أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ، ففي هذا دليل عن أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقى عن درجة الظن الى درجة العلم ، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ، ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد . وقد كان عمر من وجله أن يخطئ الصاحب على رسول الله(ص) يأمرهم أن يقلوا الرواية عن نبيهم ، ولئلا يتشاغل الناس بالأحاديث عن حفظ القرآن .
وقد روي عن شعبة وغيره ، عن بيان الشعبي ، عن قرظة بن كعب قال: لما سيرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتكم ؟ قالوا نعم تكرمة لنا . قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم . جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله ، وأنا شريككم! فلما قدم قرظة بن كعب قالوا حدثنا فقال: نهانا عمر رضي الله عنه!
... عن أبي هريرة قلت له: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم ، لضربني بمخفقته !
... عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري ، فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله(ص).
ابن علية عن رجاء بن سلمة قال: بلغني أن معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر ! فإنه كان قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله (ص) . انتهى .
شحن الذهبي كلامه كما ترى بتأجيج عاطفة حب عمر التي تربى عليها السنيون ، وبغضهم للرافضة الذي تربوا عليه ، لأن الرافضة لايقبلون أعذار عمر لتعطيل السنة ، ولايقبلون ما سطره محبوه من أسرار الحكمة الإلهية في فعله ، وأنه مسدد معصوم في كل أقواله وأفعاله حتى في تعطيل سنة رسول الله(ص) !
وهذا يدل على أن الذهبي وهو باحث متتبع إمام عندهم ، ليس لديه ما يدافع به عن أبي بكر ولا عمر إلا العاطفة ! لكن هل سيتخذ نفس الموقف إذا وجد في تاريخ الأنبياء(ع) أن أحد الحكام بعد إبراهيم أوبعد موسى أو سليمان(ع) منع أمته من تدوين أحاديثه وروايتها،وهل سيدافع عنه بالعاطفة؟!
Страница 413