* بسم الله الرحمن الرحيم
* وبه ثقتي واعتمادي ، وعليه توكلي
الحمد لله الذي نزل (1) القرآن هدى للناس وبينات ، وتبيانا لكل شيء وكشافا للمعضلات ، ومجمعا لبيان الأصول الدينية وجامعا لفروع الشرعيات ، ووسيلة إلى الفوز بأرفع الدرجات في روضات الجنات ، ونجاة عن المهالك في نيران الدركات.
والصلاة والسلام على رسله الهادين وأنبيائه المرسلين أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ، خصوصا على من ختم به النبوة والرسالة أعني الرسول الهاشمي التهامي والنبي المكي الأمي محمد سيد الأنام وخير البريات ، وآله الذين هم كشاف المجملات والمتشابهات بصوائب التأويلات ، بعد أن نصوا بالإمامة بالبراهين المحكمات.
أما بعد ، فيقول أصغر العباد جرما وأعظمهم جرما ابن شكر الله فتح الله الشريف غفر الله تعالى ذنوبهما ، وستر عيوبهما ، بنبيه النبيه المنيف ، ووليه الوليه العريف : إن أعظم العلوم قدرا ، وأسناها شرفا ، وأجلها نفعا ، علم تفسير القرآن ، إذ هو إمام العلوم الدينية ، ومأخذ القواعد الشرعية ، ومبنى الأحكام الإلهية ، من تصدى للتكلم فيه وتعاطى معانيه فاز بالسعادات السرمدية ، والمراتب الأبدية.
وقد روي عن قتادة في قوله عز وجل : ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) (2) قال : هو علم القرآن.
مخ ۵
وعن ابن مسعود أنه قال : إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين.
وعن رجاء بن حيوة قال : كنا يوما أنا وأبي عند معاذ بن جبل ، فقال : من هذا يا حيوة؟ فقال : هذا ابني رجاء. فقال معاذ : هل علمته القرآن؟ قال : لا. قال : فعلمه القرآن ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم يقول : ما من رجل علم ولده القرآن إلا توج أبواه يوم القيامة بتاج الملك ، وكسيا حلتين لم ير الناس مثلهما ، ثم ضرب بيده على كتفي فقال : يا بني ، إن استطعت أن تكسو أبويك يوم القيامة حلتين فافعل.
وصح عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم من رواية العام والخاص أنه قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وروي عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار.
وغير ذلك من الأخبار التي دلت على فضائله ، ولعلي أن أرقم بعضها في ضمن مقدمة هذا التفسير.
وأنا بعد أن وفقت لإتمام تفسير «
** منهج الصادقين
** خلاصة المنهج
أثلثهما بتفسير وسيط بالعربية التي هي أفصح اللغات ، ليستفيد العرب أيضا من معاني القرآن من غير ملال وكلال ، ويكون ذلك سببا للغفران ، ووسيلة إلى الفوز بالرضوان ، إلا أن قلة بضاعتي يقعدني عن الإقدام ، ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام ، فبعد الاستخارة صممت عزمي على الشروع فيما قصدته ، والإتيان بما أردته ، بعون الله وحسن توفيقه ، وسميته «
** زبدة التفاسير
** الكشاف
** أنوار التنزيل
** مجمع البيان
** جامع الجوامع
مخ ۶
والتزمت أن أكشف فيه عن وجوه اللغات والنكات والتركيبات قناعها ، وأبين فيه أسباب نزول الآيات وارتباطها ، وذكر فضائل السور وخواص الآي اللاتي لها مزية شرف على الأخرى ، وأذكر فيه من القراءات العشر المتواترة ، وأوضح معانيه على نهج مذهب الأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأشير إلى بطلان مذاهب مخالفيهم الضالين ، وأدرج فيه مختصرا من القصص ، وشرذمة من الأحاديث النبوية ، والروايات المأثورة عن الأئمة عليهم الصلوات والتحية ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.
ولنذكر قبل الشروع في التفسير والبيان مقدمات لا بد من معرفتها لمن أراد الخوض في علم القرآن.
* المقدمة الاولى
* في عدد آي القرآن ، والفائدة في معرفتها
اعلم وفقك الله تعالى أن عدد أهل الكوفة أصح الأعداد ، وأعلاها اسنادا ، لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فنقتصر في هذا التفسير عليه. وعدد أهل المدينة منسوب إلى أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ ، وشيبة بن نصاح ، وإسماعيل بن جعفر. وأهل البصرة منسوب إلى عاصم بن أبي الصباح الجحدري ، وأيوب بن المتوكل. وهما لا يختلفان إلا في آية واحدة في «ص» : ( فالحق والحق أقول ) (1)، عدها الجحدري ، وتركها أيوب. وأهل مكة منسوب إلى مجاهد بن جبر ، وإلى إسماعيل المكي. وقيل : لا ينسب عددهم إلى أحد ، ووجد
مخ ۷
في مصاحفهم على رأس كل آية ثلاث نقط : ... وأهل الشام منسوب إلى عبد الله بن عامر.
والفائدة في معرفة آي القرآن أن القارئ إذا عدها بأصابعه كان أكثر ثوابا ، لأنه قد شغل يده بالقرآن مع قلبه ولسانه ، وبالحري أن يشهد له يوم القيامة ، فإنها مسئولة.
وقد ورد في الأسانيد الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم قال لبعض النساء حين التلاوة : اعقدن بالأنامل ، فإنهن مسئولات ومستنطقات. وكان أقرب إلى التحفظ ، فإن القارئ لا يأمن السهو.
وقد روي عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم أنه قال : تعاهدوا القرآن ، فإنه وحشي.
وقال حمزة بن حبيب وهو أحد القراء السبعة : العدد مسامير القرآن.
* المقدمة الثانية
* في ذكر أسامي القراء المشهورين في الأمصار
أما المدني :
فأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وليس من السبعة. وذكر أنه قرأ على عبد الله بن عباس ، وعلى مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، وهما قرءا على أبي بن كعب ، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وآلهوسلم . وله رواية واحدة.
ونافع بن عبد الرحمن ، وقرأ على أبي جعفر ، ومنه تعلم القرآن ، وعلى شيبة ابن نصاح وعلى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وهما قرءا على ابن عباس. وله ثلاث روايات ؛ رواية ورش عثمان بن سعيد ، ورواية قالون عيسى بن مينا ، ورواية
مخ ۸
إسماعيل بن جعفر.
وأما المكي : فهو عبد الله بن كثير لا غير ، وهو قرأ على مجاهد ، وقرأ مجاهد على ابن عباس. وله ثلاث روايات ؛ رواية البزي ، ورواية ابن فليح ، ورواية أبي الحسين القواس.
وإذا اجتمع أهل مكة والمدينة قيل : حجازي.
وأما الكوفي :
فأولهم عاصم بن أبي النجود بهدلة ، فإنه قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وهو قرأ على علي بن أبي طالب عليه السلام . وله روايتان ؛ رواية حفص بن سليمان البزاز ، ورواية أبي بكر بن عياش.
ثم حمزة بن حبيب الزيات ، فقرأ على جعفر بن محمد الصادق عليه السلام . وله سبع روايات ؛ رواية العجلي عبد الله بن صالح ، ورواية رجاء بن عيسى ، ورواية حماد ابن أحمد ، ورواية خلاد بن خالد ، ورواية أبي عمرو الدوري ، ورواية محمد بن سعدان النحوي ، ورواية خلف بن هشام.
ثم أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي ، فقرأ على حمزة. وله ست روايات ؛ رواية قتيبة بن مهران ، ورواية نصير بن يوسف النحوي ، ورواية أبي الحارث ، ورواية أبي حمدون الزاهد ، ورواية حمدون بن ميمون الزجاج ، ورواية أبي عمرو الدوري.
ثم خلف بن هشام البزاز ، وليس من السبعة.
وأما البصري : فأبو عمرو بن علاء. وله ثلاث روايات ؛ رواية شجاع بن أبي نصير ، ورواية العباس بن الفضل ، ورواية اليزيدي يحيى بن المبارك.
ومن البصرة : يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، وليس من السبعة. وله ثلاث روايات ؛ رواية روح وزيد ورويس.
مخ ۹
وإذا اجتمع أهل الكوفة والبصرة قيل : عراقي.
وأما الشامي : فهو عبد الله بن عامر اليحصبي لا غير (1)، وهو قرأ على عثمان بن عفان. وله روايتان ؛ رواية ابن ذكوان ، ورواية هشام بن عمار.
* المقدمة الثالثة
* في أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم مجموعا
* مؤلفا مرتبا على ما هو عليه الآن
استدل على ذلك السيد الأجل المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي قدسسره في كتابه «الموضح عن وجه إعجاز القرآن» (2) بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عين جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآلهوسلم ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل : عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث.
ثم قال قدسسره : فمن خالف ذلك من الحشوية وغيرهم لا يعتد بخلافهم ، لإسناد قولهم إلى أخبار ضعيفة ظنوا صحتها ، فلا يرجع إلى مثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
مخ ۱۰
* المقدمة الرابعة
* في أن القرآن مصون عن الزيادة والنقصان
أما الزيادة فمجمع على بطلانه ، وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى علم الهدى قدسسره ، واستوفى فيه الكلام غاية الاستيفاء.
* المقدمة الخامسة
* في ذكر بعض ما جاء من الأخبار المشهورة في فضل القرآن وأهله
أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم قال : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
وعنه أنه قال صلى الله عليه وآلهوسلم : أفضل العبادة قراءة القرآن.
وعنه أنه قال صلى الله عليه وآلهوسلم : القرآن لا غنى دونه ، ولا فقر بعده.
عبد الله بن عباس ، عنه صلى الله عليه وآلهوسلم قال : أشراف امتي حملة القرآن وأصحاب الليل.
عبد الله بن مسعود ، عنه صلى الله عليه وآلهوسلم وسلم قال : إن هذا القرآن مأدبة الله ، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم. إن هذا القرآن حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول : ( الم )، ولكن «ألف» عشر ، و «لام» عشر ،
مخ ۱۱
و «ميم» عشر.
الحارث بن الأعور ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في حديث طويل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم يقول : إنها ستكون فتن. قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ، فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة رد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو الحبل المتين ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي من عمل به اجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم.
عاصم بن ضمرة ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنة ، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار.
عبد الله بن عمر ، عنه عليه السلام قال : يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها.
وعنه أنه قال صلى الله عليه وآله : من قرأ القرآن فرأى أن أحدا اعطي أفضل مما اعطي فقد حقر ما عظمه الله ، وعظم ما حقره الله.
وعنه أنه قال صلى الله عليه وآله : من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
أبو سعيد الخدري ، عنه عليه السلام قال : حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنة يوم القيامة.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : من دخل في الإسلام طائعا ، وقرأ القرآن ظاهرا ، فله في كل سنة مائتا دينار من بيت مال المسلمين ، إن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافية أحوج ما يكون إليها.
مخ ۱۲
وعن البراء بن عازب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : زينوا القرآن بأصواتكم.
قال حذيفة بن اليمان : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اقرؤا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين ، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم.
علقمة بن قيس ، قال : كنت حسن الصوت بالقرآن ، فكان عبد الله بن مسعود يرسل إلي فأقرأ عليه ، فإذا فرغت من قراءتي قال : زدنا من هذا فداك أبي وأمي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم يقول : إن حسن الصوت زينة للقرآن.
وعن النبي صلى الله عليه وآله : إن لكل شيء حلية ، وحلية القرآن الصوت الحسن.
عبد الرحمن بن السائب ، قال : قدم علينا سعد بن أبي وقاص ، فأتيته مسلما عليه ، فقال : مرحبا يا ابن أخي ، بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن. قلت : نعم ، والحمد لله. قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم يقول : إن القرآن نزل بالحزن ، فإذا قرأتموه فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، وتغنوا به ، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا.
وتأول بعضهم «تغنوا به» بمعنى استغنوا به. وأكثر العلماء على أنه تزيين الصوت وتحزينه.
إلى غير ذلك من الروايات المأثورة والأحاديث المنقولة.
فالآن وقت الشروع بحمد الله وحسن توفيقه في إتمامه.
مخ ۱۳
* (1)
فاتحة الكتاب
( بسم الله الرحمن الرحيم (1)) ( الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين (4) إياك نعبد وإياك نستعين (5)) ( اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7))
مكية عند عبد الله بن عباس وقتادة ، ومدنية عند مجاهد. وقيل : أنزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة.
سبع آيات بلا خلاف ، إلا أن قراء أهل مكة والكوفة وفقهاءهما وابن مالك والشافعي عدوا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) آية من فاتحة الكتاب. وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها ومالك والأوزاعي. ولم ينص أبو حنيفة فيه بشيء ، فظن أنها ليست من السورة عنده ، فعدوا ( أنعمت عليهم ) آية. وسئل محمد ابن الحسن عنها ، فقال : ما بين الدفتين كلام الله.
ولنا أحاديث كثيرة من العامة والخاصة أنها من السورة.
ومنها : ما روي عن ابن عباس أنه قال : من ترك ( بسم الله الرحمن الرحيم )
مخ ۱۵
فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله.
وروى أبو هريرة أنه قال : فاتحة الكتاب سبع آيات ، أولاهن ( بسم الله الرحمن الرحيم ).
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) (1) قال : هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات ، منها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ).
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم قرأ الفاتحة وعد ( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ) آية ، ومن أجلهما اختلف في أنها آية برأسها أو بما بعدها.
واتفق أصحابنا كلهم على أنها آية من سورة الحمد ومن كل سورة ، وأن من تركها في الصلاة بطلت صلاته ، سواء كانت فرضا أو نفلا ، وأنه يجب الجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة ، ويستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقراءة.
وفي جميع ما ذكرناه خلاف بين فقهاء الامة. ولا خلاف في أنها بعض آية من سورة النمل (2). وكل من عدها آية جعل من قوله : ( صراط الذين ) إلى آخر السورة آية ، ومن لم يعدها آية جعل ( صراط الذين أنعمت عليهم ) آية ، وقال : إنها افتتاح للتيمن والتبرك. كذا في المجمع (3).
وأيضا يؤيد قولنا أن الوفاق ثبت بين جميع المسلمين على إثباتها في المصاحف ، مع المبالغة في تجريد القرآن حتى لم يكتب : آمين.
وتسمى : «فاتحة الكتاب» ، لافتتاح المصحف بكتابتها.
و «ام القرآن» ، لأنها مفتتحه ومبدؤه ، فكأنها أصله ومنشؤه ، والعرب تسمي كل متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه : اما ، ولذلك تسمى أساسا. أو لأنها تشتمل
مخ ۱۶
على ما فيه من الثناء على الله ، والتعبد بأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، أو على جملة المعاني من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء. ولما روي عن ابن عباس أن لكل شيء أساسا وساق الحديث إلى أن قال : وأساس القرآن الفاتحة ، وأساس الفاتحة ( بسم الله الرحمن الرحيم ).
و «السبع المثاني» ، لأنها سبع آيات بلا خلاف ، وتثنى بقراءتها في كل صلاة فرض ونفل ، وقيل : لأنها نزلت مرتين.
و «
** الوافية
و «
** الكافية
رواية عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم : ام القرآن عوض عن غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها.
و «
** الشفاء
و «
** الصلاة
روي عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم قال : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) يقول الله : حمدني عبدي. فإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) يقول الله : أثنى علي عبدي.
فإذا قال العبد : ( مالك يوم الدين ) يقول الله عز وجل : مجدني عبدي. فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل. فإذا قال :
( اهدنا الصراط المستقيم ... ) إلخ ، قال : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل. أورده مسلم ابن الحجاج في الصحيح (1).
وسورة «الحمد والشكر» ، لاشتمالها عليهما.
مخ ۱۷
و «
** تعليم المسألة
بالإخلاص ، ثم بالدعاء.
عن أبي امامة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم : أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب اعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن ، واعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة.
وفي طريق آخر عنه صلى الله عليه وآلهوسلم أنه قال : كأنما قرأ القرآن.
وروى غيره ، عن أبي بن كعب أنه قال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم فاتحة الكتاب ، فقال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في القرآن مثلها ، هي ام الكتاب ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بين الله وبين عبده ، ولعبده ما سأل.
وبإسناد محمد بن مسعود العياشي : عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري : يا جابر ، ألا اعلمك أفضل سورة أنزلها الله تعالى في كتابه؟ قال : فقال له جابر : بلى ، بأبي أنت وامي يا رسول الله علمنيها. قال : فعلمه الحمد أم الكتاب ، ثم قال : يا جابر ، ألا أخبرك عنها؟ قال : بلى ، بأبي أنت وامي فأخبرني. قال : هي شفاء من كل داء إلا السام. والسام : الموت (1).
وعن سلمة بن محرز ، عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم : إن الله عز وجل قال لي : يا محمد : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) (2). فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن ، وأن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز
مخ ۱۸
العرش ، وأن الله خص محمدا ، وشرفه بها ، ولم يشرك فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام ، فإنه أعطاه منها ( بسم الله الرحمن الرحيم ). ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت : ( إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) (1). ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله ، منقادا لأمرها ، مؤمنا بظاهرها وباطنها ، أعطاه الله عز وجل بكل حرف منها حسنة ، كل واحدة منها أفضل من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها. ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارىء ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض له ، فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه ، فتبقى في قلوبكم الحسرة.
وعن ابن عباس : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم إذا أتاه ملك فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منهما إلا أعطيته. وفي رواية أخرى : لن يقرأ أحد حرفا منهما إلا اعطي ثواب شهيد.
وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم قال : إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا ، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب : ( الحمد لله رب العالمين )، فيسمعه الله تعالى ، فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة.
ولما كان من آداب تلاوة القرآن ، ووظائف قراءة الفرقان ، أن القارئ إذا أراد أن يشرع في القراءة يستعيذ بالله من الشيطان ليأمن من وسوسته أثناء القراءة ، كما قال الله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) (2). فينبغي أن يشار أولا إلى تبيين معنى الاستعاذة قبل الشروع في تفسير فاتحة الكتاب.
فاعلم أن القراء اتفقوا على التلفظ بالتعوذ قبل التسمية ، واختلفوا في كيفيته.
مخ ۱۹
فيقول ابن كثير وأبو عمرو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ونافع وابن عامر والكسائي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم. وحمزة : نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. وأبو حاتم : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
فمعنى الاستعاذة : الاستجارة. والعوذ والعياذ : اللجأ. فمعنى أستعيذ : أستجير ، ومعنى أعوذ : ألجأ.
والشيطان في اللغة : هو كل متمرد من الجن والإنس والدواب ، ولذلك جاء في القرآن : شياطين الإنس والجن. ووزنه فيعال من : شطنت الدار ، أي : بعدت. وقيل : هو فعلان من : شاط يشيط ، إذا بطل. والأول أصح ، لأنه جاء في الشعر شاطن بمعناه ، ولقولهم : تشيطن.
والرجيم : فعيل بمعنى مفعول ، من الرجم وهو الرمي.
وملخص معناها : أني أستجير بالله ، أو ألجأ إلى الله من شر الشيطان ، أي : البعيد من الخير ، المفارق أخلاقه أخلاق جميع جنسه. وقيل : المبعد من رحمة الله. والرجيم أي : المطرود من السماء ، المرمي بالشهب الثاقبة. وقيل : المرجوم باللعنة.
( إن الله هو السميع ) لجميع المسموعات ( العليم ) بجميع المعلومات.
وروي عن ابن عباس أن الله سبحانه أمر رسوله بالاستعاذة أولا ، ثم أمره أن يفتتح الكلام باسمه السامي على هذا الوجه.
( بسم الله الرحمن الرحيم ) الباء متعلق بمحذوف تقديره : بسم الله أقرأ ، لأن الذي يتلوه مقروء ، وكذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية مبدأ له ، وذلك أولى من أن يضمر «أبدأ» ، لصريح دلالته على ما يشرع فيه. والباء للاستعانة. وقيل : للمصاحبة ، والمعنى : متبركا باسم الله أقرأ ، كالباء في قوله : ( تنبت بالدهن ) (1)
مخ ۲۰
أي : مع الدهن ، وكذلك قول الداعي للمعرس : بالرفاء والبنين ، معناه : أعرست ملتبسا بالرفاء والبنين.
وإنما قدر المحذوف متأخرا لأنهم يبتدؤن بالأهم عندهم ، ويدل على ذلك قوله : ( بسم الله مجراها ومرساها ) (1)، وقوله : ( إياك نعبد ) فإنه أهم وأدل على الاختصاص ، وأدخل في التعظيم ، وأوفق للوجود ، لأن وجوده تعالى مقدم على كل ما سواه ، فينبغي أن يكون اسمه في اللفظ كذلك. وهذا وما بعده إلى آخر السورة مقول على ألسنة العباد ليعلموا كيف يتبرك باسمه ، ويحمد على نعمه ، ويسأل من فضله.
وإنما كسرت الباء ومن حق الحروف المفردة أن تفتح ك «واو» العطف لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر ، بخلاف الكاف والواو واللام (2)، فكسرت لمشابهتها بلام الأمر ولام الجر داخلة على المظهر في لزوم الحرفية ، وإن كانت الفتحة أولى بهما ، ليتميز لام الأمر عن لام التأكيد ، فإنهما يدخلان المضارع ، ولام التأكيد مفتوح على أصله. ولام الجر يدخل المظهر والمضمر ، فإذا دخل على المظهر يكون مكسورا ليتميز عن لام الابتداء ، فإنهما يدخلان المظهر ، ومفتوحا إذا دخل على المضمر ، لأن لام الجر يدخل على المضمر إذا كان متصلا ، ولام الابتداء يدخل على المضمر إذا كان منفصلا ، فيتحصل التمييز بين لام الجر ولام الابتداء في المضمر بنفس المضمر ، ولا يحتاج إلى الكسر.
وإنما قيل : بسم الله ، ولم يقل : بالله ، لأن التبرك والتيمن والاستعانة بذكر اسمه ، أو للفرق بين اليمين والتيمن.
وأصل الاسم «سمو» عند البصريين ، فهو من الأسماء التي حذفت أعجازها
مخ ۲۱
لكثرة الاستعمال ، وبنيت أوائلها على السكون ، وأدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل ، لأن من دأبهم أن يبتدؤا بالمتحرك ويقفوا على الساكن. ويشهد له تصريفه على : أسماء ، وأسامي ، وسمى ، وسميت. ومجيء «سمى» ك «هدى» لغة فيه. والقلب بعيد غير مطرد. واشتقاقه من «السمو» لأنه رفعة للمسمى وشعار له. ومن «السمة» عند الكوفيين. وأصله : وسم ، حذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل ليقل إعلاله. ورد : بأن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم. وفي لغاته : سم وسم.
والاسم غير المسمى ، لأنه يتألف من أصوات متقطعة غير قارة ، ويختلف باختلاف الأمم والأعصار كالعربي القديم والجديد ، ويتعدد تارة كالألفاظ المترادفة ، ويتحد أخرى كالأسماء المشتركة ، والمسمى لا يكون كذلك.
ولم يكتب الألف على ما هو وضع الخط لكثرة الاستعمال. وطولت الباء عوضا عنها. وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال لكاتبه : طول الباء ، وأظهر السينات ، ودور الميم.
و «الله» أصله إله ، فحذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف ، ولذا قيل في النداء : يا الله بقطع الهمزة ، كما يقال : يا إله ، إلا أنه مختص بالمعبود بالحق ، فإن الإله في أصله لكل معبود ثم غلب على المعبود بحق. ومعناه : أنه الذي يحق له العبادة لا غير.
واشتقاقه من أله إلاهة والوهة والوهية ، بمعنى عبد ، ومنه : تأله ، أي : صار إلها ، واستأله أي : استعبد.
وقيل : من أله إذا تحير ، إذ العقول تتحير في معرفته. وأصله : ولاه ، فقلبت الواو همزة لاستثقال الكسر عليها. أو من : ألهت إلى فلان ، أي : سكنت إليه ، لأن القلوب تطمئن بذكره ، والأرواح تسكن إلى معرفته. أو من : أله ، إذا فرغ من أمر نزل
مخ ۲۲
عليه. وآلهه غيره : أجاره ، إذ العائذ يفزع إليه وهو يجيره. أو من : أله الفصيل ، إذا أولع بامه ، إذ العباد مولعون بالتضرع إليه في الشدائد.
وقيل : أصله : لاه ، مصدر : لاه يليه ليها ولاها ، إذا احتجب وارتفع ، لأنه تعالى محجوب عن إدراك البصر ، ومرتفع على كل شيء وعما لا يليق.
وقيل : إله ك : إعاء وإشاح ، فإن أصلهما وعاء ووشاح. ويرده الجمع على آلهة دون أولهة.
وقيل : هو اسم غير صفة ، لأنك تصفه فتقول : إله واحد ، ولا تصف به فلا تقول : شيء إله. والأظهر أنه وصف في أصله ، لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره وصار كالعلم مثل الثريا والصعق اجري مجراه في إجراء الوصف عليه ، وامتناع الوصف به.
وقيل : أصله «لولاها» بالسريانية ، فعرب بحذف الألف الأخيرة وإدخال اللام عليه ، وفخم لامه إذا انفتح أو انضم ما قبله. وحذف ألفه لحن.
و «الرحمن» فعلان من : رحم ، كغضبان من : غضب. والرحيم فعيل منه كعظيم. وفي الرحمن تأكيد من المبالغة ما ليس في الرحيم ، ولذلك قيل : الرحمن بجميع الخلق ، والرحيم بالمؤمنين خاصة.
ورووا عن الصادق عليه السلام أنه قال : الرحمن اسم خاص بصفة عامة ، والرحيم اسم عام بصفة خاصة.
وما روي عن عكرمة أنه قال : الرحمن برحمة واحدة ، والرحيم بمائة رحمة ، فهو مقتبس من قول الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم : إن لله عز وجل مائة رحمة ، وأنه أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه ، بها يتعاطفون ويتراحمون ، وأخر تسعا وتسعين لنفسه ، يرحم بها عباده يوم القيامة.
وروي أن الله قابض هذه إلى تلك فيكملها مائة يرحم بها عباده يوم القيامة.
مخ ۲۳
ولا يخفى أن الرحمن أبلغ من الرحيم ، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ، كما في : قطع وقطع ، وكبار وكبار. وزيادة المعنى في الرحمن بالنسبة إلى معنى الرحيم تارة باعتبار الكمية ، واخرى باعتبار الكيفية. فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ، لأنه يعم المؤمن والكافر ، ورحيم الآخرة ، لأنه يخص المؤمن. وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأن النعم الاخروية كلها جسام ، وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.
وتقديم الرحمن على الرحيم ، والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، إما لاختصاص إطلاقه عليه سبحانه كاختصاص لفظة «الله» به ، لقوله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) (1) فصار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره ، لأن معناه : المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، وذلك لا يصدق على غيره ، لأن ما عداه مستفيض بلطفه وإنعامه ، ولأن الرحمن دل على جلائل النعم وأصولها ، وذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها ، فيكون كالتتمة والرديف له. وإما لتقدم رحمة الدنيا.
والرحمة في اللغة : رقة القلب ، وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنما يؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات.
روي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال : إن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم أنه قال : إذا قال المعلم للصبي : قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، كتب الله براءة للصبي ، وبراءة لأبويه ، وبراءة للمعلم.
وعن ابن مسعود : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ :
مخ ۲۴
( بسم الله الرحمن الرحيم )، فإنها تسعة عشر حرفا ، ليجعل الله كل حرف جنة من واحد منهم.
واعلم أن تخصيص تسميته سبحانه بهذه الأسماء دون سائر صفاته الاخرى ليعلم أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها ؛ عاجلها وآجلها ، جليلها وحقيرها ، فيتوجه بالتوجه التام إلى جناب القدس ، ويتمسك بحبل التوفيق ، ويشغل سره بذكره ، والاستمداد به عن غيره ، ويتشوق بأن يحمد المنعم الحقيقي الذي أعطى جميع نعم العاجلة والآجلة ، ويقول :
( الحمد لله ) الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري من نعمة وغيرها. والتعريف فيه للجنس ، ومعناه الاشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو. وقيل : للاستغراق ، إذ الحمد في الحقيقة كله له ، إذ ما من خير إلا هو موليه بوسط أو بغير وسط. وفيه إشعار بأنه تعالى قادر حي مريد عالم ، إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه .
والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا ، تقول : حمدت زيدا على علمه وكرمه ، ولا تقول : حمدته على حسنه ، بل مدحته. وقيل : هما أخوان.
وأما الشكر فعلى النعمة خاصة ، قولا وعملا واعتقادا. فالحمد باعتبار المورد أخص من الشكر ، وباعتبار المتعلق أعم.
ولما كان الحمد أشيع للنعمة وأدل عليها ، لخفاء الاعتقاد ، جعل رأس الشكر والعمدة فيه ، كما قال صلى الله عليه وآلهوسلم : الحمد رأس الشكر. فالمعنى في كونه رأس الشكر : أن الذكر باللسان أجلى وأوضح وأدل على مكان النعمة ، وأشيع للثناء على موليها من الاعتقاد وعمل الجوارح. ونقيض الحمد الذم ، ونقيض الشكر الكفران.
وإنما عدل ب ( الحمد ) عن النصب الذي هو الأصل في كلامهم ، على أنه من
مخ ۲۵