Альбер Камю: Попытка исследования его философской мысли
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Жанры
ولكن البلد الذي بدا في مظهر الضحية النقية المقدسة مد يده إلى السكين، والمظلوم الذي عانى وطأة الظلم أربع سنوات مريرة لم يلبث أن أمسك بسوط الجلاد في مدغشقر والجزائر وفي أعمال الانتقام الوحشي ممن اتهموا بالتعاون مع العدو، وعادت سحب الكذب والحقد والصراع على السلطة بين الأحزاب المختلفة تتلبد في سماء باريس. كان النصر على العدو الخارجي أمرا سهلا لا يقاس إلى النصر على العدو الباطن في النفوس، الذي يستلزم المزيد من الشجاعة والألم ودم القلب. وراح كامي في كتاباته وخطبه وأحاديثه يدافع عن كرامة الروح، ويوقظ في النفوس معنى العدل، ويدعو إلى تجديد الفكر السياسي بالشجاعة والتفاهم والنبل.
ولكن كامي كان يقاوم طوفانا أقوى منه. توقفت صحيفة الكومبا بعد ثلاثة أعوام مشرقة تحت رئاسته، لم تخن فيها قضية واحدة من القضايا التي دافعت عنها. واستقال من رئاسة تحريرها واعتزل الصحافة، وإن ظل دائما يعبر عن آرائه في القضايا الملحة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من قضية، في مقالات جمعها فيما بعد في كتابه «مشكلات معاصرة»
Actuelles ، وتكشف جميعها عن جوهره الحق الذي تلخصه كلمة «الأمانة». إنها جميعا وثائق من عصرنا، لم تترك مشكلة من المشكلات التي تزيد من عذاب البشر في هذا الزمان، بغير أن تدلي فيها برأي، وبغير أن تفصل بين السياسة والأخلاق، أو قل بغير أن تحاول إعادة السياسة مرة أخرى إلى حرم الأخلاق. إنه يستنكر العنف والطغيان في كل صوره وفي أي معسكر كان، كما يستنكر كل فعل يؤدي إلى موت الإنسان، مهما تكن طبيعة الأسباب التي تساق دائما لتبريره. بهذه الروح العادلة المطلقة عالج مشكلات التسلح الذري والحرب الباردة واستنكر الإرهاب الاستعماري في مدغشقر والجزائر، وأيد الثورات الوطنية في قبرص وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا، واحتج على الرعب في كل صوره وأشكاله، لا يكتفي بتأكيد المبادئ، بل يقدم دائما الحلول العملية المباشرة المعتدلة.
كان كامي يحمل في كيانه كل صراعات العصر ويتجاوزها بفضل الحماس المتوهج الذي عاناها به. وكان حسه الأخلاقي الشجاع، كما قال له سارتر في رسالته المشهورة بعد النزاع الذي نشب بينهما،
3
يذكر الناس بأنه آخر خلفاء شاتوبريان وأكثرهم موهبة، وأنه يقف في صف الأخلاقيين الفرنسيين الكبار في القرنين السابقين، بجده وحكمته وجرأته. وألف الناس كلمات مثل العدل والأمل والعظمة والنبل تخرج من فمه وتسيل من قلمه، وتبشر بسعادة بشرية من نوع جديد، وإن كان القدر الإنساني القاتم الأليم لا يغيب عن أفقها لحظة واحدة.
وظهرت في عام 1947م رواية الوباء معبرة عن مأساة العصر، واضعة أحداثه في إطار الأسطورة أو الرمز المتحرر من الزمن والمكان، الذي يتطلبه كل عمل فني صادق. وكانت الرواية بفصولها الخمسة الكبرى تراجيديا أكثر منها رواية بالمعنى المألوف، ولعل ذلك هو سر عظمتها ونجاحها في آن واحد.
ولكن الطوفان كان أقوى منه كما قدمنا، والعصر بدا كأنه قد أفلت من كل حد وفقد النظرة الموضوعية للأمور، وسار كالأعمى على الشعار المألوف: الغاية تبرر كل وسيلة. وتتابع الهجوم عليه من اليمين واليسار، من المحافظين والماركسيين بل ومن أولئك الذين هب للدفاع عن حقوقهم. ونشب النزاع المؤسف المشهور بينه وبين صديقه سارتر، هذا يتهمه بأنه برجوازي رجعي، وذلك يرد عليه بأن يهادن الشيوعيين والأمريكيين، ويزن بميزانين في آن واحد. وامتد النزاع فصار هجوما مرا على صفحات مجلة «سارتر» «الأزمنة الحديثة» على كتاب كامي «المتمرد» وألقيت التهم الشخصية عليه مما أدمى قلبه بجراح عميقة، وأثرت فيه تأثيرا جعله يأوي إلى الوحدة والصمت طوال أعوام طويلة. لم يكد يخرج عن هذا الصمت إلا ليظهر روايته الفريدة «السقطة» (1956م)، ويعد اقتباساته المسرحية لروايات من فولكنر (جناز لراهبة) ودستويفسكي (الممسوسون)، ويعيد كتابة وإخراج مسرحيات لكالديرون (التبتل للصليب) ولوب دي فيجا (فارس أولميدو)، ويدون الصفحات الأولى من رواية جديدة لم تتم (الإنسان الأول)، ويخطط لمسرحية جديدة لم تتم أيضا «دون جوان».
كان فيما يبدو قد نفض يديه إلى الأبد من متاعب السياسة العفنة، وأقبل بكل كيانه على الواجب الأساسي لكل كاتب فنان، ألا وهو الخلق والإبداع، وتتابعت الأزمات الشخصية عليه، وهاجمه داء السل القديم في عام 1949م زمنا طويلا، وتوالت الصدمات والمتاعب فألجأته إلى الوحدة الإسبانية الراقدة في أعماق قلبه، التي لم يكن يخرج منها لحظات إلا ليقفل راجعا إلى جزيرته، على حد قوله في مذكراته اليومية لعام 1951م.
4
Неизвестная страница