وفي هذه الآية دلالة على تحريم أخذ الرشا في الدين ، فإنه لا يخلو إما أن يكون أمرا يجب إظهاره أو يحرم إظهاره ، فالأخذ على مخالفة كلا الوجهين حرام. وهذا الخطاب يتوجه أيضا على علماء السوء من هذه الامة إذا اختاروا الدنيا على الدين ، فتدخل فيه الشهادات والقضايا والفتاوى وغير ذلك.
( وإياي فاتقون ) بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن الدنيا. ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادي لما في الآية الثانية فصلت بالرهبة التي هي مقدمة التقوى. ولأن الخطاب بالأولى لما عم العالم والمقلد أمرهم بالرهبة التي هي مبدأ السلوك ، والخطاب بالثانية لما خص أهل العلم أمرهم بالتقوى التي هي منتهى السلوك.
وقوله : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) عطف على ما قبله. واللبس الخلط ، وقد يلزمه جعل الشيء مشتبها بغيره. والمعنى : لا تخلطوا الحق المنزل في التوراة بالباطل الذي تخترعونه وتكتمونه ، فيختلط الحق بالباطل ولا يبقى تميز بينهما. أو : ولا تجعلوا الحق مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه في خلاله حتى رفع التمييز بينهما. فالباء على الأول صلة ، مثل قولك : لبست الشيء بالشيء وخلطته ، وعلى الثاني للاستعانة ، كالتي في قولك : كتبت بالقلم.
( وتكتموا الحق ) جزم داخل تحت حكم النهي ، كأنهم أمروا بالإيمان وترك الضلال ، ونهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحق والإخفاء على من لم يسمعه. أو منصوب بإضمار «أن» على أن الواو للجمع ، ويسمى واو الصرف أيضا ، لصرفه المعطوف عن إعراب المعطوف عليه. والمعنى : ولا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمان الحق ، كقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. وفيه نظر ، لتوهم أن المحظور هو الجمع بينهما لا كل واحد منهما ، كالجمع بين الأكل والشرب ، إلا أن يقال : إن قرينة المقام دالة على تحريم كل منهما ، كقوله تعالى : ( ولا تطع منهم آثما
مخ ۱۳۸