وقيل : معناه : شركهم في الحرم وصدهم إياكم عنه أشد من قتلكم إياهم فيه. ويسمى الكفر فتنة لأنه يؤدي إلى الهلاك كالفتنة ، أو لأنه فساد يظهر عند الاختبار.
ثم نهى ابتداء المسلمين بالقتال أو بالقتل في الحرم ، فقال : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة المسجد الحرام ( حتى يقاتلوكم فيه ) حتى يبتدأ المشركون بذلك ( فإن قاتلوكم ) بدءوكم بذلك ( فاقتلوهم ) فلا تبالوا بقتالهم ثم ، فإنهم الذين هتكوا حرمته. وقرأ حمزة والكسائي : ولا تقتلوهم ، حتى يقتلوكم ، فإن قتلوكم. والمعنى : حتى يقتلوا بعضكم ، كقولهم : قتلنا بنو أسد «كذلك» مثل ذلك الجزاء ( جزاء الكافرين ) جزاؤهم ، فيفعل بهم مثل ما فعلوا ( فإن انتهوا ) عن القتال والكفر ( فإن الله غفور رحيم ) يغفر لهم ما قد سلف.
وفي الآية دلالة على وجوب إخراج الكفار من مكة ، كقوله : ( حتى لا تكون فتنة ). والسنة قد وردت أيضا بذلك ، وهوقوله صلى الله عليه وآلهوسلم : «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان». وعلى أنه تقبل توبة القاتل عمدا ، لأنه بين أنه عز اسمه يقبل توبة المشرك ، والشرك أعظم من القتل.
ثم بين سبحانه غاية وجوب القتال ، فقال مخاطبا للمؤمنين : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) شرك ( ويكون الدين لله ) خالصا له ليس للشيطان فيه نصيب ( فإن انتهوا ) عن الشرك ( فلا عدوان إلا على الظالمين ) أي : فلا تعتدوا على المنتهين ، لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم ، إذ لا يحسن عقلا وشرعا أن يظلم إلا من ظلم ، فوضع العلة وهي : «فلا عدوان» موضع الحكم وهو : فلا تعتدوا وسمي جزاء الظلم باسمه للمشاكلة والزواج ، كقوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ). أو إن تعرضتم للمنتهين صرتم ظالمين ، وينعكس الأمر عليكم. والفاء الأولى للتعقيب ، والثانية للجزاء.
مخ ۳۱۶