وقال :
إن الكرام كثير في البلاد وإن
قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
وإسناد الإضلال إلى الله سبحانه إسناد الفعل إلى السبب ، لأنه لما ضرب المثل فضل به قوم واهتدى به قوم ، تسبب لضلالهم وهداهم.
( وما يضل به إلا الفاسقين ) أي : الخارجين عن حد الإيمان. والمراد بالإضلال التخلية ، فإن الله سبحانه لما علم أن الكفار لإصرارهم ورسوخهم في الكفر وعنادهم وجحودهم واستكبارهم لا ينجع فيهم اللطف والتوفيق ، فيخليهم في الضلالة ، ويمنع منهم الألطاف الهادية. أو المراد حكمه بضلالتهم. ولا يجوز أن يكون إسناد الإضلال إلى الله على الحقيقة ، لقبحه واستلزامه الظلم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأي عاقل يعتقد أن يضاف إلى الله تعالى الإضلال الذي أضافه إلى الشيطان وإلى فرعون والسامري بقوله : ( ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ) (1) وقوله : ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) (2) وقوله : ( وأضلهم السامري ) (3).
وأصل الفسق الخروج عن القصد ، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله.
وقال الفراء (4): إن قوله : ( يضل به كثيرا ) حكاية عمن قال : ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به قوم ويهتدي به قوم ، ثم قال سبحانه : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) فبين تعالى أنه لا يضل إلا ضالا فاسقا راسخا في الكفر. وعلى التفسير الأول كلامه تعالى ابتداء. وكلاهما حسن.
واعلم أن للفسق درجات ثلاث :
الاولى : التغابي ، وهو أن يرتكب المعصية أحيانا مستقبحا إياها.
مخ ۱۰۳