في الاستمداد منه. فيقول: «ينبغي للمفتي الموفَّق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحالي لا العلم المجرَّد إلى مُلهِم الصواب، ومعلِّم الخير، وهادي القلوب أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السَّداد، ويدلّه على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق» (٥/ ٣٢).
وفي مواضع من الكتاب ذكَّر الناس بمقامهم بين يدي ربّ العالمين، ليكون أردع للنفوس المريضة، وأزجر للقلوب الضعيفة، وأدعى إلى قبول الحق. فقال: «ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلّده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصحّ دليلًا» (٥/ ٤١). وقال في موضع آخر: «فكيف يحلُّ لمن يؤمن بأنه موقوف بين يدي الله ومسؤول أن يكفِّر أو يُجهِّل من يفتي بهذه المسألة ويسعى في قتله وحبسه ...» (٣/ ٥٢٨). وقال: «فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع الحيل والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلِّصه من الله ما أظهره مكرًا وخديعةً من الأقوال والأفعال، وأن لله يومًا تكعُّ فيه الرجال، وتنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السرائر، وتظهر فيه الضمائر ...» (٤/ ٥٠). ومثل هذا كثير في الكتاب يذكُر المسألة ويستعمل في أثنائها أسلوب الترهيب والتخويف، فيكون أدعى إلى قبول الحق.
هذه ملامح من منهجه وأسلوبه في هذا الكتاب، أشرنا إليها باختصار، وتفصيل القول فيها يحتاج إلى دراسة مستقلة.
* * * *
المقدمة / 55