( إلا الذين تابوا ) أي : ندموا على ما فعلوا من الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه ( وأصلحوا ) ما أفسدوا من أحوالهم فيما يستقبل من الأوقات ، وتداركوا ما فرط منهم ( وبينوا ) للناس ما بينه الله في كتابهم ، ليمحوا سمة الكفر عنهم ، ويتم توبتهم ، ويعرفوا بضد ما عرفوا ، ويقتدي بهم غيرهم من المفسدين ( فأولئك أتوب عليهم ) أقبل توبتهم بالمغفرة ( وأنا التواب الرحيم ) المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.
وفي هذه الآية دلالة على أن كتمان الحق مع الحاجة إلى إظهاره من أعظم الكبائر ، وأن من كتم شيئا من العلوم الدينية وفعل مثل فعلهم فهو في أعظم الجرم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم أنه قال : «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار». وفيها أيضا دلالة على وجوب الدعاء إلى التوحيد والعدل ، لأن في كتاب الله ما يدل عليهما ، تأكيدا لما في العقول من الأدلة.
( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162))
وبعد بيان حال من كتم الحق ، وحال من تاب منهم ، عقبه بحال من يموت من غير توبة منهم ومن الكفار عموما ، فقال : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ) أي : من لم يتب من الكاتمين ومن غيرهم من الكفرة المصرين حتى ماتوا ( أولئك عليهم ) استقر عليهم ( لعنة الله ) إبعادهم عن رحمته وإيجاب العقاب عليهم ( والملائكة والناس أجمعين ) أراد بالناس من يعتد بلعنه من خلقه ، وهم المؤمنون خاصة. قيل : الأول لعنهم أحياء ، وهذا لعنهم أمواتا ، بدليل قوله : ( خالدين فيها )
مخ ۲۷۲