سألت متعجبا: أأنت العنقاء يا شيخ؟ تموت كل مرة وتنهض من رمادك؟
قال في أسى: بل أموت كل مرة ولا أنتبه، ويظل الحلم-الكابوس يلف خيوطه حولي ولا أفيق، وأعود لداري مقهورا لأطهر روحي بدموع الخشية والطاعة . كم من مرة كان علي أن أمزق الخيوط وأخرج. كم حتمت الأيام والتجارب أن أنفض ثوب العلماء وأمضي ...
قاطعته: إلى أين يا شيخ؟
ارتفع صوته كالرعد: إلى الصحراء يا ولدي، إلى الرمضاء كما فعل إبراهيم!
سألت: إبراهيم؟!
تردد قصف الرعد ومعه ومض البرق: سيدي وأميري؛ إبراهيم بن أدهم، ترك القصر والجاه والمال والكأس والنساء والخدم والحشم ولجأ إلى غار في الصحراء.
سألت: لجأ إلى الجحيم من الجحيم؟
قال: وماذا يفعل يا ولدي؟ ذهب ليتطهر.
ابتسمت قائلا: أولم يكن الأفضل أن يتطهر في لهب النار وبالنار؟ أن يثبت في وجه الوحش المسعور الضاري؟
ارتفع زئير الأسد المجروح: من أدراك أننا لم نواجهه؟ إنك لا تعرف عنه ولا عني شيئا. هل كنت معي حين وضعوني في الزنزانة وسط آلات التعذيب وأصوات التعذيب؟ حين سلطوا علي شهود الزور من الفقهاء والوعاظ؟ من تجار الكلمة والدين وأشباه العلماء؟ هل صحبتني على شاطئ دجلة وأنا أستغفر للغرقى كل صباح؟ أغمض أعينهم وأجففهم وأقرأ عليهم وأكفنهم بيدي؟ من عذبهم في السجن ومن أغرقهم بالليل؟ وأتاني الهاتف. أخذ الصوت الآمر يدعوني أن أبتعد وأخرج، أن أبتعد وأخرج.
Неизвестная страница