فَقَائلٌ يقولُ: هذا سِحرُ ... وقائلٌ: في أذُنيَّ وَقْرُ
وقائلٌ يقولُ ممّنْ قَد طَغَوا: ... لا تسمعُوا لهُ، وفيه فالْغوا «١»
وهُمْ إذا بعضٌ ببعضٍ قدْ خَلا ... اعتَرَفوا بأنَّ حقًّا ما تلا
وأنهُ ليس كلامَ البَشَرِ ... وأنّه ليسَ لهُ بمُفتَرِي
اعترَف الوليدُ، ثمّ النَّضرُ ... وعتبةٌ بذاكَ، واستقَرّوا
وابنُ شَرِيقٍ باءَ وهْوَ الأخنسُ ... كذا أبو جهل، ولكن أبلسوا «٢»
_________
- المعنى: صرفهم؛ أي: أعجزهم بكلامه وما فيه من فنون الكلام التي يعرفونها وينظمون على منوالها، حيث بلغت تلك الفنون رتبة عجزت عقولها عن أن تنظم كلاما يباري كلام الله ﷿، وكلام المصنف ﵀ يؤذن بذلك، فقد بدأ هذا الفصل بقوله:
وجعل الله له القرآنا ... آية حق أعجزت برهانا
وختمه بقوله:
معجزة باقية على المدى ... حتى إلى الوقت الذي قد وعدوا
وإذا أقيم معنى الصرفة على المعنى الاصطلاحي.. انتفى كون القرآن الكريم معجزا في ذاته، ولا سيما وأن القول بالصرفة على المعنى الاصطلاحي مردود من وجوه كثيرة، وقد أحسن الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه «المنح المكية» (ص ٧٩٦) الردّ على القائلين بالصرفة فقال: (لكن أفسدوه- أي: القول بالصرفة- بأن قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ الآية دليل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة.. لم يبق فائدة لاجتماعهم؛ لأنه حينئذ بمنزلة اجتماع الموتى، وليس اجتماع الموتى مما يحتفل بذكره، هذا مع أن الإجماع منعقد على أن إضافة الإعجاز إلى القرآن، والقول بالصرفة يلزمه إضافته إلى الله تعالى لا إلى القرآن، وحينئذ يلزمه زوال الإعجاز بزوال التحدي، وفيه خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية، ولا معجزة له باقية أظهر من القرآن، ويلزم الصرفة أيضا أنه لا فضيلة للقرآن على غيره) . ومن أراد المزيد فعليه بما في مطولات كتب العقيدة، وعليه ب «دلائل الإعجاز» للجرجاني، و«الظاهرة القرآنية» لمالك بن نبي، والله أعلم.
(١) فالغوا: فتكلموا بكلام باطل.
(٢) أبلسوا: أسكتوا لحيرة أو انقطاع حجة.
1 / 51