إذا عرفت هذا عرفت أن الرواية منكرة نكارة بينة، وأن عليا عليه السلام لم يكن مع ثباته على الحق والصدق ليقول: إنا عرفنا فضلك، ولا ليعتذر عن التخلف؛ لأن الحق معه في التخلف وغيره، ولا ليعتذر من الحق ويوهم أنه باطل ثم يستغفر، كما في الرواية ليوهم أنه كان مذنبا في التخلف.
فتلخص أن هذه الرواية تنسب إلى علي عليه السلام أنه أقر بأنه كان على باطل في تخلفه عن بيعة أبي بكر وأنه ارتكب الباطل؛ لأنه وجد في نفسه، وذلك يدل على أنه في هذه الرواية وجد في نفسه حرجا من الحق، ولم يسلم له تسليما في مدة التخلف، بل أجاب داعي النفس فترك الحق لأجله كما هو معنى قول الراوي: (فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا) لأن هذا الكلام على ما في الرواية جاء تعليلا للتخلف أي فوجدنا في أنفسنا فتخلفنا مع علمنا بفضل أبي بكر، وأن الحق له آتاه الله!
هذا ملخص الرواية.
فأي نكارة أبين من هذا؟ وكيف لا تكون فاضحة للراوي؟ وهو أحق بما ذكر من العيوب والمساوي؟
خامسا: أن الولاية العامة وخلافة الرسول لا تخلو من أن يكون علي أحق بها كما هو الواقع، أو أبو بكر كما يدعي:
فإن كان الحق لأبي بكر فلا يتخلف عنه علي عليه السلام لاعتقاده أن له نصيبا في الأمر؛ لأن النصيب لا يكون عذرا في ترك الطاعة لمن هو أولى بالأمر، إنما العذر أن يكون علي أحق بالأمر، فكيف يعتذر علي عليه السلام بما ليس عذرا؟ وهو أقضى الأمة وأعلمها بالحق، فيعتذر بما يعلم أنه ليس عذرا، وأنه ليس إلا إقرارا يحق أبي بكر، ودعوى أن له نصيبا وأنه وجد في نفسه، فيسجل على نفسه الخطأ واتباع الهوى.
وهذا ليس اعتذارا وإنما هو افتضاح.
مع أنه لا ملجئ إلى ذلك بل يكفي منه أن يبايع ليرضى عنه الناس.
حاشا عليا عليه السلام حاشاه.
سادسا: قول الراوي: فسر بذلك المسلمون، وقالوا: (أصبت) وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف.
مخ ۳۲