Цвета и человеческие реакции
الألوان والاستجابات البشرية
Жанры
مقدمة
1 - الخلفية التاريخية
2 - الاستجابة البيولوجية
3 - الاستجابة البصرية
4 - الاستجابة العاطفية
5 - الاستجابة الجمالية
6 - الاستجابة النفسية
7 - علاج الجسد
8 - تهدئة العقل
9 - الألوان المفضلة للأفراد
Неизвестная страница
ملحق الصور
المراجع
مقدمة
1 - الخلفية التاريخية
2 - الاستجابة البيولوجية
3 - الاستجابة البصرية
4 - الاستجابة العاطفية
5 - الاستجابة الجمالية
6 - الاستجابة النفسية
7 - علاج الجسد
Неизвестная страница
8 - تهدئة العقل
9 - الألوان المفضلة للأفراد
ملحق الصور
المراجع
الألوان والاستجابات البشرية
الألوان والاستجابات البشرية
تأليف
فيبر بيرين
ترجمة
صفية مختار
Неизвестная страница
مراجعة
محمد إبراهيم الجندي
مقدمة
هذا الكتاب مليء بالمعلومات، وقد حاولت قصارى جهدي أن أجعله سهل القراءة. أعتقد أن المعلومات الواردة حول موضوع الكتاب تفوق أي قدر من المعلومات اجتمع في كتاب واحد من قبل؛ فهو يحتوي على ملاحظات دونتها على مدار فترة تقدر بنحو ثلاثين سنة. ولقد تحمست لتأليف هذا الكتاب، ليس من منطلق محاولة الظهور بمظهر العالم أو المتبحر في المعرفة، بل فقط لأن الألوان والاستجابات البشرية كثيرا ما كانت مصدر جذب مثيرا بالنسبة لي. لقد أردت أن أعرف كل ما يمكنني معرفته، وكنت متحمسا لتطبيق كافة أنواع المعارف الممكنة في عملي الاحترافي بصفتي مستشارا في الألوان.
بعد تدريب مبكر في مجال الفنون، بدأت أدرس الاستجابات المتعددة والمختلفة للألوان لدى الناس. انطوت هذه الدراسة على محتوى قليل من الفيزياء والكيمياء في مقابل محتوى أكبر من التاريخ والتقاليد والميثولوجيا والصوفية والرمزية وعلم النفس وعلم الجمال. وتناولت معظم كتاباتي (البالغة في مجملها 25 كتابا) الجانب الإنساني للون، وتأثيراته البيولوجية والثقافية القديمة والمعاصرة، وتطبيقاته العملية في الحياة المعاصرة، والأنماط الجديدة للتعبير بالألوان المستندة إلى دراسات استقصائية أجريت مؤخرا حول إدراك الألوان.
سبب لي ذلك بعض الحزن بصفتي كاتبا في موضوع الألوان؛ إذ أصبح من الصعب تصنيف توجهي، ومن السهل انتقادي. في هذا الكتاب، على سبيل المثال، من الممكن أن يقول أحد الصوفيين إنني متشكك للغاية، وقد يتهمني أحد العقلانيين بأنني صوفي إلى حد كبير! هذا الأمر لا يزعجني. بصراحة، كثيرا ما كان هدفي في كل الأعمال التي كتبتها عن الألوان تقريبا مسلطا نحو غاية واحدة؛ هي الناس. وإذا وجد بعض الأشخاص المنتمين لتوجهات معينة يتبنون وجهات نظر باطنية، وإذا كان غيرهم يريدون فقط أطروحات يمكن إثباتها على نحو كامل، فكلهم بشر على أي حال. إنني أحب الجميع، ومستعد تماما للاستماع لآرائهم، سواء وافقتهم الرأي أم اختلفت معهم.
انعقدت لجان للتحقيق في التأثيرات الفسيولوجية والبصرية والنفسية للألوان على يد مؤسسات مثل: جمعية هندسة الإضاءة إيلومينيتينج إنجينيرينج سوسيتي، وجمعية إنتر سوسيتي كلر كونسيل. وتتكون الجمعية الأخيرة من ممثلين عن 28 مجالا مختلفا، وتعقد مؤتمراتها في الولايات المتحدة وكندا. وفي عام 1976، عقد مؤتمر دولي عن ديناميكا الألوان في بودابست في المجر. وعقد أول اجتماع سنوي للجمعية الأمريكية للبيولوجيا الضوئية؛ ذلك العلم المرتبط كثيرا بالضوء والألوان، في ساراسوتا بولاية فلوريدا في عام 1973.
مثل هذه الجمعيات لديها اهتمام قوي وشخصي بتأثيرات الضوء والألوان. ولو تأملنا هذه التأثيرات من الناحية البيولوجية لوجدنا أنها تؤدي إلى اكتشاف تطبيقات علاجية لعدد من الأمراض الخطيرة والبسيطة التي تصيب البشر، وتستخدم كوسائل إيضاح بشرية عند التشخيص، ولو تأملناها من الناحية النفسية لوجدنا أن اللون على وجه الخصوص يكون ضروريا في البيئات المصطنعة؛ لمواجهة الحرمان الحسي الذي يمكن أن يؤدي إلى عدد لا نهائي من الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية. لقد تزايدت أعداد الناس الذين يعيشون «محبوسين» في مجمعات سكنية كبيرة، ودور نقاهة، ودور مسنين، وأصبح الأشخاص الذين يعانون من التوترات والأزمات الحياتية يزج بهم إلى المصحات العقلية، وحتى بين الأشخاص الأسوياء الذين يعملون في وظائف عادية، نجد أن المباني العملاقة مبنية ومصممة بحيث تصبح مجتمعات مبنية تحت الأرض وتحت البحر، يمكنها أن تحجب أعدادا غفيرة من البشر عن الطبيعة وعن ضوء الشمس. ومن الممكن أن يظل رواد الفضاء المخلصون حبيسي كبسولات فضاء عملاقة لأيام وأسابيع، بل حتى لشهور وسنين. قد يكون العلم قادرا على الحفاظ على سلامتهم البدنية، ولكن ما الذي يحول دون إصابتهم بالجنون من الناحية العقلية؟
من أجل كل هذه الأهداف، أتمنى أن يقدم هذا الكتاب بعض النصائح حول فوائد الألوان، وفي الوقت نفسه، أتمنى أن يكون مرجعا يسيرا يضم المصادر العديدة للمعلومات التي اطلعت عليها أثناء دراساتي.
الفصل الأول
Неизвестная страница
الخلفية التاريخية
في هذه الأيام التي كثر فيها السفر حول العالم، يشاهد الناس من مختلف مناحي الحياة - التجارية والمهنية والعملية، بل حتى السياح العاديون - فنون العصور القديمة، التي تتباين ما بين رسوم الكهوف وكذلك البقايا الأثرية في مصر وكلدو والهند والصين واليونان وأمريكا الوسطى. يشاهدونها ولسان حالهم: كم كان الإنسان القديم يتمتع بذوق رائع في الألوان! ويفترضون على نحو خاطئ أن الإنسان القديم كان في حاجة بطريقة أو بأخرى إلى الجمال في حياته، ودفعه هذا إلى إحاطة نفسه بألوان ساحرة في شتى أنواع الفنون من العمارة والرسم والزخرفة والنحت والنسيج والخزف. وعلى الرغم من أن الإنسان القديم ربما كان لديه حس قوي تجاه الألوان، فإن اختياره للألوان لم يكن قائما على الأساس الجمالي وحده كما يحاول أن يوضح لنا هذا الفصل.
حتى عصر النهضة تقريبا، كان الإنسان يولي اهتماما للرمزية والغموض والسحر، وكان استخدامه للألوان يمليه عليه الصوفيون والفلاسفة والكهنة. لم يكن يطلق العنان لخياله على الإطلاق. ميزت مستحضرات التجميل الأعراق البشرية بعضها عن بعض، وكانت الحلي تتكون من تمائم ذات أغراض معينة، وكانت زخارف المقابر والمعابد تروي القصص، بل حتى الزخارف التجريدية كان لها معنى مرتبط بالآلهة والحياة والموت والمطر والحصاد والانتصار في الحروب.
أما الواضح والمميز، فهو أن لوحة الألوان التي استخدمها الإنسان القديم كانت بسيطة ومباشرة، ولا يكاد يوجد اختلاف في درجة اللون المستخدم في أي مكان في العالم القديم. تمثلت الألوان المستخدمة في الأحمر والذهبي والأصفر والأخضر والأزرق والأرجواني والأبيض والأسود. كانت علبة الألوان المصرية - التي توجد في المتاحف - مقسمة لثمانية ألوان، ونادرا ما كانت تزيد عن ذلك. أما بالنسبة لألوان الإغريق، فقد يندهش القارئ من هذا القول المقتبس عن الرسام البريطاني البارز السير ويليام بيتشي (1753-1839) تعليقا على الزخارف الإغريقية المتعددة الألوان؛ إذ يقول: «نلاحظ أن الاستخدام المشار إليه [استخدام ألوان متشابهة في عناصر متشابهة في الزخرفة والنحت] لا يبدو نتيجة أي نزوة عارضة أو خيال طارئ، لكنه نتيجة نظام راسخ في العموم؛ لأن ألوان الأجزاء المتعددة لا تبدو متنوعة من ناحية المواد المستخدمة في أي من المثالين المعروفين بالنسبة لنا ... ويصعب أن نشك في أنهم خصصوا لونا معينا لتلوين كل جزء من الأجزاء المختلفة للمباني وفقا للإجماع العام، أو تبعا لأصول الحرفة المتفق عليها.» (1) الألوان والإنسان نفسه
لا أبالغ إذا قلت إن الإنسان القديم أحاط نفسه بالألوان من كل جانب. كل الحضارات منذ بداية وجود الإنسان عبدت الشمس، ومن الشمس جاء الضوء واللون. وفي كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية التي تعود إلى قرون قبل الميلاد، يوصف الإنسان على النحو التالي: «يوجد في جسم الإنسان أوردة يطلق عليها هيتا، وهي صغيرة في مثل حجم شعرة مقسمة آلاف المرات، تمتلئ باللون الأبيض والأزرق والأصفر والأخضر والأحمر.» وتقول أيضا: «إن تماثل الشكل، وجمال اللون، وقوة وصلابة الماس تشكل معا الكمال الجسدي.» ونصح والد شفيتاكيتو ولده بخفة ظل فقال: «الإنسان يشبه غطاء الوسادة. قد يكون لون غطاء إحدى الوسادات أحمر، ولون غطاء الثانية أزرق، ولون غطاء الثالثة أسود، لكنها كلها تحتوي على القطن نفسه. وكذلك الحال مع البشر، فأحدهم جميل، والآخر أسود، والثالث قديس، والرابع شرير، لكن الإله موجود بداخلهم جميعا.» (كثير من المقتطفات المقتبسة من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية وغيرها من الأديان الشرقية القديمة مأخوذ من الكتاب الرائع «الكتاب المقدس للعالم» للكاتب فريدريك سبيجيلبيرج.)
وفي كتاب «أصل الإنسان» كتب داروين يقول: «نعلم أن ... لون البشرة يعتبر لدى البشر على اختلاف أجناسهم عنصرا بالغ الأهمية لجمالهم.» وربما لأسباب واضحة اعتبر المصريون أنفسهم من أعضاء العرق الأحمر، واستخدموا مساحيق زينة حمراء، وبالغوا في استخدام اللون الأحمر في تصوير أنفسهم. وكان اللون الأصفر لون الآسيويين، وكان اللون الأبيض لون شعوب الشمال، وكان اللون الأسود لون الزنوج.
في كتاب «الليالي العربية» للسير ريتشارد بيرتون (المترجم عن «ألف ليلة وليلة») توجد «حكاية الأمير المسحور»، وفيها تسحر زوجة الأمير سكان الجزر السوداء، فيقول: «والمواطنون الذين كانوا ينتمون لأربع ديانات مختلفة؛ حيث كانوا مسلمين ونصارى ويهودا ومجوسا، حولتهم بسحرها إلى أسماك، فتحول المسلمون إلى أسماك بيضاء، والمجوس إلى أسماك حمراء، والمسيحيون إلى أسماك زرقاء، واليهود إلى أسماك صفراء.» (2) عناصر العالم
كان الإنسان البدائي يرى الكون في صورة عناصر، واستمرت تلك الفكرة حتى العصور الحديثة، وسأقتبس مرة أخرى من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية تلك الإشارات المثيرة عن أهمية اللون الأحمر واللون الأبيض واللون الأسود؛ حيث تقول: «لكل الكائنات الحية يوجد حقا ثلاثة أصول فقط؛ فمنها منبثق من البيضة، ومنها منبثق من كائن حي، ومنها منبثق من جرثومة ...
اللون الأحمر للنار المتأججة هو لون النار، واللون الأبيض للنار هو لون الماء، واللون الأسود للنار هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه نارا؛ إذ هي مجرد نوع، مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للشمس هو لون النار، ولونها الأبيض هو لون الماء، ولونها الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه الشمس؛ لأنها مجرد نوع، ولأنها مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للقمر هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه القمر؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للبرق هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه البرق؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام. الأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة ...
أعلن علية القوم من المؤمنين ورجال الدين الكبار الذين عاشوا في الأزمنة السابقة وعلموا هذه الحقيقة الأمر نفسه قائلين: «من الآن فصاعدا، لا يمكن لأي أحد أن يقول لنا أي شيء لم نسمع عنه أو ندركه أو نعلمه.» من خلال هذه الألوان الثلاثة علموا كل شيء؛ فكل ما اعتقدوا أنه يبدو أحمر علموا أنه لون النار، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أبيض علموا أنه لون الماء، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أسود علموا أنه لون الأرض، وكل ما اعتقدوا أنه غير معروف تماما علموا أنه خليط من تلك الثلاثة.»
Неизвестная страница
بالنسبة للإغريق القدماء كانت توجد أربعة عناصر، وما زالت تلك العناصر معترفا بها من قبل الصوفيين المعاصرين، واعترف بها ليوناردو دافينشي خلال عصر النهضة، وتمثلت تلك العناصر في الأرض والنار والماء والهواء. وقد قال أرسطو في كتاب «الألوان» (الذي ربما كتبه تلميذه ثيوفراستوس): «الألوان البسيطة هي الألوان الحقيقية للعناصر؛ أي ألوان النار والهواء والماء والأرض. الهواء والماء في حالة النقاء يكون لونهما الطبيعي هو الأبيض، والنار (والشمس) لونها أصفر، والأرض لونها الطبيعي أبيض، وبقية الدرجات اللونية المختلفة التي تكتسبها الأرض تكون ناتجة عن التلون بفعل الخضاب، كما نراه في حقيقة تحول الرماد إلى اللون الأبيض عند احتراق الرطوبة التي لونته. صحيح أن الرماد لا يتحول إلى الأبيض الناصع، لكن هذا يرجع إلى أنه يتلون من جديد، أثناء عملية الاحتراق، بفعل الدخان؛ ذلك الدخان أسود اللون ... والأسود هو اللون الحقيقي للعناصر أثناء عملية التحول. وقد يكون من السهل رؤية أن بقية الألوان تنشأ عن المزج، من خلال خلط هذه الألوان الأساسية.»
ظلت وجهة النظر تلك مقبولة لقرون عديدة. أما الصينيون فقد اعترفوا بوجود خمسة عناصر هي: الأرض ذات اللون الأصفر، والنار ذات اللون الأحمر، والماء ذو اللون الأسود، والخشب ذو اللون الأخضر، والمعدن ذو اللون الأبيض، وحذفوا عنصر الهواء. وعلق تشارلز ألفريد سبيد ويليامز في كتابه «أطر الرمزية الصينية» قائلا: «قام نظام الفلسفة الصينية بأكمله على هذه العناصر الخمسة، أو مكونات الطبيعة النشطة دائما.»
وفي القرن الأول الميلادي، ربط المؤرخ اليهودي يوسيفوس اللون الأبيض بالأرض، والأحمر بالنار، والأرجواني بالماء، والأصفر بالهواء. وبعد ذلك بخمسة عشر قرنا، قال الرائع ليوناردو دافينشي في كتابه «دراسة عن الرسم»: «أول الألوان البسيطة كلها هو اللون الأبيض، ورغم ذلك لن يعتبر الفلاسفة أن أيا من اللونين الأبيض أو الأسود يعتبر من الألوان؛ لأن اللون الأول هو المسبب أو المستقبل للألوان، بينما اللون الآخر محروم من الألوان. لكن نظرا لأن الرسامين لا يمكنهم الاستغناء عن أي منهما، فإننا سوف نضعهما بين الألوان الأخرى. ووفقا لترتيب هذه الأمور، فسوف يأتي الأبيض في المرتبة الأولى، والأصفر في المرتبة الثانية، والأخضر في المرتبة الثالثة، والأزرق في المرتبة الرابعة، والأحمر في المرتبة الخامسة، والأسود في المرتبة السادسة. لنعتبر أن اللون الأبيض هو ممثل الضوء الذي من دونه لا يمكن رؤية أي لون من الألوان، وسنعتبر الأصفر لون الأرض، والأخضر لون الماء، والأزرق لون الهواء، والأحمر لون النار، والأسود لون الظلام التام.» (3) جهات العالم الأربع
على صعيد استجابة البشر للألوان، من الغريب ملاحظة أن الإنسان تصور أن للأرض جهات أو اتجاهات أربعة لكل منها لون رمزي. ومرة أخرى لا يتعلق الأمر بصورة جوهرية بالجمال، لكنه يتعلق بالمعنى السحري والرمزي. لقد ارتدى الفرعون المصري تاجا أبيض اللون رمزا لسيطرته على مصر العليا، وتاجا أحمر اللون رمزا لسيطرته على مصر السفلى.
كانت شعوب التبت تتصور العالم جبلا شاهق الارتفاع، وأطلق المغول على هذا الجبل اسم سومور. كانوا يعتقدون أنه في بداية الزمان نمت الأرض وارتفعت قمتها عاليا على نحو لا يمكن للإنسان بلوغه، وهكذا وفرت مكان إقامة مناسبا للآلهة. وتقول إحدى الأساطير القديمة إنه: «في البداية، لم يكن يوجد سوى الماء وضفدع، ونظر ذلك الضفدع إلى الماء، وحول الرب ذلك الحيوان وخلق العالم على بطنه، وجعل على كل قدم من أقدامه قارة، لكنه أنشأ على سرة ذلك الضفدع جبل سومور. وعلى قمة هذا الجبل يوجد النجم القطبي.»
كان جبل عالم التبت يشبه في شكله الهرم المكسور القمة، وكانت الجوانب المواجهة للجهات الأربع للبوصلة مصبوغة وتلمع مثل الجواهر. إلى الشمال كان اللون الأصفر، وإلى الجنوب كان اللون الأزرق، وإلى الشرق كان اللون الأبيض، وإلى الغرب كان اللون الأحمر. وفي كل اتجاه من هذه الاتجاهات كانت توجد قارة على بحر مالح. وكانت القارات والجزر الطافية على تلك البحار تشبه في أشكالها وجوه الشعوب التي تقطنها. كانت شعوب الجنوب، في الهند والصين ومنغوليا، وجوههم بيضاوية، وشعوب الشمال وجوههم مربعة، وشعوب الغرب وجوههم مدورة، ووجوه سكان الشرق هلالية الشكل.
على القدر نفسه من الإثارة، كان تصور الصين القائل بوجود ملوك السماء الأربعة. كان مو لي شو حارس الشمال ذا وجه أسود، وكان داخل حقيبته مخلوق اتخذ شكل ثعبان أو فيل أبيض الجناحين يلتهم الرجال، وكان مو لي هونج حارس الجنوب ذا وجه أحمر، ويحمل مظلة الفوضى، عندما يرفع تلك المظلة يحل الظلام الشامل والرعد والزلازل، وكان مو لي تشينج حارس الشرق ذا وجه أخضر، وكانت ترتسم على وجهه الشراسة، وكانت لحيته تشبه السلك النحاسي، وبسيفه المسحور الذي يسمى السحابة الزرقاء أتى برياح سوداء أنتجت عشرات الآلاف من الرماح التي مزقت ودمرت أجساد الرجال، وكان مو لي هاي حارس الغرب ذا وجه أبيض، وكان صوت قيثارته يستمع إليه العالم أجمع، ويشعل النار في معسكرات أعدائه.
لا شك أن الجهات الأربع للأرض تشير إلى حركة الشمس من الصباح إلى الظهيرة إلى المساء، على أن تكون الجهة الرابعة هي التي تشير إلى تلك المنطقة من العالم التي لا تصل إليها الشمس. ومن مصر إلى التبت إلى الصين، ومن ثم حول أنحاء العالم، تتكرر الرموز الدالة على جهات البوصلة. وقد خصص قدماء الأيرلنديين اللون الأسود للشمال، والأبيض للجنوب، والأرجواني للشرق، والبني الرمادي للغرب، واختارت شعوب المايا التي سكنت شبه جزيرة يوكاتان اللون الأبيض للإشارة إلى الشمال، والأصفر للإشارة إلى الجنوب، والأحمر للإشارة إلى الشرق، والأسود للإشارة إلى الغرب. وبين قبائل الهنود الحمر الأمريكيين (قبيلة أباتشي، وقبيلة شيروكي، وقبيلة تشيبوا، وقبيلة كريك، وقبيلة زوني) خصصوا الألوان للإشارة إلى الجهات الأربع، وكانت تلك الألوان المخصصة من الممكن أن تختلف من قبيلة لأخرى.
تبعا لإحدى القصص الخرافية، فقد تجولت قبيلة نافاهو منذ آلاف السنوات في أرض محاطة بجبال شاهقة. شكلت مرتفعات ومنخفضات تلك الجبال الليل والنهار. كانت الجبال الشرقية بيضاء وأتت بالنهار، وكانت الجبال الغربية صفراء وأتت بالشفق، وكانت الجبال الشمالية سوداء وغطت الأرض بالظلمة. أما الجبال الزرقاء الجنوبية فخلقت الفجر.
خصص الهنود الحمر الألوان أيضا للعالم السفلي، الذي كان أسود في العموم، وللعالم العلوي الذي كانت لديه ألوان كثيرة. كل هذه الرمزية كانت جزءا من فنونهم. وكانت الوشوم الموجودة على وجوههم والألوان المستخدمة في الأقنعة والتماثيل والقبعات تحفل بالمعاني، وليست مجرد نتاج مزاج فني. وطبقوا هذه الألوان - الدالة على اتجاهات البوصلة - على أغانيهم ومراسمهم وصلواتهم وألعابهم. وحتى في اليوم الحاضر، عندما ينفذ أحد أفراد قبيلة هوبي أحد الرسوم باستخدام مساحيق الألوان الجافة، فإنه يكون صوفيا قبل أن يكون فنانا. واتباعا للتقاليد الدينية يضع اللون الأصفر أولا، ذلك اللون الذي يمثل الشمال. وبعد ذلك، يضع على الترتيب كلا من الأخضر أو الأزرق إلى الغرب، والأحمر إلى الجنوب، وأخيرا الأبيض إلى الشرق.
Неизвестная страница
ما قد ينظر إليه كثير من الناس في وقتنا المعاصر باعتباره ساحرا ورومانسيا في حضارة الهنود الحمر له جذور - على الأرجح - في الصوفية والرمزية؛ فالهندي الأحمر لم يكن «مسحورا» فحسب بجمال الألوان، بل كان يعزو إليها سحرا محددا. وبالنسبة إليه، كان اللون الأحمر يرمز إلى النهار، والأسود يرمز إلى الليل دائما، وكان الأحمر والأصفر والأسود تمثل ألوانا ذكورية، بينما الأبيض والأزرق والأخضر تمثل ألوانا أنثوية. وربطت بعض القبائل الألوان بالعناصر الهندية الأربعة التي تمثلت في النار والرياح والماء والأرض. وبالنسبة لقبيلة شيروكي، مثل الأحمر النجاح والنصر، ومثل الأزرق المحنة والهزيمة، بينما مثل الأبيض السلام والسعادة، ومثل الأسود الموت، وكانت العصي المستخدمة في الصلوات خضراء فاقعة اللون لاستحضار المطر، وحمراء باهتة اللون قبل الحرب. (4) الآلهة
كل الأديان، البدائية أو غيرها، كانت تتصور آلهتها ذات ألوان براقة؛ لأن الآلهة تسكن دائما في السماء التي منها تسطع الشمس والقمر والنجوم وقوس قزح (وعادة كانت آلهة الأرض فانية أو شريرة). كان الإله هو الشمس نفسها في أغلب الأحيان. ودعوني أعرض بعض الأمثلة المختصرة المأخوذة في مجملها من كتابي «قصة الألوان».
في مصر، كانت الشمس نفسها هي رع وأوزوريس (كانت إيزيس هي القمر)، وقد يكون رمزها هو الذهبي أو الأصفر أو الأحمر. وفي أجزاء من الهند يقال إن لون الشمس كان هو الأزرق . ويقال إن اسم «سولومون» هو اسم الشمس في ثلاث لغات.
وفي اليونان القديمة، كان الأصفر أو الذهبي مخصصا للإلهة أثينا، وكان معبدها البارثينون في مدينة أثينا، وكان اللون الأحمر مخصصا للإلهة سيريس؛ إلهة الحصاد، وكان ديونيسوس؛ إله الخمر، ذا وجه أحمر، وكان لون إيريس هو لون قوس قزح.
وفي الهند، كان لون بوذا هو الأصفر أو الذهبي. ووفقا للنصوص المقدسة البوذية فإنه: «لم يكد يطأ بقدمه اليمنى بوابة المدينة حتى انبعثت من جسده أشعة لستة ألوان مختلفة، وانتشرت في كل حدب وصوب فوق القصور وأبراج الباجودا، وزينتها بما يشبه بريق الذهب الأصفر، أو بما يشبه ألوان إحدى اللوحات.» أما إذا تفكر البوذا في خطايا البشر، فإنه حينئذ يرتدي اللون الأحمر. وتقول المصادر البوذية: «كان الرجل المبارك الذي يرتدي رداء من قماش أحمر مزدوج، ويربط نطاقه على خصره، ويلقي بردائه العلوي على كتفه اليمنى؛ يذهب إلى هناك ويجلس، ويظل وحيدا لبرهة، ويبدأ في التأمل.»
وفي الكتاب المقدس، في العهدين القديم والجديد، توجد إشارات كثيرة إلى الألوان، وتوصف الألوان عند ذكر خيمة البرية ذات الستائر الكتانية ذات اللون الأزرق والأرجواني والقرمزي؛ فلقد أمر الرب موسى أن: «كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة؛ من كل من يحثه قلبه السموح تأخذون تقدمتي، وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس، وإسمانجوني (أزرق) وأرجوان وقرمز وبوص (كتان)، وشعر معزى، وجلود كباش محمرة، وجلود تخس، وخشب سنط، وزيت للمنارة، وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر، وحجارة جزع، وحجارة ترصيع للرداء والصدرة.»
كان لون الله الأب أزرق وفقا لسفر الخروج، «ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف تبدو كذات السماء في النقاوة.» وتقول الأسطورة إن الوصايا العشر كانت مكتوبة على حجر عقيق أزرق، وإن العقيق الأحمر كان على مقدمة سفينة نوح.
ويشبه حزقيال الرب بقوس قزح فيقول: «ومثل منظر قوس قزح في الغيم في يوم ماطر، هكذا كان منظر النور من حوله . كان هذا هو مظهر ما يشبه مجد الرب.» ويستطرد حزقيال فيقول: «وفوق المقبب الذي على رءوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق، وعلى شبه العرش شبه منظر إنسان عليه من فوق، ورأيت مثل منظر النحاس اللامع (لون الكهرمان).»
ويرتبط اللون الأخضر الزمردي بالمسيح. ووفقا للقديس يوحنا اللاهوتي: «وكان الجالس في المنظر شبه عرش من حجر اليشب والعقيق، وكان يوجد قوس قزح حول العرش يشبه الزمرد.» واللون الأزرق بين المسيحيين يرتبط غالبا بمريم العذراء.
وما زالت رمزية الألوان في كل من اليهودية والمسيحية حاضرة في طقوس هاتين الديانتين. ومع تغير الملابس المختلفة الألوان من فصل لآخر قد تبهج الألوان العين، لكنها تخبرنا عن الاحتفالات والآلام التي كانت ذات معان مهمة قبل أن تكون جميلة. (5) الكواكب والنجوم
Неизвестная страница
كان القدماء يهتمون اهتماما مثيرا بالكون والشمس والنجوم والكواكب؛ لأنهم رأوا أنها هي المنظمة لكل أمور الحياة. ومعظم الأبنية الأثرية المتبقية من القرون الماضية تتكون من معابد وأضرحة، وليست منازل. وكان لزاما أن تكون الآثار المهمة أنيقة ومخصصة للقوى الإلهية، وليس للإنسان العادي. ومن الاكتشافات المميزة حقا تلك العلاقة الوثيقة والصوفية بين الألوان والعمارة. في الغالب، كانت المباني المصرية ذات أرضيات خضراء مثل المروج المحيطة بالنيل، وأسقف زرقاء مثل السماء.
دعوني أشر إلى مثالين رائعين على الرمزية اللونية في المعابد القديمة. منذ سنوات، أثناء رحلة استكشافية مشتركة ما بين المتحف البريطاني ومتحف بنسلفانيا، اكتشف الدكتور تشارلز ليونارد وولي «الزقورة» القديمة؛ جبل الرب، في منطقة أور الواقعة بين بغداد والخليج العربي، التي تعد واحدة من أقدم المباني في العالم. تلك الزقورة التي تعود إلى عام 2300 قبل الميلاد، كان يعتقد أنها المنزل الأصلي للنبي إبراهيم، والذي شيد قبل الطوفان. بلغ طول البرج 200 قدم، وبلغ عرضه 150 قدما، وكان ارتفاعه في الأصل حوالي 70 قدما. لقد كانت كتلة صلبة عملاقة من الحجر مكونة من أربع طبقات. ووجد وولي غيابا للخطوط المستقيمة. كانت المستويات الأفقية ناتئة للخارج، والمستويات الرأسية محدبة نسبيا، وهي سمة كان يعتقد قديما أنها ذات أصل إغريقي، وهي واضحة إلى حد كبير في مبنى البارثينون. كان لون الطبقة السفلى من البرج هو الأسود، وكانت الطبقة العليا حمراء اللون، وكان الضريح مغطى ببلاط مصقول أزرق اللون، وكان السقف مغطى بمعدن مطلي بالذهب. وكتب وولي فقال: «كان لهذه الألوان أهمية صوفية، وكانت تمثل أقسام الكون المختلفة، والعالم السفلي المظلم، والأرض الصالحة للسكن، والسموات والشمس.»
ثم اكتشف المزيد من «الزقورات» المهيبة؛ ففي القرن الخامس قبل الميلاد، كتب المؤرخ هيرودوت عن مدينة إكباتانا فقال: «بنى الميديون المدينة التي يطلق عليها الآن إكباتانا، وجدران تلك المدينة هائلة الحجم والقوة، وترتفع في دوائر بعضها داخل بعض. ويتمثل تصميم البناء في أن كل جدار لا بد أن يعلو على الجدار السابق له من خلال شرفات الحصن. وطبيعة الأرض المتمثلة في تل غير منحدر تفضل هذه الطريقة المستخدمة في البناء إلى حد ما، لكن تلك الطريقة متأثرة في الأساس بالناحية الفنية. عدد هذه الدوائر سبع، ويقف القصر الملكي والخزائن داخل الدائرة الأخيرة. ومحيط الجدار الخارجي يساوي تقريبا محيط الجدار الخارجي لمدينة أثينا. في هذا الجدار الأخير، تكون شرفات الحصن بيضاء، وتكون سوداء في الجدار التالي، وقرمزية في الثالث، وزرقاء في الرابع، وبرتقالية في الخامس، وكلها ملونة بالطلاء. أما الجداران الأخيران ففيهما الشرفات مغطاة باللونين الفضي والذهبي على الترتيب. كل هذه التحصينات أمر الملك ديوكس بتشييدها من أجل نفسه ومن أجل قصره.»
ووفقا لكل المؤشرات، فإن هيرودوت كان يشير إلى معبد نبوخذ نصر العملاق، الموجود في مدينة بورسيبا؛ المعروفة حاليا بمدينة بيرس نمرود. وقد اكتشفت أحجار ذلك المعبد في الأيام المعاصرة، ووجد أنها تحمل طابع الملك البابلي، الذي يبدو أنه أعاد بناء المعبد في القرن السابع قبل الميلاد. كانت قاعدة المبنى تبلغ 272 قدما مربعا، وترتفع لسبعة مدرجات كل منها يبعد عن نقطة مركزية. كتب جيمس فيرجسون عن هذا المعبد يقول: «هذا المعبد، كما عرفنا من فك رموز الشفرات المكتوبة على الأسطوانات الموجودة عند زواياه، كان إهداء إلى الكواكب السبعة أو الأجرام السماوية السبعة، ووجدنا وفقا لذلك أن المعبد مزين بالألوان الخاصة بتلك الكواكب، فكان المدرج السفلي الذي كثرت فيه الزينة بالقطع الخشبية أسود اللون مثل لون زحل، والمدرج التالي برتقالي اللون مثل لون المشتري، والثالث لونه أحمر رمزا للمريخ، والرابع أصفر؛ لأنه يخص الشمس، والخامس والسادس أخضر وأزرق على الترتيب؛ لأنهما مخصصان للزهرة وعطارد، وكان العلوي أبيض - على الأرجح - لأنه اللون الذي يخص القمر الذي كان مكانه في النظام الفلكي الكلداني في الأعلى.»
إن استخدام الألوان على هذا النحو هو بالطبع بعيد عن روح ومقصد اختيار الألوان المستخدمة في المباني في الوقت المعاصر. وأعتقد أنه من المهم تذكر أن الإنسان القديم كان صوفيا قبل أن يكون فنانا. وتوجد أدلة واضحة على أنه لم يعبر إلا قليلا عن مشاعره الخاصة، لكنه بدلا من ذلك نفذ التعليمات المعقدة التي أقرها الآخرون. كان أبو الهول وجهه أحمر اللون، وكان ملونا أيضا على هذا النحو زقورات آسيا الصغرى، وكافة أعمال العمارة والمنحوتات القديمة الإغريقية، وأهرامات ومعابد حضارة الإنكا ومايا والتولتك، وأضرحة المكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. (6) الثقافة
يمكن أن تستمر قصة التاريخ القديم للألوان إلى ما لا نهاية، ويمكن للقارئ المهتم بمعرفة ذلك التاريخ أن يستعين بكتاب آخر من مؤلفاتي. وختاما لهذا الفصل، إليكم ملاحظات متنوعة عن الألوان والثقافة التي تستمر في سرد الدور الرمزي والعملي للألوان في حياة الإنسان في الماضي (ستجدون المزيد من المراجعات التاريخية في مقدمات الفصول القادمة).
قد يتذكر المرء بعض الإشارات المتعلقة بالألوان من قبيل العصر الذهبي، الأرجواني الإمبراطوري، عقد الموف (الخبازي). في الصين، كان اللون الملكي لأسرة سونج الحاكمة (960-1127 ميلاديا) هو اللون البني، وكان اللون الملكي لأسرة مينج (1368-1644) هو اللون الأخضر، واللون الملكي لأسرة تشينج (1644-1911) هو الأصفر. وفي روما، كان الإمبراطور يرتدي الأرجواني تجسيدا لكوكب المشتري، وكان هذا اللون خاصا بالإمبراطور على نحو حصري.
وفي الهند، كان يوجد في الأصل أربع طبقات هي: البراهمة، والكشاتريون، والفايشاش، والشودر. وكما تقول القصة، فقد كان الجنس البشري مكونا من أربعة أعراق: من فم الخالق جاء البراهمة، ومن ذراعيه جاء الكشاتريون، ومن فخذيه جاء الفايشاش، ومن قدميه جاء الشودر. كانت هذه هي «الفارنات» الأربعة، و«فارنا» كلمة سنسكريتية تعني «لونا».
كان البراهمة بيض البشرة، وكان من المفترض أن يدرسوا، ويعلموا، ويقدموا القرابين لأنفسهم، ويكونوا كهنة لغيرهم. كانوا يعطون العطايا ويتسلمونها، وكانوا مميزين ومن طبقة مقدسة، وكان الكشاتريون حمر البشرة، وكان من المفترض أن يدرسوا لا أن يعلموا، وأن يقدموا قرابين بأنفسهم، لكن لم يكن مسموحا لهم بالعمل ككهنة. كان من المفترض أن يقدموا العطايا لا أن يأخذوها. كانوا يمثلون طبقة الجند، وحكموا وخاضوا الحروب. وكان الفايشاش صفر البشرة، وكانوا يمثلون طبقة التجار. كان مسموحا لهم بالدراسة وتقديم القرابين بأنفسهم، وتقديم العطايا، وزراعة الحقول، وتربية الماشية، والتجارة، وإقراض المال بفائدة، وكان الشودر سود البشرة، وكانوا ينتمون لطبقة الخدم، ويكسبون قوتهم من خلال العمل لدى الآخرين، وكان من الممكن أن يمارسوا بعض الفنون المفيدة، لكن لم يكن مسموحا لهم دراسة نصوص الفيدا المقدسة.
كانت الألوان مخصصة للكواكب ولعلامات دائرة البروج، وما زال المنجمون المعاصرون يخصصونها للكواكب أيضا (تذكر وصف هيرودوت لمدينة إكباتانا المقتبس في السابق).
Неизвестная страница
كانت لمختلف أشكال التراث ألوان خاصة لشعارات النبالة والأعلام والشعارات الرمزية، ودلالة رمزية لهذه الألوان استمرت حتى يومنا المعاصر، مثل تلك الموجودة في الملابس الدينية وفي الأوشحة الممثلة للمواد التي يتعلمها الطلاب في كبرى الكليات على النحو التالي: القرمزي للدين، الأزرق للفلسفة، الأبيض للفنون والآداب، الأخضر للطب، الأرجواني للحقوق، الأصفر الذهبي للعلوم، البرتقالي للهندسة، والوردي للموسيقى.
وتوجد لدى القبائل البدائية حتى يومنا الحاضر طقوس خاصة بالألوان متعلقة بالميلاد والموت، وختان الصبية، وبلوغ الفتيات، وحماية قتلة الأسود وقتلة البشر. وفي تلك الطقوس يلون أفراد القبيلة أجسامهم بالأصباغ، ويرتدون التمائم، ويعرضون الألوان السحرية في ملابسهم الشعائرية. لقد كانت الغرابة تكتنف ألوان القدماء، وكذلك الجمال، وإن جاء مصادفة.
وفيما يلي بعض الإشارات المثيرة المتعلقة بالأهمية الأسطورية والرمزية للألوان في حياة البشر على مر العصور. لقد كان اللون يستحوذ على حياة الإنسان البدائي والقديم من الميلاد إلى الممات؛ فمن وشاح التعميد الأرجواني الذي يرتديه الكاهن المسيحي في أوروبا، إلى الصبي الهندي الأحمر الذي كانوا يلطخون وجهه بالطين الأبيض عند ختانه، لطالما كان اللون في كل البقاع وفي كل الأمم واحدا من أولى وسائل التبرك لدى الإنسان، وآخر وسيلة تبرك مقدسة تغطي جسده؛ فقد كانوا عندما يصل الصغير إلى مرحلة الطفولة يحمونه بالطلاسم، ويخلصون منزله من الشرور من خلال سحر الألوان، وتقريبا كان كل ما هو متعلق بالحضارة والثقافة مرتبطا بألوان الطيف.
لقد كانت الحياة عزيزة، والدم مأساويا، والموت مروعا، وكان الإنسان في صراع لا ينتهي مع قوى الطبيعة، وإرادة الآلهة، ولعنة الشياطين. كان الإنسان يولد من جسد امرأة، وعندما يموت يتعفن جسده ويتحول للون الأسود. كان يختن، وكان منظر دم البلوغ يخيفه. كان يعزل ابنته، وكان واجبا تغطيتها باللون الأحمر، أو دفنها في التراب، أو حبسها في أحد الأكواخ، وكان لزاما أن تأتي ووجهها مخضب بالأحمر والأبيض؛ كي لا تلد وحوشا بعد زواجها. كان لزاما أن تتزوج، وكان لا بد أن تكون مراسم الزواج الأكثر بهجة بين الطقوس. ويجب أن تعج مراسم الزواج بالألوان، وكان لزاما حماية العروسين بقوة سحر الألوان طوال حياتهم الزوجية.
وبين اليهود القدماء، كانت طقوس الزواج تتم تحت التاليت؛ وهو وشاح حريري ذهبي اللون مدعوم بأربعة حبال، وكانت العروس تسير حول ذلك الوشاح سبع مرات تخليدا لذكرى حصار أريحا. وفي الهند، كانوا يستخدمون الخضاب الأحمر، وحتى الدم أيضا، وكانت العروس الهندوسية قبل ستة أيام من زفافها ترتدي ملابس صفراء قديمة رثة لإبعاد الأرواح الشريرة، وكانت ملابس طقوس الزفاف صفراء، وكذلك كانت ملابس الكاهن أيضا، وكانت الزوجة بمجرد أن تتزوج ترتدي ملابس صفراء عند عودة زوجها من رحلة طويلة.
وفي الصين، كانت العروس ترتدي رداء أحمر مطرزا بالتنانين، وكانت تحمل على كرسي زفاف أحمر مزين بمصابيح منقوش عليها اسم عائلة العريس باللون الأحمر، وكانت تحمل مظلة حمراء. كانوا يفرقعون من أجلها مفرقعات حمراء، وخلال مراسم الزفاف كان العروسان يشربان نخبا من خمر وعسل من قدحين مربوطين معا بشريط أحمر.
وفي اليابان، كان يقال إن ابنة الرجل الذي أطعم ألف حصان أبيض في منزله ستتزوج أميرا. وفي الهند الشرقية الهولندية، كانوا ينثرون الأرز الأحمر أو الأصفر على العريس لمنع روحه من الطيران. وكان الأحمر لون جرعة الحب السحرية، وكانوا يقولون لو أن اسمي فتى وفتاة كتبا على ورقة بيضاء بدم دجاجة؛ فإن هذه الفتاة ستصبح مفتونة بالفتى عندما تلمس بهذه الورقة.
وكان الأحمر والأصفر لوني الزواج في مصر والشرق وروسيا وجزر البلقان، وما زالا كذلك. وفي البلدان الغربية، كان الأزرق هو لون العبادة. وفي إحدى القصائد الإنجليزية القديمة، المعروفة للجميع، تنصح العروس بارتداء ما يلي:
شيء قديم، وشيء جديد.
شيء مستعار، وشيء أزرق.
Неизвестная страница
وإذا كانت مراسم الزواج مبهجة، فقد كانت طقوس الموت ثقيلة الوطأة، ومعقدة، ومهيبة. لقد واجه الإنسان أكبر الألغاز على الإطلاق، ودخل إلى عوالم لم يرجع منها أحد مطلقا. وعلى الرغم من أن الحياة الفانية الخالية من الخطايا قد تضمن خلاص الإنسان، فحتى الإنسان المخطئ قد لا يموت للأبد. ورغم ذلك، سواء كان الميت صالحا أم شريرا، فلا بد أن يدفن. ويجب أن تعد أسرته جسده وتجهز المقبرة بالتجهيزات الضرورية لرحلته إلى عالم الخالدين.
وفي البلاد البربرية، كانت خرافة غدر الشياطين تحكم السكان الأصليين، فعندما كان يقتل أحد أفراد شعب ناندي الذين يسكنون شرق أفريقيا فردا من قبيلة أخرى، فإنه كان يدهن جانبا من جسده ورمحه وسيفه باللون الأحمر، والجانب الآخر باللون الأبيض. وكان يعتقد أن هذا يحميه من شبح الضحية. وفي فيجي، كان الشخص الذي ضرب رجلا آخر بهراوة فأرداه قتيلا يلطخه زعيم القبيلة باللون الأحمر من شعر رأسه لأخمص قدميه. وفي جنوب أفريقيا، كان قاتل الأسود يدهن جسمه باللون الأبيض، ويجلس في عزلة لأربعة أيام، ثم يعود إلى قريته ولحمه مغطى باللون الأحمر.
أما اللون الأسود، فهو اللون العالمي للحداد بين كل الشعوب الغربية تقريبا؛ لأنه يشبه مظهر الموت تماما. وبعض القبائل البدائية يصبغون أسنانهم باللون الأسود بعد وفاة أحد أقاربهم. وفي إنجلترا، كانت ملابس الأرامل بيضاء مغطاة بالأسود. وكان الخدم أثناء الحداد على سادتهم يرتدون ملابس سوداء لا يخالطها أي لون آخر، حتى في الأزرار.
الفصل الثاني
الاستجابة البيولوجية
يتناول هذا الفصل ظواهر الضوء الأبيض والضوء الملون وتأثيرها على الكائنات الحية. يقول ريتشارد جيه وورتمان: «يبدو واضحا أن الضوء هو أهم عامل بيئي، بعد الغذاء، في التحكم في وظائف الجسم.» دعوني أتطرق إلى التأثيرات البيولوجية للضوء من خلال التعليق أولا على الأشكال الأخرى للطاقة الكهرومغناطيسية. إذا بدت الفقرات القليلة التالية أكاديمية بالنسبة للقارئ المثقف، فسامحوني من فضلكم.
المدى الكامل للطاقة الكهرومغناطيسية، وفيها الضوء المرئي والضوء الملون، مدى هائل. تسافر كل هذه الطاقة بسرعة تقدر بحوالي 186 ألف ميل في الثانية، وفقا لقياس ألبرت ميكلسون لها منذ عقود عدة مضت. وعلى الرغم من ثبات السرعة، فإن أطوال موجات الطاقة تختلف باختلاف قياسها من قشرة إلى أخرى، وعلى الرغم من أن قياسات تلك الموجات تتراوح ما بين عدة آلاف قدم عند أحد طرفي الطيف الكهرومغناطيسي وأجزاء متناهية الصغر من البوصة عند الطرف الآخر، فإن المجتمع العلمي راض إلى حد كبير عن دقة الأرقام. (1) تحت الضوء المرئي
تستخدم الموجات الطويلة في الاتصال اللاسلكي، بعد أن اخترعه جولييلمو ماركوني في مطلع القرن العشرين، وتستخدم تلك الموجات في الاتصالات الطويلة المسافة. وقد نقل ماركوني الإشارات لأول مرة عبر المحيط الأطلنطي في عام 1901. ومثل ذلك بداية عالم هائل من الاتصالات «اللاسلكية» التي تخدم اليوم أغراضا ضرورية في الحياة العصرية. وحصل ماركوني على جائزة نوبل في عام 1909. وثاني أطول الموجات الكهرومغناطيسية هي موجات الحث الحرارية التي تستخدم في رفع درجات الحرارة من أجل تصليد المعادن.
تحتل موجات البث التجاري (إيه إم: تضمين السعة) المرتبة الثالثة، وتتمتع هذه الموجات بالقدرة على الانعكاس من طبقة الأيونوسفير؛ ومن ثم السفر حول الأرض. وتستخدم نطاقات الموجات القصيرة في البث العام، وفي سيارات الشرطة، وسيارات الأجرة، وفي الاتصالات اللاسلكية في النطاق المدني التي ظهرت في سبعينيات القرن العشرين. أما الموجات المستخدمة في الإنفاذ الحراري؛ وهي الموجات القادرة على توليد الحرارة عبر أقطاب كهربائية مثبتة بجسم الإنسان لتخفيف التهاب المفاصل وألم الأعصاب؛ فهي الأقصر بين هذه الموجات.
وينقل بث راديو إف إم (تضمين التردد) والتليفزيون والرادار عندما تصبح الموجات أقصر. ولأن هذه الطاقة تخترق طبقة الأيونوسفير، فإنها لا تنعكس إلى الأرض. ورغم ذلك، فمن خلال إطلاق أقمار صناعية فوق الأرض، يمكن استخدام تلك المحطات الموجودة في السماء كمرايا كي تعكس هذه الموجات مرة أخرى. وتستخدم أبراج الموجات الدقيقة (الميكروويف) التي نراها في كل أنحاء المعمورة لنقل الرسائل من نقطة إلى أخرى في خطوط مستقيمة.
Неизвестная страница
وتخترق الأشعة تحت الحمراء الغلاف الجوي الثقيل. وبالاستعانة بكاميرات حساسة لهذه الطاقة سوف تلتقط صور للكون، لكنها غير مرئية للعين البشرية. ويمكن تسليط هذه الأشعة مثل البندقية لالتقاط أي شيء يشع حرارة، مثل أجسام جنود العدو (أو بقر الريف). أما الحرارة الإشعاعية المنبعثة من المشعات ومصابيح الأشعة تحت الحمراء فلها موجات تحت الضوء المرئي بكثير. (2) فوق الضوء المرئي
يتراوح نطاق المنطقة المرئية من طيف الموجات الكهرومغناطيسية ما بين الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي، وتتلاشى عند الأشعة فوق البنفسجية الطويلة الموجة. وقد ركز العلماء الأشعة ذات الضوء المرئي الموحد (غالبا الحمراء) في شعاع الليزر واستخدموها في تسليطها على القمر، وإنشاء قنوات اتصال، وقطع المعادن، وعمل ثقوب في قطع الماس، وإصلاح انفصال الشبكية في العين البشرية، بالإضافة إلى قائمة من الأمور المذهلة الأخرى التي تتزايد باستمرار. وأصبحت أشعة الليزر أيضا جزءا من التقنية الحديثة المسماة بالتصوير التجسيمي، الذي يخلق صورا ثلاثية الأبعاد دون استخدام طرق التصوير الفوتوغرافي التقليدية.
تنتج موجات الأشعة فوق البنفسجية الطويلة الفلورة في كثير من المواد، وتستخدم في مصباح الفلورسنت الحديث. والموجات فوق البنفسجية ذات الطول الموجي المتوسط تسفع الجلد (ويمكن أن تؤدي زيادة التعرض لها إلى الإصابة بالسرطان)، وتساعد في إفراز فيتامين د، وعلاوة على ذلك فإن إشعاع الأشعة فوق البنفسجية الأقصر طولا يقتل الجراثيم، ويعقم المواد الصلبة والماء والهواء.
تستخدم الأشعة الحدية أو الأشعة السينية «اللينة» في علاج بعض الأمراض الجلدية، وتستخدم الأشعة السينية ذات الطول الموجي القصير في أغراض التشخيص، في حين أن الأشعة السينية «الصلبة» تستخدم لعلاج الأورام والسرطانات العميقة داخل جسم الإنسان. وتستخدم أشعة جاما، التي اكتشفها بيير وماري كوري في عام 1898، في علاج الكثير من أنواع السرطان المميتة. أما انبعاثات الانشطار النووي المرتبط بالقنبلة الذرية، وقصف نواة الذرة، والمفاعل النووي، فما زالت أقصر من نظائرها، وأما الأشعة الأقصر طولا موجيا بين كل الموجات، فهي الأشعة الكونية المنتشرة في الكون، وهي بمنزلة اللغز. (3) مخاطر الطاقة الكهرومغناطيسية
لو كانت كل موجات الطاقة الكهرومغناطيسية مرئية للعين البشرية، لبدت وكأنها عاصفة ثلجية مسببة للعمى متجهة صوب الإنسان من كل الاتجاهات. إذن ما المخاطر التي تنطوي عليها تلك الطاقة؟ إن الإنسان مدرك للغاية لأخطار التعرض الزائد للطاقة النووية، ولإشعاع الراديوم والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية الزائدة عن الحد. كما أن المفاعلات النووية معرضة باستمرار للهجوم العام. ووقوع حوادث في تلك الأماكن من الممكن أن يؤدي بالفعل إلى نتائج كارثية، لكن ماذا عن الطاقة التي يفترض أنها غير ضارة؟ إن أجهزة التليفزيون الملون تبعث إشعاعا غير مرغوب فيه، واليوم أصبح مطلوبا من الناحية القانونية أن تزود تلك الأجهزة بدروع حماية على نحو مناسب. ويمكنك الشعور بهذه الطاقة عند وضع يدك بالقرب من شاشة التليفزيون. كما خضعت أفران الميكروويف أيضا للرقابة، ولا بد أن تزود بدرع حماية. وكما قال أحد مهندسي الإلكترونيات المتشككين بلهجة تحذيرية: «إن أفضل طريق لإعداد الطعام هو وضعه في الفرن، وغلق باب الفرن وتشغيله، والخروج مسرعا من المطبخ!»
يتعرض الناس عادة للإشعاع من أجهزة التليفزيون، ومن وسائل البث اللاسلكي باستخدام نظام تضمين السعة ونظام تضمين التردد، ومن أبراج الإرسال التليفوني، ومن أنظمة الاتصالات اللاسلكية والرادار المستخدمة في الشرطة وإذاعات النشرة الجوية وإذاعات المطارات، والإذاعات ذات النطاق المدني، والمحركات الكهربائية، والمولدات الكهربائية، وخطوط نقل البيانات العالية القوة، ولا داعي لذكر المخاطر المعروفة جيدا. كتب جون أوط في كتابه «الصحة والضوء» فقال: «وردتنا تقارير أيضا من مقاطعة مانيتوبا في كندا تفيد بأن قطعان الأبقار الحلوب الموجودة على مسافة ميلين من أبراج الإرسال التليفوني المعتمدة على موجات الميكروويف؛ قد انخفض إنتاجها من الحليب انخفاضا كبيرا، بالإضافة إلى الدواجن التي أصبحت تنتج جزءا قليلا من إنتاجها المعتاد من البيض، فضلا عن إصابة أسراب من الدجاج بحالة هياج هستيري مفاجئ لم يستدل على سببه.»
تطل علينا الأخبار اليوم بمقالات تتحدث عن المخاطر المتعلقة باستنزاف الأكسجين في طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي للأرض؛ تلك الطبقة التي تمتص بكفاءة إشعاع الأشعة فوق البنفسجية المميت. وتقول تلك المقالات إن الطائرات التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، والغاز المنبعث من رشاشات الأيروسول، وكذلك تجارب القنابل الذرية تستنزف الأكسجين. وإذا زادت نسبة وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض، فسوف تتدمر الكثير من أشكال الحياة النباتية والحيوانية، وسوف يحتاج الإنسان إلى حماية مناسبة من تلك الأشعة. أما الآثار البيولوجية لمصادر الإضاءة الصناعية (سوف نتحدث عنها بمزيد من الاستفاضة في الفصل القادم)، فتمثل مصدر قلق أقل تهديدا من غيره. وقد كثر الحديث عن «التلوث الضوئي»، ويقصد به غياب الضوء المتوازن أو ضوء الطيف الكامل. وتوجد أسباب وجيهة تجعل الإنسان ينظر بعين الريبة لوسائل الإضاءة التي لا ترقى للمصادر الطبيعية، المتمثلة في ضوء الشمس، أو ضوء السماء المتمثل في النجوم والقمر. وسوف أشدد على هذه النقطة في الصفحات القادمة. سوف أناقش أهمية الألوان للنباتات والحشرات والأسماك والطيور والحيوانات والبشر. (4) النباتات
أجري عدد كبير من الأبحاث حول تأثيرات الألوان على الحياة النباتية. وكان من ضمن الباحثين البارزين في هذا المجال إتش إيه بورثويك؛ من وزارة الزراعة الأمريكية، وستيوارت دون؛ من جامعة نيو هامبشاير، وآر فان دير فين وجيه مايور؛ من معامل أبحاث فيليبس في هولندا. لاحظ بورثويك وجود عداء بين الضوء الأحمر المرئي والأشعة تحت الحمراء غير المرئية؛ فالضوء الأحمر يؤدي إلى تبرعم بذرة الخس على سبيل المثال، في حين أن الأشعة تحت الحمراء تؤدي إلى موت البراعم. وبالمثل، يثبط الضوء الأحمر إزهار نباتات النهار القصير، ويدعم إزهار نباتات النهار الطويل. وقال فان دير فين ومايور إن النباتات تمتص الضوء الأحمر امتصاصا فائقا؛ ومن ثم يحدث نمو للنباتات على النحو الأكمل. وكان للضوء الأزرق تأثيرات مشابهة، لكن نشاط النباتات ظل حياديا أو انخفض مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر، ودمرت الأشعة فوق البنفسجية النبات.
الغريب في الأمر أن النباتات سجلت أعلى استجابة للضوء الأحمر والضوء الأزرق، وكانت غير نشطة مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر المصفر. أما العين البشرية، فتجد أعلى حساسية (قدرة على الرؤية) مع الضوء الأصفر والضوء الأخضر المصفر. وفي صوبة زجاجية ذات ضوء صناعي ضعيف، تكون الإضاءة الخضراء «آمنة» للنباتات؛ لأن استجابة النبات لها إن وجدت فإنها ستكون قليلة. ويقول فان دير فين ومايو إن تأثير هذا الضوء على عالم فسيولوجيا النبات «يشبه تأثير الضوء الأحمر الياقوتي على مصور فوتوغرافي.»
وفي رسالة إلى المؤلف، ناقش ستيوارت دون؛ الباحث في مختبرات فسيولوجيا النباتات بجامعة نيو هامبشاير، نمو شتلات الطماطم فقال: «كان الإنتاج الصادر عن ضوء المصابيح البيضاء الدافئة هو الأعلى بين كل مصابيح الفلورسنت المتاحة في الأسواق. واحتل المرتبة التالية إنتاج المصابيح الزرقاء والوردية. وكانت إنتاجية المصابيح الخضراء والحمراء منخفضة. حققت المصابيح الحمراء التجريبية «العالية الشدة الضوئية» أعلى إنتاج بين كل المصابيح. أما نمو الساق (الاستطالة)، فيزيد زيادة كبيرة في وجود الجزء الأصفر من الطيف الضوئي ...» لكن «العصارة تزيد عن طريق الموجات الضوئية الطويلة (الأحمر)، وتقل عن طريق الضوء الأزرق.»
Неизвестная страница
ويمكن التعجيل بتفتح زهور الأقحوان من خلال تغطية النباتات بقطعة قماش لجزء من النهار لتقليل طول تعرضها للضوء، ويمكن التحكم في الأوراق الملونة لزهرة بنت القنصل (البوينسيتيا) على نحو مشابه من خلال زيادة ساعات إضافية من التعرض للضوء في أوقات معينة. واقتباسا من مقالة لفيكتور إيه جرولياك: «تتضمن الأنواع الشائعة من نباتات النهار القصير كلا من الأزهار النجمية، وعشبة الخنازير، وزهور الداليا، والقسموس، وزهرة بنت القنصل، والأقحوان، والسرو المتسلق، والكبوسين أبو خنجر، وفول الصويا، والتبغ، وكل أزهار بداية فصل الربيع؛ مثل البنفسج وزهور الدموية (جذر الدم). ومعظم خضراوات الحدائق ومحاصيل المزارع تنتمي لنباتات النهار الطويل. وينمو القمح على نحو سريع عند زيادة ساعات النهار. وباستخدام الضوء الكهربائي لزيادة طول النهار، نمت ثلاثة أجيال من القمح في سنة واحدة. إن ساعات النهار الطويلة للغاية في صيف ولاية ألاسكا مسئولة إلى حد كبير عن زيادة محاصيل القش والقمح والبطاطس والخضراوات التي تنمو في ألاسكا. وفي المقام الأول، تتسبب زيادة طول ساعات النهار في الجزء الشمالي من وادي سنترال فالي في ولاية كاليفورنيا في نضج البرتقال في تلك المنطقة؛ ليصبح جاهزا لغزو الأسواق قبل أسابيع عدة من محصول البرتقال الذي ينمو على بعد أربعمائة ميل في النصف الآخر من الوادي في أقصى الجنوب.
نعتقد عادة أن النباتات الدائمة الإزهار أو النباتات الدائمة الإثمار هي أنواع خاصة بأصناف مثل الورد أو الفراولة، لكن كثيرا من النباتات يمكن أن تصبح دائمة الإزهار عندما نجعل طول ساعات النهار ضمن نطاق الإزهار الطبيعي. وهذا النطاق ضيق نسبيا بالنسبة لمعظم النباتات؛ ولذلك تقل النباتات الدائمة الإزهار في المناطق معتدلة المناخ التي تتغير فيها باستمرار مدة النهار. أما في المناطق الاستوائية التي تصل فيها ساعات النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، أو ما يقرب من ذلك طوال السنة، فنجد أن النباتات دائمة الإزهار هي القاعدة وليست الاستثناء، تماما كما قد تتوقع.»
إذا كانت الدورات الطبيعية لتعاقب الليل والنهار ليست مضبوطة وفقا لاحتياجات النبات، فقد تحدث المشاكل، وقد قال جون أوط عن نبات بنت القنصل (البوينسيتيا): «سمعت قصة من هونولولو تفيد بأن غرفة التجارة هناك وقعت في صعوبة عندما حاولت تشغيل مصابيح الضوء الغامر على بعض زهور البوينسيتيا في إحدى الحدائق. ومن المعروف أيضا أن وجود ضوء الشارع على مقربة شديدة من إحدى صوب البوينسيتيا سوف يسبب كافة أنواع مشاكل الإزهار للنبات.»
من المعروف أن مصابيح إنارة الشوارع تسبب الموت المبكر للشجر، وقد يكون سبب ذلك أنها تحث الشجرة على البدء في نمو غير طبيعي. وأضاف أوط بعض القصص العجيبة عن النباتات والضوء فقال: «ومن المثير أن تضع نبات الشمعية الذي يتفتح ليلا ونبات الصبار الذي يتفتح نهارا جنبا إلى جنب داخل خزانة مظلمة تماما، وتلاحظ أن النبات الليلي يتفتح في وقت الليل ثم يغلق خلال وقت النهار، بينما النبات النهاري يستجيب على نحو معاكس، بغض النظر عما إذا كان المصباح المتوهج العادي موقدا أم مطفأ. ومن الأمثلة الجيدة الأخرى: الطريقة التي يبسط فيها نبات المستحية أوراقه ويخفض فروعه ليلا، ثم يستعيد وضعيته النهارية عند شروق الشمس في الصباح التالي. وإذا وضعت نبتة المستحية في خزانة مظلمة خلال فترة النهار، فإن أوراقها تظل متفتحة في وضعية وقت النهار حتى تغرب الشمس خارج الخزانة. وسوف تستأنف النبتة وضعيتها النهارية عندما تشرق الشمس حتى لو ظلت داخل الخزانة المظلمة.» وهذا يجعل المرء يتساءل عن السحر الكامن وراء تلك الظواهر!
وفي فرنسا، أدى تعريض البطاطس للضوء الأحمر إلى تحفيز الإنبات، وحققت غلات المحاصيل نسبا مرضية. وعلى نحو سريع، أصبحت زراعة النباتات الزهرية في ظل إضاءة صناعية كاملة هواية قومية في الولايات المتحدة؛ ما جعل لغز وسحر الألوان أكثر إثارة للرجل العادي. (5) الحشرات
كثير من الحشرات إحساسها بالألوان ضعيف؛ فهي غير حساسة للون الأحمر، لكنها حساسة للون الأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي، وكذلك اللون فوق البنفسجي غير المرئي للإنسان. واختبرت مجموعة من الباحثين هم: إتش بي وايس، وإف إيه سوروسي، وإي إي ماكوي الابن، ما يقرب من 4500 حشرة، معظمها من الخنافس، ووجدوا أن 72 بالمائة من الحشرات استجابت بإيجابية لبعض الأطوال الموجية، بينما استجابت نسبة 33 بالمائة للأخضر المصفر، واستجابت نسبة 14 بالمائة للأزرق البنفسجي، واستجابت نسبة 11 بالمائة للأزرق، واستجابت نسبة 11 بالمائة للون فوق البنفسجي. وأظهر عدد قليل من الحشرات بعض الانجذاب إلى الألوان الدافئة؛ «ولذلك يبدو عموما أن الأطوال الموجية الأقصر للضوء أكثر تحفيزا وجاذبية، في حين أن الأطوال الموجية الأطول أقل تحفيزا إلى قدر كبير، وربما منفرة بطبيعتها لأشكال الحياة من رتبة غمديات الأجنحة [الخنافس].»
تستطيع الحشرات أيضا رؤية الأشعة فوق البنفسجية ورؤية ترددات تقترب من الأشعة السينية. ووجد فون فريش أن النحل يستطيع رؤية الفرق بين الأزرق والرمادي إذا كانا على نفس الدرجة من السطوع، لكنه تشوش عند إجراء الاختبار نفسه مع اللون الأحمر. وليست الحشرات وحدها التي لديها نطاق رؤية للألوان مختلف عن نطاق الطيور أو الإنسان، بل الزهور أيضا قد يختلف مظهرها بالنسبة لها؛ فبعض الأزهار (مثل البقلة الحمراء) تعكس الأشعة فوق البنفسجية، بينما الزهور الأخرى (مثل الزينية الحمراء) لا تعكسها. علاوة على ذلك، فالأشكال الموجودة على أجنحة بعض الفراشات والعثث سيكون تكوينها مختلفا تحت ضوء النهار الطبيعي عنه تحت الأشعة فوق البنفسجية.
إن المصابيح الكهربائية الصفراء التي تروج دعائيا على أنها طاردة للحشرات هي في الحقيقة مجرد مصابيح لا تحتوي على عامل جذب الحشرات، بينما تعد الأشعة فوق البنفسجية مصدر إغراء حاسما. ويبدو أن البعوض ينفر من الألوان الفاتحة وينجذب إلى الألوان القاتمة. وعند تبطين بعض العلب بقماش رقيق باللون الأزرق الكحلي والوردي والأصفر، تجمع قدر أكبر من الحشرات على العلب الزرقاء أكثر من العلب الوردية أو الصفراء. (6) الأسماك
قال جوردون لين وولز في كتاب «عيون الفقاريات»: «لا يعرف عن أي سمكة عدم امتلاكها القدرة على رؤية الألوان.» واستنتج أيضا أن: «الأسماك عموما تبدو إما كارهة للون الأحمر وإما مفضلة له على نحو حاسم.» في الماء يمتص الإشعاع الأحمر سريعا، بينما الأشعة الزرقاء وفوق البنفسجية لا يتم امتصاصها.
درس جون أوط؛ الباحث في معهد أبحاث الصحة البيئية والضوء، أنواعا أعلى من الأحياء البحرية، ولاحظ تأثيرات الأطوال الموجية المختلفة وشدة الضوء على الأسماك الاستوائية؛ فالأسماك الصغيرة التي أنتجت في ظل إضاءة فلورسنت وردية بلغت نسبة الإناث فيها 80 بالمائة، وبلغت نسبة الذكور فيها 20 بالمائة، ولم تنتج أي صغار في ظل الضوء الفلورسنت الأزرق، بل إن كميات الضوء الضعيفة للغاية تؤثر على التطور الطبيعي للسمك. ويناقش أوط معدل الوفاة في بيض السلمون المرقط في مفرخة ولاية نيويورك، الذي ارتفع فجأة إلى 90 بالمائة بعد أن كان أقل من 10 بالمائة، قائلا: «أرجع الدكتور ألفريد بيرلموتر - من جامعة نيويورك - السبب إلى تركيب مصابيح فلورسنت 40 واط في السقف، ووجد باحث آخر يدرس سمك تراوت قوس قزح أن المكون البنفسجي والمكون الأزرق للضوء الأبيض أو المرئي لهما تأثير مميت أكثر من تأثير الألوان الخضراء والصفراء والبرتقالية.» (7) الطيور
Неизвестная страница
تتميز الطيور برؤية فائقة للألوان لا سيما اللون الأحمر، ويقال إن هجرة الطيور تتأثر بطول مدة النهار. عندما تصبح أيام الصيف أقصر، يستحث الطائر شيء داخله (ربما من خلال الغدة النخامية) كي يسافر لمناطق أفضل من الناحية المناخية. وقد يحدث هذا حتى عندما تصبح محاصيل الخريف ناضجة، وتكون البذور والحشرات وافرة.
يعرض الفلاحون الهولنديون واليابانيون الطيور المغردة لقدر أعلى من الإضاءة لتحفيزها على الغناء. ووجد أحد العلماء الإنجليز أن الزرازير التي تعيش في سيرك بيكاديلي في لندن وما حوله تتزاوج في وقت لا تتزاوج فيه طيور الزرازير الأخرى الموجودة في أكسفورد. وافترض هذا العالم أن السبب وراء ذلك هو ضوء مسارح برودواي. ولزيادة إنتاج بيض الدجاج والبط، يستخدم غالبا مزيد من الإضاءة لإكمال مدة ضوء النهار.
هل يوجد لون منفر للطيور؟ لقد نثرت حبوب مسمومة في أحد الحقول لقتل الفئران (التي لا ترى الألوان)، وتناولت الطيور تلك الحبوب دون تمييز. ولو كانت الحبوب المسمومة قد صبغت باللون الأخضر ما كان هذا سيشكل أي فارق بالنسبة للفئران، لكن الطيور كانت ستعتبر تلك الحبوب غير ناضجة وتبتعد عنها. وقد فكر البريطانيون في استخدام ملون أرجواني على مدارج الطائرات لتنفير الطيور، وربما لإبعادها. (8) الحيوانات
إن طول مدة النهار له تأثيرات مشابهة على الحيوانات، ويقول فريدريك إيلينجر إن مدة ضوء النهار تبدو السمة الأهم من كل السمات في تحفيز أو تثبيط النشاط الجنسي. وفيما يلي ما قاله إيلينجر في كتابه «الأساسيات البيولوجية للعلاج الإشعاعي»، إذ قال إن الخيول والحمير تتزاوج خلال الفصول التي يكون فيها ضوء النهار طويلا، ويقل نشاطها الجنسي من أكتوبر إلى يناير. وعند تعريض الفرسات إلى إضاءة إضافية خلال شهور الشتاء قد يتأثر نشاط التبويض. وتقل الخصوبة في الماشية والأغنام والخنازير خلال شهور الصيف. وفي هذه الأنواع من الحيوانات السالفة الذكر يقتصر النشاط الجنسي عادة على فصلي الخريف والشتاء.
ويروي إيلينجر المزيد عن باحث من ألاسكا يدعى دبليو جيه سويتمان: «حصل على تحسن في خصوبة الحيوانات خلال فصل الشتاء من خلال توفير الإضاءة للحيوانات [الأبقار] لمدة 14 ساعة يوميا، في حين أن ضوء النهار في ذلك الوقت من السنة يستمر فقط لمدة تتراوح ما بين ست وثماني ساعات.» ووجد عالم آخر يدعى إتش جيه فون شومان «أن عدد ساعات ضوء الشمس هو العامل الأهم في تكوين القرون» عند الأيائل. وافترض أن الحيوان يمتص ضوء الشمس من خلال جلده؛ مما يؤدي إلى تكوين فيتامين «د» وتعزيز نمو القرن. وتمكن عالم حيوان يدعى تي إتش بيسونت من تحويل لون حيوانات بنات عرس إلى الأبيض في الصيف بدلا من الشتاء؛ من خلال تنظيم تعرضها لضوء النهار. ونجح أيضا في جعل الماعز تدر لبنا في أوقات من العام لا تدر فيها اللبن؛ وذلك من خلال التحكم في تعرضها للضوء.
وفيما يتعلق ب «لون» الضوء، وفقا لما قاله أوط، فإن الأشخاص الذين يربون الشنشيلات سوف يحصلون على نسبة عالية نسبيا من الذكور إذا ظلت الحيوانات معرضة لضوء مصباح متوهج (دافئ) عادي، وبالمثل سوف يحصلون على نسبة عالية من الإناث إذا ظلت الحيوانات معرضة لضوء مصباح متوهج (أزرق) يشبه ضوء النهار. إن استخدام مصابيح ضوء النهار الزرقاء أصبح الآن ممارسة تجارية. وربما قد تجد المشكلة الأزلية؛ المتمثلة في تفضيل الأجناس في المواليد من بني البشر، حلا بواسطة الضوء الملون!
ويصف أوط دراسة حالة تمثلت في حبس حيوانات المنك خلف نوافذ بلاستيكية مختلفة الألوان. حيوانات المنك عادة تكون شرسة خلال فترة التزاوج. أصبحت الحيوانات المحبوسة وراء النوافذ ذات اللون الوردي أكثر عدوانية، بينما الحيوانات المحبوسة وراء النوافذ البلاستيكية الزرقاء أصبحت أكثر وداعة، ومن الممكن التعامل معها مثل الحيوانات الأليفة التي تربى في المنزل. وأصبحت كل الإناث حوامل بعد التزاوج. أما الاستنتاج التجريبي من هذه الدراسة، فهو أن الإنسان مثل حيوان المنك يبدو أنه يستثار بالإشعاع الأحمر، ويهدأ تحت تأثير الإشعاع الأزرق. (9) البشر
كتب الدكتور توماس آر سي سيسون يقول: «إن الضوء لا يقدم الإنارة فحسب للوجود البشري، لكنه يؤثر تأثيرا بدنيا قويا يشمل مكونات كثيرة داخل جسم الإنسان، وبعض العمليات الاستقلابية، وحياة وتوليد الخلايا، وحتى إيقاعات الحياة. إن الضوء موجود في كل مكان، ويمكن استغلاله، وهو ليس حميدا بالكامل.» وما يدهش كثيرا من الناس هو أن قدر اختراق الضوء «المرئي» لعضلات وأنسجة الحيوانات والبشر أكبر مما كان يتخيل البشر في السابق. وفي حين أن الأشعة تحت الحمراء تخترق العضلات والأنسجة أيضا، فإن الأشعة فوق البنفسجية لا تخترق، لكنها تؤثر فقط على الجلد تأثير سطحيا (لكنه مميت). ويختتم سيسون كلامه قائلا: «سوف تنفذ كميات هائلة [من الضوء المرئي] عبر الجلد، ونسيج تحت الجلد، وحتى الأعضاء المركزية، إذا كانت شدة الضوء قوية بما يكفي.» وجعل إي إي وشركاه الضوء يخترق جماجم الأغنام والكلاب والأرانب فوجدوا «أن الضوء يصل إلى الفصوص الصدغية والوطاء في مجموعة أنواع من الثدييات.» والوطاء هو جزء في الدماغ - في قاع الدماغ - يعتقد أنه يحتوي على مراكز عصبية ذاتية وألياف عصبية ذاتية حيوية تتحكم في وظائف مثل التنفس وحركة القلب والهضم. وعند تأثر الحيوان بالضوء، فإنه يستجيب طبيعيا إما بطرق مفضلة، وإما بطرق إيجابية أو سلبية؛ اعتمادا على احتياجاته. وفي مقال لدورية إندروكرينولوجي (72: 962، 1963) توصل دبليو إف جانونج وآخرون إلى استنتاج يقول إن: «الضوء البيئي يمكنه اختراق جمجمة الثدييات بقدر يكفي لتحفيز الخلايا الكهروضوئية الموجودة في نسيج الدماغ.» وهذا يعني أن الضوء ضروري لحياة صحية وعادية، وأن الطبيعة طورت طرقا تؤثر بها على الجسم من خلال أنسجة الجلد والعيون، وحتى الجمجمة نفسها. (9-1) تعاقب فترات الضوء والظلام
من المؤكد أن الضوء ضروري للوجود البشري، وكذلك تعاقب الضوء والظلام. وحيث إن الضوء والظلام يسببان تأثيرات فسيولوجية مختلفة في الجسم؛ فدرجة حرارة الجسم، على سبيل المثال، سوف تتغير. وتأثير الضوء قد يحفز إفراز الهرمونات في مجرى الدم، وقد يشعر الأشخاص الذين يسافرون من الغرب إلى الشرق بفترات نعاس، ومتاعب بدنية، واضطراب ذهني. وقد يتطلب السفر إلى الفضاء تعاقب فترات الضوء والظلام في الإضاءة الصناعية للحفاظ على سلامة الجسم البشري. ولا يقتصر الأمر على الضوء فحسب، بل يلزم تنظيم فترات التعرض للضوء.
إذا اضطربت فترات تعاقب النهار والليل، أو طالت على نحو غير معتاد، فقد يتبع ذلك نتائج غريبة. إليكم مثالين على ذلك: قد يتوقف الحيض لدى نساء الإسكيمو خلال ليل القطب الشمالي الطويل، وقد تسكن الشهوة الجنسية عند رجال الإسكيمو أيضا. هذا الأمر ليس على الإطلاق سمة عرقية ينفرد بها شعب الإسكيمو؛ فهذه التأثيرات نفسها يبدو أنها تحدث لأي شخص يتعرض لتناوب فترات طويلة من ضوء الشمس والظلام. مع بداية الشتاء الطويل في القطب الشمالي تقل الرغبة الجنسية لدى البشر، وتنتعش الرغبة مرة أخرى مع بداية الربيع. وقد تتزوج الفتيات في قبائل جرينلاند الشمالية في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، لكن قد لا يحدث الطمث إلا بعد بلوغهن سن التاسعة عشرة أو العشرين. وعادة يولد أطفال الإسكيمو بعد تسعة أشهر من قدوم الربيع وعودة شمس القطب الشمالي.
Неизвестная страница
في مقالة كتبها فرانسيس ويديش بعنوان: «العقل الرنان»، أشار إلى قرية في أمريكا الجنوبية انخفض فيها معدل المواليد بعد تركيب المصابيح الكهربية في القرية. وفي حين أن القرويين ربما وجدوا استخدامات أخرى لساعات الإضاءة الإضافية بخلاف التناسل، فقد كتب الدكتور إدمون ديوان مقالة مثيرة بعنوان: «عن إمكانية تطوير وسيلة تحديد نسل مثالية تعتمد على تناوب فترات التحفيز الضوئي». فمع تشغيل الإضاءة الصناعية الإضافية خلال أيام معينة من الشهر، من المحتمل أن تقل فرصة الإخصاب. ولو كانت المصابيح زرقاء وليست حمراء (حيث يقال إن اللون الأحمر مثير جنسيا)، فقد يزيد التحكم في تحديد النسل. (9-2) الحرمان من الضوء
إن انعدام الضوء يؤدي أيضا إلى نتائج غريبة. المكفوفون، بطبيعة الحال، يستجيبون للضوء من خلال الجلد مثل أي شخص. وقد يعاني عمال المناجم الذين يعملون لفترات طويلة في الظلام أو في بيئة شبه مظلمة من مشاكل في العين، مثل دوران مقلة العين على نحو لا يمكن السيطرة عليه.
وتتحدث مهنة الطب عن حالات التشنج الإيمائي في الأطفال الرضع، وتعني هذه الحالة العجز عن النمو. وفي سلسلة من الحالات التي أوردها الدكتور ويليام بي روثني، يتضح أن الضوء، أي ضوء في المطلق، يعد مهما للغاية حتى بالنسبة لحديثي الولادة. وقد دخل المستشفيات عدد كبير من الرضع بسبب عدم استجابتهم للرعاية المقدمة في المنزل. وعلى الرغم من أنه في كل الحالات كانت هناك «أدلة على إهمال الوالدين ... فإنه عند فحص منازلهم تبين أن كل رضيع من هؤلاء الصغار يقضي معظم وقته، إن لم يكن كل وقته، في بيئة مظلمة»؛ إذ من المحتمل أن تكون الأم منشغلة بمشاهدة التليفزيون أو تفضل الانعزال عن الحياة أو العالم. وفي أي من الحالات، فعند تعريض الصغار للضوء ومنحهم الحب والعطف، استأنفوا الصحة والنمو على نحو طبيعي. (9-3) التعرض للضوء لفترات طويلة
على النقيض مما سبق، فإن التعرض للضوء باستمرار وعلى نحو غير منقطع قد يؤدي أيضا إلى مشاكل. وقد أجرى البروفيسور تي آر سي سيسون؛ أستاذ طب الأطفال ورئيس معمل أبحاث حديثي الولادة بكلية طب جامعة تمبل في فيلادلفيا، عدة تجارب حول «آثار التعرض المستمر للضوء على التواتر البيولوجي لهرمون النمو البشري في البلازما». ونظرا لأن الاستجابة المستمرة للضوء يصعب تحملها، حتى بين البالغين وأعينهم مغمضة، فإن مثل هذا التعرض يجعل تكيف الأطفال معه أمرا مستحيلا. وتمثلت التجربة في تعريض حديثي الولادة لفترات متفاوتة من حيث مدة وشدة الإضاءة. الأطفال، بطبيعة الحال، يكتسبون نظما «فوق يومي» عند التعرض للضوء والظلام. واستنتج سيسون أن الإضاءة المستمرة في حضانة المستشفى (تلك الإضاءة الملائمة للممرضات) «إما أنها تمنع أو تدمر النظم اليومي لهرمون النمو البشري في بلازما الدم، الذي يظهر وجوده في الأطفال الحديثي الولادة عند تعرضهم لفترات متعاقبة من الظلام والضوء، كما أنها ترجح خطأ الإضاءة المستمرة في الحضانات.» (9-4) تأثيرات الألوان
إن تأثيرات الألوان البيولوجية والبصرية والنفسية يناقشها هذا الكتاب في فصول أخرى. أما سيسون فقد كتب قائلا: «أوضحت دراسات بارعة تدور حول تأثيرات البقاء المستمر في بيئة مظلمة أو بيئة مضيئة، وتأثيرات الضوء ذي توزيعات الطاقة الطيفية المختلفة؛ وجود تأثيرات على حجم العضو، وأنماط النمو والنضج الجنسي في بعض أنواع الحيوانات التي من الممكن أن يكون الإنسان من ضمنها.»
كيف يمكن قياس تأثيرات «الألوان» على نحو دقيق؟ لقد ركزت معظم أعمالي التي تناولت الألوان والبشر (وقد كانت تلك الأعمال مستفيضة إلى حد كبير) على الاستجابات النفسية والعاطفية أكثر من تركيزها على الاستجابات البيولوجية. وكما هو مذكور على نحو مختصر في الفصل السادس، فإن جهاز البوليجراف (جهاز كشف الكذب) يمكن استخدامه في قياس التنفس، والنبض، وتوصيل راحة اليد للكهرباء (استجابة الجلد)، وغيرها من الأفعال الفسيولوجية الأخرى، بينما جهاز تخطيط كهربية الدماغ (جهاز رسم المخ) يمكن استخدامه لقياس موجات الدماغ. لقد تم التحقق من التأثيرات المختلفة للألوان مرارا وتكرارا، وأي شخص يشكك في هذه التأثيرات فإن لزاما عليه إما الاعتراف بتحيزه، وإما بانعزاله عن مكتشفات مختبرات العلم الحديثة.
إذا عدنا إلى التاريخ القريب، فسنجد أن سيدني إل بريسي كتب مقالة عن «تأثيرات الألوان على الكفاءة العقلية والحركية». في ذلك الوقت؛ أي منذ ما يزيد عن 50 سنة، كانت شهادة المعالجين بالألوان، أمثال إدوين دي بابيت، ما زالت تحظى بالمصداقية رغم تكذيبات الطب المعترف به. وتدريجيا حطم بريسي تأكيدات الآخرين الذين سبقوه، يقول: «سيبدو من المعقول استنتاج أنه إذا كان للون «حقا» أي كفاءة ذهنية وحركية جوهرية، فلا بد أن تكون العلاقة ذات طبيعة عامة وأولية للغاية؛ كأن يؤدي السطوع إلى التحفيز، أو أن يسبب اللون الأحمر الضيق والتشتت، لكن لا يمكن توقع تأثيرات أكثر تحديدا.» وأعلن باحث آخر؛ يدعى هيرمان فولمر، في مقال بعنوان «دراسات عن التأثير البيولوجي للضوء الملون» أنه «لا يمكننا على الإطلاق إيجاد قاسم بيولوجي مشترك بين البيانات التجريبية المختلفة.» فعلى سبيل المثال، عارض فولمر نتائج معينة تقول إن معدل نمو الفئران كان أكبر في ظل تعرضها للضوء الأحمر، وأدى ذلك إلى مزحة كلاسيكية ساذجة نوعا ما تقول: «إن زيادة الوزن في الحيوانات الحمراء في نهاية التجربة كان تفسيرها يعود جزئيا إلى حمل أحد هذه الحيوانات.»
ومن الأخطاء الشائعة التي حقا لا تغتفر في معظم أبحاث الألوان، أن كثيرا من القائمين على هذه الأبحاث قد لا يدركون أن تأثيرات الألوان تكون دائما مؤقتة؛ فالتعرض للون لا يسبب استجابات تستمر لفترة طويلة؛ فعند تعرض أحد الأشخاص لنطاقات قوية من أي لون (أو إذا تعرض لضوء ساطع)، فستوجد استجابة فورية يمكن قياسها بسهولة من خلال الأجهزة. إن الاستجابة للألوان لا تختلف عن الاستجابة للكحول والتبغ والقهوة، فهي تستمر لفترة قصيرة ثم تخبو. وفي واقع الأمر، إذا كان اللون الأحمر مثيرا (وهو كذلك بالفعل)، فبعد فترة من الوقت قد تنخفض الاستجابات الجسمانية لمستوى «أقل» من المستوى الطبيعي. وإجابة عن سؤال هل كان الأحمر لونا مثيرا أم لا، فالجواب هو: «نعم، ربما، لا» اعتمادا على عنصر الوقت. إن الاستخدام «الوظيفي» للألوان في هذا الشتاء في كثير من التطبيقات، مثل المصحات العقلية (انظر الفصل الثامن)، يهدف إلى استخدام «مجموعة متنوعة» من الألوان كي تظل الاستجابات البشرية نشطة باستمرار، وتجنبا للتكيف البصري أو الرتابة العاطفية. (10) بعض الاستنتاجات
في العموم، تتباين الاستجابات البيولوجية لطرفي طيف الألوان المتمثلين في الأحمر والأخضر أو الأزرق. هذا ملاحظ بالفعل في النباتات، وفي الأنواع الدنيا والعليا من الحياة الحيوانية. وفي بني البشر، يميل الأحمر إلى رفع ضغط الدم، ومعدل النبض، وزيادة معدل التنفس، واستجابة الجلد (التعرق)، وإثارة الموجات الدماغية. ويمكن ملاحظة وجود استجابة عضلية (توتر) وزيادة في معدل طرفات العين. ويميل اللون الأزرق إلى إحداث تأثيرات معاكسة لتأثيرات اللون الأحمر؛ إذ يخفض ضغط الدم ومعدل النبض، كما تقل استجابة الجلد، وتميل الموجات الدماغية إلى الانخفاض. أما المنطقة الخضراء في الطيف اللوني، فهي محايدة إلى حد ما. أما الاستجابات للونين البرتقالي والأصفر، فهي مشابهة للاستجابات للون الأحمر، لكنها أقل وضوحا. وسأتناول الاستجابات النفسية والروحانية للألوان في الفصلين الرابع والسادس.
في نظر مؤلف هذا الكتاب، فإن التأثيرات النفسية للألوان أكثر إثارة من التأثيرات الفسيولوجية. لقد بدأ استخدام الألوان المناسبة في البيئات الصناعية يحظى بأهمية كبرى، فكثير من أمراض الجسم أصبح ممكنا تخفيف شدتها وشفاؤها من خلال الممارسة الطبية الحديثة، والجراحة، والأدوية الكيميائية، والمضادات الحيوية، لكن «أمراض» الذهن من الصعب جدا علاجها، وأصبح انتشارها متزايدا في الحياة المعاصرة. وكما لاحظ كارل يونج بحكمة في كتابه «تكامل الشخصية»: «إن الكوارث الهائلة التي تهددنا ليست حوادث فيزيائية أو بيولوجية ناتجة عن فعل عناصر الطبيعة، لكنها حوادث روحانية ... فالإنسان بدلا من تعرضه للوحوش البرية، وسقوط الصخور، وفيضان المياه، أصبح معرضا اليوم لقوى عناصر نفسه الإنسانية.»
Неизвестная страница
أما فيما يتعلق بالمستقبل، فإن الأهمية الحيوية للضوء - واللون - بالنسبة لبقاء الإنسان واضحة على نحو كاف. وبلا شك فإن الناس في الأجيال القادمة سوف يسافرون إلى الفضاء ويقضون بعض الوقت هناك، وسوف يعيشون تحت البحر وداخل مدن ذات قباب. ستكون الحياة معقدة للغاية ومصطنعة. وستكون بيئة الإنسان أبعد ما تكون عن الطبيعة، وسيكون لزاما عليه التحكم فيها وإلا قضي عليه. وحتى في وقتنا المعاصر، يقضي الناس صغارا وكبارا فترات مطولة من أوقاتهم في المدارس والمكاتب والمستشفيات والمؤسسات مع تناقص معدل تعرضهم لضوء النهار الطبيعي.
إن الإنسان يلوث بيئته الطبيعية ويدمرها؛ فالمواد الكيميائية التي يستخدمها الإنسان تخل بكثير من أشكال التوازن الموجودة في الطبيعة، كما أن جبالا من القمامة تتراكم في كل مكان، وتلقى في البحر أو تدفن في الكهوف، بل لقد بدأ الإنسان يملأ السموات بالأقمار الصناعية المستهلكة، فحول فضاء ما وراء السحب إلى ما يشبه ساحة السيارات المستعملة. لن يكون الإنسان مضطرا لتدمير نفسه في لحظة باستخدام قنبلة هيدروجينية، بل سيخنق نفسه ببطء حتى الموت.
بيد أن ذلك الحلم العتيق المتمثل في التناغم بين الإنسان والطبيعة ينتهي دائما بالتصادم بينهما. ويجب على الإنسان أن يكفر عن خطاياه في حق الطبيعة، لكن من أجل بقائه يجب أن يستقل عن العالم الطبيعي. وقد زعم أحد العلماء أن الإنسان إذا استمر في سلب الأرض من الحياة الخضراء، فإنه سوف يحرم الغلاف الجوي من الأكسجين، وسوف يختنق كل البشر. ورغم ذلك، فالإنسان يستطيع صناعة أكسجين لنفسه. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الإنسان صناعة طعامه في ظل ضوء صناعي، وباستخدام أسمدة من تصنيعه.
يبدو أن النشاط البشري كله تقريبا يتجه صوب البيئة المحكومة، ولا يمكن تصور إمكانية تغيير أو إيقاف هذا التوجه؛ فالإنسان ترك الطبيعة في الريف لأنه ظن أن هذا هو مكانها الطبيعي في الأساس. ولم تعد الجبال وشواطئ البحار أماكن سكنى للإنسان، بل مجرد أماكن يزورها في العطلات الأسبوعية والإجازات؛ فالإنسان يعتقد أنه مشغول لدرجة لا تسمح للطبيعة بإزعاجه؛ فهو لديه أمور يريد إنجازها في عجلة، ولا يمكنه الاستسلام لأي شيء متقلب، سواء كان طبيعيا أم غير ذلك. ومن الممكن تماما خلال عقود معدودة أن يخرج الإنسان من مسكنه المصطنع إلى آفاق الطبيعة الرحبة، ويشير من وراء الغطاء البلاستيكي الشفاف للمركبة التي يقطنها ويقول لأطفاله: «قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن أسلافكم اعتادوا العيش في الخارج!»
الفصل الثالث
الاستجابة البصرية
يوجد قدر كبير من الصوفية والرمزية مرتبط بالعين البشرية. الشمس، على سبيل المثال، كانت عين الإله؛ فالإله رع في مصر القديمة، عندما أجبره الأشرار على ترك الأرض، التجأ إلى هيئة الشمس، وبعد ذلك أخذ يراقب عادات البشر وهفواتهم. وأصبحت عين حورس الشهيرة - حيث كان حورس ابن إيزيس وأوزوريس - رمزا في تميمة ما زال الناس يرتدونها كقطعة مجوهرات نفيسة. وكانت ترسم العيون على مقدمات السفن والطائرات. وواجه الناس لعنة العين الشريرة بالأحجار النفيسة ورسم نقطة حمراء على الجبين.
أما إذا تناولنا العين من الناحية الفسيولوجية بدلا من الناحية الصوفية، فسنجد أن العين باعتبارها عضوا حسيا لها تاريخ مثير؛ فالنظرية الفيثاغورثية الإغريقية القديمة (في القرن السادس قبل الميلاد) كانت تقول إن الأشعة المرئية تصدر عن العين وتصطدم بالشيء ثم تنعكس إلى العين مرة أخرى. كانوا يفترضون أن «النار» توجد داخل العين، ويمكن ملاحظة ذلك عند الضغط على العين؛ لأن هذا الضغط يجعل النار تومض أمام العين، وهذه النار، مثل نار المشعل أو الفنار أو المصباح، كانت قوة الرؤية النشطة. ولم تغفل تلك النظرية حقيقة أن ضوء الشمس ينير الأرض خلال النهار، بينما يغطيها الليل في الظلام. وكانوا يرون أن نار العين تكمل ببساطة الضوء الطبيعي وتلقي أشعة معينة حيثما كانت الرؤية مركزة.
لم يكن أفلاطون متأكدا تماما من هذه النظرية وتحدث عن ظاهرة مزدوجة فقال: «دعونا نطبق المبدأ القائل ... أن لا شيء ذاتي الوجود، وسنرى أن كل لون، أبيض وأسود وكل الألوان الأخرى، ينشأ نتيجة مقابلة العين للحركة الملائمة، وأن ما نطلق عليه جوهر كل لون ليس عنصرا فعالا ولا هو خامل، وإنما شيء بينهما، ويكون خاصا بكل متبصر.»
ونفى أرسطو فكرة احتواء العين على النار، ورغم ذلك بدا أن خليفته ثاوفرسطس (القرن الرابع قبل الميلاد) يشير إلى أفكار أفلاطون وفيثاغورس، لكن مع بعض التحفظات؛ فقال إنه من المحتمل وجود انبعاثات صادرة عن العين. وعند الحديث عن الدوار قال ثاوفرسطس إن الشخص قد يرتعش ويرتجف عند النظر لأسفل أثناء وجوده على مرتفعات شاهقة. وما حدث في هذا المثال هو أن الرؤية وضعت في وضعية مزعجة، وتلك الوضعية بدورها أزعجت أعضاء الجسم الداخلية، إلا أنه عند النظر إلى السماء فإن هذا التعب لا يحدث؛ لأن المسافة الخالية امتصت ببساطة الأشعة الصادرة من العين؛ «فالضوء القوي يطفئ الضوء الأضعف.»
Неизвестная страница
وبعد عدة قرون (القرن السادس عشر الميلادي) اكتشفت الفسيولوجية الأدق للرؤية، وتأسس علم طب العيون كما هو معروف اليوم. أما عن طريقة حدوث رؤية الألوان على وجه التحديد، فما زال هذا الأمر يمثل لغزا، وما زلنا في حاجة إلى أن يقدم العلم نظرية أو تفسيرا مقبولا على نحو كامل. (1) الرؤية بلا عيون
قبل استقصاء الجوانب الأكثر عقلانية المتعلقة بالرؤية ورؤية الألوان، وقبل مناقشة وجهات النظر الحديثة، دعوني أخبركم عن بعض الأمور الغريبة بل الملغزة.
في عام 1924، نشر المؤلف الفرنسي جول رومان كتابا يحمل عنوانا فرعيا هو «الرؤية بلا عيون». وعلى الرغم من أنه لم يسع مطلقا للحصول على مساعدة الأكاديمية الفرنسية للعلوم، فإن نجاح تجاربه أكده الكثير من الخبراء التقنيين والأكاديميين المشهورين الذين كان من بينهم أناتول فرانس، الذي دافع بحزم عن نظريات رومان. وفقا لهذا الرجل الفرنسي، فإن جلد الإنسان حساس للضوء (وهذه حقيقة بالتأكيد تنطبق على كافة أشكال الحياة تقريبا وفيها الإنسان). وأطلق على ذلك مصطلح الإدراك المجاور للشبكية. وباستخدام واقيات مصممة خصيصى لوصول الضوء إلى مختلف أجزاء الجسم - لكن ليس إلى العينين - حفز حدوث الإدراك المجاور للشبكية. واقتباسا من كتاب رومان: «على سبيل المثال، إذا كانت اليدان عاريتين، وكانت الأكمام مرفوعة إلى المرفقين، وكانت الجبهة عارية، وكان الصدر غير مغطى، فبإمكان الشخص أن يقرأ بسهولة بالسرعة العادية صفحة من رواية أو مقالة من جريدة مكتوبة بالحجم المعتاد في الطباعة.»
وأعلن رومان أن اليدين هما الأكثر حساسية للضوء، ثم الرقبة، ثم الحلق، ثم الخدين، ثم الجبهة، ثم الصدر وظهر العنق والذراعين والفخذين؛ فالصور الأساسية المكونة في أعصاب اللمس «ترى» اللون وكذلك الشكل. وفسر قائلا: «إن تجاربنا تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يوجد لدى الإنسان «وظيفة مجاورة للشبكية»؛ أي وظيفة الإدراك البصري للأشياء الخارجية (اللون والشكل)، دون تدخل الآلية العادية للرؤية من خلال العينين.» وزعم أن أي شخص ذكي من المحتمل أن يكون قادرا على قراءة عناوين الصحف وهو معصوب العينين، وقال إنه «في ظل الإضاءة العادية يكون الإدراك النوعي للألوان ممتازا.» بل من الممكن أن يكون المرء قادرا على «شم» الألوان من خلال أنفه؛ وعن هذا يقول: «إن إدراك الألوان من خلال المخاط الأنفي لا ينتمي للنظام الشمي؛ فهو لا يعتمد على إدراك «روائح» تنتمي للمواد الملونة. إنه إدراك بصري على وجه التحديد.»
لم يحرز الكثير من التقدم على مدار السنوات التي أعقبت رومان؛ لأن العالم الذي عاش فيه كان عالما مشككا يتطلب حقائق أكثر واقعية عن تلك التي قدمها. وبعد حوالي 40 سنة، وجدت امرأة مذهلة تستطيع قراءة وتمييز الألوان بأنامل أصابعها (وبعدها وجد آخرون). أحيا هذا الانبهار تلك الظاهرة واكتسبت شهرة دولية.
ومن القصص الممتازة المعاصرة التي تتناول الرؤية بلا عيون تلك التي يرويها كتاب «الاكتشافات الروحانية خلف الستار الحديدي» للمؤلفتين شيلا أوستراندر ولين شرودر. وتتمثل تلك القصة في فتاة روسية تدعى روزا كوليشوفا تستطيع الرؤية بأصابعها! وشاهد الأطباء المشككون قدرتها على قراءة وكتابة وتسمية الألوان «كما لو كان قد نما لها زوج ثان من العيون في أناملها.» أرسلت روزا إلى موسكو حيث استمرت في تقديم أدائها المذهل تحت مراقبة شديدة، واستمرت قادرة على «رؤية» الأحمر والأخضر والأزرق عند تغطية الأوراق الملونة بورق شفاف أو ورق سلوفان أو بالزجاج. ووقف المعهد الروسي الكبير للفيزياء الحيوية في حيرة من أمره، لكنه كان مضطرا إلى الاعتراف بقدرة روزا على «الإبصار عبر الجلد». وأرسلت مجلة «لايف» في ذلك الوقت أحد المراسلين إلى موسكو، ونشرت فيما بعد قصة مصورة بارزة عنها.
ظهر أشخاص آخرون يتمتعون بالقدرة المدهشة نفسها، وكان من بينهم امرأة من فلينت بولاية ميشيجان تدعى السيدة باتريشيا ستانلي. بدا لهذه السيدة أن بعض الألوان دبقة، وبعضها ناعم، وبعضها خشن. وكما قالت باتريشيا في مجلة «لايف» (12 يونيو، 1964): «الأزرق الفاتح هو الأنعم. وتشعر أن الأصفر دبق للغاية، لكنه ليس بنعومة الأزرق الفاتح. الأحمر والأخضر والأزرق الداكن ألوان دبقة. وتشعر أن الأخضر أكثر لزوجة من الأحمر، لكنه ليس خشنا. والأزرق الكحلي يتصدرهم في اللزوجة، ويسبب إحساسا بالكبح والإبطاء. ويعطي البنفسجي إحساسا بالكبح أكثر قوة؛ يبدو أنه يبطئ اليد، ويبدو ملمسه أكثر خشونة.»
توجد علاقة هنا بالصور التخيلية (نتعرض لمناقشتها في الصفحات المقبلة)؛ حيث تبدو الرؤية بلا عيون هبة من الطبيعة، وأكثر ما نلاحظها في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سبع واثنتي عشرة سنة. هل من الممكن تدريب الأعمى على رؤية الألوان وتمييزها باستخدام الأصابع أو المرفق أو اللسان أو الأنف؟ منذ حالة روزا كوليشوفا، أمعن الروس في استقصاء الرؤية من خلال الجلد، وعقدوا الآمال على أن يستطيعوا منح الأعمى على الأقل جزءا من الإدراك «البصري»، ولو كان ضعيفا. دربوا بعض المكفوفين على ذلك. وما دام عضو الإدراك الحقيقي موجودا في الدماغ وليس العين، فمن الممكن أن يستخدم الأعمى أدلة من الجسم والجلد «لرؤية» العالم وألوانه الطيفية. وكما قالت أوستراندر وشرودر: «إذا كانت أشياء ضرورية معينة مثل مقابض الأبواب والصنابير والهواتف، ومقابض الآنية، والأطباق، والأشياء المتحركة على وجه الخصوص ملونة، مثلا، باللون الأصفر في غرفة مضاءة بالمصابيح الصفراء إضاءة ساطعة؛ فقد يتمكن الأعمى فعليا من رؤية تلك الأشياء من خلال جلده بسهولة تضاهي تقريبا تلك السهولة التي نجد بها إبريق القهوة بأعيننا.» (2) عن «تصوير الأفكار»
يشير إدوارد دبليو راسل في كتابه «تصميم المصير» إلى البروفيسور تي فوكوراي؛ من جامعة كوياسان، الذي «اكتشف أن بعض الأشخاص يستطيعون التركيز على التصميم أو الصورة، ثم من خلال الفكر وحده ينسخون صورة واضحة من التصميم أو الصورة إلى لوح فوتوغرافي مغطى بمادة عازلة دون الاستعانة بالضوء أو العدسات.» مستحيل؟ توجد حالة مشابهة جيدة التوثيق عن رجل من شيكاجو يدعي تيد سيريوس. كان تيد سيريوس رجلا جاوز الأربعين من عمره، ولم يتلق إلا قدرا قليلا من التعليم، ويعمل خادم فندق في شيكاجو. كان تيد عصبي المزاج، وربما كان معتلا نفسيا بعض الشيء، وكان يعاني من مشكلة معاقرة الخمر.
رغم ذلك، كان تيد سيريوس يستطيع التحديق في كاميرا البولارويد فيخرج من الكاميرا، أحيانا، صورا غامضة، وكانت الصور الصادرة عن أفكاره التي تظهر الناس قليلة مقارنة بالصور التي تظهر الأماكن والمباني مثل: برج إيفل، وتاج محل، والبيت الأبيض. وأخذ الدكتور جول أيزنبود؛ الطبيب النفسي وزميل الرابطة الأمريكية للطب النفسي، ذلك الرجل تيد سيريوس تحت جناحه، ونقله إلى دنفر، وعلى مدار عامين أخضعه لسلسلة من التجارب كان يشهدها في حينها الكثير من الأصدقاء والعلماء والمصورين والسحرة. كانت النتيجة أن ألف الدكتور جول أيزنبود كتابا مصورا من 368 صفحة (انظر قائمة المراجع). يمكن للشخص المتشكك أن يحضر كاميرا بولارويد خاصة به، وفيلما خاصا به، ويمسك الآلة بنفسه، بل ويفتح مصراع الكاميرا، وستخرج (ليس دائما لسوء الحظ) صور شبحية لطواحين هواء، وسفن، وسيارات، وفندق هيلتون في دنفر، وبرج قلعة وستمنستر أو الحافلة الإنجليزية ذات الطابقين.
Неизвестная страница
لم يستطع تيد سيريوس أن يفسر موهبته، ولم يكن لديه أدنى اهتمام بمحاولة تفسيرها، وقال إن هذه الهبة سوف تزول. وقد زالت مع مرور الوقت. ويعلق جول أيزنبود في كتابه المثير قائلا: «اعترف الدكتور هانز برجر؛ مكتشف الأمواج الدماغية، بالحقيقة المحتملة المتمثلة في التواصل عبر التخاطر، لكنه لم يصدق أن أي نوع من «إشعاعات» الأمواج الدماغية التي قاسها جهاز تخطيط الدماغ يمكن أن يكون مصدر تلك الموجات.» (3) الصور التخيلية
استكمالا لخصائص الرؤية البالغة الغموض، سأتناول الآن ظاهرة الصور التخيلية. في السنوات الأخيرة، أدت دراسة الرؤية والصور التخيلية إلى اكتشاف ظواهر متعددة ومدهشة. ومن بين هذه الظواهر سحر الألوان الذي يصاحب عادة عقار الهلوسة إل إس دي (ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك). لكن في البداية دعوني أستعرض دليل الصور التخيلية المعروف على نحو أفضل لدى بعض الأفراد الموهوبين.
وفقا للكاتب إي آر ينش في كتابه «الصور التخيلية»، فإن الصور التي يراها البشر تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي: صور الذاكرة، والصور التلوية، والصور التخيلية. النوع الأول من هذه الصور هو نتاج العقل والتخيل، ويأتي على هيئة فكرة أو خاطرة. أما الصور التلوية فتعني معناها الحرفي إلى حد كبير، الذي يعني مشاهدة الصور بعد مشاهدتها في الحقيقة؛ فهي تلك الصور التي شاهدناها بالفعل، وربما يكون لها شكل وتصميم وبعد ولون محدد، وقد يختلف حجمها باختلاف قرب أو بعد الأسطح التي تحدق العين فيها. ويكون مثل هذا النوع من الصورة مكملا عادة؛ فنرى الأبيض في منطقة كانت سوداء في الأصل، والأحمر يأتي محله الأخضر، وهكذا. أما النوع الثالث، الصور التخيلية، فهو النوع الأكثر تميزا. وكتب ينش عن هذا النوع فقال: «الصور التخيلية هي ظواهر تحتل موقعا وسيطا بين الأحاسيس والصور - وعلى غرار الصور الفسيولوجية المعروفة باسم الصور التلوية، فإنها «ترى» دائما بالمعنى الحرفي - وتتسم بأنها ضرورية تحت أي ظرف، وتشترك في هذه السمة مع الأحاسيس.»
الصور التخيلية هي هبة الطفولة والشباب، وهبة المجنون، وهبة متلقي الإلهام الصوفي. وعلى الرغم من أنها تبدو مشابهة للظواهر الخارقة للطبيعة، فإنها حقيقة حسية؛ فالطفل الذي يلعب بألعابه قد يتمكن من عرض صور حية لتلك الألعاب في عقله. وقد لا تكون تلك الصور مجرد نتاج التخيل؛ فربما تكون ملموسة إلى حد كبير، وذات تكوين له أبعاد ولون وحركة. إنها بمنزلة «شرائح فانوس العرض» بالنسبة للعين والدماغ، وتعرض في مكان محلي محدد. إنها صور حقيقية تماما مثل شرائح الفانوس المعروضة، وسوف تتبع حركات العين تفاصيلها. وقد يجد الأشخاص المصابون بحالة هيستيرية نتيجة لتناول المخدرات أو بسبب الاضطرابات العقلية أنهم يهاجمون من قبل أعداء مخيفين. وقد عرف أن بعض هؤلاء الأشخاص قد هربوا لينجوا بحياتهم، بل وقفزوا من النوافذ. وقد رأى الأشخاص الواقعون تحت تأثير الهذيان الارتعاشي أن الفئران تزحف من الحوائط، والأسلاك بارزة من أنامل الأصابع.
إلى حد كبير، لم تحظ تلك الظاهرة إلا بقدر قليل من الاهتمام حتى السنوات الأخيرة. ونظرا لأن هذه الظاهرة تختفي مع العمر، فمن المحتمل أن تختفي عند البلوغ؛ فعقل الشخص البالغ على الرغم من قدرته على التعامل مع هذه الظاهرة، فإنه يحيلها إلى فترة الطفولة التي تتسم بالحماس الشديد. ورغم ذلك فالشخص يرى الصور؛ فالصور تقف أمام العينين، وتميز العينان التفاصيل التي يمكن إحصاؤها وتمييزها على أساس اللون.
وحسب كلام ينش، فالصور التخيلية تخضع للقوانين نفسها التي تحكم الأحاسيس والإدراكات، وهي «في حقيقة الأمر، أوضح علامة على نظام الشخصية المعتادة في مرحلة الشباب.» ومن خلال تلك الصور، يمكن للعلم أن يجد تفسيرات معقولة لقصص تحكي عن خروج القديسين من صورهم وسيرهم، وعن مخلوقات غريبة، وعن الغيلان، وعن الشياطين التي ترى بالعين المجردة. ولأن الصور التخيلية أحاسيس حقيقية، فمن الممكن أيضا أن تكون الغيلان والشياطين حقيقية، وبدلا من تلاوة التعاويذ ووصف إجراء اختبارات عقلية، يمكن التعامل مع الشخص الذي اعترف برؤية هذه الأمور على أنه شخص عاقل لديه حدة بصرية تتجاوز الحدة المعتادة؛ فالأشباح قد تسكن العقول بدلا من المنازل أو القلاع القديمة.
معظم الأشخاص يعترفون بوجود فجوة بين الإحساس والخيال، لكن كما يزعم ينش فإن بعض الأشخاص لديهم «خبرات وسيطة» غريبة بين الأحاسيس والصور. هؤلاء الأشخاص يستحضرون الصور رأي العين حقيقة، واستجاباتهم صريحة وعفوية إلى حد كبير. وبالنسبة لهم، قد يتلازم الإحساس والخيال معا، ويرتبطان ارتباطا وثيقا في بعض التجارب المرئية الواقعية واضحة التفاصيل.
إن ظاهرة الصور التخيلية تزخر بالكثير من الطرافة والسحر. ورغم ذلك، فعند تناولها من ناحية عملية على نحو أكبر، نرى أنها قد تخدم أغراضا مفيدة. وعن هذا كتب ينش يقول: «لقد أظهر بالفعل الباحثون في مجال الصور التخيلية أن أكثر ما يشبه عقل الطفل ليس التركيبة الذهنية لعالم المنطق، بل التركيبة الذهنية للفنان.» وفي أثناء العملية التعليمية قد يؤدي فرض وجهة نظر وعقلية وأسلوب الشخص البالغ على الطفل إلى كبت الشخصية التخيلية؛ ومن ثم قد يحول هذا بينه وبين التعبير الإبداعي والطبيعي؛ «فعلى سبيل المثال، يمكن للطفل المتخيل، دون بذل مجهود كبير، أن يستحضر في ذهنه رموزا من الأبجدية الفينيقية أو من الكلمات العبرية ... إلخ، أو يمكن لشخص يتمتع بقدرة قوية على استحضار الصور في خياله أن ينظر إلى عدد من الكلمات المطبوعة للحظة، ثم يذهب إلى غرفة مظلمة ويسترجع النص مصورا في خياله. ومن الممكن تصوير حركات العين التي تحدث أثناء قراءة النص بالخيال المصور.» (4) عقاقير الهلوسة
خلال ستينيات القرن العشرين، تأسست ثقافة مخدرات واسعة الانتشار على أساس بسيط هو قطرة من عقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (إل إس دي) على قطعة من السكر. وفي كل أنحاء البلاد، بدأ على نحو مفاجئ عدد لا يحصى من الأشخاص، معظمهم من الشباب، في ابتلاع قطع السكر والتحليق في رحلات سماوية. وكان من أبرز سمات تلك الرحلات تفجر لون ساطع ومتدفق ووامض لم يشاهد مثله على الأرض قط. ونتيجة لذلك، توصلوا لاكتشاف مذهل يتمثل في وجود عالم رائع من الألوان يوجد داخل النفس البشرية، وهذا العالم يوجد مدفونا كما لو كان داخل برميل ذهبي تفتحه قطرة من عقار إل إس دي فيندفع السحر خارجا منه. لقد أصبحت عملية الرؤية معكوسة؛ لقد أصبحت تأتي من الداخل إلى الخارج، وليس من الخارج إلى الداخل.
كيف فسر العلم ذلك؟ بينما استلقى آلاف من الشباب على الأرض الجرداء أو المفروشة بالبسط وحلقوا في رحلات العقار - رحلات سيئة أو رحلات ممتازة - سعى العاملون في مجال الطب سعيا حثيثا إلى التوصل لتطبيقات لهذا العقار العجيب؛ فقد كان من الممكن استخدامه في علاج بعض الأمراض العقلية، وكان من الممكن استخدامه لخلق حالات نشوة لدى المرضى على فراش الموت؛ فهذا العقار بإمكانه أن يزيح عنهم الخوف من الموت. لقد كان يسبب الهلوسة في واقع الأمر. لقد كان عقارا رخيصا وقويا على نحو مدهش؛ فزجاجة قطارة مليئة بعقار إل إس دي كانت كافية للتحليق في 5 آلاف رحلة.
Неизвестная страница
لطالما كان معروفا منذ قرون أن عقاقير الهلوسة توجد في الحشيش والأفيون وصبار البيوت وصبار المسكال. كان الهنود الحمر يتعاطون البيوت المستخلص من الصبار كجزء من الطقوس الدينية. وكانت مجموعة ثقافة عقار إل إس دي التي انتشرت في أمريكا خلال الستينيات تستخدم كثيرا أيضا هذا العقار لأغراض دينية؛ لتحقيق التناغم بين كل ما هو مطلق. كيف يمكن وصف آثار عقار إل إس دي؟ كتب ألدوس هكسلي يقول: «يرفع عقار المسكالين الألوان إلى قوة أعلى، ويجعل المتلقي واعيا بدرجات ألوان مختلفة لا تعد ولا تحصى، يكون أعمى عنها تماما في الأوقات العادية.» وقال هنريك كلوفر: «من المستحيل إيجاد كلمات تصف ألوان المسكال.» وفي الغالب، كانت الرؤى تتخذ السمة الشرقية، كما لو كان السجاد الشرقي قد انبعثت فيه الحياة، لكن بألوان شديدة على نحو خيالي لا يصدق.
ومن أبرز الشخصيات التي تعد مرجعا في عقار إل إس دي ستانيسلاف جروف. كان ستانيسلاف جروف رئيس البحث النفسي في مركز الأبحاث النفسية في ميريلاند في بالتيمور، وأستاذا مساعدا في علم النفس في جامعة جونز هوبكنز. أجرى الدكتور جروف تجارب على عقار إل إس دي على مدار سنوات تزيد عن 15 سنة، وأجرى ما يزيد عن ألفي جلسة هلوسة. وفي كتابه «علم النفس والصوفية» (الذي حرره ستانلي آر دين) فصل مميز عن كثير من ملاحظاته. ومن بين هذه الملاحظات أن الرحلات التي يشهدها متعاطو عقار إل إس دي يمكن أن تكون إلى العالم السفلي مثلما يمكن أن تكون إلى العالم العلوي؛ فمن الممكن أن يشهد المرء أحاسيس الوحدة الكونية والقداسة والسلامة والنعمة من ناحية، ومن الممكن أن يشهد رعبا شديدا من ناحية أخرى.
يقدم جروف الكثير من الإشارات المدهشة عن تجارب أشخاص مختلفين؛ فمن الممكن أن يشهد أحدهم بأن الكون يبتلعه، أو يشعر بأحاسيس شريرة، أو يشعر بالاضطهاد، ويرى تنانين وثعابين وأخطبوطات: «إنها دوامة كونية تسحب الشخص وعالمه بلا رحمة نحو مركزها.» وقد يراود الشخص مفاهيم مثل: الجحيم، والعذاب الذي لا يحتمل، والحرب، والوباء، والكوارث، وقد يشعر الشخص بالموت والميلاد من جديد، وإطلاق قدر هائل من الطاقة، ويرى انفجارات وبراكين وقنابل ذرية. ويمكن أن يشعر بعدمية شاملة وموت الأنا، وقد يشعر أيضا بإحساس غامر بالحب، فنجد أن الشخص «يدرك الكون على أنه جميل على نحو لا يمكن وصفه.» وقد تراود الشخص «رؤى لمصادر تشع ضوءا يعتبره إلهيا، لونه أزرق سماوي، أو بلون طيف قوس قزح، أو بلون ريش الطاوس.»
وتأكيدا لنظرية يونج القائلة بالعقل الباطن الجمعي، فبعض متعاطي عقار إل إس دي قد يشهدون ميلادهم وولادتهم من رحم أمهاتهم، وقد يشهدون أصداء الميثولوجيا الإغريقية، وقصص الكتاب المقدس، واحتفالات الطقوس الوثنية. وقد يعود المتعاطي إلى أسلافه فيعيش من جديد تجارب أسلافه الأولين. وقد يشهد المتعاطي مقابلات وجها لوجه مع الآلهة القديمة إيزيس ومازدا وأبولو ويهوه والمسيح، ويعلق جروف قائلا: «إن مقابلة هذه الآلهة تصحبها عادة مشاعر قوية للغاية تتراوح ما بين الرعب الخارق للطبيعة وفرط السعادة بسبب النشوة.»
واهتمام جروف بعقار إل إس دي يكمن في استخدام ذلك العقار في علاج مختلف الاضطرابات العاطفية، والفصام، والانحراف الجنسي، وإدمان الكحول، وإدمان المخدرات، ورغم ذلك فقد كان يحضر جلساته أيضا العلماء والفلاسفة والفنانون والمعلمون. لقد أدى تعاطي عقار إل إس دي إلى أشكال جديدة من الفن، فبالإضافة إلى الألوان الزاهية، كانت الرؤى تظهر - في أغلب الأحيان - خطوطا مموجة، وفسيفساء، وزهورا، وحيوانات، وأنماطا هندسية، وجواهر، وأطرا شبكية، وشبكات بلورية، وأقراص عسل النحل، وزخارف كلها تميل إلى الحركة. وقد حاول الفنانون رسم هذه الرؤى على لوحات من قماش الكانفاه.
ومن ثقافة عقار إل إس دي جاءت حانات الديسكوتيك في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين. وفي عكس لإجراء التعاطي الكيميائي النفسي، حاولت حانات الديسكوتيك المسببة للهلوسة، وبنجاح معقول باستخدام الأضواء الومضية، والألوان المتدفقة، والتصميمات والأنماط الانسيابية، والأصوات الصاخبة، إخفاء العالم الحقيقي لأحد التخيلات الروحانية والكابوسية دون تعاطي المخدرات. لكن وجد أن الأضواء الومضية تسبب نوبات صرع، بينما قد تسبب المصابيح النابضة الوامضة التنويم المغناطيسي، وتؤدي إلى الصداع والنعاس وأنواع بسيطة من الانهيار العصبي. (5) والآن لنعد إلى الأرض
لن أحاول وصف العين البشرية أو عملية الرؤية، لكنني سأركز على موضوع هذا الفصل، وهو الاستجابة البصرية. كتب جيمس بي سي ساوثول يقول: «الإبصار الجيد، الذي يعتمد عليه، هو ملكة تكتسب فقط من خلال عملية طويلة من التدريب والممارسة والتجربة. إن رؤية الشخص البالغ هي نتيجة لتراكم ملاحظات وارتباطات أفكار من كل الأنواع؛ ولذلك فهي مختلفة كثيرا عن رؤية الرضيع غير المدرب الذي لم يتعلم بعد أن يركز عينيه ويعدلها ويفسر ما يراه على نحو صحيح. معظم حياتنا ونحن صغار نقضيها دون وعي منا في اكتساب وتنسيق كمية هائلة من البيانات المتعلقة ببيئتنا، وكل منا يحتاج إلى تعلم استخدام عينيه للرؤية مثلما يحتاج إلى تعلم استخدام رجليه للسير ولسانه للتحدث.»
في الفصل الثاني الذي يتناول الاستجابة البيولوجية، أشرنا إلى دور الضوء - والرؤية - في ضمان رفاهة الكائنات الحية، ومنها الإنسان، وقيامها بوظائفها على النحو الملائم. والضوء بطبيعة الحال ضروري للرؤية، لكن أهميته تمتد لتشمل ما هو أكثر من ذلك. على مدار سنوات، ركزت صناعة الإضاءة في المقام الأول على الرؤية. أي مصادر الإضاءة هي الأكثر توفيرا؟ أيها تعطي أكبر قدر من الإضاءة؟ وخلال تاريخ تطور الإنسان كانت المصادر التي استمد منها الإنسان الضوء منذ القدم هي الشمس والسماء، وبعد ذلك استخدم ضوء النار، والمصباح الزيتي، والشموع المصنوعة من الشحم، ومصباح الكيروسين، ومصباح فتيلة الكربون الذي اخترعه توماس إديسون، والزئبق، وبخار الصوديوم، والانبعاثات الفلورية، وغيرها من المصادر. وتضمنت الوثائق الخاصة بصناعة المصابيح إشارات إلى القدم شمعة (وحدة قياس شدة الإضاءة) للطاقة الضوئية - أي طاقة ضوئية - لتمكين الإنسان من الرؤية بوضوح خلال المهام الموكلة إليه. ونتيجة لذلك صنعوا مصادر للضوء تضم بخار الصوديوم أو بخار الزئبق والفلور وغيرها من المواد، واستخدمت على نطاق واسع كما لو كانت المهمة الوحيدة للإضاءة هي تمكين الإنسان من الرؤية. هذا ليس نقدا، وما دام الإنسان قادرا على السير في الهواء الطلق، ولعب كرة السوفتبول، والسباحة والجلوس على الشاطئ نصف عار، فسوف تكون كل الأمور على ما يرام؛ لأنه يستطيع امتصاص أشعة الشمس الصحية والاحتفاظ بصحة جيدة، لكن إذا ظل الإنسان في مكان مغلق محدود المساحة لساعات طويلة، بعيدا عن الطبيعة وبعيدا عن الشمس، فسوف يحتاج إلى ضوء متوازن يشع الطيف الكامل أو شبه الكامل، بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية. وتوجد أدلة كثيرة على أن طول التعرض لبخار الصوديوم أو بخار الزئبق أو لضوء الفلورسنت التقليدي سوف يؤدي إلى اختلال توازن الحالة الصحية للإنسان.
قد يدفعنا التوهم إلى زعم أنه إذا حصل الإنسان على الغذاء الكافي، فإنه يستطيع «العيش» في ظلام دامس. إن عالم الإنسان الأعمى مظلم، لكن من الناحية البصرية فقط؛ حيث إن جسمه ما زال يمتص الطاقة الإشعاعية. وإذا كان الإنسان لا يستطيع العيش بالخبز وحده، فإنه لا يستطيع أيضا العيش جيدا في ظل إضاءة سيئة أو من دون إضاءة على الإطلاق. إن تعريض حيوانات مثل الفئران لنطاقات محدودة من الطيف لفترة طويلة أدى إلى ظهور آثار عدوانية في سلوكها. وبعيدا عن التأثيرات البيولوجية للضوء، فالإنسان مخلوق روحاني بالإضافة إلى كونه مخلوقا ماديا؛ فالحرمان الحسي - وسوف نناقش هذا الموضوع في الفصل الثامن - يمكن أن يقود الإنسان إلى الجنون، أو على الأقل يحرمه من القدرة على التفكير السليم، وأي شخص يعاني من صدمة ذهنية أو عاطفية مزمنة، سيعاني في النهاية من أمراض بدنية، وسوف يقصر عمره. (6) الاستجابات للضوء الملون
معظم البيئات الصناعية في الوقت الحاضر تعرض الناس لمصادر ضوء غير متوازن؛ فالمصباح المتوهج يفتقد على نحو كامل تقريبا الأطوال الموجية فوق البنفسجية، إذ تمتص الأنابيب الزجاجية المستعملة في معظم مصابيح الإضاءة الفلورسنت الأشعة فوق البنفسجية وتشعها. وبعض مصابيح الزئبق الغنية بالأشعة فوق البنفسجية تفتقر إلى ترددات الأشعة الحمراء والأشعة تحت الحمراء. ويكره الناس مصابيح الزئبق الشفافة لأنها تشوه الألوان الموجودة في المكان، وتجعل بشرة الإنسان تبدو بمظهر قبيح.
Неизвестная страница
وبعيدا عن السمات البيولوجية للضوء، ماذا عن الاستجابات البصرية للبشر تجاه الضوء الملون؟ منذ سنوات أشار إم لاكيش إلى أن اللون الأصفر هو أكثر منطقة تحظى بالانتقائية، وهو الجزء الأكثر سطوعا في الطيف اللوني؛ فهذا اللون ليس له زيغ لوني (وهذا يعني أن العين تراه عادة بوضوح كامل)، كما أنه مريح نفسيا. وأوضح لاكيش أيضا من خلال التجربة أنه من خلال ترشيح الإشعاع الأزرق والإشعاع البنفسجي في مصباح الزئبق (وأيضا في مصباح التنجستن) ظلت حدة البصر ثابتة من الناحية العملية، على الرغم من تقليل كمية الضوء التي امتصها المرشح. وهذا يعني أن اللون الأصفر يتمتع بمزايا قاطعة بالنسبة لحدة البصر؛ فعلى سبيل المثال، يتميز مصباح الصوديوم بالكفاءة العالية على الرغم من أن تسببه في الزيغ اللوني يجعل من المستحيل استخدامه في كثير من الظروف.
ويضع سي إي فيري وجيرترود راند الإضاءة الصفراء على رأس قائمة الإضاءة المفضلة، يليه الأصفر البرتقالي والأخضر المصفر والأخضر. وكانت الألوان القاتمة المتمثلة في الأحمر والأزرق والبنفسجي هي الأقل حظا في قائمة الإضاءة المفضلة. وفي واقع الأمر، من الصعب للغاية على العين الإبصار بوضوح في ظل إضاءة زرقاء، كما أن اللون الأزرق سيجعل الأشياء تبدو ضبابية ومحاطة بهالة. ورغم ذلك، فعند تكيف العين مع الظلام الشديد يبدو أن العين تتمتع بأفضل حدة إبصار في ظل الإضاءة الحمراء. وقد استخدمت الإضاءة الحمراء على نطاق واسع في لوحات التحكم في الطائرات، وفي غرف التحكم في السفن والغواصات؛ فتأثير الضوء الأحمر قليل على العين المتكيفة مع الظلام، كما أنه لا يرى في واقع الأمر على الحواف الخارجية للشبكية التي لا يوجد بها خلايا مخروطية؛ ولذلك فهو مناسب لاستخدامه كمصباح تعتيم، وسوف يفشل في إثارة الرؤية في العين إلا عند تسليط أشعته بالقرب من النقرة المركزية للشبكية. (7) الإضاءة من أجل المظهر الجيد
من الافتراضات الساذجة التي يفترضها كثير من المهتمين بمصادر الإضاءة الصناعية اعتقاد أن تلك المصابيح لا بد أن تكون شبيهة قدر الإمكان بضوء النهار الطبيعي. فإذا كانت الغرفة أو المنطقة تتطلب التمييز الدقيق بين الألوان، فقد تكون محاكاة ضوء النهار الطبيعي ضرورية، لكن لا بد أن ندرك على نحو تام أن مثل هذا النوع من مصادر الإضاءة لا يجعل بشرة الإنسان تبدو جميلة بأي حال من الأحوال؛ إذ سوف تتحول البشرة للون الشاحب والرمادي تحت تأثير هذه الإضاءة. في واقع الأمر، إن الاستخدام المتعارف عليه لمستحضرات التجميل (قبل قدوم ظل العين الأخضر والأزرق وأحمر الشفاه الأبيض) كان وضع ذرور الوجه الوردي على البشرة، ووضع أحمر الشفاه الأحمر على الخدين والشفتين؛ لإبراز ما اعتبرته معظم النساء مقصد الطبيعة. ووجد الباحثون أيضا أن فكرة ذاكرة البشر عن اللون الحقيقي للبشرة تتمحور حول اللون الوردي إلى حد كبير.
ما هو الضوء الطبيعي في نهاية المطاف؟ يتراوح ضوء النهار من الصباح إلى الظهيرة إلى المساء ما بين اللون الوردي والبرتقالي والأصفر والأبيض والأزرق، ثم يعود مرة أخرى إلى ألوان الغروب الدافئة. كل هذه الألوان هي الضوء «الطبيعي». وقد لاحظ الهولندي إيه إيه كراتوف منذ سنوات مضت حقيقة أنه في مستويات الإضاءة «المنخفضة»، يبدو العالم «عاديا» إذا كان لون الضوء دافئا (إن الإضاءة الباردة في المستويات المنخفضة تجعل الأشياء تبدو مخيفة وغير طبيعية). ومع ازدياد شدة الإضاءة، يكون لزاما استخدام ضوء أكثر برودة لضمان المظهر الطبيعي للأشياء.
ومن أجل الحصول على مظهر جيد، لا بد من استخدام الضوء الدافئ في مستويات الإضاءة المنخفضة، واستخدام ضوء أكثر برودة أو أكثر بياضا في المستويات العالية، وبعض مصنعي المصابيح مدركون لهذا الأمر. ومن الملاحظ أن المصابيح المتوهجة والأنابيب الفلورسنت البيضاء الدافئة «مفضلة على نحو أكبر في المستويات المنخفضة»، بينما مصابيح الزئبق الباردة البيضاء وضوء النهار ومصححة الألوان تحظى ب «قدر كبير من التفضيل في المستويات العالية». ويشتهر ضوء الشموع، الحقيقي أو المصطنع، بجو الدفء والألفة والحميمية الذي يشعه. ويوصى باستخدام ضوء النهار البارد في مستويات إضاءة عالية من أجل إنجاز مهام العمل وبيع المنتجات. ستبدو حانة الشراب كما لو كانت تعج بالغيلان والأشباح الموتى إذا كانت الإضاءة فيها زرقاء أو بنفسجية خافتة، بينما الفصل المدرسي أو المكتب في ظل إضاءة حمراء أو وردية فاقعة سيكون مستهجنا بصريا ونفسيا، كما توجد اعتراضات على مصباح بخار الصوديوم (الأصفر اللون) أو مصباح الزئبق (الأخضر اللون) عند استخدام أي منهما في زمان ومكان يلزم فيه الحكم على بشرة ومظهر الأشخاص. (8) لون البيئات
لنتحول الآن من الضوء والإضاءة إلى الألوان والسطوع عند استخدامها في المناطق والأسطح في البيئات التي صنعها الإنسان. كتب إم لاكيش: «المهمة البصرية لا تنفصل عن البيئة الموجودة فيها ... إن الرؤية العالية، وسهولة الرؤية، وظروف الرؤية الجيدة كلها ناتجة إلى حد كبير عن جودة هندسة السطوع.» ويقصد بهندسة السطوع التحكم في اللون كما ستراه العين البشرية على الجدران والأسقف والأرضيات والمفروشات؛ ففي هذا الصدد تتأثر الاستجابات البشرية تأثرا جذريا.
للانطلاق من الفئران إلى الإنسان، في دراسة أجرتها المفوضية الأمريكية للطاقة الذرية في عام 1968، بحث جيه إف سبالدينج واثنان آخران من الباحثين تأثير الألوان المرئية على النشاط الإرادي في فئران بيضاء من سلالة آر إف. وضعت القوارض في حجيرات لفترات بلغت 18 ساعة، بعدها تتلقى الفئران استراحة، ثم توضع لمدة 18 ساعة أخرى في حجيرة أخرى إلى أن اختبرت كل البيئات. استعانوا بالدورات التي تدورها الفئران على عجلات النشاط الشبيهة بتلك العجلات التي نراها في أقفاص السناجب في تحديد مقياس نشاطها. الفئران حيوانات ليلية، ولذلك تكون في أقصى حالات نشاطها في الظلام، كما أظهرت نتائج الاختبار. وثاني أكبر فترات نشاطها كان في ظل الإضاءة الحمراء. إن فئران سلالة آر إف ترى اللون الأحمر على أنه ظلمة. «كان النشاط في الضوء الأصفر أكبر إلى حد كبير من نشاطها في ضوء النهار وفي الضوء الأزرق، وكان أقل إلى حد كبير من نشاطها في الظلام وفي الإضاءة الحمراء.» علاوة على ذلك، أظهرت الفئران العمياء اختلافا قليلا في مستوى نشاطها بغض النظر عن لون الإضاءة؛ مما أكد الزعم القائل بأن النتائج التي كشفت عنها الدراسة كانت «نتيجة للمستقبلات البصرية».
سنتناول الاستجابات البشرية تجاه الألوان في المحيط البيئي بقدر أكبر من التفصيل في الفصل القادم الذي يتحدث عن الاستجابة العاطفية. وفي الغالب، لطالما افترض العباقرة التقنيون في مجال الرؤية أن البشر يرون على نحو أفضل، وبمستوى راحة أكبر، في البيئة التي تكون كل المناطق الواقعة في مجال الرؤية فيها متسمة بالسطوع الثابت. وللأسف، فإن هذا الافتراض ليس أبعد ما يكون عن الحقيقة فحسب، بل يعد أيضا قلبا للحقيقة. وكما سنعيد في جزء آخر من هذا الكتاب، لا سيما في الفصل الثامن الذي يتناول الحرمان الحسي بصريا (وعاطفيا)، فإن الراحة تتطلب التغيير والتنوع المستمر. ووفقا لما قاله إتش إل لوجان، فإن الكائن البشري في حالة تدفق مستمر. كل وظائف الإنسان تتمدد وتنحسر باستمرار. الأفكار البسيطة سوف تؤثر على التنفس ومعدل النبض. إن ميل التجارب الفسيولوجية والنفسية إلى التذبذب واضح جدا لدرجة أنه سوف يحدث حتى إذا ظل العالم الخارجي ثابتا. إن مناطق السطوع الثابت ستبدو أنها تظهر ببطء وتختفي ببطء، وسوف تغلق فتحة بؤبؤ العين في واقع الأمر وتتسع نسبيا، والأصوات الثابتة لن تسمع على نحو ثابت، وسوف يختلف الإحساس بالذوق والحرارة والبرودة والضغط، وسيكون هذا مستقلا على نحو مفاجئ عن المثيرات الثابتة للمراحل الأولى من التعرض. وإذا استمرت هذه الرتابة لفترة طويلة، فسوف تتدهور القدرة على الاستجابة للمثير.
يحتاج البشر إلى مثيرات دورية متغيرة ليظلوا حساسين ومنتبهين لبيئاتهم. إن الراحة والانسجام يرتبطان عادة بالتغيير المعتدل، إن لم يكن التغيير الجذري. وهذا التغير يتعلق بالسطوع، بالإضافة إلى العناصر الأخرى الموجودة في البيئة. وإذا كان التنبيه المفرط قد يسبب الضيق، فقد ينتج الضيق عن الرتابة الشديدة أيضا. (9) مخاطر شدة السطوع
الوهج ليس عدو الرؤية الواضحة فحسب، بل عدو الراحة البدنية والعقلية والعاطفية أيضا. مثال بسيط على ذلك: لا شك أن القارئ قد لاحظ أن الضيق قد يصحب التعرض البصري لملعب مغطى بالجليد «حتى في ظل يوم غائم». يقول تي آر سي سيسون: «لطالما كان معروفا أن إصابة الشبكية تحدث للبشر الذين يعانون من «عمى الجليد»، الذي يعد نتيجة لانعكاس ضوء الشمس.»
Неизвестная страница
يشيع استخدام اللونين الأبيض والعاجي في دهان الحوائط في المنازل. وليس لدي أي اعتراض على ذلك سوى القول إن اللون الأبيض جاذبيته العاطفية ضعيفة؛ فهو حيادي وعقيم، ومن المحتمل أن يكون رتيبا إن لم يكن مملا. إن المساحات الواسعة البيضاء تكون مناسبة من الناحية الجمالية لاستخدام ألوان مميزة في المفروشات. وقد يكون هذا جذابا، لكن المبالغة في استخدام الأبيض على الجدران (وربما في الأسقف والأرضيات والمفروشات) في أماكن مثل المكاتب والمدارس والمستشفيات؛ سوف تؤدي إلى مخاطر مؤكدة «إذا تضمنت هذه البيئة البيضاء مستويات عالية من الإضاءة أيضا.»
من الأعمال الكلاسيكية ذلك الكتاب الذي ألفه سي إي فيري وجيرترود راند منذ عدة سنوات بناء على طلب الجمعية الطبية الأمريكية. كتبا في ذلك الوقت أن: «العين تطورت تحت ضوء النهار. وفي ظل هذا الظرف حدثت ثلاثة تكيفات فقط، والعين لا تحتاج حقا إلا لثلاثة تكيفات فقط، هي: استجابة البؤبؤ لتنظيم كمية الضوء الداخلة إلى العين؛ لمساعدة العدسة في رؤية الضوء المنبعث من الأشياء على مسافات مختلفة، والتكيف والتقارب لوضع الشيء في المحور الأساسي للعدسة، ووضع الصورة في النقرة المركزية.» هذه التكيفات تميل إلى العمل بتناسق، وعند الفصل بينها قد تحدث مشكلة. إن زيادة السطوع في مجال الرؤية، إذا فصل عن المهمة، قد يتسبب في إعاقة الرؤية. ونتيجة لذلك ستكافح العين من أجل تصحيح الأمور. «إن السعي إلى تنقية الرؤية من خلال سوء التكيف غير الفعال هو سبب ما يطلق عليه عموما إجهاد العين.» وكتحذير إضافي، قال فيري وراند في الختام: «إن وجود زيادة في السطوع في مجال الرؤية يسبب استثارة قوية للعين كي تنظر إلى ذلك التوهج وتتكيف معه. وهذه الاستثارة لا بد من السيطرة عليها من خلال جهد إرادي. ونتيجة معارضة التحكم الإرادي للاستثارة الانعكاسية تتعب العين سريعا، وتفقد القدرة على دعم دقة التكيف اللازم لرؤية العمل بوضوح.»
ويتفق أطباء العيون مع هذا الرأي؛ فالوهج الأبيض، الذي يعد نوعا من أنواع عمى الجليد الصناعي، يمكن أن يسبب احتقانا في العين والتهابا وعتمة، ويمكن أن يفاقم من اختلال عضلات العين، ومشاكل انكسار العين وقصر النظر والاستجماتيزم (اللابؤرية). قد لا يحدث ذلك في يوم ولا في أسبوع، لكن على مدار فترة طويلة. وعند أداء مهام صعبة باستخدام العين، فإن شدة السطوع في مجال الرؤية العام تجعل كفاءة الرؤية معكوسة. وهذا يعني أن العين «سريعة» في التكيف مع السطوع، و«بطيئة» في التكيف مع الظلام. فإذا كانت البيئة المحيطة ساطعة والمهمة مظلمة، فإن القدرة على العمل بكفاءة سوف تصبح متعذرة بشدة. (10) تطبيقات عملية
توجد دروس مستفادة من الملاحظات السالفة الذكر. كثير من قراء هذا الكتاب قد يكونون معماريين، أو مصممين داخليين، أو نقاشين مزخرفين، أو غيرهم من المهتمين بالاستخدام «الوظيفي» للألوان في البيئات البشرية (باستثناء المنازل التي لا بد أن يغلب فيها على الأرجح الذوق الشخصي). وفيما يتعلق بموضوع «السطوع»، فمن الممكن توجيه السلوك والانتباه بسهولة من خلال المبادئ الموصوفة في هذا الكتاب.
لتوجيه الانتباه «خارجيا» على أفضل وجه نحو إحدى البيئات، لا سيما البيئات الداخلية التي قد يقوم فيها الإنسان بأعمال «عضلية»، وقد توجد بها مخاطر، يوصى ببيئة ساطعة اللون (أصفر، مرجاني، برتقالي). إذا وجدت العين البشرية الكثير من الإضاءة، فإنها سوف تنظر إلى البيئة المحيطة بها وتتأقلم معها. وقد تتوافر السلامة أيضا. وإذا كانت البيئة الداخلية تهدف إلى إنجاز مهام أثناء الجلوس، بالاستخدام الشديد للعين أو الذهن، فسيكون من الأفضل تقليل السطوع في البيئة بوصفه مصدر من مصادر التشتيت. ومع حوائط وأرضيات ومعدات ذات درجات ألوان متوسطة (أخضر، أخضر مزرق، رملي، طيني محروق) ووحدات إضاءة إضافية فوق المهام - إذا كان ذلك ضروريا - سوف يستطيع الأشخاص التركيز على نحو أفضل. وسيلاحظ أنه خلال أداء المهام الذهنية الصعبة، سيغمض الكثير من الأشخاص أعينهم لحجب البيئة تماما. ومن مزايا هذين المبدأين أنهما يسمحان باستخدام مجموعة متنوعة كبيرة من الخيارات اللونية؛ فالسطوع يتصدر الأهمية، ويأتي العامل الجمالي للون كعامل اختياري. (11) الرؤية الملونة
حوالي ثمانية بالمائة من الرجال يعانون من بعض العجز في رؤية الألوان، بينما نسبة النساء تقل عن نصف بالمائة. ويتمثل هذا العجز عادة في عدم القدرة على رؤية الأحمر أو الأخضر أو كليهما؛ فاللون البني والأخضر الزيتوني، على سبيل المثال، قد يبدو أنهما متماثلان.
وتوجد أمثلة قد يكون عمى الألوان فيها ناشئا عن الاستثارة، أو قد يعقب ظروفا مرضية معينة. في مرض الصفراء، قد يبدو العالم أصفر على نحو أساسي، وقد تأتي الرؤية الحمراء بعد نزيف الشبكية أو عمى الجليد، وقد تعقب الرؤية الصفراء التسمم بنبات القمعية أو بمادة الكينين، وقد يكون سبب الرؤية الخضراء جروح القرنية. وقد وجدت الرؤية الزرقاء في حالات إدمان الكحول. وفي عتمة التبغ، قد تكون الرؤية حمراء أو خضراء. وفي حالة التسمم بالسانتونين، قد يبدو العالم أزرق في البداية، وقد توجد مرحلة ثانية يستمر فيها المريض في رؤية الأصفر لفترة طويلة، وكذلك مرحلة الرؤية البنفسجية قبل التعافي الكامل. وبعد استخراج المياه البيضاء، قد يصاب المريض بالرؤية الحمراء، وقد يتبعها في بعض الأحيان رؤية زرقاء. ونادرا ما تحدث الرؤية الخضراء أو الصفراء في تلك الحالة.
خضعت الرؤية وعضو البصر لأبحاث طبية شاملة. وقد بذلت محاولات في مجال العلاج بالألوان من أجل تخفيف بعض حالات الحزن لدى البشر، من خلال تسليط ضوء ملون على العين في محاولة لاستثارة أعصاب العين أو إراحتها؛ ومن ثم التأثير على الجسم نفسه، ربما من خلال سلسلة من التفاعلات الداخلية. وقد قيل إن تسليط الضوء الأزرق والبنفسجي على العين يعد مبشرا في حالات الصداع، ويقال إن الضوء الأحمر يزيد من ضغط الدم، ويتعامل مع بعض أنواع من الدوار، ويقال إن الضوء الأصفر أو الأخضر أو الأزرق يخفف آلام الهضم، والضوء الأصفر مفيد في حالات معينة من الاضطرابات الذهنية.
يتناول الفصل الثامن هذه الاستجابات بمزيد من التفصيل. وإذا كان الإنسان حساسا للألوان، فإن جسمه يصبح أيضا لوحة للألوان. ويقدم آرثر أبوت في كتابه «ألوان الحياة» وصفا ممتازا للمظاهر المتغيرة التي يتخذها جسم الإنسان؛ حيث قال: «تعزى حمرة الدم إلى الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. أما الخدود الوردية التي تميز الشباب فتشير إلى الحالة الصحية للدم، مع البشرة الرقيقة التي تتمتع بالصحة. يمكن للرجل الأبيض أن يظهر كل الألوان تحت ظروف معينة؛ ولذلك من الممكن على نحو أكثر ملاءمة أن يسمى «ملونا»، في حين أن الزنجي - الذي نطلق عليه لفظ «ملون» - هو أسود، وهذا يعني غياب الألوان. إن الرجل الأبيض يمكن أن يبدو أبيض تماما بسبب الخوف، أو فقدان الدم ... إلخ، ويمكن أن يبدو رماديا من الألم، وأحمر من الإجهاد، الغضب ... إلخ، وأخضر بسبب الصفراء والسموم المحقونة، وأصفر بسبب اليرقان، وأزرق بسبب البرد وضعف الدورة الدموية، وقلة الأكسجين، وبنيا بسبب سفعة الشمس، وأرجوانيا بسبب الاختناق، وأسود بسبب التحلل.» (12) الرؤية ليست نعمة دائما
أختتم هذا الفصل بملاحظة محبطة: لطالما كتب الشعراء عن نعم الرؤية، وروى الكتاب المقدس قصصا عن استعادة العميان للبصر، وتوجد سيناريوهات ومسرحيات كثيرة تحكي عن عالم رائع من الألوان يكتشفه الشخص الذي كان أعمى في السابق. ومن المؤكد أن الرؤية من أعظم نعم الحياة، لكن قصص الكتاب المقدس والأساطير والحكايات الدرامية التي تتحدث عن استعادة البصر لا تقود دائما إلى سعادة لا حدود لها للأشخاص الذين عادت لهم الرؤية مرة أخرى، سواء عن طريق معجزة أو بطريقة أخرى؛ يقول آر إل جريجوري في كتابه «العين والعقل»: «يبدو أن الإصابة بالاكتئاب لدى الأشخاص الذين استعادوا بصرهم بعد سنوات طويلة من العمى يعد سمة شائعة في كل الحالات.» ويروي قصة عن رجل عمره اثنتان وخمسون سنة كان يجد صعوبة في التأقلم على الرؤية بعد عملية زرع قرنية ناجحة؛ فقد وجد أن ما تعلمه من خلال حاسة اللمس كان متعارضا على نحو واضح مع الواقع عندما استعاد بصره: «لقد وجد العالم شاحبا. وكان حزينا لرؤية تقشر وعيوب الدهان على الأشياء. كان يحب الألوان الفاقعة، لكنه كان يشعر بالإحباط عندما يبهت الضوء، وأصبحت خيبات أمله واضحة وشاملة، وكف تدريجيا عن الانخراط في الحياة، ومات بعد ثلاث سنوات.» ودعوني أبهج القارئ؛ حيث توجد استجابات أسعد للألوان موصوفة في الفصل القادم!
Неизвестная страница