الحديث السادس
أخرج البخاري في صحيحه(1) ومسلم(2) كلاهما من طريق الزهري: أن المسور بن مخرمة قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل.
فقام رسول الله فسمعته حين تشهد يقول: ((أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وأن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد))، فترك علي الخطبة.
النكارة في هذه الرواية
نكارة جلية؛ لأن عليا عليه السلام لا يؤذي رسول الله ولا بنته عليها السلام التي هي بضعة منه، بل لا شك أن عليا عليه السلام كان أشد الناس اتباعا للرسول ولزوما له ومحبة له ولما يحب وكراهة لما يكره، كما يقتضيه إيمانه.
ومقتضى الإيمان -كما في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه(3)- أن يكون الرسول أحب إلى علي من نفسه وولده والناس أجمعين.
وكما يقتضيه قرابته وصهره وإحسان الرسول إليه من صغره، وتربيته كما اعترف بذلك ابن حجر في فتح الباري(4) حيث قال: إن عليا كان عنده كالولد؛ لأنه رباه من حال صغره، ثم لم يفارقه بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة. انتهى.
وكما يقتضيه تعليمه الطويل وإرشاده المستمر؛ لأن من شأن التلميذ حب معلمه الذي تعظم إفادته له ونعمته عليه ويطول بذلك إحسان الشيخ إلى تلميذه، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
وكما يقتضيه حب علي للفضيلة والكمال والخلق العظيم، وهو يعلم أن رسول الله محل ذلك ومعدنه، ألا ترى أن من أحب العلم أحب العلماء، ومن أحب العدالة أحب أهلها، ومن أحب مكارم الأخلاق أحب أهلها، ومن أحب الحق أحب أهله، ومن أحب البطولة والشجاعة أحب أهلها.
مخ ۳۴