هُوَ الماءُ إِنْ يُوصَفْ بِكُنْهِ صِفاتِهِ ... فَلِلْماءِ إِغضاءٌ لَدَيْهِ وإِطراقُ
فَفِي اللَوْنِ بَلُّوْرٌ وَفي اللَّمْعِ لُؤْلُؤٌ ... َوفي الطِيبِ قِنْدِيدٌ وَفي النَفْعِ دِرْياقُ
إِذا عَبِثَتْ أَيْدي النَسِيمِ بِوَجْهِهِ ... وَقَدْ لاحَ وَجْهٌ مِنْهُ أَبْيَضُ بَرَّاقُ
فَطَوْرًا عَلَيْهِ مِنْهُ دَرْقٌ خَفِيفَةٌ ... وَطَوْرًا عَلَيْهِ جَوْشَنٌ مِنْهُ رَقْراقُ
وَلَمْ يَعْدُهُ نِيلْوفَرٌ مُتَشَوِّفٌ ... بأرْؤُسِ تِبْرٍ وَالزبْرَجَدُ أَعْناقُ
لَهُ وَرَقٌ يَعْلُو عَلى الماءِ مُطْبِقٌ ... كَأَطْباقِ مَدْهُونٍ تَلَتْهُنّ أَطباقُ
وَقَدْ عابَهُ قَوْمٌ وَكُلُّهُمُ لَهُ ... عَلَى ما تَعَاطَوْه مِنْ العَيْبِ عُشاقُ
يَهابُ قُوَيْقٌ أَنْ يُمَلَّ فَإِنّما ... يُقِيمُ زَمانًا ثُمّ يَمْضِي فَنَشْتاقُ
وَقالوا: أَلَيْسَ الصَيْفُ يُبْلي لِباسَهُ ... فَقُلْتُ: الفَتَى في الصَيْفِ يُقْنِعُهُ طاقُ
وَما الصُبْحُ إِلاَّ آئِبٌ ثُمّ غائِبٌ ... تُوارِيهِ آفاقٌ وتبديه آفاقُ
وَما البَدْرُ إِلاَّ زائِدٌ ثُمَّ ناقِصٌ ... لَهُ في تَمامِ الشَهْرِ حَبْسٌ وَإِطْلاقُ
وَلَوْ لَمْ تَطَاوَلْ غَيْبَةُ الوَرْدِ لَمْ تَتُقْ ... إِلَيْهِ قلُوبٌ تائِقاتٌ وَأَحْداقُ
وِلِوْ دامَ في الحُبِّ الوِصالُ وَلَمْ يَكُن ... ِفراقٌ َولا َهجْرٌ لما اشتاقَ ُمشتاقُ
َوَفضْلُ الغَنِى لا َيسْتَبّينُ ِلِذي الغِنَي ... ِإذا َلمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ الفَضْلَ إِمْلاقُ
قُوَيْقٌ رَسيلُ الغَيْثِ يَأْتِي وَيَنْقَضِي ... وَيَأْتِي انْسِياقًا تارةً ثُمّ يَنْساقُ
وله فيه:
قُوَيْقُ عَلَى الصَفْراءِ رُكِّبَ جِسْمُهُ ... رُباهُ بِهَذا شُهَّدٌ وَحَدائِقُهْ
فَإِنْ جَدَّ جِدُّ الصَيْفِ غادَرَ جِسْمَهُ ... ضَئِيلًا وَلَكِنَّ الشِتاءَ يُوافِقُهْ
يريد أنّ أصحاب الأمزجة الصفراويّة تنحل أجسامهم في الصيف ويوافقهم الشتاء ويريد أنّ قويق يقلّ ماؤه في الصيف حتّى يبقى حول المدينة كالساقية وربّما انقطع بعض السنين بالكليّة. والصنَوْبري يذكر مدّه في الشتاء:
قُوَيْق إِذا شَمَّ رِيحَ الشِّتَاءِ ... أَظْهَرَ تِيهًا وَكِبْرًا عَجِيبا
وَنَاسَبَ دِجْلَةَ وَالنِيلَ وَال ... فُراتَ بهاءً وحُسْنًا وَطِيبَا
وَإنْ أَقْبَلَ الصَيْفُ أَبْصَرْتُهُ ... ذَلِيلًا حَقيرًا حَزينًا كَئِيبا
إِذا ما الضَفادِعُ نادَيْنَهُ ... قُوَيْقُ قُوَيْقُ أَبى أَنْ يُجِيبا
فَيَأْوِينَ مِنْهُ بقايا كُسِي ... ن مِنْ طُحْلُبِ الصَيْفِ ثَوْبًا قَشِيبا
وَتَمْشِي الجَرادَةُ فيهِ فَلا ... تَكادُ قَوائِمُها أَنْ تَغِيبا
وقال أبو نصر محمّد بن محمَّد بن إبراهيم بن الخضر الحلبيّ:
ما بَرَدَى عِنْدِي وَلا دِجْلَةٌ ... وَلا مَجارِي النِيلِ مِنْ مِصْرِ
أَحْسَنُ مَرْأَى مِنْ قُوَيْقَ إِذا ... أَقْبَلَ في المَدِّ وَفِي الجَزْرِ
يَا لَهْفَتا مِنْهُ عَلَى نَغْبَةٍ ... تَبِلُّ مِنِّي غُلَّةَ الصَدْرِ.
وقال:
لِلهِ يَوْمٌ مَدَّ في صَدْرِهِ ... قُوَيْقُ مَقصُورٌ جناحَيْهِ
مُصْنَدَلًا يَلْثِمُ ماءُ الحيا ... مِنْهُ لِمُخْضَرِّ عِذارَيْهِ.
وقد وصفته الشعراء كثيرًا لكنّا اقتصرنا على ما ذكرناه لعلمنا أنّ الصَنَوْبَريّ لا يشقّ غباره في وصف حلب ولا ما فيها أحد عداه ولا يبلغ العشر من مداه.
ذكر القنيّ المتفرّعة عن القناة العظمى
1 / 49