287

فإن قلت : كيف قال : ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) والأولياء مخيرون بين القصاص والعفو وأخذ الدية.

قلت : المراد أنه فرض عليكم ذلك إن اختار أولياء المقتول القصاص ، والفرض قد يكون مضيقا وقد يكون مخيرا فيه ، أو فرض عليكم التمسك بما حد لكم ، وترك مجاوزته إلى ما لم يجعل لكم. ويجب على القاتل تسليم النفس إلى أولياء المقتول. ويجوز قتل العبد بالحر والأنثى بالذكر إجماعا. وليس في الآية ما يمنع ذلك ، لأنه لم يقل : ولا تقتل الأنثى بالذكر ، ولا العبد بالحر. فما تضمنته الآية معمول به. وما قلناه مثبت بالإجماع ، ولقوله سبحانه : ( النفس بالنفس ) (1). وتفصيل هذا المبحث يحال إلى الكتب الفقهية.

( فمن عفي له من أخيه ) من جهته ( شيء ) أي : شيء من العفو ، على أنه كقولك : سير بزيد بعض السير وطائفة من السير ، لأن «عفا» لازم لا يتعدى إلا بواسطة «عن» ، فلا يصح أن يكون «شيء» في معنى المفعول به.

وإنما قيل : شيء من العفو ، للإشعار بأنه إذا عفي له طرف من العفو ، بأن يعفي عن بعض الدم ، أو عفا عنه بعض الورثة ، تم العفو وسقط القصاص ، ولم تجب إلا الدية.

وقيل : «عفي» بمعنى : ترك ، و «شيء» مفعول به. وهو ضعيف ، إذ لم يثبت «عفا الشيء» بمعنى : تركه ، بل أعفاه ، ومنه قوله صلى الله عليه وآلهوسلم : «واعفوا اللحى».

فإن قلت : إن «عفا» يتعدى ب «عن» لا باللام ، فما وجه قوله : «فمن عفي له»؟

قلت : يتعدى ب «عن» إلى الجاني وإلى الذنب ، فيقال : عفوت عن فلان وعن ذنبه ، قال الله تعالى : ( عفا الله عنك ) (2) و ( عفا الله عنها ) (3). فإذا تعدى إلى الذنب

مخ ۲۹۲