46

ألم أقل لك يا بني إنني لا أملك أن أرى رأيا جديدا ولا أن أحيا حياة جديدة؟

قصارى ما يملك المرء في هذه الدنيا عمر واحد يعلم فيه كل ما قدر له من العلم ويعمل فيه كل ما وسعه من العمل؟ ويختبر فيه اختباره، ويستوفي منه أحواله وأطواره. فإذا قضاه فتلك حصته من الزمن لا حصة له بعدها، ولا نصيب له من أعمار الدنيا وراءها.

قال الرسول: والشهرة يا أستاذنا، أليست هي عمرا متجددا وحصة مزدادة؟

قال أبو العلاء: كلا يا بني الشهرة استطالة لعمر الشهير، فيها تكرار له وليس فيها تجديد لشيء منه. ختمت حصتي من الوقت فلا تنتظر مني قولا غير ما قلت، أو رأيا غير ما رأيت. ولو أطلعتني كل يوم من دنياك هذه على جديد. •••

فأحس الرسول شيئا من خيبة الرجاء، أولا يسمع من أبي العلاء كلمة فيها معنى من المعاني غير ما سطرته الأوراق وفرغ منه الحافظون والشراح؟ لقد كان يحسب أنه ظافر بأبي علاء جديد، أو بطبعة منقحة من أبي العلاء القديم، فإذا به يسمع مرة بعد مرة أن أبا العلاء هو أبو العلاء، وأن حجاب الزمن قد هبط بعده، فلا منفذ من ورائه إلى علم غير ذلك العلم، ولا إلى حكمة غير تلك الحكمة. وأوشك أن يقتضب الرحلة لولا أنه استدرك وتدبر، فعلم أن مشاهدة الدنيا في صورة علائية أمر يستحق النظر ومعرفة تستحق العرفان، فانطلق يقول: إذن يا مولاي أنا أعلم رأيك في هذه الحكومات العسكرية التي تركنا بلادها، أو هذه الأمم التي يجرون على وتيرة لا يشذون عنها ونظام لا يهاودون فيه. أنت تحمدها بعض الحمد لأنك تقول:

واخش الملوك وياسرها بطاعتها

فالملك للأرض مثل الماطر الساني

1

إن يظلموا فلهم نفع يعاش به

وكم حموك برجل أو بفرسان

Неизвестная страница