296

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

Редактор

خالد بن عثمان السبت

Издатель

دار عطاءات العلم (الرياض)

Издание

الخامسة

Год публикации

١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Место издания

دار ابن حزم (بيروت)

Жанры

فالذين قالوا: الاجتهادُ ممنوعٌ عليه استدلوا بهذه الآيةِ من سورةِ الأنعامِ، وآيةِ النجمِ وما جرى مَجْرَاهُمَا. قالوا: لأن النبيَّ قال: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: آية ٥٠] فَحَصَرَ ما يُتَّبَعُ في الوحيِ، وهذا يمنعُ الاجتهادَ، وأنه لا سبيلَ إلى الاجتهادِ.
وآيةُ النجمِ التي أَشَرْنَا إليها هي قولُه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم: الآيتان ٣ - ٤].
فَأَجَابُوا عن هذا قَالُوا: وَقَعَتْ وقائعُ تدلُّ على الاجتهادِ في الجملةِ، كما دَلَّتْ عليه آياتٌ من كتابِ اللَّهِ، كقولِه في سورةِ الأنفالِ: قال له اللَّهُ (جل وعلا) لَمَّا اجتهدَ في أُسَارَى أهلِ بدرٍ ولم يَقْتُلْهُمْ، قال اللَّهُ - كأنه لائمٌ له، مُقَرِّعٌ له -: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [الأنفال: آية ٦٧] فقولُه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ قالوا: دليلٌ على أنه أَسَرَ الأسارى اجتهادًا منه، ولو كان بِوَحْيٍ لَمَا لَامَه اللَّهُ هذا اللومَ. وكقولِه في براءة: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ [التوبة: آية ٤٣] فلو كان ذلك العفوُ بِوَحْيٍ لَمَا قال له: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ قالوا: هذه النصوصُ وأمثالُها معناه: أنه يفعلُ بعضَ الأمورِ من غيرِ وحيٍ صريحٍ، بل باجتهادٍ منه.
وكان بعضُ العلماءِ يقولُ: أَمَّا ما يقولُ: إنه يُوحَى إليه، فلا شَكَّ أنه وَحْيٌ من اللَّهِ، وهو الذي فيه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم: الآيتان ٣ - ٤].
وأظهرُ الأقوالِ: أن الشرعَ والتحليلَ والتحريمَ، أنه لا يُحْكَمُ

1 / 300