واتصل هنري كليي بكالهون يقترح حلا وسطا، ومؤداه أن تخفف الضريبة بعض الشيء، ووافقه كالهون، ومال الرئيس إلى قبول ذلك الحل، ولكنه اشترط أن يوافق الكونجرس على لائحة استعمال القوة، وأن تكون اللائحة سابقة في صدورها صدور اللائحة بالحل الذي اقترحه هنري وكالهون. وظفر الرئيس بما أراد وصدرت اللائحتان حسبما طلب، ورجعت كارولينا عن ثورتها، ونفذت الضريبة الجديدة! كتب الرئيس إلى أحد أصدقائه قائلا: «إن لديك بعض من يقولون بحق الإلغاء، ألا قطب لهم وجهك؛ فما كانت الضريبة إلا حجة واهية، وإنما يريد الجنوبيون اتحادا خاصا بهم من الولايات الجنوبية، وإن حجتهم القادمة سوف تكون مسألة العبيد.» ولله ما أعجب هذه النبوءة التي سوف تثبتها الأيام!
ونفض الرئيس من المشكلة يديه ظافرا، وقد ازداد إعجاب الناس ببسالته ووطنيته وإخلاصه للاتحاد، ولكن خصومه تداعوا وتكاتلوا يعارضونه ويتهمونه بالثورة على الدستور، وينددون بلائحة استعمال القوة، وراح هنري كليي يقول إنه كان محقا في تخوفه من اختيار جاكسون الجندي لرياسة الاتحاد. وهكذا تألفت في الكونجرس جماعة قوية من الساسة تناصل جاكسون.
وفي مثل هذا الجو العاصف تحدى الرئيس خصومه في قضية أخرى اهتم بها الرأي العام أعظم اهتمام؛ وهي قضية مصرف الولايات المتحدة.
قضي على المصرف الأول الذي دعا إليه هاملتون والذي عارضه فيه جفرسون، وذلك بعدم تجديد لائحة سنة 1811، ولكن مصرفا جديدا أنشئ سنة 1816، وما لم تتجدد لائحته فإنه ينتهي سنة 1836، ولكن جاكسون يكره هذا المصرف كما يكره جميع المصارف؛ ولذلك يقف عقبة في سبيل تجديد لائحته.
كان جاكسون يكره المصرف؛ لأنه يضم عددا كبيرا من رجال الحكم والسياسة، ولأنه جزء من مال أجنبي، وقر في نفسه أن المصارف فتنة للناس، وأداة لإفساد الضمائر والنفوس، وخطر على روح الديمقراطية، وشايع جاكسون الكثير من أهالي الولايات، وعلى الأخص الغربية والجنوبية؛ لأن معظم هؤلاء كانوا من المدينين للمصرف، بينما كان أهل الشرق والشمال هم أصحاب الصناعة وأصحاب المال.
وحمل خصوم جاكسون حملة عنيفة عليه، ورموه بالجهل بالأمور المالية وقصر النظر، ولكنه لم يعبأ بذلك كله وظل كالصخرة لا تنال منه العاصفة.
وقد كان لمعظم هؤلاء مصلحة شخصية في بقاء المصرف، حتى الوزراء أنفسهم قد انقسموا حزبين: أحدهما يؤيد الرئيس، والآخر يخالفه. ووافق النواب على لائحة التجديد ووافق عليها الشيوخ، ومعنى ذلك أن الكونجرس يؤيدها، ولكن الرئيس على الرغم من ذلك يرفض اللائحة، ثم هو يحذر الكونجرس في رسالة بليغة مذكرا أعضاءه بمساوئ المصارف، وأنها وسيلة لاستعباد طائفة من الشعب طائفة أخرى، وبأن «أمواله الأجنبية أشد عداوة وأشد خطرا على الاتحاد من أسطول دولة معادية وجيشها»، ويقطع جاكسون الطريق على المحكمة العليا التي صار لها بحكم التقاليد أن تفصل في الخلاف الدستوري إذا نجم بين الرئيس والكونجرس ، فيصرح أنه يجب ألا تكون المحكمة العليا مهيمنة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإنما ينبغي ألا يكون لها من أثر إلا بقدر ما يكون في آرائها من إقناع، والحقيقة أن الدستور لم يبين ما إذا كان واضعوه قد قصدوا أن تكون للمحكمة العليا الكلمة النهائية في دستورية القوانين أم لم يقصدوا.
وطمع هنري كليي في تأييد الرأي العام، فدعا إلى عقد مؤتمر للدفاع عن المصرف سماه مؤتمر الهوج، وتألف حزب جديد بهذا الاسم جمع معارضي جاكسون، ولكن ما كان أعظم دهشة هؤلاء الساسة وحيرتهم وقد حل موعد الانتخاب للرياسة سنة 1832 أن يروا جاكسون يظفر هذه المرة، على الرغم من نشاطهم بأغلبية تتضاءل أمامها تلك التي حصل عليها سنة 1828، ورأى هؤلاء الناس عين اليقين أن الرجل الذي يؤيده شعبه لن تخذله قوة أو حيلة!
وكانت الانتخابات لمجلس النواب تجرى أثناء انتخاب الرئيس، فجاءت أغلبية المجلس الكبرى في جانب جاكسون، أما مجلس الشيوخ فظلت فيه أغلبية من الهوج المعارضين، وذلك لأن مجلس النواب يتجدد كل سنتين بينما يبقى مجلس الشيوخ ست سنوات!
وظل الشيوخ على عدائهم للرئيس حتى بلغ بهم الأمر أن قرروا توجيه اللوم رسميا إليه، ولكن حينما تجدد انتخاب الشيوخ ظفر جاكسون بأغلبية المجلس، وغلب الهوج على أمرهم، وسحب المجلس الجديد ذلك اللوم الذي وجه للرئيس وحذفه من المضبطة. أما لائحة تجديد المصرف فقد رفضت وبات إلغاؤه أمرا مقضيا.
Неизвестная страница