وقد تمكنت من قراءة الكتاب حتى إذا أتمت تلاوته شهقت شهقة عظيمة، وسقطت مغمى عليها، وناديت الخدم، وأخذوا يعالجونها بنضح الماء على وجهها، بينما كنت أقرأ ذلك الكتاب وهو كما يأتي:
سيدتي
من شأن توالي الأيام أن يلطف أحزان النفوس، ولولا ذلك لما تجاسرت على الكتابة إليك .
لقد مات في هذه الأيام رجل كان بستانيا عندكم، وقد اعترف لي قبيل احتضاره بذنب عظيم جناه.
كان هذا الرجل قد أنبه ضميره، فباح بجريمته لجميع الناس، ولكن الناس لم يصدقوه؛ لأنهم كانوا يتهموه بالجنون، ولكن هذا الرجل كان يقول الحق، وا أسفاه! وأنا على أتم الثقة من سلامة عقله حين اعترافه لي قبلما فاضت روحه.
والحكاية يا سيدتي أنه منذ ستة عشر عاما، بينما كنت تمليئن القصر عويلا، كان زوجك الكونت يسير في جنازة طفل قيد في سجل الأموات باسم دي نيفيل، ولكنه لم يكن في الحقيقة إلا ابن بستانيكم حنا وامرأته مادلين.
وقد حدثت الجناية في الليل وأنتم نيام، فإن هذا البستاني دخل قصركم يحمل ولده الميت، فوضعه في مهد ولدك، إن ولدك كان حيا يا سيدتي، وإن الأجراس لم تدق دقاتها الحزينة يومئذ لولدك بل لولد البستاني، وكان هذا البستاني قد جن حقيقة في البدء لهول ما جناه.
ثم احترق قصركم، وهجرت قريتنا مع زوجك، وتوالت السنون دون أن يقول لك أحد إن ولدك الذي تندبينه لا يزال في قيد الحياة، فإن البستاني كان مجنونا، وامرأته لم تكن واقفة على هذا السر، وهي تعتقد أن ولدك إنما هو ولدها.
ثم ماتت تلك الأم، وكان زوجها البستاني قد نذر لله أن يرد إليك ولدك إذا شفى الله امرأته، ولكن لله مقاصد تحار في كنهها العقول، فماتت الأم، واضطرب عقل البستاني، فحقد على الطفل لاعتقاده أنه كان السبب في موت امرأته، وبات يقسو عليه قسوة الظالمين.
هنا يا سيدتي يجب أن تتسلحي بالصبر الجميل عدة المؤمنين، فإن ولدك حي، ولكنك قد لا تجتمعين به إلا في دار البقاء؛ وذلك أنه منذ سبعة أعوام رثا أحد المزارعين لولدك لما كان يراه من قسوة البستاني عليه، وجاء به إلى منزله، ثم اختفى ولم يعلم أحد حقيقة أمره، غير أنهم يشيعون أنه لحق بجوقة من الممثلين كانت مرت بقريتنا، وكان مدير هذه الجوقة يدعى كوكليش.
Неизвестная страница