد خضع العديد من الأصباغ الملونة للتجربة (قد تكون الأصباغ نفسها خاملة)، ووجد أن أحد الأصباغ؛ كروم أصفر اللون، فعال إلى حد كبير. واقتباسا من مقالة جوزيف إل ميلنيك: «إن المعالجة المستخدمة حاليا تتكون من تمزيق الجروح الحويصلية القديمة بإبرة معقمة، ووضع محلول صبغ البروفلافين على قاعدة الحويصلات الممزقة، وتعريضها لمدة 30 دقيقة لمصدر ضوء ذي طول موجي مناسب (450 نانومترا بالنسبة للبروفلافين) وبشدة كافية. ويوصى بإعادة التعرض للضوء أربع مرات خلال اليومين التاليين ، وإذا تطورت الجروح يعاد الإجراء.» ولون مصدر الضوء ذي الطول الموجي المقدر بنحو 450 نانومترا بنفسجي مزرق، ولون صبغ البروفلافين أصفر.
في مقالة حديثة لدورية الكيمياء الضوئية والأحياء الضوئية «فوتوكيمستري آند فوتوبيولوجي» (أبريل 1977)، خصصت سلسلة من المقالات للتحدث عن استخدام الأصباغ في علاج فيروس «الحلأ البسيط». يشيع هذا المرض إلى حد كبير، لا سيما في حالات العدوى التناسلية التي تتبع الأمراض التناسلية مثل السيلان. ويتناول مايكل جاريت هذا الموضوع ويساوره «الشك في فعالية معالجة تستخدم صبغ الأحمر المتعادل وصبغ البروفلافين»، ويفضل استخدام «سلفات» البروفلافين ذي اللون الأصفر، الذي يمتص على نحو كبير المنطقة الزرقاء البنفسجية في الطيف المرئي. أما بالنسبة لمصدر الضوء، فقد اختار الضوء المتوهج الذي يمر عبر مرشح ضيق النطاق (أزرق اللون) مفضلا إياه على الضوء الفلورسنت، ويعلق قائلا: «إن تعطيل «فيروس الحلأ البسيط» بالديناميكا الضوئية يتحسن في درجات الحرارة العالية؛ ولذلك فإن الحرارة المنبعثة من مصدر متوهج على نطاق قريب تجعل مصدر الضوء المتوهج من الناحية النظرية خيارا أفضل في المحيط السريري، مقارنة بالمصباح الفلورسنت الأبيض البارد.»
إن استخدام البورفيرنيات كثيرا ما كانت له تأثيرات مفيدة في علاج الأنواع السطحية من السرطان والأورام، وقد قال إيفان دايموند وشركاؤه في خطاب أمام الجمعية الأمريكية للبيولوجيا الضوئية (يونيو 1973): «الأورام الخبيثة تمتص الهيماتوبورفيرين وتحتفظ به على نحو أكبر من الأنسجة العادية.» وفي حالة الورم، على سبيل المثال، تتراكم المادة المحسسة (البورفيرين) عند الجزء المصاب، ونجد أن المنطقة المسرطنة «تتضرر بشدة عند تعرضها للضوء المرئي أو لضوء الأشعة فوق البنفسجية القريبة.» ومستقبلا: «تقدم المعالجة الديناميكية الضوئية طريقة جديدة لعلاج أورام الدماغ وغيرها من الأورام المقاومة لكل أشكال المعالجة الموجودة حاليا.» وفي استخدام آخر لمواد التحسيس الصبغي، تصبح الهيماتوبورفيرين مستشعة للون الأحمر عند تعرضها للضوء الأزرق. ويقول توماس بي فوجال في مقالة في مجلة «أوبتيكس نيوز»: وفي حالة وجود نمو خبيث، فإن «المنطقة المصابة، ولتكن مثلا تجويف الفم، تعرض للضوء الأزرق.» وسوف تصبح المنطقة مستشعة، وربما «تمكن الجراح من معرفة حجم النسيج اللازم استئصاله.» ويجب الاعتراف بأن العلاقة بين الأصباغ والضوء والأمراض الجلدية ما زالت قيد الدراسة، وما زالت محل شك. وما زلنا نتعلم المزيد مع مرور الوقت. (9-3) الضوء الأزرق المرئي
من الفوائد الحديثة للألوان في مجال الطب استخدام الضوء الأزرق المرئي في علاج مرض الصفراء في الأطفال حديثي الولادة. مع الأسف، تشيع الإصابة بفرط بيليروبين الدم؛ مرض الصفراء، بين الأطفال حديثي الولادة، وقد تسجل نسبة عالية بين الأطفال «المبتسرين» تصل إلى نحو 17 بالمائة. تتحلل خلايا الدم الحمراء وينتج عن ذلك الإصابة بالبيليروبين، وتتراكم مادة صفراء تمنح الطفل لونا برتقاليا مصفرا، ويمكن أن يؤدي هذا إلى الإصابة بالصمم، والتلف الدماغي، واختلال الاستجابات الذهنية والعضلية، وقد تؤدي أيضا إلى الشلل الدماغي، بل والموت أيضا.
قديما كانت تستخدم بعض الطرق العلاجية مثل نقل الدم، لكنها لم تحقق إلا قدرا قليلا من النجاح. وفي حوالي عام 1958، لاحظ الطبيب الإنجليزي ريتشارد جيه كريمر مع زملائه وفريق التمريض أن المواليد الموجودين في مهود قريبة من النافذة كان معدل الصفراء لديهم أقل من أولئك الموجودين بعيدا عن الضوء الطبيعي، وبعد ذلك عرضوا الأطفال المصابين لضوء الشمس على نحو معتدل، مع إجراء التجارب باستخدام الضوء الصناعي. ومن خلال الاختبارات المعملية والسريرية، كان الضوء الأكثر فعالية من بين كل الأضواء هو الأزرق. ومن هذه النتيجة، نشأت معالجة جديدة، وثبت أن استخدام مصابيح زرقاء معينة ذات إشعاع طيفي محدود (وخالية تماما من الأشعة فوق البنفسجية) هو الخيار الأفضل. واليوم، تستخدم هذه الطريقة على نطاق واسع في أمريكا وأوروبا وفي كل مكان.
وما زالت تجرى مزيد من الدراسات. فما شدة الضوء الأزرق الواجب استخدامها؟ كم تبلغ مدة استخدامه؟ وكم عدد الفترات اللازمة؟ هل يمكن أن يكون استخدام الضوء على نحو متقطع؟ هل اللون الأزرق أفضل من بقية الألوان الأخرى؟ تناول الدكتور توماس آر سي سيسون هذا السؤال الأخير فقال: «إن وجود أطوال موجية أخرى من الطيف المرئي ... لا تزيد من فعالية العلاج الضوئي.» ويوضح الدكتور سيسون أمرين آخرين: الأمر الأول يتمثل في ضرورة حماية عيون الأطفال من الإشعاع الزائد، والأمر الثاني هو أنه عند استخدام مصابيح زرقاء خاصة في حضانات المستشفيات للأطفال المبتسرين، لوحظ أن الممرضات «اشتكين من الضيق أو حتى النعاس». ولتخفيف ذلك، وضعوا بعض المصابيح الذهبية.
ربما تكون هذه بدايات جديدة؛ فالخواص السحرية للضوء واللون التي أكدها الناس منذ الأزمان الغابرة، وقبلت، ورفضت ثم قبلت مرة أخرى عبر العصور، لطالما كانت مصدر إبهار. إن حقيقة أن الضوء واللون يحظيان باستحسان عاطفي قوي لطالما كان في صالحهما، بيد أن هذا الأمر أثار الشك في الوقت نفسه. إن كلا من الجانب العاطفي والجانب المادي للون أصبح معترفا حاليا بامتلاكهما للقدرة العلاجية. وسيكون من المبهج، بطبيعة الحال، إذا كان لشيء بهذا الجمال النفسي - اللون - دور عادي أيضا في السلامة الفسيولوجية للبشر.
الفصل الثامن
تهدئة العقل
كتب إم دي فيرنون تصريحا أرى أنه من الممكن اعتباره قانونا أساسيا لاستخدام اللون في البيئات البشرية؛ حيث قال: «ولذلك يجب أن نستنتج أن المستوى الطبيعي للوعي والإدراك والفكر يمكن الحفاظ عليه فقط في ظل البيئات المتغيرة باستمرار.» ويردف فيرنون قائلا: «عندما لا يوجد تغيير، تحدث حالة من «الحرمان الحسي»، وتتدهور قدرة الكبار على التركيز، ويتذبذب الانتباه ويتوقف، ويتلاشى الإدراك الطبيعي. وفي الأطفال الذين لم يكتسبوا فهما كاملا للبيئة المحيطة بهم، قد تتأثر شخصيتهم بالكامل، وقد يكون من الصعب إعادة تكيفهم مع البيئة العادية.» (1) الحرمان الحسي في الحيوانات
إن استنتاج فيرنون المرتبط بالوعي والإدراك والفكر ينطبق أيضا على السلامة البدنية؛ لأنه في حالة حدوث رتابة بصرية قد يعاني الجسم، بدوره، من عواقب سيئة. لقد زادت وتيرة سكن الإنسان في بيئات من تصميمه وخاضعة لسيطرته. وعلى الرغم من أن هذه الحالة المحزنة تشهد حاليا شيوعا على نحو متزايد بين البشر، فإن كثيرا من الحيوانات قد أصبحت منعزلة للغاية منذ عصور.
وعلى الرغم من أن الحيوانات المحبوسة في أقفاص محمية من المفترسات وأعدائها الطبيعيين يمكن أن تعيش حياة مريحة آمنة، فإنها نادرا ما تجد السعادة. إن الحبس والرتابة قد يدفعان الحيوان إلى سلوكيات عديدة مثل: تجويع نفسه، والإفراط في الطعام، ورفض التناسل، وتدمير نوعه أو الأنواع الأخرى. وقد لوحظ أن القردة تصاب بالانطواء على النفس على غرار مرضى الفصام عند تركها بمفردها أو إحاطتها بحوائط صماء. وقد تصاب الحيوانات الأخرى بحالة سبات تودي بها. وتبني حدائق الحيوان على نحو سريع بيئات أفضل وأكثر اتساعا محققة نتائج رائعة. وحاليا تولد جراء لحيوانات رفضت في السابق التزاوج في أقفاص أكثر تقشفا، كما يتزايد معدل عمر هذه الحيوانات. ولا شك أننا نكتسب دروسا مهمة من أجل المستقبل عندما يصبح الإنسان أيضا مخلوقا محبوسا لا يحتاج فحسب إلى النوعية المناسبة من الطعام والضوء والتمارين، بل يحتاج أيضا إلى مناظر وألوان بصرية مبهجة لتساعده على الحفاظ على طبيعته العقلانية.
وعن أثر الضوء والإضاءة، يروي جون أوط تجربة حدثت في حديقة حيوان بيرنيت في سيراكيوز بولاية نيويورك. فمن أجل حماية الحديقة من التخريب قاموا بتركيب مصابيح الضوء الغامر. والنتيجة؟ جاء الربيع! «لقد تحولت حديقة الحيوان إلى مستشفى ولادة حقيقي. وقع زوج الأسود الأمريكية في الحب مجددا وأنجبا الشبل الرابع، وجمعنا خمس بيضات أوز، وولد ثمانية حملان على الأقل، وزاد عدد الأيائل بمعدل عشرين أيلا، وولدت الدبة بيج ليزي دبا صغيرا، وأنجبت أنثى كنغر الولب كنغرا صغيرا جديدا، وتنتظر أنثى الشمبانزي ولادة وليدها في أغسطس.»
كان لإضاءة الطيف الكامل المتوازن آثار مميزة. وقد تحدث جوزيف لاسلو؛ أحد العاملين في حدائق هيوستن للحيوان في تكساس، عن أثر ضوء الفلورسنت ذي الطيف الكامل على الزواحف والبرمائيات. وجد لاسلو أن بعض الثعابين والسحالي مدة حياتها قصيرة، فشك في أن قلة التعرض لضوء الشمس كانت مؤذية لهذه الحيوانات، فركب أنابيب فلورية تشع ضوءا جيدا يتضمن كل ألوان الطيف، وفيها قدر قليل من الأشعة فوق البنفسجية (كانت الأنابيب من نوعية فيتا لايت المصنوعة من قبل شركة دورو تيست كوربوريشن بولاية نيو جيرسي)، وسرعان ما لاحظ أن الحيوانات أصبحت أكثر نشاطا؛ فبعض الثعابين التي كانت لا تأكل منذ فترة طويلة تناولت الطعام، وأحد الحيوانات الذي كان قد رفض تناول الطعام استعاد شهيته بعد أقل من أسبوعين. ويعلق لاسلو قائلا: «نتيجة لهذه الاختبارات والتجارب، استنتجنا أن الإشعاع وشدة الإشعاع الصادرين عن مصباح طيف مرئي غير مشتت قد يكونان أكثر أهمية للحفاظ على هذه العينة من الحيوانات وغيرها، على نحو أكبر من أهمية مصباح الأشعة فوق البنفسجية ذات الموجات المتوسطة والطويلة فحسب، أو المصباح الذي يجمع ما بين الأشعة فوق البنفسجية والطيف المرئي المشتت.» (2) الحرمان الحسي في البشر
إن الحرمان الحسي موضوع مثير، ونظرا لتزايد وجود الإنسان داخل بيئات صناعية، يوجه علماء الفسيولوجيا والأطباء النفسيون وعلماء النفس انتباههم إلى دراسة تأثيرات العزلة، فكتبوا الكتب وعقدوا المؤتمرات حول هذا الأمر. لقد كانت العزلة معاناة عايشتها قديما الحيوانات المحبوسة في أقفاص، والمساجين في الحبس الانفرادي، وكذلك من تعرضوا «للتجنب» في بعض الطوائف الدينية، وأيضا من تعرضوا للطقوس المهينة التي يعاقب فيها الأفراد بتجاهلهم، وكذلك عايشها النساك والرهبان في عاداتهم. وفي المجتمع المعاصر، قد تكون العزلة سمة لدى الأشخاص المحددة إقامتهم في المستشفيات بسبب إصابتهم بكسور في العظام أو نوبات قلبية، وأيضا لدى المجانين، وكبار السن، ورواد الفضاء، والغواصين، والطيارين، والعاملين على ماكينات آلية. كتب آر إل جريجوري فقال: «يبدو أنه في غياب التحفيز الحسي، يمكن أن يطلق العقل لخياله العنان وينتج تخيلات قد تسيطر عليه.»
يعتمد غسيل الدماغ إلى حد ما على العزلة الإجبارية التي تميل إلى كسر الروح المعنوية. ومن الغريب أن آثار العزلة قد تشبه في بعض الأحيان آثارا تعقب تعاطي عقاقير الهلوسة. قال ثلاثة علماء كنديين؛ هم: وودبيرن هيرون، وبي كيه دوان، وتي إتش سكوت: «من غير المحتمل أن تكون الآثار الملاحظة عقب العزلة يمكن عزوها فحسب إلى نسيان العادات الإدراكية خلال فترة العزلة؛ فهذه الآثار يبدو أنها تشبه إلى حد ما الآثار التي وصف حدوثها بعد تعاطي بعض العقاقير (مثل المسكالين وحمض الليسرجيك)، وبعد الإصابة بأنواع معينة من التلف الدماغي. وعندما نتأمل أيضا الاضطرابات التي تحدث أثناء العزلة (مثل نشاط الهلوسة الشديدة الوضوح)، يبدو أن تعريض الشخص لبيئة رتيبة حسيا يمكن أن يؤدي إلى اختلال وظيفة الدماغ على نحو يشبه ويعادل في القدر في بعض الأحيان ما تحدثه المخدرات أو أشكال تلف الدماغ.» ومن مظاهر اختلال وظائف الدماغ عدم القدرة على إدراك الألوان، والإصابة بهلوسة متعلقة بالألوان، وتشوه الصور الملونة. (2-1) اكتشافات كندية قديمة
أجريت دراسات مكثفة على الحرمان الحسي في كندا خلال خمسينيات القرن العشرين. وفي كتاب «سيكولوجية الإدراك»، وصف إم دي فيرنون عددا من الدراسات السريرية عن تأثيرات البيئة الرتيبة. وإليكم أحد هذه الأمثلة: «تحت إشراف هيب؛ عالم النفس بجامعة ماكجيل، أجريت تجارب لدراسة آثار ترك أشخاص لفترات تصل إلى خمسة أيام في بيئات متماثلة تماما وغير متغيرة. في غرفة صغيرة استلقوا على أحد الأسرة؛ لم يسمعوا شيئا سوى هدير الآلات الرتيب، وألبسوا نظارات شبه شفافة على أعينهم كي لا يستطيعوا رؤية شيء إلا ضوءا ضبابيا، وارتدوا أكماما طويلة تدلت مغطية أيديهم ومنعتهم من لمس أي شيء. بعض المراقبين كانوا قادرين على البقاء في مثل هذه البيئة على نحو مستمر لمدة خمسة أيام، والبعض الآخر لم يستطيعوا تحملها لأكثر من يومين.»
يعلق البروفيسور فيرنون قائلا إن الأشخاص الخاضعين للتجربة ناموا في البداية لفترات كثيرة وطويلة، لكنهم بعد اليوم الأول لم يستطيعوا إلا أن يناموا لفترات قصيرة. أصبحوا يشعرون بالملل والاضطراب وغير قادرين على التركيز. ويقول: «في حقيقة الأمر، عند اختبار ذكائهم، وجدنا أنه تدهور. عانوا في أغلب الأوقات من هلوسات بصرية وسمعية. وعندما خرجوا من محبسهم، كان إدراكهم للبيئة المحيطة مختلا. كانت الأشياء تبدو لهم ضبابية وغير ثابتة؛ فالحواف المستقيمة، مثل حواف الجدران والأرضيات بدت منحنية، ولم تكن المسافات واضحة، وفي بعض الأحيان، كانت البيئة تتحرك وتلف حولهم؛ مما يسبب لهم الدوار.» هذا يشير بالتأكيد إلى الحاجة إلى تعرض معقول للألوان ولغيره من الأحاسيس في البيئة، كما يشير أيضا إلى الحاجة إلى التنوع؛ فالأسطح الخالية من الألوان قد تبدو باهتة عند النظر إليها باستمرار، وحتى الألوان قد يبهت لونها ويتحول إلى الرمادي المحايد . ويبدو أن الرؤية تتدهور إن لم تستثر، وأن العقل نفسه يصاب بالبلادة. (2-2) حديثو الولادة ومرضى المستشفيات
يصف البروفيسور فيرنون دراسة أجراها إتش آر شيفر على أطفال حديثي الولادة تحت عمر سبعة الأشهر مكثوا في المستشفيات لفترات تتراوح ما بين أسبوع وأسبوعين. يقول شيفر إن بيئة المستشفى كانت رتيبة وتفتقر إلى التنوع. وعندما عاد هؤلاء الأطفال إلى منازلهم، استمروا في التحديق في الفراغ دون أن تظهر أي تعبيرات على وجوههم. واستمر هذا السلوك لعدة ساعات أو لعدة أيام.
وكتب هيربرت ليدرمان وزملاؤه من الباحثين عن مخاطر أخرى للعزلة متمحورة حول الرعاية الطبية. إن المستشفيات، بصفة خاصة، تحتاج إلى الألوان، بالإضافة إلى المبهجات الحسية الأخرى مثل الموسيقى والتليفزيون والزوار. وقد أجرى ليدرمان ومجموعته دراسة على متطوعين قيدوا حركتهم لمدة 36 ساعة بارتداء قناع التنفس الذي لم يستطيعوا رؤية شيء من خلاله سوى جزء صغير من السقف. تمكن خمسة أشخاص فقط من سبعة عشر شخصا من تحمل تقييد الحركة لمدة 36 ساعة كاملة؛ «قال الجميع إنهم وجدوا صعوبة في التركيز، وشعروا بالتوتر على نحو دوري، وفقدوا القدرة على تقدير الوقت، وقال ثمانية إنهم شهدوا تشوشا في الواقع يتراوح ما بين أوهام جسدية زائفة إلى هلوسات بصرية صريحة. أنهى أربعة أشخاص التجربة بسبب التوتر، واثنان من هؤلاء حاولوا تحرير أنفسهم عنوة من قناع التنفس.»
أما الأمر الوثيق الصلة في هذا الصدد فهو أن الأشخاص المضطربين عقليا أو المرضى، ناهيك عن العقلاء والأشخاص الحبيسي السكن في الشقق الضيقة، من المفترض في أغلب الأحيان أن يقضوا ساعات وأياما طويلة في أماكن ضيقة وباهتة. وإذا افترضنا أن إجراء عملية جراحية قد يشفي المرض الذي يعاني منه أحد الأشخاص، فماذا لو أدت حبسته إلى أمراض أخرى غير متوقعة؟ وكتب ليدرمان ومجموعته فقالوا: «إذا كان الأشخاص الطبيعيون من الممكن أن يصابوا بحالات تشبه أمراض الذهان ... فمن المحتمل بشدة إصابة المرضى، الذين ربما كانوا بالفعل على وشك الانهيار العقلي، بحالات اضطرابات نفسية تحت ضغط الحرمان الحسي. قد يكون الهذيان محدقا بالأشخاص الذين أنهكتهم الحمى، أو السمية، أو اضطرابات التمثيل الغذائي، أو أحد الأمراض الدماغية العضوية، أو أثر العقاقير، أو الإجهاد العاطفي الحاد؛ فيرجح الحرمان العاطفي كفته فيصابون بذلك الهذيان. وقد جمعنا أدلة سريرية على أن الحرمان الحسي قد يكون أحد العناصر المهمة المسببة للاضطرابات العقلية؛ بصفته أحد المضاعفات المصاحبة للعديد من الحالات الطبية والجراحية.» (2-3) السفر في الفضاء
عقدت الجمعية الأمريكية لعلم النفس في عام 1957 ندوة بعنوان: «الحرمان الحسي: حقائق تبحث عن نظرية» كانت معظم الأبحاث العلمية تركز عادة على عكس ذلك؛ إذ كانت بحثا عن الحقائق؛ فمن الممكن الاستشهاد «بحقائق» لا تعد ولا تحصى عن العزلة، لكن كيف للمرء أن يفهم من هذه الحقائق؟ كتب مارفين زوكرمان يقول: «إن تجربة الحرمان الحسي تمثل كابوسا للتجريبيين الذين يرغبون بشدة في مواقف تجريبية محددة ومحكمة جيدا.»
السبب الذي يجعلني أخصص وقتا كبيرا لتناول الحرمان الحسي هو أنني، بحكم عملي كاستشاري في الألوان، يطلب مني في كثير من الأحيان كتابة المواصفات المتعلقة بالإضاءة والألوان للمؤسسات التي توفر الإسكان أو الإقامة لمجموعات من الأشخاص؛ ما هو أفضل سبيل لضمان رفاهة وكفاءة هؤلاء الأشخاص؟ إن أي ملاحظات أو «حقائق» يمكنني جمعها هي بذلك ذات أهمية وقيمة مؤكدة بالنسبة لي.
إن المسافرين عبر الفضاء المنشغلين بالآلات وتلقي التعليمات اللاسلكية وما شابه ذلك ربما سيظلون منشغلين على قدر كاف يحول دون تأثرهم برتابة الكبسولة الفضائية المكتظة، إلا أن المسافرين الذين ليس أمامهم إلا فعل القليل من الأمور، أو لا يفعلون أي شيء، قد لا يجدون نهاية للضيق الذهني الذي ينتابهم. جميعنا تقريبا وجدنا أنفسنا مضطرين للبقاء في أحد الأماكن في يوم من الأيام؛ كالبقاء في قطار متوقف، أو عيادة الطبيب، أو في المطار، أو في الفندق في يوم مطير. ينفد الصبر خلال ساعات قليلة، لكن ماذا عن الأيام إن لم تكن الأسابيع؟
في إطار برنامج «تيكتايت»، أجرت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) سلسلة تجارب عن «تقييم صلاحية السكن»، فوضعت أسطوانتين عملاقتين على مسافة خمسين قدما تحت مياه جزر فيردين في المحيط الأطلنطي، وأقام بهما وسكنهما مجموعات مختلفة من الغواصين لفترات بلغت أربعة عشر يوما، وعشرين يوما، وثلاثين يوما. كانوا كلهم مؤهلين جيدا لتحمل هذه التجربة الشاقة، وخضعوا لاختبارات نفسية وسجلوا مستوى فوق المتوسط كمهندسين وأشخاص أذكياء. جميعهم كان لديهم واجبات لإنجازها لم تترك وقتا للعزلة أو للملل إلا بقدر قليل. أما الأمران اللذان كانوا يفتقدون إليهما إلى حد كبير، فكانا انعدام الأخبار وانعدام الخصوصية. كانوا يقضون كثيرا من وقت فراغهم في تبادل الأحاديث والاستماع إلى الموسيقى المسجلة على شرائط.
إن بعض التعليقات المقتبسة من تقرير أعده ديفيد ناوليس، وهاري إتش ووترس، وإدوارد سي فيرتس، الذين قاموا بمهمة خاصة تتمثل في إعداد تقرير عن صلاحية السكن في كبسولات ناسا، تعد وثيقة الصلة بهذا الموضوع. «لقد قال الغواصون على نحو واضح وعفوي في عدد من المقابلات إنهم أنفسهم كانوا متفاجئين من قلة شعورهم بالتوتر أثناء المهمة ... تركزت معظم الشكاوى حول مجال عام هو تصميم المسكن. وبصفة خاصة، كان الغواصون غير راضين عن تصميم المسكن على نحو أثر على أدائهم لمهماتهم ... وعلى الرغم من أن أفراد الطاقم قالوا إن الكتب كانت هوايتهم المفضلة، فإنهم لم يقضوا الكثير من الوقت في قراءتها.» ربما كان هذا نوعا من إعطاء الأجوبة المتوقعة! كان المشتركون في التجربة يفتقدون زوجاتهم وعائلاتهم. كانوا يحبون الموسيقى وأفلام التليفزيون، ولم يحبوا كثيرا الطهي، ولم يبد أنهم يفتقدون الهواء الطلق. ويستطرد التقرير فيقول: «أما فيما يتعلق بالحالات المزاجية، فمن الواضح أن الحالات المزاجية الإيجابية المتمثلة في المشاعر الاجتماعية، واللطف، والتحفيز والتركيز، مالت إلى التدهور على نحو شديد مع طول مدة المهمة. وهذا يشير إلى أنه بالإضافة إلى التدهور الكبير في المشاعر الإيجابية، يوجد ميل إلى تحول الحالات المزاجية إلى حالة من اللاعاطفية الرتيبة والثابتة. وظاهريا، فإن المهمات الأكثر طولا تشجع الغواصين على أن يكونوا في حالة مزاجية روتينية، حيادية، يقل فيها التحفيز، ويقل فيها التركيز، وتقل فيها شدة المشاعر سواء على الصعيد الإيجابي أو السلبي.»
مؤخرا أجرت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء تجارب مشابهة على النساء لتحديد قدرتهن على تحمل قضاء فترات طويلة من الخمول والعزلة. كان من المتوقع أن تتأقلم مجموعة من المتطوعات، المدفوعات الأجر، المتوسطات العمر (بين 35 إلى 45 عاما)، على الاستلقاء في وضع أفقي وغير متحرك، تقريبا، لمدة تقدر بنحو 24 يوما! كان المكان المخصص لتقييد حركتهن بلا نوافذ وعازلا للصوت. وعلى الرغم من وضعية الاستلقاء على الظهر، فقد كن يتمرن على أداة تشبه الدراجة، ويسندن على المرفقين عند تناول الطعام، ويدخلن إلى مقصورة مغتسل ومرحاض أفقية. وكان باستطاعتهن القراءة في وضع الاستلقاء من خلال ارتداء عدسات منشورية، وكانت استجاباتهن مرصودة مع الاهتمام بالتوتر بصفة خاصة. ورتبت التجربة لخضوعهن لتعاقب مكون من ست عشرة ساعة من الضوء وثماني ساعات من الظلام. واعترفت النساء بشعورهن بالضجر والضعف والدوار، وبالشعور ببعض الضيق النفسي، لكنهن تجاوزن الاختبار بنجاح. ويمكنهن بلا شك أن يصبحن من المسافرين عبر الفضاء في المستقبل. ورغم ذلك، فالعزلة يمكن أن تسبب نتائج أكثر خطورة مما أوضحته تلك التجارب، فليس كل الأشخاص يتمتعون بالشباب أو بالحماس لخوض مغامرة السفر في الفضاء، أو مدربين تدريبا خاصا على المهام التقنية والعلمية. (3) السلام والهدوء
كثير من الناس يعتنقون وهما يقول إن باستطاعتهم إنجاز الكثير من الأعمال الإبداعية فقط لو تمكنوا من العثور على مكان يتسم «بالسلام والهدوء». قد يكون هنري ديفيد ثورو استثناء لذلك، لكن العبقرية عادة ما تكون مصحوبة بقدرة مضنية ومحمومة على العمل الجاد. أشخاص مثل ديكنز، ودوستويفسكي، وموتسارت، وفان جوخ، وغيرهم كثيرون، قاموا بأعمال مميزة لعدة أسباب: كسب المال، أو الوفاء بمواعيد تسليم المهام، أو لإخماد دافع داخلي متقد. إن الجلوس في كوخ عند البحر أو وسط الغابات، والجبال، وحدائق الزهور قد يجعل الطبيعة غير محتملة حتى بالنسبة للأشخاص الذين يكنون حبا كبيرا للطبيعة. وفي بعض تجارب الحرمان الحسي خطط الأشخاص لإبقاء أذهانهم مشغولة بتأملات بناءة، لكن هيهات؛ فالأشخاص الذين قد يخططون للقيام بقدر من التفكير الإبداعي سرعان ما قد يجدون أنهم ليس لديهم رغبة في التركيز. وبدلا من ذلك، ستتحرك الأفكار في أذهانهم بترتيب عشوائي. وهذا يقود إلى الموضوع الرائج حاليا المعروف باسم التأمل.
أصبحت موضوعات التأمل، والتغذية الرجعية البيولوجية، والسيطرة على العقل موضوعات رائجة في الوقت الحاضر. توجد جمعيات بحثية عن التغذية الرجعية البيولوجية، وعيادات، وممارسون خاصون، وكتب، ودورات، وآليات تمزج الفلسفات الشرقية والأبحاث العلمية الحديثة. كتبت باربرا براون تقول: «تكمن هموم البشر في عدم معرفتهم بخبايا أنفسهم ... وحتى وقت كتابة هذا الكلام، أكدت مئات الدراسات حقيقة أنه عندما يستطيع البشر إدراك نشاط موجات ألفا الدماغية سيستطيعون تعلم السيطرة عليه.»
الألوان لها دور في هذا الأمر، كما قلنا في السابق، فإن الرتابة إذا فرضت على الشخص، طوعا أو كرها، فقد يؤدي ذلك إلى الحرمان الحسي. وقد يستطيع الأشخاص التأقلم مع الرتابة على نحو أفضل إذا تعلموا التأمل، والسيطرة على وظائفهم البدنية وأيضا العقلية والنفسية. ورغم ذلك توجد تحفظات، فكما قلنا في السابق: «إنها لحالة عادية وطبيعية أن تستثار كل الحواس باستمرار إذا تم ذلك على نحو معتدل؛ فحالة السلام المطلق غير طبيعية حتى في النوم!» ويكمن التناقض في أن تلك العزلة يمكن أن يكون لها آثار سلبية، لكن إذا قبلها الشخص على نحو متعمد وسيطر عليها، فمن الممكن أن يكون لها فوائد علاجية كثيرة.
قد لا يكون التأمل مناسبا للجميع، ورغم ذلك فقد أخذ آلاف من الأشخاص المتأملين دورات في التدريب الذهني محققين نتائج ممتازة في أغلب الأحيان. وإذا كان الشخص، من خلال التوتر أو أي شكل آخر من أشكال الضيق، يجد الراحة والخلاص في التأمل، فهذا جيد، إلا أنني أقر بوجود قدر من التشكيك والتحيز؛ فبعض الأشخاص الذين خضعوا لدورات التدريب الذهني أصيبوا بأمراض عصبية. قد يكون من الخطر التنقيب بعمق شديد في نفسية المرء؛ فقد يوجد النقيض التام «لمملكة النعيم» الموجودة داخل الإنسان. وقد كتب جاري إي شفارتز في كتاب «العلاج النفسي والصوفية» يقول: «يحتاج الجهاز العصبي إلى تحفيز خارجي معتدل الشدة ومتنوع، ولا توجد سابقة تطورية، ولا سلوكية، ولا بيولوجية للتأمل الشديد والمطول.»
في بعض الأحيان، يعتمد التدريب الذهني، والسيطرة على العقل، والتغذية الرجعية البيولوجية على التنويم المغناطيسي، وهذا الأمر قد يسبب المشاكل. بعض الأشخاص الذين تظاهروا بكونهم صوفيين أو قادة روحيين استخدموا التنويم المغناطيسي كأحد الأساليب. وإذا كانوا قد حققوا نتائج مذهلة في بعض الأحيان، فقد سببت الاستجابة الارتجاعية أيضا آثارا عكسية وضارة. أنا لا أريد الانتقاص من قدر التأمل تماما، فهو رغم ذلك يمكن أن يكون له آثار مفيدة. ومن خلال السيطرة على موجات ألفا وثيتا عن طريق التركيز الإرادي (وكما هو مسجل من قبل أدوات التغذية الرجعية البيولوجية الاحترافية) قد تحدث نتائج علاجية. ومن خلال تقليل القلق والتوتر، يمكن التقليل من ضغط الدم المرتفع (ارتفاع ضغط الدم) إن لم يكن شفاؤه. وقد توجد فوائد لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب أو الأرق أو إدمان الكحول والمخدرات. (4) الجماعية
إذا كان ثمة خطر من بقاء المرء وحيدا، فإن «الجماعية» الزائدة قد تسبب المشاكل أيضا. في مجموعات الأفراد الصغيرة العدد قد يسعى بعض الأشخاص إلى الخصوصية وينسحبون، كما أن الاحتجاز في سفن الفضاء، والغواصات، والمؤسسات، والمهاجع - في أغلب الأحيان - يولد التنافس بين الأصدقاء؛ يقول الأدميرال بيرد في كتابه «وحيدا»: «حتى في قاعدة ليتل أمريكا، كنت أعلم بشأن زميلين يشتركان في سرير واحد ذي طابقين امتنعا تقريبا عن التحدث أحدهما مع الآخر؛ لأن كلا منهما شك في أن الآخر يدفع بأغراضه إلى جزء من المساحة المخصصة لوضع أغراض الآخر، وعرفت أن أحد الأشخاص كان لا يستطيع تناول طعامه إلا بعد أن يجد مكانا في قاعة الطعام بعيدا عن مرأى أحد الأشخاص التابعين لطريقة فليتشر الغذائية، الذي كان يمضغ طعامه على نحو جدي ثمان وعشرين مرة قبل ابتلاعه. في مثل هذه المعسكرات الاستقطابية، تمتلك هذه الأشياء البسيطة القدرة على دفع حتى أكثر الرجال انضباطا إلى حافة الجنون. وأثناء قضاء أول شتاء في قاعدة ليتل أمريكا، مشيت لعدة ساعات مع رجل كان على وشك الإقدام على القتل أو الانتحار بسبب اضطهادات متخيلة من جانب شخص كان صديقه المقرب . ولأنه لا يوجد أي مهرب لأي مكان؛ فأنت محاصر من كل جانب من قبل نواقصك، ومن قبل الضغوط المتراكمة حولك من زملائك. والأشخاص الذين ينجون بمقياس السعادة هم أولئك الذين يعيشون بعيدين عن مواردهم العقلية إلى حد كبير.» لاحظ الجملة الأخيرة: إذا كان المرء يسعى إلى السلام والسعادة في التأمل - الذي قد يقود أيضا إلى الحرمان الحسي - فقد يكون من الأفضل نصحه بتطوير «موارده العقلية». (5) المواصفات العملية للألوان
كيف نستخدم الألوان في مرافق مثل المكاتب، والمصانع، والمدارس، والمستشفيات، والمصحات العقلية، ودور النقاهة، ودور المسنين؟ دعوني أختم هذا الفصل باقتراحات وتوصيات من واقع خبرتي. (5-1) الإضاءة
من الأفضل أن يكون الضوء الصناعي حياديا وذا طابع دافئ نسبيا، وإذا أمكن إضافة قدر معقول من الأشعة فوق البنفسجية الطويلة الموجة، فسيكون هذا أفضل بكثير. وللحصول على أفضل مظهر لبشرة الإنسان والمفروشات والطعام، يجب أن يكون مصدر الإضاءة متوازنا جيدا في إشعاع الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي. وإذا وجدت ثغرات، فقد تبدو بعض العناصر الموجودة في البيئة بمظهر فج. وقد يكون من غير الضروري الاستعانة بمستويات عالية من الإضاءة إلا في حالة القيام بمهام مرهقة للعين. (5-2) السطوع
أما الأبيض والعاجي، ففيما عدا الأسقف «يجب عدم استخدامهما على الجدران» في الأماكن التي يوجد فيها مجموعات من الأشخاص. إن شدة السطوع في البيئة لا يعيق الرؤية فحسب (من خلال تقديم نوع من أنواع عمى «الجليد» الداخلي)، بل يضيق بشدة فتحة حدقة العين البشرية. وهذا فعل عضلي ومرهق جدا. إن طول التعرض للسطوع الشديد يمكن أن يسبب أيضا تضرر عضو الإبصار. وكما قلنا في الفصل الثالث، فإنه من الممكن أن يفاقم الاختلال العضلي، ومشاكل انكسار العين، وقصر النظر، واللابؤرية، ولا نغفل احتقان والتهاب العين. تجنب المناطق المتصارعة الشديدة الاختلافات في السطوع؛ فهذا الأمر من الممكن أن يجبر العين على القيام بتكيفات عضلية مرهقة. (5-3) الاستجابات للألوان
يوجد قدر كبير من حرية الاختيار في هذا الصدد؛ فإذا كان اللون (والسطوع) يغطي المجال العام للرؤية، فسيحدث تكيف يتمثل في سعي العين والدماغ إلى تجاهل اللون ورؤية الأشياء على أنها طبيعية إلى حد ما. على سبيل المثال، سوف تجعل النظارات الشمسية الملونة العالم ملونا، لكن مع حدوث التكيف ستتجاهل العين لون الزجاج، وإذا كانت بعض الألوان مثل الأحمر والبرتقالي «تميل» إلى زيادة ضغط الدم، ومعدل النبض، وغيرها من وظائف الجهاز العصبي الذاتي، فإن هذا التحفيز سيكون مؤقتا، وبعده قد تنخفض الاستجابة «لأقل» من المستوى الطبيعي. ومن «هذه الملاحظات يتضح أن الاستجابات الفسيولوجية والنفسية للألوان، للحفاظ على نشاطها، تتطلب التغيير والتعاقب باستمرار. وهذا التغيير المستمر هو بالضبط ما سوف يساعد في التصدي للحرمان الحسي.» (5-4) اختيار الألوان
من بين الألوان الفاتحة يفضل مؤلف الكتاب ألوانا مثل: العاجي، والخوخي، والوردي، والأصفر، والأخضر الفاتح، والأزرق الفاتح المخضر، لكن لا يفضل الأزرق الفاتح الذي يخلق منظرا باردا وكئيبا. وأقترح أن تكون نسبة الانعكاسات أقل من ستين بالمائة لتجنب احتمال حدوث الوهج، ولا أنصح بالألوان الأرجوانية والبنفسجية (كما هو الحال مع الأزرق الفاتح)، بسبب ارتباطاتها الرمزية بالحداد، ولأن صورها التلوية سوف تلقي ظلا شاحبا ذا لون أخضر مصفر داخل المكان أو على الأشخاص الموجودين فيه، وأوصي بشدة باستخدام ألوان التمييز المتوسطة الدكانة مثل: المرجاني، والبرتقالي، والذهبي، والبني المحمر، والأخضر، والفيروزي، والأزرق «المتوسط أو الغامق» (ترميزات مونسل للألوان المذكورة في السابق موجودة في المربع المصاحب لهذا الفصل).
الألوان الموصى بها للأماكن الداخلية التي يتجمع فيها مجموعات من الأشخاص أو تقيد حركتهم ويلزم فيها الحرص على الراحة والكفاءة. الترميزات مأخوذة من نظام مونسل.
الأبيض، العاجي 5 أصفر 9 / 1 (للأسقف).
بيج مسفوع 5 أحمر مصفر 8 / 2 (أحد التدرجات اللونية للجدران). «الألوان الفاتحة»
خوخي 7,5 أحمر مصفر 8 / 4.
وردي 10 أحمر 8 / 4.
أصفر 2,5 أصفر 8,5 / 4.
أخضر باهت 10 أخضر مصفر 8 / 2.
أزرق مخضر 7,5 أخضر مزرق 8 / 2. «ألوان التمييز»
المرجاني 7,5 أحمر 6 / 10.
البرتقالي 5 أحمر مصفر 6 / 10.
الذهبي 2,5 أصفر 6 / 8.
البني المحمر 5 أحمر 5 / 6.
الأخضر 5 أصفر مخضر 5 / 4.
الفيروزي 7,5 أخضر مزرق 5 / 6.
الأزرق 10 أزرق 5 / 6. (5-5) دهانات نهاية الحوائط
لقد تحقق نجاح كبير بعد استخدام الأبيض أو العاجي للأسقف، واستخدام الألوان الفاتحة أو الألوان الفاتحة المتوسطة للأرضيات أو المفروشات أو المعدات . ويخصص استخدام أحد تدرجات هذه الألوان، مثل البيج أو البيج المسفوع، لمناطق الجدران عموما. وتستخدم ألوان التمييز المتوسطة أو متوسطة الدكانة، المذكورة على نحو منفصل، لنهايات الجدران (لكن لا تستخدم عند جدران النوافذ). ومن الممكن أن تستخدم الألوان الدافئة في الجهات المطلة على الجنوب أو الشرق، أو في مناطق الراحة والاستجمام، أو مؤسسات خدمات الطعام. ويمكن استخدام الألوان الباردة في أماكن العمل. ويجب تجنب الرتابة. وينبغي تقديم قدر معتدل من التنوع للعيون والحالات المزاجية لدى البشر. وعلى هذا النحو، سوف نتغلب على الحرمان الحسي، وستجعل بهجة الألوان الروح المعنوية مرتفعة دون خطر الإصابة بالإجهاد البصري أو البدني أو الذهني أو العاطفي. (5-6) الألوان والسلامة
تستخدم الألوان على نطاق واسع وشديد العملية للحفاظ على انتباه الأشخاص في البيئات التي قد يكونون معرضين فيها للمخاطر. وعلى الرغم من أن هذا الاستخدام يتعلق فقط على نحو غير مباشر بالحرمان الحسي، فإنه يخدم هدفا عقلانيا في أنواع الصناعات التي قد تتسبب فيها اللامبالاة أو الرتابة في ضعف الانتباه، ونتيجة لذلك قد تتعرض حياة الشخص أو أحد أطرافه للخطر.
في عام 1943، اشترك مؤلف الكتاب مع قسم الدهانات الصناعية في شركة دو بونت، في وضع عدد من ممارسات السلامة المرتبطة بالألوان، ووضعوا قاعدة تبناها مجلس السلامة الوطني في عام 1944. قدمت هذه القواعد على نطاق كبير عام 1948 من قبل البحرية الأمريكية في كتيب أعده مؤلف هذا الكتاب. وقد قبلها جزئيا المعهد القومي الأمريكي للقياس في عام 1945، وقبلها على نحو كامل في عام 1953. ومع مرور الوقت، أصبحت قواعد عالمية توصي بها المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس، وأصبحت قواعد السلامة الخاصة بالألوان إجبارية في الولايات المتحدة بموجب قانون صادر عام 1970 من قبل الكونجرس يعرف باسم قانون السلامة والصحة المهنية (أوشا)، الموضوع «من أجل ضمان ظروف عمل آمنة وصحية للرجال والنساء العاملات.»
إليكم سمات القواعد: يستخدم الأحمر في الحماية من الحرائق، وعلى صناديق الإنذار من الحريق، وعلى طفايات الحريق، وصنابير إطفاء الحريق، ووصلات خراطيم الحريق، وخطوط رشاشات الماء، ومعدات إطفاء الحريق، ويستخدم الأصفر للتحذير من المخاطر الشديدة؛ فيدهن الأصفر على الحواف القاطعة، وعلى التروس والبكرات المكشوفة، وبالقرب من المناشير أو عليها، وعلى عجلات التجليخ، وعلى ماكينات الصنفرة، وعلى ماكينات الحفر على الأخشاب، وعلى المقصات والفأرات، كما يدهن أيضا للفت الانتباه إلى الأنابيب الساخنة، والأسلاك الكهربية أو القضبان المكشوفة، وصناديق التحكم في حالات الطوارئ في الآلات الخطيرة. وتستخدم الأشرطة الصفراء أو الصفراء والزرقاء للدلالة على خطر التعرض للتعثر أو للسقوط، ويستخدم الأصفر في كشافات الضوء المنخفض في السيارة، ويستخدم عند العوائق وحواف الحفر والأرصفة، وفي الحواجز الموضوعة حول المناطق الخطيرة. كما من المناسب استخدامه في معدات الطرق، والجرارات، والروافع، والروافع الشوكية، وأي مركبة تعمل في مناطق صناعية. ويستخدم الأزرق في تطبيقات خاصة في العلامات أو الرموز للدلالة على المعدات التي يجب عدم تشغيلها دون إذن؛ مثل: الغلايات، والحاويات، والأفران، والمجففات، وأفران الحرق والمصاعد، كما يشيع استخدامه في صناديق الكهرباء. ومن الممكن استخدامه على المحركات والمولدات وملابس اللحام. والأخضر، لون الطب، يستخدم لتحديد أدوات الإسعافات الأولية؛ مثل: الأدوية، وخزانات الإسعافات الأولية، وصناديق النقالات، وخزانات أقنعة الغاز، ومغتسلات السلامة. ويرتبط الأرجواني والأصفر في رمز المروحة بالمواد والأجهزة الشديدة الخطورة المرتبطة بالإشعاع النووي، ويختص الأسود والأبيض بأهداف إعطاء التعليمات البحتة، مثل استخدامهما في اللافتات. بالإضافة إلى شفرة ألوان السلامة، توجد شفرات لشبكات الأنابيب، وأسطوانات الغاز المضغوط، وعلامات الشوارع والطرق السريعة، وعلامات مدارج المطارات، والتحذير من المخاطر، وغيرها من المجالات التي تحتاج إلى التمييز. وفي كل هذه المجالات تتحدث الألوان لغة عالمية لا تحتاج إلى معرفة القراءة والكتابة. (5-7) الإضاءة النفسية
يعد الاستخدام المعاصر للألوان رفاهية تبالغ في إرضاء الذات إلى حد كبير ما بين طابع باهت وطابع جذاب. إن التوجه المعاصر الذي يسرف في استخدام الجدران البيضاء يفتقر إلى العاطفة، وخطير من الناحية البصرية، كما أن الإسراف العشوائي في استخدام ألوان التمييز الفاقعة - في السجاد والأثاث وأدوات الزينة - قد يكون جذابا بالفعل، لكنه عبثي إلى حد كبير. إن ما يمكن فعله في المنزل لا يخص أحدا إلا صاحب المنزل ومزخرفه ، لكن من أجل تلبية الاحتياجات الفسيولوجية والنفسية لكثير من الأشخاص، يجب عدم اختيار الألوان على أساس الهوى أو الرغبة.
مع زيادة تعقيد الحضارة المعاصرة، سيحتاج المسئولون عن تخطيط البيئات إلى فهم أفضل للتكوين النفسي للأشخاص، وسيلزمهم دراسة عوامل أخرى بالإضافة إلى الألوان، لكن على الأقل يجب أن يتجنبوا الاعتماد على هوى الأشخاص فحسب عند اختيار مواصفات الألوان. وإذا كان الأفراد سيعيشون في بيئة محكمة، فمن الممكن تنظيم الظروف المادية، مثل الضوء والحرارة والطعام على نحو مباشر وكامل، والأمر نفسه ينبغي فعله مع الظروف النفسية.
في المستقبل ستكون البيئات نشطة وليست ثابتة؛ فتأثيرات الضوء واللون، وربما حتى عرض الأنماط والمناظر سيكون مراقبا إلكترونيا صباحا وظهرا ومساء وليلا، تماما مثلما يحدث في الطبيعة. وسيبرمج قدر من الضوء لغرض السلامة الفسيولوجية، والقدر الآخر لغرض الثبات الانفعالي. إن التعاقب والتواتر الطبيعيين للنهار والليل سيجعلان الإنسان منسجما مع توافقات الطبيعة التي وجهت وجوده وسيطرت عليه على مر العصور.
وتوجد مؤشرات جديدة ومحتملة إلى حد كبير تدل على وجود إضاءة نفسية. ويبدو أن هذه الفكرة استلهمت من تعاطي عقار إل إس دي المهلوس وغيره من المواد الكيميائية المؤثرة على الحالة النفسية. ومن أول مظاهر تجربة التعاطي رؤية عالم «مثير» من الألوان الفاقعة والمتوهجة والمتدفقة. الأمر المهم هو أن «محاكاة» حالات توسع العقل يمكن تحفيزها؛ فالمرء ليس في حاجة إلى تعاطي المهلوسات. إن زيادة الأضواء والألوان والأصوات يمكن أن تجعل الأشخاص يشعرون بمشاعر جارفة، فتنكسر الحواجز، ويظهر الناس إلى حد ما قدرا أقل من الخجل والتحفظ. وتوجد فرصة جيدة لاحتمالية أن تصبح الإضاءة النفسية من أهم الإسهامات العملية والمجزية في البيئة الاصطناعية في المستقبل.
لم تخرج الإضاءة النفسية بعد من مختبرات مهندسي الإضاءة. وعلى النقيض من ذلك، فقد ازدرى الفنان المهلوس معدات الإضاءة وصنع ابتكاراته المبدعة الخاصة. والآن يتعاون العلماء والفنانون في محاولة لرؤية ما يمكنهما الاشتراك في فعله. وتوجد وسائل جديدة لاستغلالها في هذا الصدد؛ مثل: الضوء المستقطب، وشعاع الليزر، والإشعاع النووي.
سيأتي اليوم، وبسرعة، الذي سيكون من الممكن فيه حقا إكساب حتى أكثر البيئات تقليدية وبساطة مزيدا من الحياة والحيوية، من خلال تقديم الإضاءة النفسية بطريقة أو بأخرى. في المكاتب، أو المصانع، أو المدارس، من الممكن استخدام مصادر ضوء النهار، بالإضافة إلى بعض مصادر الأشعة فوق البنفسجية لجزء كبير من اليوم. ولأسباب نفسية وعاطفية، من الممكن وضع برنامج لاستخدام ضوء آخر ومستويات شدة أخرى ودرجات أخرى؛ فيستخدم الضوء الدافئ في الصباح، وتزداد الشدة والبياض مع مرور اليوم، وتستخدم إضاءة «محسنة لمظهر البشرة» في فترة استراحة القهوة أو أثناء ساعة الغداء، ويستخدم ضوء وردي أو برتقالي خلال الغسق.
وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الأمراض العصبية وأمراض الذهان، فمن الممكن أن نوصي لهم «بالعلاج بالألوان» من النوع المهلوس، بالإضافة إلى الموسيقى المهدئة وغيرها من الأصوات المريحة. وكما يعلم جيدا ممارس الطب النفسي الجسماني، فإن نسبة كبيرة من الأمراض التي يصاب بها البشر، من الربو إلى القرح، والشري، وتشنجات المعدة، وخفقان القلب، وضيق التنفس، كلها في الغالب يكون مصدرها العقل. ويبدأ الشخص المصاب في التفكير في شقائه، وتزداد حالته سوءا.
إذا كان باستطاعة الضوء واللون إنقاذ الإنسان من نفسه، وسحبه بعيدا عن اليأس، وإشراكه على نحو ممتع في العالم ومع الناس الموجودين فيه، يجب أن يكون للضوء واللون بكل تأكيد مكان أساسي في البيئات الاصطناعية في المستقبل.
الفصل التاسع
الألوان المفضلة للأفراد
إن الألوان المفضلة بوصفها دليلا على شخصية الفرد من الموضوعات المثيرة للجدل، لكنه ليس بكل تأكيد موضوعا غير مبحوث أو غير مدروس. ويرجع السبب في ذلك الجدل إلى أمر بسيط هو أن الناس ليسوا متشابهين؛ فحتى التوءمان المتطابقان فسيولوجيا لدى كل منهما شخصية مختلفة. وعلى الرغم من وجود مشككين وغير مصدقين، فإن الزيادة الثابتة في الأمراض العقلية في كل أنحاء العالم قد فتحت الباب أمام طرق ونظريات جديدة للتشخيص، وكانت الألوان من بين هذه الطرق والنظريات. وعلى الرغم من أن الحقائق القياسية نادرا ما يمكن ضمانها في العلوم النفسية، فإن التعميمات العامة والبارزة ، حتى لو كانت ذات أساس تجريبي، تسترعي اهتمام الممارسة الطبية والمعالجة النفسية. وكما قلنا، فإن بعض التعميمات ذات الأساس الموثوق تماما يمكن أن توضع قيد الاختبار، وتستخدم كوسائل لمعرفة ألغاز الروح البشرية، وتستخلص منها سمات وغرائب عقلية وعاطفية بسيطة، ومعقدة أحيانا، لا يمكن بالتأكيد أن تكون واضحة في مظهر أو سلوك الفرد. والميزة الكبيرة هي أن اعترافات أو تصريحات الأفراد عن ألوانهم المفضلة تكون عادة على نحو عفوي، وتتطلب قدرا قليلا من القرارات العقلانية إذا تطلب الأمر. يمكن القول إن الناس «يحبون» الألوان، وسوف يشتركون بإرادتهم غالبا في أحد اختبارات الألوان. وعند قيامهم بذلك قد لا يحملون أي شكوك تجاه الاختبار، وقد يتعاونون بحماس بلا تردد. وفي واقع الأمر، فإن تبني توجه سلبي تجاه الألوان أو تجاه اختبار الألوان قد يحمل في حد ذاته معنى مهما.
يراجع هذا الفصل الاختبارات التشخيصية المتعلقة بالألوان؛ وهي: اختبار رورشاخ، واختبار هرم الألوان لماكس فيستر، واختبار لوشر للألوان، وكذلك الاختبار الذي أعددته بنفسي. دعوني أوضح أنه على الرغم من أن اختبارات رورشاخ وفيستر ولوشر هي اختبارات علمية الهدف، وتهتم بالطبائع أو الأمراض العقلية، فإن اختباري للترفيه الصرف، ويرتبط بالأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم لحسن الحظ (أو لسوء الحظ) طبيعيين. لقد كان بحثي مكثفا، لكنه كان قاصرا تقريبا على الأشخاص الطبيعيين الذين قابلتهم في المناسبات الاجتماعية والمهنية العادية. أما اختبار رورشاخ، الذي لا يرتبط بالألوان على نحو رئيسي، فيعود إلى عام 1921 (وقدم هذا الاختبار إلى أمريكا في عام 1928). أما أول اختبار ألوان أعددته ونشر في هيئة كتاب وموقع باسم مستعار هو مارتن لانج، فيعود إلى عام 1940، وأول اختبار من اختبارات لوشر يعود إلى عام 1947. ويعود اختبار فيستر إلى عام 1950. ولنبدأ من البداية. (1) إي آر ينش
أعمال إي آر ينش مذكورة أيضا في الفصل الثالث فيما يخص الصور التخيلية. وعلى الرغم من أن كتابه الرائع عن هذا الموضوع يعود إلى عام 1930، «بعد» رورشاخ، فإن إحدى ملاحظات ينش يمكن أن تكون حقا مقدمة لمظاهر الألوان المفضلة والشخصية، وفي الوقت نفسه تقدم نظرية يمكن أن تشكل إلى حد ما أساسا بصريا وفسيولوجيا للموضوع برمته.
أصحاب البشرة الشقراء لديهم إلى حد كبير توجه تجاه الألوان مختلف عن توجه أصحاب البشرة السمراء. وفي محاولة لتفسير ذلك، يذكر ينش الاختلاف بين انتشار «ضوء الشمس» في مناطق العالم القريبة من خط الاستواء وانتشار «ضوء السماء» في المناطق القريبة من القطبين. عندما يسافر المرء من المناخ البارد إلى المناخ الحار، يزيد ضوء الشمس ويقل ضوء السماء. الضوء الشديد يتطلب التكيف مع الشمس أو «الرؤية الحمراء»، وقد يصاحب ذلك تصبغا في العين. وسبب ذلك - على الأرجح - هو حمايتها من ضوء الشمس الزائد.
الأشخاص أصحاب الرؤية الحمراء هم النموذج التقليدي للسمر، مثل الشعوب اللاتينية. وفي الغالب تكون عيونهم داكنة، وشعرهم داكنا، وبشرتهم داكنة، وألوانهم المفضلة، بطبيعة الحال، هي الأحمر وكل الألوان الدافئة، وهو انحياز ربما لا يكون له أصل روحي، لكنه - على الأرجح - نتيجة لعملية فسيولوجية تتمثل في التأقلم مع الموجات الطويلة من الضوء. أما أصحاب البشرة الشقراء، فهم أصحاب «رؤية خضراء»، وقد يكون لديهم تصبغ مختلف؛ فهم من الشعوب النوردية والإسكندنافية، وعيونهم زرقاء، وشعرهم فاتح، وبشرتهم فاتحة، وألوانهم المفضلة هي الأزرق والأخضر.
ودعما لنظرية ينش، فإنها لحقيقة واضحة كون أن العامل الحاسم في الألوان المفضلة يبدو أنه ضوء الشمس (أو عدمه)؛ فعندما يكون ضوء الشمس وافرا، يميل الناس إلى إظهار تفضيلهم للألوان الدافئة الفاقعة، وعندما يكون ضوء الشمس أقل نسبيا، فإنهم يميلون إلى تفضيل الألوان الباردة والفاتحة. وقد وجدت أن نظرية ينش صحيحة إلى حد كبير فيما يخص الألوان المفضلة بين الشعوب النوردية والشعوب اللاتينية. وإليكم، إذن، نقطة انطلاق يمكننا من خلالها إجراء المزيد من التحسينات. (2) هيرمان رورشاخ
ولد هيرمان رورشاخ في عام 1884، وهو ابن مدرس فنون سويسري. درس الطب واهتم مبكرا بالأمراض العقلية. وعلى الرغم من أنه توفي في سن مبكرة عن 37 عاما، فقد قدم مجموعة لوحات اختبار لتشخيص الأمراض النفسية، مشهورة ومألوفة في الوقت الحاضر بأنها بقع حبر تشبه الفراشات؛ عددها في المجمل عشر، خمس منها باللون الأبيض والأسود فقط، واثنتان باللون الأسود والأحمر، وثلاث بالألوان الكاملة. كان يهدف إلى عرضها على مرضى الأمراض العقلية على أمل كشف علامات الأمراض العصابية، وأمراض الذهان، والاضطرابات العقلية العضوية.
وعلى الرغم من معارضة وانتقاد البعض لاختبار رورشاخ، فقد أثنى عليه آخرون وقبلوه أيضا. ما زال هذا الاختبار مستخدما حتى وقتنا الحاضر، وكتبت العديد من الكتب والمقالات عنه. ومن المنصف الاعتراف بأن كثيرا من الحقائق والأدلة التي يوردها اختبار رورشاخ من الممكن الإعراض عنها بسبب ميلها إلى الافتراضات والتعميمات. إن الطبيعة البشرية مراوغة؛ فلا يوجد رجل أو امرأة أو طفل له طابع أو مزاج واحد طوال الوقت. والمرض والظروف والأحداث قد تسبب اضطراب العقل والكثير من التشوهات. كيف إذن يمكن استخدام بقع حبر رورشاخ؟
يتأثر بعض الأشخاص في الغالب بالشكل، والبعض الآخر يتأثر باللون. وعند تفسير هذه اللوحات يطلب من المرضى التعبير عن مشاعرهم واستجاباتهم وارتباطاتهم. بعضهم يفكر على نحو تجريدي، يهتم بما إذا كانت اللوحات جميلة أم لا، والبعض الآخر يفكر على نحو مادي ويرى أشياء وطيورا وزهورا. وتطلبت هذه الاستجابات التفكر والقدرة على التعبير اللفظي، لكن ماذا عن الاستجابات غير المنطوقة؟ وجد رورشاخ وأتباعه ملاحظة أخرى طريفة، مما يؤيد رأي ينش عن الشعوب النوردية والشعوب اللاتينية؛ فعند عرض اللوحات، يستطيع الباحث أو المشخص أن يرى حركات وجه أو جسد المريض. واكتشفوا أن الأشخاص الذين يبدو أنهم متأقلمون جيدا مع الحياة والعالم، والذين أحبوا الألوان بوضوح - لكنهم كانوا رغم ذلك منزعجين إلى حد ما - يميلون على الأرجح إلى الإصابة بالاكتئاب الهوسي. أما الأشخاص الذين بدوا منزعجين من الألوان، أو بدا أنهم يرفضون الألوان، فلديهم ميول نحو الإصابة بالفصام. واستحضارا لإشارة كارل يونج عن الأشخاص المنبسطين والأشخاص الانقباضيين (أي الأشخاص أصحاب الاهتمامات المتوجهة نحو الخارج مقارنة بالأشخاص أصحاب الاهتمامات المتوجهة نحو الداخل)، فمن الممكن أن نقول على نحو منصف إن الشعوب اللاتينية والأشخاص المنبسطين ومرضى الاكتئاب الهوسي ابتهجوا بالألوان، في حين أن الشعوب النوردية والأشخاص الانقباضيين ومرضى الفصام انزعجوا من الألوان. وفي واقع الأمر، وجدت استجابات إيجابية وسلبية، وكانت معبرة إلى حد كبير (قد يعارض القارئ ذلك، لكنه يضفي قدرا من المعقولية على الموضوع وتبريرا لهذا الفصل).
ولدى برونو كلوبفر ودوجلاس كيلي؛ وهما من الممارسين لاختبار رورشاخ، ملاحظة حول اختبار رورشاخ: «على الأرجح، إن أهم علامة على الاستجابة الدالة على الإصابة بالعصاب هي الصدمة عند رؤية الألوان؛ فكل طلبة هذه الطريقة وجدوا أن مرضى العصاب يظهرون هذه الصدمة دائما، وأن نسبة قليلة فقط من الأشخاص الطبيعيين وغيرهم من الأشخاص المصابين بمختلف الأمراض أظهروا هذه الصدمة.» وبذلك فإن قبول الألوان أو رفضها يكشف على نحو كبير الميول الانبساطية أو الانقباضية، كما يشير أيضا إلى وجود أهمية نفسية في كل من الألوان المعينة التي قد «يحبها» الشخص، وكذلك في الألوان التي قد «يكرهها». وقد أسهم رورشاخ وأتباعه كثيرا في تقديم نظام معقول لموضوع هذا الفصل.
بالنسبة لكثير من الأشخاص المصابين بالعصاب، لا سيما مرضى الفصام (حوالي ستين في المائة من مرضى الأمراض العقلية القابعين في المستشفيات)، قد يمثل اللون تطفلا غير مرغوب فيه في حياتهم الداخلية؛ فهم ببساطة لا يحبونه أو لا يرغبون فيه! أما بالنسبة لمدمن الخمور، على سبيل المثال، ذلك الشخص الذي قد يكون انقباضيا عندما لا يكون ثملا، ويكون منبسطا عندما يكون مخمورا، فقد تتغير استجابته للألوان من اللامبالاة إلى الابتهاج. ولاحظ رورشاخ أن الاستجابة للألوان التي قد تكون أكثر وضوحا من حين لآخر من الممكن اعتبارها مقياسا لدرجة الخرف في مرضى الصرع. وكان من المحتمل ظهور صدمة الألوان (رفضها) لدى مرضى الفصام والهيستيريا والوسواس القهري، ونادرا ما كانت تظهر لدى مرضى الاكتئاب الهوسي. وأظهر الأشخاص الذين يعانون من الوهن العصبي (الإنهاك، الانهيار العصبي) استجابة قليلة تجاه الألوان. إذا كان يوجد اهتمام باللون أكثر من الشكل، فقد يعتبر اللون «عدوا فتاكا يهدد باقتحام عالم المريض الداخلي المعزول بعناية، وابتلاعه في دوامات علاقات الواقع الخطيرة التي لا يمكنه التغلب عليها.» ومن الممكن أيضا ملاحظة وجود اكتئاب حاد إذا فضل الشخص البطاقات السوداء والبيضاء على البطاقات الملونة. (3) ماكس فيستر
دعوني أناقش باقتضاب عمل ماكس فيستر. على الرغم من أنه نشر «اختبار هرم الألوان» في عام 1950 («بعد» لوشر)، فإنه لم يحظ بالتأثير الذي حققه اختبار رورشاخ أو اختبار لوشر في الولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، فإن اختبار فيستر لم يحظ بعد بالرواج في اللغة الإنجليزية، على الرغم من أن كيه وارنر شايه؛ من جامعة جنوب كاليفورنيا، كتب عن بحثه وعن المطبوعات الألمانية التي خصصت لهذا البحث.
يهدف اختبار هرم الألوان إلى كشف «سمات الشخصية المنحرفة»، فيعطى المرضى مخططا به خمسة عشر مربعا مرتبة على شكل هرم، بحيث يوجد خمسة مربعات في القاعدة، ومربع واحد على القمة. ويقدم للمرضى مربعات متماثلة في الصغر ملونة بأربعة وعشرين لونا مختلفا، ويطالبون بوضع المربعات الملونة في مجموعة من الأهرام. ومطلوب من المرضى الاستجابة من منطلق الحدس، والتعبير عن مجموعات الألوان التي تبدو متناغمة، ومجموعات الألوان التي تبدو قبيحة. وبعد ذلك يقوم مسئولون مدربون بالمراجعات.
وتفسيرا لبعض نتائج شايه، فإن الأشخاص الذين «يبعثرون» الألوان تكون الألوان هي المسيطرة لديهم، بينما الأشخاص الذين «ينظمون» الألوان يكون الشكل هو المسيطر لديهم. كما يراعى أيضا الاستخدام الحر أو المتحفظ لكل لون على حدة؛ فالاستخدام الحر للون الأحمر قد يشير إلى السمات الانبساطية، وقد يشير اللون البرتقالي إلى الرغبة في «تكوين علاقات اجتماعية جيدة»، وقد يشير اللون الأصفر إلى «علاقات شخصية محددة»، وقد يشير الأخضر إلى «أعراض اضطراب نفسي»، وقد يشير الأزرق إلى العقلانية، والأرجواني إلى القلق، والأبيض إلى ميول نحو الإصابة بالفصام. وكما لاحظ رورشاخ، ولوشر وغيرهم (من بينهم أنا)، فإن الأشخاص الطبيعيين يميلون إلى تفضيل الألوان الأساسية، بينما قد يختار الأشخاص المضطربون اللون الأبيض، والرمادي، والبني، والأسود. (4) ماكس لوشر
رورشاخ وفيستر ولوشر كانوا كلهم سويسريين، ونشرت أبحاثهم في الأصل باللغة الألمانية. وقد تراسل لوشر ومؤلف هذا الكتاب لعدة سنوات (وكان أحد طلبة لوشر على تواصل معي لمدة عامين). نشر أول أبحاث لوشر في عام 1947، وتضمن ثلاثة وسبعين لونا على سبعة ألواح. وظهر لأول مرة اختبار آخر أقصر في الخارج في عام 1951. ترجم ذلك الاختبار إلى الإنجليزية على يد إيان سكوت، ونشر في عام 1969، وحقق مبيعات كبيرة، وأصبح رائجا إلى حد كبير في الولايات المتحدة. وكان لدى لوشر مشاكل مع «الحقائقيين»، تماما كما هو الحال مع رورشاخ وفيستر (وأنا أيضا).
في حين يوصف كتاب بيرين لتحليل الشخصيات على أساس الألوان، الذي سنتحدث عنه لاحقا في هذا الفصل، بأنه مخصص للأشخاص، المفترض أنهم طبيعيون، الذين يرغبون في تسلية أنفسهم ببساطة عن طريق الإخبار والكشف عن ملاحظات عن طبائعهم، يعلن اختبار لوشر في الطبعة الأمريكية أن «اختبار لوشر، على الرغم من السهولة والسرعة الممكن إجراؤه بهما، فإنه اختبار نفسي «عميق»، مخصص لاستخدام الأطباء النفسيين، وعلماء النفس، والأطباء، والأشخاص المرتبطين مهنيا بالسمات والدوافع الواعية وغير الواعية لدى الآخرين. هذا الاختبار «ليس» لعبة للتسلية في غرفة الاستقبال بالمنزل، وهو على نحو قاطع تماما ليس سلاحا يستخدم في منافسة عامة لإثبات التفوق على الأقران.» وإذا كان كتاب لوشر مخصصا للاستخدام في عيادة الطبيب، فإن كتابي مخصص للاستخدام في غرفة معيشة أي شخص!
يضم اختبار لوشر في طبعته القصيرة ثمانية ألوان موصوفة على النحو التالي: أحمر برتقالي، وأصفر فاقع، وأخضر مزرق، وأزرق غامق، وبنفسجي، وبني، ورمادي حيادي، وأسود (يضم كتاب بيرين لتحليل الشخصيات على أساس الألوان اثني عشر لونا). وعند الخضوع لاختبار لوشر، يرتب الشخص الألوان الثمانية من اليسار إلى اليمين وفقا للتفضيل، فتكون الألوان الأكثر تفضيلا ناحية اليسار، والألوان الأقل تفضيلا (أو التي يبغضها) تكون ناحية اليمين. وبعد ذلك يستشير الشخص الكتاب. والتفسيرات مقدمة وفقا للألوان الأكثر تفضيلا والأقل تفضيلا، لأزواج الألوان، ولمجموعات الألوان الأكثر تفضيلا مع الأقل تفضيلا. وهذا يكون ما يقرب من 320 تعليقا أو تفسيرا تشخيصيا مختصرا. وبعض هذه التعليقات أو التفسيرات مختصر للغاية. ورغم ذلك، أوصي بشدة بكتاب لوشر مع التقدير الكامل لغرضه الجاد وليس العفوي. دعوني الآن أصف وجهات نظر لوشر حول الألوان الأكثر تفضيلا والألوان الأقل تفضيلا (لمعرفة معنى أزواج الألوان ومعنى مجموعات الألوان يجب الرجوع إلى الكتاب نفسه).
إن تفضيل اللون الأحمر البرتقالي قد يشير إلى القوة الحيوية والرغبة والفاعلية؛ فاللون عفوي وجنسي، ويمكن أن يكون اختيارا أوليا للأشخاص الذين يعانون من الإنهاك الجسدي أو العقلي. أما الأشخاص الذين يكرهون الأحمر البرتقالي فقد يفتقرون إلى الحيوية أو مهمومون بسبب مشاكل في حياتهم.
الأصفر الفاقع هو خيار أولي مستحسن، وفقا للوشر؛ فهؤلاء الأشخاص يتسمون بالذكاء، ولديهم آمال وتوقعات هائلة، فهم يسعون إلى السعادة «في كل أشكالها التي لا تعد ولا تحصى من المغامرة الجنسية وحتى الفلسفات التي تقدم التنوير والكمال.» وإذا كان الشخص يكره اللون الأصفر، فهذه إشارة على خيبة الأمل في الحياة والعزلة والشك.
اختيار الأخضر المزرق كخيار أولي، مثل اللون نفسه، يشير إلى الثبات الطبيعي والديمومة والمثابرة. قد يرغب هؤلاء الأشخاص في الأمن ويقاومون التغيير. وقد يشير رفض الأخضر المزرق إلى القلق، والخوف من خسارة الثروة أو المكانة، أو الفشل.
يشير الأزرق الغامق إلى الإنجاز، والعزيمة، والنظام، وحالات السلام. وقد يشير رفض الأزرق الغامق إلى الرفض الشخصي. وقد يؤدي هذا إلى رغبة في الهروب أو إلى سلوك غريب.
البنفسجي بالنسبة للوشر يعني «اتحادا صوفيا (بين الأحمر والأزرق)، وسحرا، أو حلما تحول لحقيقة، أو حالة سحرية تتحقق فيها الأمنيات.» أما رفض البنفسجي فقد يدل على أن الشخص يختار تجنب العلاقات القريبة «سواء الشخصية أو المهنية».
البني لون مادي يرتبط بالأمان والتحفظ، ونادرا ما يوضع في المرتبة الأولى، وعند وضعه في هذه المرتبة، فإننا من الممكن أن نجده مرتبطا بالأرواح «المنبوذة والعديمة الجذور». والبني في أغلب الأحيان هو اللون الأقل تفضيلا بين الألوان، وقد يعتبر هذا إشارة جيدة على الرغبة في التفرد والاستقلالية.
أما الرمادي الحيادي، مثل البني والأسود، فهو عادة آخر خيار، أو الخيار قرب الأخير بالنسبة لمعظم الأشخاص؛ فالرمادي «ليس فاعلا ولا مفعولا، ولا داخليا ولا خارجيا، ولا توترا ولا استرخاء ... الرمادي هو سور برلين؛ ستار حديدي.» والأشخاص الذين يضعونه في الصدارة يرغبون في العيش داخل جدران، وأن يتركوا بمفردهم. وقد يكشف رفض الرمادي عن الملل والرغبة في الانخراط في الحياة بدلا من الاستمرار في العزلة.
أما الأسود فنادرا ما يختار كلون مفضل، وعند اختياره ربما يكون الشخص «متمردا على القدر». إنه يحتل المكانة الأخيرة في اختبار لوشر - في أغلب الأحيان - أكثر من أي لون من الألوان السبعة الأخرى، وعند ترتيبه في المكانة الأخيرة، فإنه يشير إلى الإصرار على «عدم الاضطرار إلى التنازل عن أي شيء.» (5) الألوان المفضلة لدى الأطفال
أنجزت كثير من الأعمال باختبار لوشر هنا وفي الخارج، وجمعت الكثير من الوثائق الشاملة، معظمها بالألمانية. واستخدم الاختبار بالطبع في أغراض تشخيصية في مجال علم النفس والعلاج النفسي، كما استخدم أيضا مهنيا في ترتيب المتقدمين لشغل الوظائف. ومن الواضح والحقيقي أن السمات الشخصية المميزة يمكن كشفها ببساطة من خلال المخططات السوداء والبيضاء التي تدون استجابات الشخص دون إجراء مقابلات شخصية. وقد يؤدي هذا إلى اختصارات عملية في الحكم على أعداد كبيرة من الأشخاص وتصنيفهم، والتخلص من أصحاب الإمكانيات الضعيفة. وفي حالة وجود صعوبات تتمثل في الأمية أو عدم معرفة اللغة الأجنبية، فإن اختبار الألوان يعد من أسهل الاختبارات وأكثرها استحبابا مقارنة بالاختبارات الأخرى التي تتضمن الكلمات.
قبل تفصيل مبادئ ونظريات كتاب بيرين لتحليل الشخصيات على أساس الألوان، إليكم بعض التعليقات على الأهمية العامة للألوان المفضلة والشخصية، وعن استجابات الألوان لدى الأطفال. في عام 1949، كتب الهولندي بي جيه كوير كتاب «الألوان والشخصيات المرتبطة بها». وعلى الرغم من أن كوير استخدم الكلمات ولم يستخدم عينات من الألوان أو اللوحات الملونة، فقد كتب بثقة فقال: «إن حقيقة وجود علاقة معينة بين الشخصية واللون المفضل أصبحت واضحة من تجارب كثيرة، لدرجة أنه لم تعد توجد حاجة إلى دليل إضافي.» وبالنسبة له فإن «إدراك اللون لا يتضمن حقا الشبكية و«الوعي» فقط، بل يتضمن الجسم ككل.» وكما هو الحال مع ينش ورورشاخ، فقد لاحظ كوير أن صفات الدفء والبرودة في الألوان ترتبط بطبائع مختلفة؛ فالدفء في الألوان يشير إلى التواصل مع البيئة، والبرودة تشير إلى الانسحاب منها.
في عام 1947، نشر كتاب مميز في مجلدين يحمل عنوان «الرسم والشخصية»، من تأليف روز إتش ألشولار ولابيرتا فايس هاتويك. ومنذ ذلك الحين أعيدت طباعة الكتاب بغلاف ورقي من قبل مطبعة جامعة شيكاجو. وهذا الكتاب يقدم أفضل أطروحة عن استجابات الأطفال للألوان أعرفها حتى الآن. كان اهتمام ألشولار وهاتويك منصبا على مهنة وعلم العلاج النفسي بالفن الذي تطور مؤخرا؛ تلك المهنة المخصصة لدراسة شخصية الإنسان من خلال التعبير الفني. إن الأطفال ليسوا بارعين على الإطلاق في التعبير عن أنفسهم بوضوح، ولديهم حب طبيعي للألوان، ويستجيبون لها بعفوية، واستجاباتهم مهمة إلى حد كبير. وتزعم ألشولار وهاتويك أن «الألوان أكثر من أي عنصر آخر من عناصر الرسم لديها قيمة خاصة في تقديم دلالات عن طبيعة ودرجة الحياة العاطفية للأطفال.» إن الأطفال أكثر استجابة للون عن الشكل، وسوف يستمتعون به بمرح خالص. ومع تقدمهم في العمر وقلة عفويتهم، نظرا لخضوعهم للتأديب، فمن الممكن أن تفقد الألوان بعضا من جاذبيتها الفطرية بالنسبة لهم، ومن المحتمل أن يفضل الأطفال الصغار الألوان الدافئة والفاقعة مثل: الأحمر، والبرتقالي، والوردي، والأصفر؛ فمن خلال هذه الألوان، تطلق مشاعرهم الداخلية. والأطفال الذين يستخدمون الألوان الباردة؛ الأزرق والأخضر، قد يكونون أكثر تعمدا وأقل عفوية. أما استخدام الأسود أو البني أو الرمادي فقد يكشف عن بعض المشاكل الداخلية. وإليكم بعض التعليقات الوثيقة الصلة حول معنى كل لون على حدة بالنسبة للأطفال.
الأحمر، عند استخدامه بحرية، قد يشير إلى حب للحياة بسيط وغير متحفظ، وعند استخدام الأحمر بتحد قد يكشف عن العدوانية أو الرغبة في العطف.
البرتقالي هو اللون الاجتماعي، ويشير إلى تكيف جيد مع الحياة والمجتمع (وهذا الاستنتاج توصل له هينر إيرتل ومذكور في الفصل الرابع).
الاستخدام الحر للأصفر قد يشير إلى الخجل أو حاجة غير واعية إلى إشراف الكبار.
الأخضر، كما هو متوقع، كان علامة التوازن؛ فالأطفال الذين يستخدمونه بحرية يميلون إلى «إظهار انعدام ملحوظ للعواطف القوية المعبر عنها علانية.»
الأزرق قد يشير إلى الامتثال والاستعداد للطاعة والسيطرة على المشاعر أو كبتها.
ولاحظت ألشولار وهاتويك أنه لا يوجد عدد كبير من الأطفال يبدو أنهم يهتمون كثيرا باللون الأرجواني. وهذا الاستنتاج لم يؤكده محققون آخرون؛ فقد أخبر لوشر، على سبيل المثال، بوجود تفضيل قوي للون البنفسجي بين أطفال المدارس في سن ما قبل المراهقة. وبالنسبة لهذا المؤلف، فإن استخدام الأرجواني أو البنفسجي من قبل طفل صغير (ونادرا ما قابل مثل هذه الحالة) قد يكشف عن محاولة ساذجة لأن يبدو الطفل ذا مستوى رفيع.
البني والأسود والرمادي نادرا ما تروق للأطفال كألوان مفضلة. وقد تنكشف الشخصية الشرجية التي صنفها فرويد عند توزيع البني على نحو عشوائي؛ فربما يدل ذلك على تحدي أحد الأمور الضرورية للبالغين المتمثلة في الحفاظ بشدة على الصحة والنظافة الشخصية. وقد يستخدم الأسود لمجرد التخطيط أو رسم الإطارات. وإذا استخدمه الأطفال على نحو عفوي، فقد يظهر هذا تحديا، أو قد يكشف عن الخوف أو القلق. (6) كتاب بيرين لتحليل الشخصية على أساس الألوان
كما ذكرت في بداية هذا الفصل، فإن كتابي الأول عن الألوان المفضلة والشخصية، الذي وقعته باسم مارتن لانج، يعود تاريخه إلى عام 1940. وعلى حد علمي، فقد كان هذا الكتاب أول عمل مخصص لهذا الموضوع فحسب. لقد بدأ اهتمامي بهذا المجال في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين عن طريق المصادفة إلى حد ما. لقد أعددت سلسلة دراسات عن الألوان التجريدية حملت التصميم نفسه، لكنها كانت تظهر الألوان الأساسية للطيف من الأحمر إلى البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والبنفسجي، والأرجواني، وكانت معروضة على جدران المرسم على صف متعاقب. ولاحظت فجأة أن كثيرا من الزوار والأصدقاء أعربوا عن الحب والكره الشديدين الموجهين إلى الألوان؛ لأن المرسم كان متماثلا فيما سوى ذلك، وبدأت أحتفظ بمجموعات المراجع وأطالع مكتشفات الآخرين (رورشاخ وينش). وخلال وقت قصير، كونت مكتبة من المراجع وسير الحالات. واستقبل الجمهور بحفاوة مجموعة من المنشورات الصغيرة حملت عنوان «ما هو لونك المفضل؟» كنت قد أعددتها لأحد العملاء. وبعد ذلك ألفت كتاب مارتن لانج. واكتسب بحثي كلا من السرعة والحجم. وفي عام 1952، ألفت كتابا جديدا تماما بعنوان «لونك وذاتك»، وحقق مبيعات هائلة، وأدى ذلك إلى كتابة المقالات والنقد عنه في داخل إنجلترا وخارجها، وإلى ظهوري عبر أثير الإذاعة وعلى شاشة التليفزيون. واطلعت على دراسات حالة أخرى. وفي عام 1962، كتبت كتابا ثالثا حمل عنوان «لون عالمك»، وكان كتابا ذا غلاف ورقي، وكانت طبعته مكونة من 90 ألف نسخة. ونشرت طبعته الرابعة والمراجعة بالكامل على يد مؤسسة ماكميلان (1978). ويقدم الكتاب بيانات أكثر حداثة معتمدة على مزيد من الأبحاث وسير الحالات المتعلقة بالأهمية العاطفية للألوان المفضلة. (7) الاستجابة العامة للألوان
يمكن للقارئ الرجوع للكتاب المذكور سابقا. أما في هذا الفصل فسوف أتناول في الغالب خبراتي، ومقابلاتي الشخصية، وكيف توصلت إلى استنتاجاتي حول دلالة كل لون من الألوان. لا يوجد شيء ثابت أو أكاديمي، وأزعم ببساطة أن ما سيقوله الناس عن الألوان التي يحبونها (ويكرهونها) يقول الكثير عن شخصياتهم، وأنه إذا جمع قدر هائل من البيانات، فمن الممكن التوصل لاستنتاجات دقيقة وكاشفة إلى حد مدهش، لدرجة أنها إن لم تنطبق على كل الأشخاص فإنها قطعا سوف تنطبق على غالبيتهم!
فيما يتعلق بالاستجابة «العامة» للألوان، من الطبيعي تماما بالنسبة للبشر أن يحبوا أي لون، وكذلك كل الألوان. إن الرفض، أو التشكيك، أو الإنكار الصريح للمحتوى العاطفي للألوان يشير - على الأرجح - إلى إنسان مضطرب، أو محبط، أو غير سعيد. أما الابتهاج غير المستحق بالألوان، فقد يكون علامة على التشوش العقلي، وعلى تقلب الرأي، وعلى أن الشخص ينتقل من خيال أو لهو إلى آخر، ويتسم بضعف التوجه والثقة بالنفس. ومن الحكمة الوضع في الاعتبار أن الألوان المفضلة قد تتغير عبر السنوات. وإذا اعترف الشخص بذلك، فقد يدل هذا بالفعل على أن شخصيته قد خضعت للتغيير. وهذا من المحتمل وجوده إلى حد كبير بين الأشخاص الانقباضيين مقارنة بالأشخاص المنبسطين.
يوجد فرق كبير بين الأشخاص المنبسطين، الذين يحبون الألوان الدافئة، والأشخاص الانقباضيين، الذين يحبون الألوان الباردة. واقتباسا لكلام الدكتور ماريا ريكيرز-أوفزيانكينا: «أخيرا، توصل ينش مرة أخرى، بمفرده تقريبا ، إلى الفرق نفسه [الذي توصل إليه رورشاخ] بين الأصفر المحمر والأخضر المزرق. لقد وجد أن كل الناس يمكن تصنيفهم بطريقة مشابهة إلى أشخاص مصابين بعمى الألوان الذي لا يميز الأحمر والأخضر؛ أي يمكن تصنيفهم إلى أشخاص أكثر حساسية للطرف الدافئ من الطيف، وإلى الأشخاص الأكثر حساسية للطرف البارد منه. ويتسم الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الدافئة بعلاقة حميمة مع العالم المدرك بصريا؛ فهم منفتحون ومتقبلون للتأثيرات الخارجية، ويبدو أنهم ينخرطون بسهولة كبيرة في محيطهم الاجتماعي، وتتسم حياتهم العاطفية بالمشاعر الدافئة، وقابلية الإيحاء، والمشاعر القوية، وتتسم كل وظائفهم العقلية بالسرعة والتكامل الشديد بعضها مع بعض. وفيما يخص علاقة الفاعل والمفعول، فإن تركيزهم منصب على المفعول.
أما الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الباردة في تجارب ينش، فلديهم توجه منعزل «منفصل» عن العالم الخارجي؛ فهم يجدون صعوبة في تكييف أنفسهم مع الظروف الجديدة والتعبير عن أنفسهم بحرية. أما على الصعيد العاطفي، فهم باردون ومتحفظون. وفي علاقة الفاعل والمفعول، فإن تركيزهم ينصب على الفاعل. باختصار، الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الدافئة هم من النوع المتكامل خارجيا في رأي ينش. أما الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الباردة، فيعتبرهم من النوع المتكامل داخليا.» ويوجد قدر كبير من الحقيقة في ذلك، وهو قدر كاف لاعتبار هذه الملاحظة «حقيقية». وكحقيقة إضافية، فإن الأشخاص أصحاب الشخصية المنفتحة والطبع المنفتح من المحتمل أن يفضلوا الألوان البسيطة. أما الأشخاص الأكثر تعقيدا وتمييزا فقد يعبرون عن خيارات لونية تتسم بقدر كبير من الفروق الصعبة التمييز. (7-1) الأحمر
اللونان الأكثر شيوعا كلونين مفضلين هما الأحمر والأزرق، ويرتبطان عادة بالأشخاص أصحاب الميول الانبساطية أو الانقباضية، سواء من الناحية الطبيعية أو من ناحية الاختيار المتعمد. وتوجد أنواع مختلفة من الشخصيات الحمراء. والنوع الأول يختار اللون حقيقة من منطلق اهتمامات متوجهة للخارج، فالشخص عفوي، ومن الممكن أن يكون رياضيا، جذابا، سريعا في الإفصاح عن آرائه، سواء أكانت صحيحة أم خاطئة. والسمة الظاهرة للنوع الأحمر الحقيقي هو ميله إلى التقلبات العاطفية، ولوم الآخرين، أو لوم الدنيا على أي مضايقات تحدث له ؛ فالحياة بالنسبة له لا بد أن تكون مثيرة وسعيدة، وإن لم تكن كذلك، ظن أنه توجد مشكلة على نحو مؤكد. وقد يميلون إلى الإصابة بذهانات الاكتئاب الهوسي؛ ولذلك لا بد من تعزيز السيطرة على النفس.
أما النوع المكمل من الشخصيات الحمراء (يلاحظ على نحو أفضل في التعاملات الشخصية)، فهو الشخص الخانع والخجول الذي قد يختار هذا اللون لأنه يرمز إلى صفات الشجاعة التي يفتقر إليها. ابحث عن تلبية الرغبة، عن التسامي، عن رغبات خفية تتمنى امتلاك شجاعة اللون الأحمر.
وإذا كان الأحمر مكروها - وهذا شائع إلى حد ما - فابحث عن شخص تعرض لخيبة الأمل والهزيمة بطريقة ما، ويشعر بالسخط والغضب بسبب عدم تحقق رغباته. وهذا الشخص ربما حرم من الحياة السعيدة أو الناجحة بشكل أو بآخر، وهو شديد الاضطراب، ومريض عقليا - على الأرجح - إن لم يكن مريضا جسمانيا أيضا. (7-2) الوردي
عقب برنامج إذاعي في منطقة كونتيكيت التي تنتمي للطبقة فوق المتوسطة؛ ذلك البرنامج الذي سألني فيه المحاور عن مجموعة من الألوان، تساءلت الكثير من المكالمات الهاتفية والخطابات عن سبب عدم ذكر أي إشارة إلى اللون الوردي. وأجرى مذيع البرنامج الإذاعي حلقات أخرى عن هذا الموضوع. كانت الشخصيات الوردية هواة إلى حد كبير؛ فقد كانوا يسكنون الأحياء الشديدة الثراء، وعلى قدر عال من التعليم والترف والحماية. لقد كانوا أرواحا حمراء، بسبب الوصاية الشديدة التي يخضعون لها؛ لم يمتلكوا الشجاعة لاختيار اللون الأحمر بكامل قوته. وقد يرمز الوردي أيضا إلى تذكر الشباب والرقة والعطف، وربما يكون لونا مفضلا مصطنعا أو مكتسبا من قبل بعض الأشخاص الذين عايشوا فترة عصيبة من حياتهم، والذين تعرضوا لسوء المعاملة، والذين يشتاقون إلى رقة الوردي.
وماذا عن كره الوردي؟ لا أحد ذو شخصية سليمة ومثيرة للإعجاب يمكن أن يتضايق من لون غير مؤذ مثل اللون الوردي! إن هذا الكره يمكن أن يدل على الضيق إن لم يكن الغضب من الأشخاص المدللين والمترفين والأثرياء، وأصحاب الثقافة الرفيعة، والمغرورين. (7-3) البرتقالي
البرتقالي لون اجتماعي، ومبهج، وفاقع، ودافئ مقارنة باللون الأحمر الساخن. إنه يمثل الشخصية الأيرلندية (البرتقالي موجود في العلم الأيرلندي)، فهم أشخاص يتسمون بمرح رائع يحسدون عليه، وبقدرة فريدة على التعامل مع أي شخص، غني أو فقير، ذكي أو غبي، من طبقة عليا أو من طبقة دنيا. أصحاب الشخصية البرتقالية يتسمون بالمودة، والابتسامة الحاضرة، وسرعة البديهة، وبالفصاحة، إن لم يكن عمق الكلام. وتتسم هذه الشخصيات بأنها حلوة المعشر واجتماعية، ولا تحب البقاء بمفردها. وقد أشرت في مواقف نادرة إلى أن الشخصية البرتقالية ربما تظل من دون زواج. وإذا كنت مخطئا في هذا الصدد أكثر من كوني مصيبا، فقد حظيت في مرات قليلة بهذا الاعتراف المدهش؛ حيث أفصح عنه لي العزاب والعوانس بأنفسهم، أو أخبرني أصدقاؤهم بذلك نيابة عنهم.
البرتقالي لون مكروه في كثير من الأحيان؛ فيوجد أشخاص لا «يطيقون» الأشخاص المتملقين اجتماعيا، والسياسيين، والوعاظ، والمبالغين في التودد، ومرددي الأقوال المأثورة والقصائد المبتذلة. الحياة عمل جاد. وفي كثير من الأحيان يتضح أن كاره البرتقالي كان شخصا متقلب الرأي بذل مجهودا اتسم بقوة الإرادة للإقلاع عن الأساليب السطحية، واستبدالها بمزيد من الانتباه والاجتهاد. (7-4) الأصفر
يهتم هذا اللون بالأمور العقلية والروحية، ويختاره كل من أصحاب العقول النجيبة والأذكياء، ويختاره أيضا المتأخرون عقليا (ولا أقصد المزاح). كتبت مارجريت إيمري عن المضطربين عقليا واستنتجت أن: «كل المرضى، تقريبا بلا استثناء، الذين تخلفوا، أو فشلوا في إحراز تقدم عن مستوى طفولي واضح يختارون اللون الأصفر.» من الناحية الجيدة، فإن الأصفر يفضله في الغالب الأشخاص أصحاب الذكاء فوق المتوسط. وهو بالطبع مرتبط بالفلسفات الشرقية. والشخصية الصفراء تحب الابتكار والحداثة والحكمة. ويميل هذا النوع من الشخصيات إلى التأمل العميق لذاته، والقدرة على التمييز بين الغث والسمين، ويتعاملون بقدرات عقلية عالية وجادة مع العالم ومن فيه من أشخاص موهوبين.
والأصفر في العالم الغربي يرمز إلى الجبن والهوى والاضطهاد. والبعض قد يبغض هذا اللون لهذا السبب المشروع. وقد يروق هذا اللون للمضطربين عقليا، وللأشخاص الذين يمقتون، سواء عن وعي أو دون وعي، كل ما هو مرتبط بالفكر أو بالتعقيد. وقد يكون ذلك مجرد دفاع عن افتقار الشخص للاتزان العقلي. (7-5) الأخضر المصفر
لم أفسح بعد مجالا كبيرا في كتبي لمناقشة هذا اللون؛ لأنه اختيار نادرا ما يخبرني به الأشخاص. ومن الحالات القليلة التي صادفتها في تجربتي أستنتج أن شخصية الأخضر المصفر شخصية لماحة، تعيش منطوية على ذاتها، لكنها تمقت أن ينظر لها الناس على أنها منعزلة. ويرغب هذا الشخص في أن يحظى بإعجاب الآخرين بصفاته الذهنية والسلوكية الجيدة، لكنه يجد صعوبة في مقابلة الناس بسبب خجله الفطري وشعوره بالارتباك في حضرة الآخرين.
وقد يشير كره الأخضر المصفر إلى التحيز العرقي والاجتماعي، وازدراء الناس بسبب دينهم، أو لونهم، أو جنسيتهم. (7-6) الأخضر
الأخضر هو - على الأرجح - اللون الأكثر أمريكية بين الألوان. إنه رمز الطبيعة والتوازن والاعتيادية. إن الأشخاص الذين يفضلون اللون الأخضر يكونون دائما في الغالب متكيفين جيدا من الناحية الاجتماعية، ومتحضرين، وتقليديين. إنهم أشخاص ينتمون إلى النوادي، ويشتركون في الأنشطة المدنية مثل: الجولف، وأوراق اللعب، والمسرح. إنهم شخصيات يفضلون الضواحي، بينما تفضل الشخصيات البرتقالية المدن. وربما تعد تعبيرا عن الشخصية الفموية التي وصفها فرويد؛ فهذه الشخصيات الخضراء منشغلة باستمرار، وتستمتع بالأشياء الجميلة في الحياة، كما يتسمون في الغالب تقريبا بزيادة الوزن. إنهم مواطنو العالم الذين يعتمد عليهم، ويتسمون بالسلوكيات الودية، وليسوا عفويين مثل الشخصيات الحمراء، ولا منسحبين مثل الشخصيات الزرقاء.
وقد صادفت في بعض الأحيان شخصيات تكره اللون الأخضر. وقد يشير هذا إلى قدر من الاضطراب الذهني. وقد يقاوم نمط الشخصية الخضراء السلبية المشاركة الاجتماعية، ويغضب من محبي اللون الأخضر، ومن ناحية أخرى يفتقر إلى التوازن الذي يمثله الأخضر. إن مثل هذا الشخص يعيش حياة معقدة ومنعزلة في الغالب، أو قد يكره اللون الأخضر بسبب صفاته الواقعية وتقليدية الأشخاص الذين يفضلون ذلك اللون. (7-7) الأخضر المزرق
كان اكتشاف تفضيل بعض الأشخاص للون الأخضر المزرق من أكثر الاكتشافات إثارة بالنسبة لي؛ فقد كان يوجد أشخاص يقولون على نحو قاطع - إلى حد كبير - أنهم لا يحبون الأزرق ولا الأخضر، لكنهم يحبون «الأخضر المزرق». وسرعان ما ربط هذا النوع بالنرجسية أو حب الذات الذي وصفه فرويد. وهنا يوجد في الغالب أشخاص معقدون، ويميلون إلى التمييز، ويتسمون بالذوق الرفيع، وأناقة الملبس، والتركيز على الذات على نحو جذاب، والحساسية، والتحضر. لقد أصبحت دلالة ذلك واضحة إلى حد كبير؛ فعندما كانوا أطفالا منبسطين موجهين اهتماماتهم خارجيا أحبوا الألوان البسيطة مثل الأزرق أو الأخضر دون تحفظ. وكشف التدقيق الشديد على الألوان وتنويعات الألوان عن طبيعة صعبة الإرضاء. وعندما أصبحوا ناضجين ومغرورين ومختالين، أصبح من الممكن استنتاج سمات واضحة معينة متعلقة بشخصيات الأخضر المزرق. وعلى الأرجح أنهم كانوا باردين جنسيا (وهذا يتفق مع النرجسية)، ومطلقين على الأرجح (وهذا يحدث غالبا مع الأشخاص الشديدي التدقيق والتكلف). ولدي تاريخ أكثر من معقول - إلى حد كبير - يشهد بصدقي في هذا الحكم.
وعندما وجدت أشخاصا يكرهون اللون الأخضر المزرق، رغم أن هذا كان نادرا، فقد وجدته ينكر على الآخرين الغرور بشدة، فضلا عن وجود توجه: «أنا جيد مثلك» أو «من تظن نفسك؟!» لكن محبي وكارهي اللون الأخضر المزرق يشتركون في سمة واحدة؛ ألا وهي أن كلا منهما يحرص على صب تركيزه على ذاته، سواء بأسلوب لطيف أو بأسلوب فظ. (7-8) الأزرق
الأزرق لون التحفظ، والإنجاز، والتفاني، والتأني، والتأمل النفسي؛ ولذلك فهو يناسب الأشخاص الذين نجحوا من خلال الاجتهاد، وأولئك الذين يعلمون كيف يكسبون المال، وكيف يكونون علاقات صحيحة في الحياة، ونادرا ما يفعلون أي شيء عفوي. لديهم - على الأرجح - حافز جنسي قوي، لكنه حافز تحت السيطرة الدقيقة والإدارة الدقيقة. من الممكن أن يكونوا مسئولين تنفيذيين ولاعبي جولف أكفاء، ويتجولون عادة في الأحياء التي يوجد بها غيرهم من محبي اللون الأزرق. إنهم يتبنون الرجعية السياسية، وإذا ذكروا بالمصادفة تفضيلهم للأزرق «القاتم»، فهذا يعني شدة الرجعية. ونظرا لاتسامهم بالعقلانية، فإنهم في الغالب يعتبرون أنفسهم وحياتهم قدوة لغيرهم، وقد يكون هذا غير صحيح. الشخصيات الزرقاء حذرة، ورصينة، ومثيرة للإعجاب في الغالب، وعادة تكون مدركة إلى حد كبير لتلك الفضائل.
يوجد أيضا نوع متمم من الشخصيات الزرقاء ، وهو الشخص العفوي الذي يتوق إلى رصانة الأزرق. الأزرق لون مريم العذراء، الأم، الحامية، المليئة بالحب والصبر. وفي بعض الأحيان، عبر الإيطاليون والإسبان العفويون عن تفضيلهم للون الأزرق على الرغم من طبيعتهم الحمراء؛ وبذلك اعترفوا برغبتهم الداخلية في الحياة الوديعة التي حرموا منها، أو التي حاولوا تحقيقها بأنفسهم.
وقد يشير كره اللون الأزرق إلى التمرد، والشعور بالذنب، والإحساس بالفشل، والغضب من إنجازات الأشخاص الذين ربما لم يبذلوا الجهد المضني الذي بذله كاره اللون الأزرق. قد يستاء هذا الشخص من نجاح الآخرين؛ فقد حظوا بالفرص الجيدة والحظ الجيد. وقد يشعر هذا الشخص بالضجر؛ لأنه لطالما عمل جاهدا ولم يحصل إلا على قدر قليل من المكافأة. وفي واقع الأمر، فإن كره الأزرق شيء سيندم عليه ذلك الشخص؛ لأنه من الممكن أن يؤدي إلى تعاسة كبيرة، بل من الممكن أن يؤدي إلى سلوك عصابي. (7-9) الأرجواني والبنفسجي
الأرجواني والبنفسجي ألوان معقدة، وعادة يعتبرها الشخص العادي ألوانا أنيقة. قد يروق الأرجواني من ناحية إلى الفنانين والأشخاص أصحاب الثقافة، وقد يروق إلى الآخرين من ناحية أخرى من باب تصنع الرومانسية تأثرا برواية الخزامى والدانتيل القديم. ومن الناحية الإيجابية، فالأشخاص الذين يختارون الأرجواني كلون مفضل يكونون في العادة حساسين وأصحاب ذوق فوق المتوسط. وعلى الرغم من إمكانية شعورهم بالغرور، فإن محبي الأرجواني يتمتعون بمواهب استثنائية، ومولعين بكل أنواع الفنون، والفلسفة، والباليه، والسيمفونيات، وغيرها من هذه النشاطات الرفيعة. وقد يكونون مزاجيين، لكن من السهل العيش معهم إذا قبلوا الشخص. وهم يتجنبون جيدا أشكال الحياة المنطوية على جانب كبير من التدني الأخلاقي والسوقية، ولديهم مثل عليا لأنفسهم ولغيرهم، لكنها خاضعة لمعاييرهم. وكتعليق جانبي، فبعض الأشخاص الذين يقولون إنهم يحبون الأرجواني من المحتمل أن يكونوا كاذبين ومتصنعين، ومن الممكن أن يكونوا أبعد ما يكون عن الثقافة والتحضر، وأن يكونوا وقحين فحسب.
الأشخاص الذين يكرهون الأرجواني هم أعداء التصنع والزهو والغرور، وسوف يستخفون بسهولة بالأمور الثقافية التي قد تبدو بالنسبة لهم مصطنعة تماما. يجب أن يكون الناس أصلاء، ويجب ألا يتخلوا عن الجوانب الدنيوية والبسيطة في الحياة. ويجد الأشخاص الذين يكرهون الأرجواني صعوبة في الفصل بين الصفات الروحانية في الآخرين وبين الصفات الدنيوية. ويبدو وجود مزيج بين الأمرين مستحيلا بالنسبة لهم. (7-10) البني
البني لون الأرض، ويفضله الأشخاص الذين يتسمون بصفات البساطة. إنهم حازمون، ويعتمد عليهم، وحاذقون، وبخلاء، يبدون كبارا وهم صغار، ويبدون صغارا وهم كبار. وفي هؤلاء الأشخاص يتجسد التحفظ في أكثر صوره تطرفا، وكذلك الإحساس بالواجب والمسئولية الذي قد يقود إلى ميول ارتيابية. ونظرا لكونهم عقلانيين إلى الأبد؛ فالأشخاص المولعون بالبني قد يكرهون أي شكل من أشكال الطيش والتقلب في الآخرين، لكنهم رغم ذلك قد ينجذبون إلى التقلب. إنهم يجلسون في المدرجات، ونادرا ما يلعبون دورا فعالا على أرض الملعب.
إن الذين يكرهون اللون البني أكثر من الذين يحبونه. وفي الواقع، فإن اللون البني يفضله غالبا الأشخاص المضطربون عقليا مقارنة بالأشخاص المتعايشين في سلام مع أنفسهم. ما يمكن أن نكتشفه من عدم حب اللون البني هو الضجر من الأشياء الرتيبة والمملة. وقد يعني هذا حياة الريف في مقابل إثارة المدينة الكبيرة. من السهل جدا كراهية البني. وفي العموم، فإن التوجه السلبي والعدائي تجاه البني يعد سمة جيدة في أي شخص، والأمر نفسه ينطبق على العداء للأبيض والرمادي والأسود. (7-11) الأبيض، والرمادي، والأسود
الأبيض ليس موجودا في اختبار لوشر، ولم يضمه كاتب هذا الكتاب في أول ثلاثة كتب من مؤلفاته. وفي واقع الأمر، لا أحد مطلقا يختار الأبيض «كأول» خيار مفضل بالنسبة له؛ فهذا اللون كئيب، وبلا مشاعر، وعقيم، لكن الأبيض والرمادي والأسود ألوان تظهر كثيرا في إجابات اختبارات الأشخاص المضطربين. وقد لاحظ كيه وارنر شايه عند مناقشة اختبار هرم الألوان الموضوعة فيه مجموعات كبيرة من الألوان في مخططات سوداء وبيضاء، أن معدل استخدام الأبيض من قبل مرضى الفصام كان 76,6 في المائة مقابل 29,1 في المائة من الأشخاص المفترض أنهم طبيعيون! ومن ثم فإن أي شخص يضع الأبيض كخيار أول، فإنه قد يكون في حاجة إلى اهتمام من قبل اختصاصي علاج نفسي. وقد يكون من الأفضل كراهية الأبيض، لكننا وجدنا مرة أخرى بعض الأشخاص الذين عبروا عن أنفسهم على هذا النحو.
إن اختيار الرمادي يمثل دائما اختيارا متعمدا ومتحضرا؛ فالشخص يسعى إلى الأمان والنجاة من أي تقلبات. وربما يكون الشخص قد أعاد صياغة شخصيته؛ فالرمادي لون جاد، ويشير إلى الرغبة في الحفاظ على الاستقرار، والرغبة في أن يكون المرء عقلانيا، ومحل استحسان، ومفيدا على نحو متحفظ. إن كراهية الرمادي أقل احتمالا من عدم المبالاة به. ومن المحتمل أن يكون كاره الرمادي ضجرا من حياة غير مثيرة، أو منزعجا من الشعور الداخلي بأنه شخص عادي، وربما يتوق إلى الخروج من كل زنزانة، أو سجن رمادي، وأن يحصل على حياة تتسم بقدر أكبر من المتعة.
وبالنسبة للأسود، فعادة يبهر الأشخاص المضطربين عقليا فقط، على الرغم من وجود استثناءات لذلك. وعدد قليل من الأشخاص قد يختارون هذا اللون بسبب تعقيده، لكنهم بهذا الاختيار قد يحاولون إخفاء طبائعهم الحقيقية، فربما يرغبون في الظهور بمظهر غامض، لكن هذه الرغبة في حد ذاتها تكون واضحة، والأشخاص الذين يكرهون الأسود كثيرون، فالأسود هو الموت؛ لون اليأس. وفي كل الحالات تقريبا، يتجنب هؤلاء الأشخاص موضوعات المرض أو الموت، ولن يفصحوا عن تواريخ ميلادهم، ولن يعترفوا أبدا بأعمارهم. إنهم يكرهون الأمور المحتومة، وسوف يتمسكون بالحاضر إلى الأبد إن استطاعوا.
ملحق الصور
اتخذ بيتر بروجيل الأكبر العمارة الرومانية أساسا للرسم التخيلي الموجود بالأعلى الذي يحمل عنوان «برج بابل». كانت الأبراج الأصلية مختلفة إلى حد كبير، وكانت ملونة على نحو رمزي. هذا الرسم منشور بإذن من متحف بويمان فان بويننجن، روتردام (انظر الفصل الأول). بالأسفل أحد الأعمال المنحوتة لبروجيل تحمل اسم «مشعوذ موليغام» التي تسخر من أطباء البلدة المشعوذين. وهو منشور بإذن من متحف متروبوليتان للفنون.
التقطت هذه الصورة في عام 1922 في أحد مصانع جنرال إلكتريك في الولايات المتحدة. يقف جولييلمو ماركوني على اليمين. لقد كان إرساله لإشارات «لاسلكية» عبر المحيط الأطلنطي لأول مرة عام 1901 بمنزلة بداية مجموعة هائلة من الاتصالات الإلكترونية التي تتضمن العديد من الأطوال الموجية داخل الطيف الكهرومغناطيسي. صورة من يونايتد برس إنترناشونال (انظر الفصل الثاني).
يستخدم الليزر كمقياس ارتفاع في رحلة فضائية. وبالجمع بينه وبين كاميرا مترية يمكن لرواد الفضاء تصوير مناظر تفصيلية لسطح القمر. صورة من يونايتد برس إنترناشونال (انظر الفصل الثاني).
تظهر الصورة في الأعلى استخدام أشعة الليزر في علاج أمراض العيون. ويمكن للطبيب أن يعدل على نحو انتقائي طبقات نسيج العين. صورة منشورة بإذن من مؤسسة أبحاث من أجل منع العمى (انظر الفصل الثاني). تظهر الصورة في الأسفل مسرع خطي لعلاج السرطان. صورة منشورة بإذن من جمعية السرطان الأمريكية (انظر الفصل الثاني).
تزدهر النباتات على نحو أساسي في الضوء المرئي مع الاستجابة الجيدة للأطوال الموجية الحمراء والزرقاء. وتوجد مصابيح فلورية خاصة متاحة للاستخدام في الأماكن المغلقة؛ مما يمكن من ممارسة الهواية - أو الصناعة - الممتعة المتمثلة في زراعة الزهور دون الاستعانة بضوء النهار. صورة من دورو لايت (انظر الفصل الثاني).
تستجيب بعض الحشرات مثل الخنافس لأطوال موجية مختلفة على نحو يفوق استجابة العين البشرية. وفي العموم، تكون الأطوال الموجية الحمراء غير مرئية بالنسبة لها، بينما الزرقاء والبنفسجية تجذبها على نحو أكبر. إن رؤية الحشرات تمتد أيضا لتشمل الأشعة فوق البنفسجية، وتشمل أيضا الأطوال الموجية الأقصر التي لا يستطيع الإنسان رؤيتها. صورة من متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي (انظر الفصل الثاني).
يستطيع تيد سيريوس التحديق في الكاميرا وإنتاج صور مثل تلك الموضحة هنا. وينطوي هذا الأمر على ظاهرة «فوتوغرافيا الأفكار» (انظر الفصل الثالث للاطلاع على الرواية المميزة التي قدمها الدكتور جول أيزنبود الذي قدم لنا هذه الصورة المبينة بالصفحة).
مع الهوس بتعاطي حبوب الهلوسة التي ظهرت في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين، جاء عصر الهلوسة الذي لعبت فيه الألوان الفاقعة دورا أساسيا، واكتشف عالم جديد من الألوان داخل النفس البشرية، وظهرت نوادي الديسكو في كل مكان لتعرض الألوان والأصوات والأضواء الوامضة. وتظهر هذه الصور السيرك الكهربائي في نوفمبر عام 1970 في حي إيست فيليدج في نيويورك. صورة من يونايتد برس إنترناشونال (انظر الفصل الثالث).
الصورة العليا من «كتاب الموتى» الفرعوني تظهر أوزوريس (جالسا)، وابنه حورس، وأبناء حورس الأربعة. الألوان مستخدمة على نحو رمزي. صورة من المتحف البريطاني (انظر الفصل الخامس). وبالأسفل علبة ألوان مصرية تستخدم للزينة يعود تاريخها تقريبا إلى عام 1450 قبل الميلاد، الصورة منشورة بإذن من متحف متروبوليتان للفنون، صندوق روجرز، 1948.
الألوان الأودية (الروحية) للعقل البشري كما تخيلتها ميني ويستون، وصورها إدوين دي بابيت في كتابه الشهير في عام 1878. اختلفت الانبعاثات اللونية من شخص لآخر وكشفت عن نوعية العقول البشرية (انظر الفصل السادس).
نقش يعود لعام 1784 يسخر من القوى المغناطيسية التي استخدمها العظيم فرانز أنطون ميسمر لشفاء أمراض الأوروبيين من الطبقة الدنيا والطبقة العليا. ونال في عصره شهرة كبيرة وسمعة مثيرة للريبة.
تظهر الصورة العليا استخدام جهاز كشف الكذب (البوليجراف) لقياس الاستجابات الفسيولوجية. هذه الصورة منشورة بإذن من جمعية البوليجراف الأمريكية (انظر الفصل السادس). وتظهر الصورة السفلى استخدام مخطاط كهربية الدماغ (جهاز رسم المخ) في قياس الموجات الدماغية. هذه الصورة منشورة بإذن من مؤسسة بيكمان إنسترومنتس للأجهزة الطبية.
إلى اليسار طبيب أوماتيلا في حلته الرسمية، وأعلى اليمين أحد سكان أفريقيا الأصليين مدهون جسمه بالطلاء. وبالأسفل ناحية اليمين يظهر غطاء رأس أحد أطباء هنود تلينجيت في ألاسكا. توجد رمزية لونية في كل هذه الصور. هذه الصور من متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي (انظر الفصل السابع).
التركيب العام للذرة كما تخيلها إدوين دي بابيت في عام 1878. لقد توقع على نحو مميز القوة الهائلة المرتبطة بالطاقة الذرية، وكتب عنها بحماس جارف، وكتب أيضا عن العلاج بالألوان (انظر الفصل السابع).
صورة تظهر استخدام الأجهزة في دراسات الكمبيوتر لرصد التغيرات الفسيولوجية التي تحدث خلال التأمل المتسامي. يقدم التأمل فوائد كثيرة، لكنه قد يتضمن أيضا بعض المخاطر. صورة من يونايتد برس إنترناشونال (انظر الفصل الثامن).
تستخدم الألوان بسهولة مع أنواع الشخصيات؛ ففي الأعلى من اليسار إلى اليمين قد تكون الألوان هي الأخضر والأحمر والأرجواني، وفي المنتصف من اليسار إلى اليمين قد تكون الألوان هي الأصفر والأزرق ، وفي الأسفل من اليسار إلى اليمين قد تكون الألوان هي البرتقالي والبني. هذه الصور هي توضيحات يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر تمثل أنواع الشخصيات في كتاب «شخصيات ثاوفرسطس»؛ أحد تلاميذ أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد.
استخدام سيسل ستوكس لنمط تأثير الألوان التجريدية بمصاحبة الموسيقى في أفلام أوروراتون المتحركة لعلاج مرضى الاكتئاب العقلي. فمن خلال جذب حاستي الرؤية والسمع، تستثار الحالات المزاجية المفيدة للشفاء (انظر الفصل الرابع).
التحفيز باللون الأحمر والألوان الدافئة الأخرى يميل إلى زيادة ضغط الدم، ومعدل النبض، ومعدل التنفس. وتوجد استجابة أكبر للجلد (توصيل راحة اليد للكهرباء) وزيادة في نشاط الدماغ. ويحدث توجيه للانتباه إلى الخارج نحو البيئة (انظر الفصل الثالث).
يميل الأخضر والأزرق إلى إحداث تأثير مهدئ من الناحيتين الفسيولوجية والنفسية، وقد ينخفض معدل وظائف الجسم، وقد توجد قدرة أكبر على التركيز الداخلي مع قلة المشتتات الصادرة عن البيئة (انظر الفصل الثالث).
نماذج من تصوير المجال الإشعاعي (تأثير كيرليان) من مختبر ثيلما موس في كاليفورنيا. يظهر في الأعلى انبعاثات عالية الجهد لليد والجبهة، وبالأسفل، من اليسار إلى اليمين، تظهر هالة مرفق طبيعي وهالة المرفق بعد تعرضه لصدمة كهربية مفاجئة. تظهر تحليلات مجالات الطاقة الحيوية إمكانية الكشف عن الحالات العاطفية، وقد تمثل اكتشافات مهمة في التشخيص الطبي (انظر الفصل السادس).
وحدات علاج ضوئي تستخدم الضوء الأزرق لعلاج اليرقان المرضي (فرط بيليروبين الدم) في أطفال حديثي الولادة. هذا مثال ناجح على العلاج بالضوء المرئي، تجد استخداماته تطبيقا واسع النطاق (انظر الفصل السابع).
تطبيقات الألوان في مرفق للمعاقين ذهنيا. من خلال تقليل الوهج وخلق بيئة محببة انفعاليا، تحسنت الطاقة الإنتاجية بين الأشخاص المعاقين الذين يستطيعون القيام بأعمال مفيدة وكسب أجورهم. علاوة على ذلك، فإن تنوع الألوان يكسر الرتابة ويجعل الروح المعنوية عالية (انظر الفصل الثامن).
استخدام ألوان السلامة في ترسانة بحرية. إن استخدام شفرة ألوان محددة أصبح ممارسة إلزامية في هذه الصناعة في كل أنحاء أمريكا بموجب قانون السلامة والصحة المهنية لعام 1970 (انظر الفصل الثامن).
من الطبيعي تفضيل الألوان البسيطة مثل الأحمر والأزرق، وبعدهما الأخضر والأصفر. إن التحول إلى تفضيل الألوان الحيادية - البني والرمادي والأسود والأبيض - قد يكون إشارة إلى مشكلة عقلية (انظر الفصل التاسع).
المراجع
Abbott, Arthur G.,
The Color of Life,
McGraw-Hill Book Co., New York, 1947.
Albers, Josef,
Interaction of Color,
Yale University Press, 1963.
Allen, Grant,
The Colour-Sense,
Trubner & Co., London, 1879.
Alschuler, Rose H. and La Berta Weiss Hatwick,
University of Chicago, 1947.
Aristotle, works of,
Volume VI,
Opuscula,
Clarendon Press, Oxford, 1913.
Ashton, Sheila M. and H. E. Bellchambers, “Illumination, Colour Rendering and Visual Clarity,”
Transactions Illuminating Engineering,
Vol. 1, No. 4, 1969.
Babbitt, Edwin D.,
The Principles of Light and Color (1878), edited and annotated by Faber Birren, University Books, New Hyde Park, New York, 1967.
Bagnall, Oscar,
The Origin and
E. P. Dutton & Co., New York, 1937.
Beare, John I.,
Greek Theories of Elementary Cognition,
Clarendon Press, Oxford, 1906.
Beck, Jacob,
Surface Color
Cornell University Press, Ithaca, New York, 1972.
Birren, Faber,
Functional Color,
Crimson Press, New York, 1937.
Birren, Faber,
Monument to Color,
McFarlane Warde McFarlane, New York, 1938.
Birren, Faber,
The Story of Color,
Crimson Press, Westport, Connecticut, 1941.
Birren, Faber, “The Ophthalmic Aspects of Illumination and Color,”
Transactions American Academy of Ophthalmology and Otolaryngology,
May/June 1948.
Birren, Faber,
Your Color and Your Self,
1952.
Birren, Faber, “An Organic Approach to Illumination and Color,”
Transactions American Academy of Ophthalmology and Otolaryngology,
January/February 1952.
Birren, Faber, “The Emotional Significance of Color
American Journal of Occupational Therapy,
March/April 1952.
Birren, Faber,
New Horizons in Color,
Reinhold Publishing Corp., New York, 1955.
Birren, Faber, “Safety on the Highway: A Problem of Vision, Visibility and Color,”
American Journal of Ophthalmology,
February 1957.
Birren, Faber, “The Effects of Color on the Human Organism,”
American Journal of Occupational Therapy,
May/June 1959.
Birren, Faber, “The Problem of Colour in Schools,”
School and College,
November 1960.
Birren, Faber,
Color, Form and Space,
Reinhold Publishing Corp., New York, 1961.
Birren, Faber,
Color Psychology and Color Therapy,
University Books, New Hyde Park, New York, 1961.
Birren, Faber,
Creative Color,
Reinhold Publishing Corp., New York, 1961.
Birren, Faber, “The Rational Approach to Colour in Hospitals,”
The Hospital,
September 1961.
Birren, Faber,
Color in Your World,
Collier Books, New York, 1961, 1978.
Birren, Faber,
Color-A Survey in Words and Pictures,
University Books, New Hyde Park, New York, 1963.
Birren, Faber,
Color for Interiors,
Whitney Library of Design, New York, 1963.
Birren, Faber,
History of Color in
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1965.
Birren, Faber, “Color It Color,”
September 1967.
Birren, Faber,
Light, Color and Environment,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1969.
Birren, Faber,
Color,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1969.
Birren, Faber, “Psychological Implications of Color and Illumination,”
Illuminating Engineering,
May 1969.
Birren, Faber, “Color, Sound and Psychic Response,”
Color Engineering,
May/June 1969.
Birren, Faber, “Color and the Visual Environment,”
Color Engineering,
July/August 1971.
Birren, Faber, “Color and Man-Made Environments: The Significance of Light,”
Journal American Institute of Architects,
August 1972.
Birren, Faber, “Color and Man-Made Environments: Reactions of Body and Eye,”
Journal American Institute of Architects,
September 1972.
Birren, Faber, “Color and Man-Made Environments: Reactions of Mind and Emotion,”
Journal American Institute of Architects,
October 1972.
Birren, Faber, “Color Preference as a Clue to Personality,”
Art Psychotherapy,
Vol. 1, pp. 13-16, 1973.
Birren, Faber, “A Colorful Environment for the Mentally Disturbed,”
Art Psychotherapy,
Vol. 1, pp. 255-259, 1973.
Birren, Faber, “Light: What May Be Good for the Body is not Necessarily Good for the Eye,”
Lighting Design and Application,
July 1974.
Birren, Faber,
Color Perception in Art,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1976.
Birren, Faber and Henry L. Logan, “The Agreeable Environment,”
Architecture,
August 1960.
Bissonnette, T. H., “Experimental Modification of Breeding Cycles in Goats,”
Zoology,
July 1941.
Blum, Harold Francis,
Action and Diseases Caused by Light,
Reinhold Publishing Corp., 1941.
Boring, Edwin G.,
Sensation and
D. Appleton-Century, New York, 1941.
Boyle, Robert,
Experiments and Considerations Touching Colours,
printed for Henry Herringman, London, 1670.
Bragg, Sir William,
The Universe of Light,
Macmillan Co., New York, 1934.
Brewster, Sir David,
A Treatise on Optics,
Lea & Blanchard, Philadelphia, 1838.
Brown, Barbara B.,
New Mind, New Body,
Harper & Row, New York, 1974.
Budge, E. A. Wallis,
Amulets and Superstitions,
Oxford University Press, London, 1930.
Budge, E. A. Wallis,
The Book of the Dead,
University Books, New Hyde Park, New York, 1960.
Burton, Sir Richard,
The Arabian Nights,
Modern Library, Random House, New York, 1920.
Byrd, R. E.,
Alone,
Cayce, Edgar,
Auras,
A. R. E. Press, Virginia Beach, Virginia, 1945.
Celsus on Medicine,
C. Cox, London, 1831.
Chevreul, M.,
The Principles of Harmony and Contrast of Colors (1839), edited and annotated by Faber Birren, Reinhold Publishing Corp., New York, 1967.
Cohen, David, “Magnetic Fields of the Human Body,”
August 1975.
Colville, W. J.,
Light and Color,
Macoy Publishing & Masonic Supply Co., New York, 1914.
Corlett, William Thomas,
The Medicine Man of the American Indian,
Charles C. Thomas, Springfield, Illinois, 1935.
Darwin, Charles,
The Descent of Man (reprint of second edition, 1874), A. L. Burt Co., New York.
Da Vinci, Leonardo, A Treatise on Painting, George Bell & Sons, London, 1877.
Day, R. H.,
Human
John Wiley & Sons, Sydney, Australia, 1969.
Dean, Stanley R., editor.
Nelson-Hall, Chicago, 1975.
De Givry, Grillot,
Witchcraft, Magic and Alchemy,
George G. Harrap & Co., Ltd., London, 1931.
Delacroix, Journal of,
translated by Walter Pach, Covici, Friede, New York, 1937.
Deutsch, Felix, “Psycho-Physical Reactions of the Vascular System to Influence of Light and to Impression Gained through Light,”
Folia Clinica Orientalia,
Vol. I, Fasc. 3 and 4, 1937.
Dewan, Edmond M., “On the Possibility of a Perfect Rhythm Method of Birth Control by Periodic Light Stimulation,”
American Journal Obstetrics and Gynecology,
December 1, 1967.
Diamond, Ivan et al, “Photodynamic Therapy of Malignant Tumors,” talk at first annual meeting, American Society for
Duggar, Benjamin M., editor,
Biological Effects of Radiation,
McGraw-Hill Book Co., New York, 1936.
Dutt, Nripendra Kumar,
Origin and Growth of Caste in India,
Kegan Paul, Trench, Trubner & Co., London, 1931.
Eisenbud, Jule,
The World of Ted Serios,
William Morrow & Co., New York, 1967.
Ellinger, E. F.,
The Biological Fundamentals of Radiation Therapy,
American Elsevier
Ellinger, E. F.,
Medical Radiation Biology,
Charles C. Thomas, Springfield, Illinois, 1957.
Evans, Ralph M.,
An Introduction to Color,
John Wiley & Sons, New York, 1948.
Evans, Ralph M.,
The Perception of Color,
John Wiley & Sons, New York, 1974.
Eysenck, H. J., “A Critical and Experimental Study of Colour Preferences,”
American Journal of
July 1941.
Fergusson, James,
A History of Architecture in All Countries,
John Murray, London, 1893.
Ferree, C. E. and Gertrude Rand, “Lighting and the Hygiene of the Eye,”
Archives of Ophthalmology,
July 1929.
Fox, William Sherwood,
The Mythology of all Races,
edited by Louis Herbert Gray, Marshall Jones Co., Boston, 1916.
Frazer, J. G.,
The Golden Bough,
Macmillan, London, 1911.
Gerritsen, Frans,
Theory and
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1975.
Gibson, James W.,
The Perception of the Visual World,
Houghton Mifflin Co., Boston, 1950.
Giese, A. C., “The Photobiology of Blepharisma,” talk at the third annual meeting, American Society for Photobiology, June 23, 1975.
Goethe, Johann Wolfgang von,
Theory of Colours (Farbenlehre),
translated by Charles Lock Eastlake, John Murray, London, 1840.
Goldstein, Kurt,
The Organism,
American Book Co., New York, 1939.
Goldstein, Kurt, “Some Experimental Observations on the Influence of Color on the Function of the Organism,”
Occupational Therapy and Rehabilitation,
June 1942.
Graves, Maitland,
The Art of Color and Design,
McGraw-Hill, New York, 1952.
Gregory, R. L.,
Eye and Brain,
World University Library, New York, 1967.
Gregory, R. L.,
The Intelligent Eye,
McGraw-Hill Book Co., New York, 1970.
Greulach, Victor A.,
Science Digest,
March 1938.
Gruner, O. Cameron,
A Treatise on the Canon of Medicine of Avicenna,
Luzac & Co., London, 1930.
Guilford, J. P., “The Affective Value of Color as a Function of Hue, Tint, and Chroma,”
Journal of Experimental Psychology,
June 1934.
Guilford, J. P., “A Study in Psychodynamics,”
March 1939.
Haggard, Howard W.,
Devils, Drugs and Doctors,
Harper & Bros., New York, 1929.
Hall, Manly P.,
An Encyclopedic Outline of Masonic, Hermetic, Qabbalistic and Rosicrucian Symbolic
H. S. Crocker Co., San Francisco, 1928.
Heline, Corinne Dunklee,
Healing and Regeneration Through Color,
J. F. Rowny Press, Santa Barbara, 1945.
Heron, Woodburn, B. K. Doane, and T. H. Scott, “Visual Disturbances after Prolonged Perceptual Isolation,”
Canadian Journal of Pschology,
March 1956.
Hessey, J. Dodson,
Colour in the Treatment of Disease,
Rider & Co., London (no date).
Howatt, R. Douglas,
Elements of Chromotherapy,
Actinic Press, London, 1938.
Huxley, Aldous,
The Doors of
Harper & Row, New York, 1963.
Iredell, C. E.,
Colour and Cancer,
H. K. Lewis & Co., London, 1930.
Itten, Johannes,
The Art of Color,
Reinhold Publishing Corp., New York, 1961.
Itten, Johannes,
The Elements of Color,
foreword by Faber Birren, Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1970.
Jacobsen, Egbert,
Basic Color,
1948.
Jaensch, E. R.,
Eidetic Imagery,
Kegan Paul, Trench, Trubner & Co., London, 1930.
Jarratt, Michael, “Phototherapy of Dye-Sensitized Herpes Virus,” from abstract of talk at third annual meeting, American Society for Photobiology, Louisville, Kentucky, June 23, 1975.
Jarratt, Michael, “Photodynamic Inactivation of Herpes Simplex Virus,”
April 1977.
Jayne, Walter Addison,
The Healing Gods of Ancient Civilizations,
Yale University Press, New Haven, 1925.
Jeans, Sir James,
The Mysterious Universe,
Macmillan, New York, 1932.
Jones, Tom Douglas,
The Art of Light and Color,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1972.
Jung, Carl,
The Integration of the
Farrar & Rinehart, New York, 1939.
Jung, Carl,
Alchemy,
1953.
Kandinsky, Wassily,
The Art of Spiritual Harmony,
translated by M. T. H. Sadler, Houghton Mifflin Co., Boston, 1914.
Kandinsky, Wassily,
Concerning the Spiritual in Art,
Wittenborn, Schultz, New York, 1947.
Katz, David,
The World of Colour,
Kegan Paul, Trench, Trubner & Co., London, 1935.
Katz, David,
Gestalt
Ronald Press, New York, 1950.
Kilner, Walter J.,
The Human Atmosphere,
Rebman Co., New York, 1911.
Klee, Paul,
The Thinking Eye,
George Wittenborn, New York, 1964.
Klein, Adrian Bernard,
Colour-Music, The Art of Light,
Crosby Lockwood & Son, London, 1930.
Klopfer, Bruno and Douglas McG. Kelley,
The Rorschach Technique,
World Book Co., Yonkers, New York, 1946.
Klüver, Heinrich,
Mescal and Mechanisms of Hallucinations,
University of Chicago
Knight, Richard Payne,
The Symbolical Language of Ancient Art and Mythology,
J. W. Bouton, New York, 1876.
Koffka, Kurt,
Harcourt, Brace & Co., New York, 1935.
Köhler, Wolfgang,
Gestalt
Liveright Publishing Corp., New York, 1947.
Koran of Mohammed,
translated by George Sale, Regan Publishing Corp., Chicago, 1921.
Kouwer, B. J.,
Colors and Their Character,
Martinus Nijhoff, The Hague, 1949.
Kovacs, Richard,
Electrotherapy and Light Therapy,
Lea & Febiger, Philadelphia, 1935.
Krippner, Stanley and Daniel Rubin, editors,
The Kirlian Aura,
Anchor Books, New York, 1974.
Kruithof, A. A., “Tubular Luminescence Lamp,”
March 1941.
Laszlo, Josef, “Observations on Two New Artificial Lights for Reptile Displays,”
International Zoo Yearbook,
9: 12-13, 1969.
Leadbeater, C. W.,
Man Visible and Invisible,
Theosophical Publishing Society, London, 1920.
Leiderman, Herbert et al, “Sensory Deprivation,”
Archives of Internal Medicine,
February 1958. “Light and Medicine,”
M.D.,
June 1976.
Logan, Henry L., “Outdoor Light for the Indoor Environment,”
The Designer,
November 1970.
Loomis, W. F., “Rickets,”
Scientific American,
December 1970.
Luckiesh, M.,
The Science of Seeing,
D. Van Nostrand Co., New York, 1937.
Luckiesh, M.,
Light, Vision, and Seeing,
D. Van Nostrand Co., New York, 1944.
Lüscher, Max,
The Lüscher Color Test,
Random House, New York, 1969.
Lutz, Frank E., “'Invisible’ Colors of Flowers and Butterflies,”
Natural History,
Vol. XXXIII, No. 6, November/December 1933.
Maclay, W. S. and E. Guttman, “Mescaline Hallucinations in Artists,”
Archives Neurology and
January 1941.
Matthaei, Rupprecht,
Goethe’s Color Theory,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1970.
Melnick, Joseph L., “Herpes Virus Phototherapy: Should Studies be Continued?”
Infectious Diseases,
April 1976.
Mesmer, Franz Anton,
De Planetarum Influxu,
Moss, Eric P., “Color Therapy,”
Occupational Therapy and Rehabilitation,
February 1942.
Moss, Thelma,
The Probability of the Impossible,
J. P. Tarcher, Inc., Los Angeles, 1974.
Munsell, A. H.,
A Color Notation,
Munsell Color Co., Baltimore, 1926.
Munsell, A. H.,
A Grammar of Color,
edited and annotated by Faber Birren, Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1969.
Newton, Sir Isaac,
Opticks,
William Innys, London, 1730 (reprinted by G. Bell & Sons, London, 1931).
Ornstein, Robert E.,
The Mind Field,
Grossman Publishers, New York, 1976.
Ostrander, Sheila and Lynn Schroeder,
Curtain,
Bantam Books, New York, 1970.
Ostrander, Sheila and Lynn Schroeder,
Handbook of Psi Discoveries,
Berkley
Ostwald, Wilhelm,
The Color
edited and annotated by Faber Birren, Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1969.
Ott, John N.,
My Ivory Cellar,
Twentieth Century Press, Chicago, 1958.
Ott, John N., “Effects of Wavelengths of Light on
Illuminating Engineering,
April 1965.
Ott, John N.
Health and Light , Devin-Adair Publishing Co., Greenwich, Connecticut, 1973.
Ousley, S. G. J.,
The Power of the Rays,
L. N. Fowler & Co., London (no date).
Blue and Red Light,
J. M. Stoddart & Co., Philadelphia, 1877.
translated from the German by Cyril P. Bryan, Geoffrey Bles, London, 1930.
Shamanism in Western North America,
Northwestern University, Evanston, Illinois, 1938.
Blue and Sun-Lights, Claxton,
Remsen & Haffelfinger,
Natural History,
Henry G. Bohn, London, 1857.
The Doctor
National Library Press, New York, 1938.
Color for Architecture,
Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1976.
Motor Efficiency,”
American Journal of
July 1921.
Read, John,
Chemistry,
Macmillan, New York, 1937.
Reynolds, Sir Joshua,
Discourses,
A. C. McClurg and Co., Chicago, 1891.
Rickers-Ovsiankina, Maria, “Some Theoretical Considerations Regarding the Rorschach Method,”
Rorschach Research Exchange,
April 1943.
Romains, Jules,
Eyeless Sight,
G. P. Putnam’s Sons, London, 1924.
Rood, Ogden,
Modern Chromatics (1879), edited and annotated by Faber Birren, Van Nostrand Reinhold Co., New York, 1973.
Rothney, William B., “Rumination and Spasmus Nutans,”
Hospital Practice,
September 1969.
Rubin, Herbert E. and Elias Katz, “Auroratone Films for the Treatment of Psychotic Depressions in an Army General Hospital,”
Journal Clinical Psychology,
October 1946.
Russell, Edward D.,
Design for Destiny,
Ballantine Books, New York, 1973.
Sander, G. G.,
Colour in Health and Disease,
C. W. Daniel Co., London, 1926.
Schaie, K. Warner, “Scaling the Association between Colors and Mood-Tones,”
American Journal of
June 1961.
Schaie, K. Warner, “The Color Pyramid Test: a Nonverbal Technique for Personality Assessment,”
Vol. 60, No. 6, 1963.
Schaie, K. Warner, “On the Relation of Color and
Journal Projective Techniques and
Vol. 30, No. 6, 1966.
Scripture, E. W.,
Thinking, Feeling, Doing,
Flood & Vincent, New York, 1895.
Sensory Deprivation,
symposium held at Harvard Medical School, Harvard University Press, Cambridge, 1965.
Sheppard, Jr., J. J.,
Human Color
Elsevier Publishing Co., New York, 1968.
Sisson, Thomas R. C. et al, “Blue Lamps in Phototherapy of Hyperbilirubenemia,”
Journal Illumination Engineering Society,
January 1972.
Sisson, Thomas R. C. et al, “Phototherapy of Jaundice in Newborn Infant, II, Effect of Various Light Intensities,”
Journal of Pediatrics,
July 1972.
Sisson, Thomas R. C., “The Role of Light in Human Environment,” from abstract of talk at first annual meeting, American Society for Photobiology, Sarasota, Florida, June 12, 1973.
Sisson, Thomas R. C. et al, “Effect of Uncycled Light on Biologic Rhythm of Plasma Human Growth Hormone,” from abstract of talk at third annual meeting, American Society for Photobiology, Louisville, Kentucky, June 23, 1975.
Sisson, Thomas R. C., “Photopharmacology: Light as Therapy,”
Drug Therapy,
August 1976.
Smith, Kendric C., “The Science of Photobiology,”
BioScience,
January 1974.
Solon, Leon V., “Polochromy,”
Architectural Record,
New York, 1924.
Southall, James P. C.,
Introduction to Physiological Optics,
Oxford University Press, New York, 1937.
Spalding, J. R., R. F. Archuleta, and L. N. Holland, “Influence of the Visible Color Spectrum on Activity in Mice,” a study performed under the auspices of the U.S. Atomic Energy Commission.
Spiegelberg, Friedrich,
The Bible of the World, Viking Press,
New York, 1939.
Stevens, Ernest J.,
Science of Colors and Rhythm,
published by the author, San Francisco, 1924.
Stratton, George Malcolm,
Theophrastus and the Greek Physiological Psychology before Aristotle,
George Allen & Unwin, London, 1917.
Tassman, I. S.,
The Eye Manifestations of Internal Disease,
C. V. Mosby Co., St. Louis, 1946.
Thorington, Luke, L. Cunningham, and J. Parascondola, “The Illuminant in the Prevention and Phototherapy of Hyperbilirubinemia,”
Illiminating Engineering,
April 1971.
Van der Veer, R. and G. Meijer,
Light and Plant Growth,
Eindhoven, The Netherlands, 1959.
Vernon, M. D.,
A Further Study of Visual Perception,
Cambridge University Press, London, 1954.
Vernon, M. D.,
The Psychology of
England, 1966.
Vogl, Thomas P., “Photomedicine,”
Optics News,
Spring 1976.
Vollmer, Herman, “Studies on Biological Effect of Colored Light,”
Archives Physical Therapy,
April 1938.
Walls, G. L.,
The Vertebrate Eye,
Cranbrook Press, Bloomfield Hills, Michigan, 1942.
Watters, Harry, David Nowlis, and Edward C. Wortz, “Habitability Assessment Program (Tektite),” abstract, National Aeronautics and Space Administration, Huntsville, Alabama, 1971.
Werner, Heinz,
Comparative
Follett Publishing Co., Chicago, 1948.
White, George Starr,
The Story of the Human Aura,
published by the author, Los Angeles, 1928.
Williams, C. A. S.,
Outlines of Chinese Symbolism,
Customs College Press, Peiping, China, 1931.
Wilman, C. W.,
Seeing and
1966.
Woidich, Francis,
The Resonant Brain,
published by the author, McLean, Virginia, 1972.
Woolley, C. Leonard,
Ur of the Chaldees,
Charles Scribner’s Sons, New York, 1930.
Wurtman, Richard J., “Biological Implications of Artificial Illumination,”
Illuminating Engineering,
October 1968.
Wurtman, Richard J., “The Pineal and Endocrine Function,”
Hospital Practice,
January 1969.
Wurtman, Richard J., “The Effects of Light on the Human Body,”
Scientific American,
July 1975.
Zamkova, M. A. and E. I. Krivitskaya, “Effect of Irradiation by Ultraviolet Erythrine Lamps on the Working Ability of School Children,” Pedagogical Institute, Leningrad, 1966.
Неизвестная страница