وإفراطهم في المضادة والمضارة ، وتوغلهم على المغالبة ، وعرف ما يتعرف به إعجازه ، ويتيقن أنه من عند الله كما يدعيه ، فقال : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا ) أي : القرآن العظيم ( على عبدنا ) ورسولنا الكريم صلى الله عليه وآلهوسلم ( فأتوا بسورة ) من أصغر السور كائنة ( من مثله ).
وإنما قال : «نزلنا» دون «أنزلنا» لأن نزوله نجما نجما بحسب الوقائع ، وآيات آيات على حسب النوازل والحوادث ، على ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر ، من وجود ما يوجد منهم مفرقا حينا فحينا وشيئا فشيئا ، حسب ما يعن لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة ، ولا يلقي الناظم ديوان شعره دفعة ، ولا يرمي الناثر بمجموع خطبه أو رسائله ضربة ، فلو أنزله الله لأنزله خلاف هذه العادة جملة واحدة ، كما قال الله تعالى : ( وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) (1). فقيل : إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه ، وهلموا نجما فردا من نجومه ، سورة من أصغر السور. وهذه علة التبكيت. وأضاف العبد إلى نفسه تنويها بذكره ، وتنبيها على أنه مختص به منقاد لحكمه.
والسورة : الطائفة من القرآن المسماة باسم أقلها ثلاث آيات. وواوها إن كانت أصلية ، فإما أن تسمى بسورة لأنها طائفة من القرآن محدودة كالبلد المسور ، أو لأنها محتوية على فنون من العلم ، كاحتواء سور المدينة على ما فيها. وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة ، كما قال النابغة (2):
ولرهط حراب وقد سورة
في المجد ليس غرابها بمطار
لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ ، أولها مراتب في
مخ ۸۷