ثم قام إلى دن شراب مطين فبزله ثم سكب منه وسقى القوم، فلم يزل يشرب ويسقيهم وهو في خلال ذلك يطربهم ويلهيهم، ونظروا إلى رأسه محلوقا فأقبلوا يطرقون له وهو يحتملهم على ذلك لما أضمره لهم من المكيدة والمخاتلة. وهمه أن يسكرهم وينومهم فلم يزل بهم حتى جنهم الليل وكلما مال بهم السكر هزهم وألهاهم وسقاهم حتى جاوز بهم المقدار فخروا نياما لا يعقلون سكرا واستعد للقاء فلما علم أنه قد أمكنته الفرصة قام إليهم فقضى وطره ... وقال: والله لأنتقمن لقمحدوتي من خصاكم فلما خسر وأعيا..... ولم يبق فيه حركة تساكر ونام كهيئتهم على وجهه........... كفعله بهم فلما انتبه لهم ورأى حاله أنكرها واتهم أبا نواس وقال: هذا عمل الحمال وفعله وانتبه الثاني والثالث فإذا أحوالهم كحاله فامتعضوا لذلك وقالوا: ما كان ليدخل علينا داخل في هذا الموضع، وإن هذا لفعل الحمال - وهو قد تناوم وتساكر لاستماع كلامهم - فنظروا إليه فإذا هو على مثل حالتهم محلول السروايل مبلول الإست فقالوا ما هذا إلا فعل شيطان وأنبهوه فانتبه وتغضب واستشاط وقال لهم: أخزاكم الله، تفعلون بشيخ مثلي هذا الفعل أما تتقون الله أما تستحون من شيبتي والله لأشكونكم إلى العالم. فقالوا له: اتق الله فإن ذلك قد فعل بنا جميعا، فسكن ثم قال: إن كان الأمر كما تزعمون فإن لي بكم أسوة حسنة، فقال بعضهم لبعض: ليس الرأي أن يشيع هذا الخبر وإلا كان فضيحة علينا، وأبو نواس في البلد، وإن سمع بهذا الخبر فأين المهرب من هجائه فقام كل واحد فاغتسل ثم قال لهم أبو نواس: يا فتيان (كل) واحد منا قد جعل البارحة عروسا فاصطحبوا وباكروا اللذة كمباكرة العروس، قالوا: صدقت فتغذوا ووضعوا الشراب فلما دارت الراح في رؤوسهم قام أبو نواس فخرج ولبس ثيابا سرية من خلع الخصيب وتطيب ثم رجع إليهم. فلما دخل عليهم من الباب قالوا: يا هذا من أنت؟ ثال: أنا الحمال الذي صيرتكم البارحة عرائس، قالوا: أنت والله أبو نواس؟ قال: أنا والله أبو نواس فكيف رأيتم، فصفق كل واحد يده على جبهته وجعل ينكت الأرض استحياء وتخاجلا، فقال لهم: قد وقع الأمر الآن موقعه وأنا أشرب فإن ساعدتموني وتممتم يومكم كان ذلك أوفق لكم فشربوا على كره منهم وحياء شديد فلما أمسى وانصرف أنشأ يقول:
وفتية كالدمى قد اجتمعوا ... مثل الدنانير حين تنتقد
قد ساقني الحين نحوهم فإذا ... همو يقولون إن دنا الأحد
فباكروا الراح واقطعوه بها ... فصرت للموضع الذي عمدوا
علي كرزن ومشملة ... وميهة حبالها مسد
عمدا فبكرت وارتصدتهمو ... حتى أتوا غدوة وما انفردوا
قمت إليهم فقلت أحملها ... فإن عندي لحملها القدد
حبل وثيق وميهة وأنا ... بحملها عالم ومرتشد
قالوا فخذها فأنت أنت لها ... سوف نكافيك بالذي نجد
فظلت أعدوا كأنني جمل ... ينوء للموضع الذي قصدوا
فصرت رشاشهم وكانسهم ... وصرت طباخهم وبي رمد
إذا الأباريق والزجاج بها ... نظرت فيها المغرد الصرد
فثرت نحو الزجاج أغسله ... حتى تلالا كأنه البرد
فأعجب المرد خفتي لهمو ... وليس في خفتي لهم رشد
قالوا لي اقعد وهات صب لنا ... وبادر الليل قبل نفتقد
فلقت إذ ذاك هامة وضعت ... على ضئيل كأنه وتد
فمر يهوي كأنه رجل ... تسيل منه الدماء مفتصد
ما زلت أسقيهمو مشعشعة ... يحذر من وقع كأسها الجسد
حتى رأيت الرؤوس مائلة ... ولم يكن في رقابها أود
واعتقلت ألسن وأسوقة ... فممسك رأسه ومعتمد
قمت وبي رعدة ... ... وكل من دب فهو مرتعد
. . . . . . .
يا ليلة بت أجني ثمر ال ... لذلات معنا النواعم الخرد
من ذا إلى ذا وقد أمرت بأن ... أعفج هذا وكل من أجد
كأنهم أنجم لبهجتهم ... أو المصابيح حين تتقد
حتى إذا مللت عفجهمو ... وكل ... فما به جلد
حتى إذا المجلس استوى بهمو ... غادرتهم والكؤوس تطرد
صرت إلى منزلي فأبت وقد ... زينت نفسي وحلني العدد؟
على قوهية وأردية ... من نسج مصر وكلها جدد
فقيل من أنت قلت صاحبكم ... لا عقل يرجى لكم ولا قود
1 / 12