فليموتوا بلا أمل أولئك الذين يستطيعون أن يضحكوا من المريض يسافر إلى الينابيع البعيدة ليزيد فقط من شكواه، وليجعل الموت أشد إيلاما! أو من ينتصرون على النفس اليائسة التي تحج إلى الأرض المقدسة لتخفف من وخز الضمير ولتهدئ الفكر. إن كل خطوة من الطريق الوعر الذي يمزق قدميه بلسم لفؤاده، وكل ليلة من رحلته تدنو به من الأمل والعزاء. أفتجرءون أن تسموا هذا إسرافا، أنتم يا من ترفعون أنفسكم على أرجل من خشب لتلقوا خطبا زاهرة؟ إسراف! يا للسماء ! ألا يكفي حظنا المقسوم من الشقاء دون أن تزيده حماقة جيراننا المزعجة؟ إن الكرم المقوي النافع، والنبات الشافي، والعون والصحة المنجية؛ كلها ترتيبات إلهية، يا أبانا القادر على كل شيء، والذي لا أعرفه، أنت يا من كنت تبدل وحشة روحي انتعاشا، لم نبذتني؟ استدع عبدك الهائم، وألق على فؤاده العزاء؛ إن روحي ظمأى وراءك، ولا تستطيع تحمل صمتك، وهل يغضب والد من ولده الذي يدخل فجأة إلى حضرته، فيتعلق بعنقه صارخا: اغفر لي يا أبي العزيز؛ لأنني اقتضبت رحلتي وعدت قبل وقتي المحدد، لقد وجدت العالم في كل مكان سواء، العمل والعناء والسرور والجزاء، كلها لم أعبأ بها، في حضرتك فقط توجد الهناءة، وأنا أبحث عن حضرتك، ولتكن العاقبة كما تكون.»
الرسالة الثانية والثمانون
أول ديسمبر
آه يا صديقي! لقد كان ذلك المجنون المسكين البائس - الذي ذكرت لك في رسالتي السابقة، والذي يحسد شقاؤه كثيرا - كاتبا لأبي شارلوت، ثم علق بها لسوء الحظ، وحفظ وجده وأخفاه، ولكنه باح به أخيرا؛ وعلى ذلك فصل، وصار إلى الجنون الذي وصفت.
تصور - إذا استطعت - التأثير الذي تحدثه في تلك القصة المقتضبة التي حدثني بها ألبرت بلا مبالاة وهدوء كالذي يحتمل جدا أن تقابلها به الآن.
الرسالة الثالثة والثمانون
4 ديسمبر
حقا أيها الصديق ليس في استطاعتي البقاء على حالتي هذه، كنت اليوم مع شارلوت، وكانت تعزف على آلتها الموسيقية بشكل يقصر دونه كل وصف، وكانت أختها الصغيرة تلبس عروسها على حجري، وانحدرت الدموع على خدي، ورأيت بانحناءة مني خاتم الزواج، فزادت دموعي حتى فاضت كالسيل، ثم بدأت حالا في نغم محبب طالما سرني وهدأ مني، فأتى بالعزاء المطلوب للحظة ما، ولكنه سرعان ما أعاد لي ذكرى أوقاتنا السعيدة الداثرة، الشقاء واليأس! فذعرت، وتمشيت في الغرفة بخطوات مسرعة، ثم ذهبت إليها أخيرا، وصرخت بحدة: «بحق السماء، أمسكي عن هذه النغمة.» فأمسكت وحدجتني بنظرة، ثم قالت وهي تبسم ابتسامة أصابت من فؤادي الصميم: «حقا يا فرتر، إنني أخاف أن تكون مريضا؛ فإنك لتنفر نفورا غريبا من غدائك الذي تحبه كل الحب، أرجو أن تذهب فتحاول تسكين نفسك.» ففارقتها. أيتها السماء! أنت ترين آلامي، وإنني لواثق أنك ستضعين لها حدا.
الرسالة الرابعة والثمانون
6 ديسمبر
Неизвестная страница