وهذا لا يتصور أن يقوله عمر مع علمه بمحل علي عليه السلام من الصدق والثبات والعلم؛ لأنه حينئذ يكون قد سب أبا بكر وسجل عليه بأنه كاذب آثم غادر خائن.
أو يكون قد سهل هذا الاعتقاد وقربه بأنه مذهب الإمام الذي لا ينازعه عمر في علمه، بل روي عنه أنه كان يرجع إليه في بعض المعضلات واشتهر أنه أقضى الصحابة، ففي علم عمر بذلك ما يمنعه عن ذكره أن عليا رأى أبا بكر كاذبا...إلى آخره.
ثم إن هذا يناقض ما في الرواية من أن عمر ناشد عليا والعباس: أتعلمان أن رسول الله قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة))؟ قالا: نعم.
فإذا كانا قد علماه، فكيف رأيا أبا بكر كاذبا حين رواه؟ فهذا تناقض في هذه الرواية ونكارة في رواية الزهري.
وكذلك قوله: فرأيتماني كاذبا...إلى آخره.
ثامنا: قوله: فقلتما ادفعها إلينا، فهنا قد استنوق الجمل، بسبب اعتقادهم أن هذا المال صدقة رسول الله كما ذكره الزهري وسماه وكان مذكرا من قوله حتى بقي هذا المال.
وكذلك قوله: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله.
وهنا نكارة مكشوفة؛ لأنه:
إن كان المراد تأخذا نفقة سنة، ثم تجعلا ما بقي أسوة مال الله، فهذا يكون إقرارا لهما بالإرث، وإنما يوجب عليهما التصدق بالفاضل من السنة.
وحينئذ يكون قد نفى الإرث برواية: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) برفع صدقة؛ لأنه قد جعل المال نصيبهما كما كان نصيب رسول الله يعملان فيه كما كان يعمل.
وإن كان المراد يأخذان لرسول الله فالمأخوذ له يكون سبيله سبيل ما ترك إما ميراثا وإما صدقة، وحيث قد قرر عمر أنه صدقة يكون الجميع صدقة نفقة السنة والزائد، ولا يتصور من علي والعباس أن يعطياه العهد على ذلك ثم يطلبانه لأنفسهما؛ لأنهما لا يعاهدان على تقرير الباطل، وإذا عاهدا لا يطلبان بما يؤدي إلى نكث العهد، ومعنى المطالبة به لأنفسهما المطالبة بتسويغ نكث العهد، وهذا لا يتصور منهما.
مخ ۱۹