ثم الغلمان في الأوساط المستهترة، حتى وعند بعض الأدباء والعلماء، ونلاحظ ندرة هذا أيام سلطة العنصر العربي في صدر الإسلام. ويحكي الجاحظ أن هذا الولع بالغلمان نشأ في الخراسانيين؛ إذ كانوا يخرجون في البعوث مع الغلمان، وذلك حين سن أبو مسلم الخراساني ألا يخرج النساء مع الجند، خلافا لبني أمية الذين كانوا يسمحون بخروج النساء مع العسكر.
45
فلما جاء هذا العصر نجد الكثير من أحاديث الغلمان في كتب الأدب، وتراجم الرجال والأدباء. ويحدثنا أبو حيان التوحيدي أنه كان في بغداد خمسة وتسعون غلاما جميلا يغنون للناس، وأنه كان بها صبي موصلي مغن، ملأ الدنيا عيارة وخسارة، وافتضح أصحاب النسك والوقار، وأصناف الناس من الصغار والكبار، بوجهه الحسن، وثغره المبتسم، وحديثه الساحر، وطرفه الفاتر، وقده المديد، ولفظه الحلو، ودله الخلوب ... يسرقك منك، ويردك عليك ... فحاله حالات، وهدايته ضلالات، وهو فتنة الحاضر والبادي.
46
كما يحدثنا عن علوان غلام ابن عرس؛ فإنه إذا حضر وألقى إزاره، وحل أزراره، وقال لأهل المجلس: اقترحوا واستفتحوا فإني ولدكم، بل عبدكم لأخدمكم بغنائي وأتقرب إليكم بولائي ... لا يبقى أحد من الجماعة إلا وينبض عرقه، ويهش فؤاده ويذكو طبعه، ويفكه قلبه، ويتحرك ساكنه، ويتدغدغ روحه ... إلخ.
47
وتفننوا في أسماء الغلمان بما يدل على مقصدهم، فسموا ب «فاتن»، و«رائق»، و«نسيم»، و«وصيف»، و«ريحان»، و«جميلة» - هكذا بأداة التأنيث - و«بشرى».
ومن هذا نرى كيف أثر الرقيق أثرا كبيرا من الناحية الاجتماعية والحربية والمالية والأخلاقية. (2) الأدب وتصوير الحياة الاجتماعية
كان النتاج الأدبي في هذا العصر من نظم ونثر صورة صحيحة للحياة الاجتماعية في غناها وترفها من جانب، وفقرها وبؤسها من جانب، وفي اضطراب الشئون السياسية والحياة الاجتماعية، وفي حياة اللهو وحياة الجد، وفي انحلال الأخلاق، وانغماس الأدباء فيها، ونعي بعضهم عليها، إلى غير ذلك من المظاهر، ولعل خير ما يمثل أدب هذا العصر كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي.
وربما كان أكبر من يمثل كتاب النثر: ابن العميد، وابن عباد، والخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني، وأبو حيان التوحيدي، كما كان أكبر من يمثل الشعر: المتنبي، وابن حجاج، والشريف الرضي، وأبو العلاء المعري، والصنوبري.
ناپیژندل شوی مخ