389

تعالى لهم نهرا.

( قال إن الله مبتليكم بنهر ) معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه ( فمن شرب منه فليس مني ) فليس من أشياعي وأتباعي ( ومن لم يطعمه فإنه مني ) أي : من لم يذقه ، من : طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا أو مشروبا. وإنما علم ذلك بالوحي إن كان نبيا كما قيل ، أو بإخبار النبي ( إلا من اغترف غرفة بيده ) استثناء من قوله : ( فمن شرب منه فليس مني ) والجملة الثانية في حكم المتأخرة ، إلا أنها قدمت للعناية بها ، كما قدم «والصابئون» في قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) (1).

ومعناه : الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع ، والدليل عليه قوله : ( فشربوا منه ) أي : فكرعوا فيه ( إلا قليلا منهم ) إذ الأصل في الشرب منه أن لا يكون بوسط. وتعميم الأول ليتصل الاستثناء ، أو أفرطوا في الشرب منه إلا قليلا منهم. والقليل كانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا. وقيل : ثلاثة آلاف. وعن السدي أربعة آلاف رجل. ونافق ستة وسبعون ألفا ، ثم نافق الأربعة الآلاف إلا ثلاث مائة وبضعة عشر. وقيل : ألفا. روي أنه من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداواته (2)، ومن لم يقتصر غلب عليه عطشه ، واسودت شفته ، ولم يقدر أن يمضي ، وهكذا الدنيا لقاصد الآخرة.

( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ) أي : تخطى النهر طالوت والذين آمنوا معه ، يعني : القليل الذين لم يخالفوه ( قالوا ) أي : بعضهم لبعض حين رأوا كثرة عدد جنود جالوت ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) لكثرتهم وقوتهم.

مخ ۳۹۴