وأما قوله: «وهكذا يفعل الغلو بأهله» فالغلو في الدين إنما يكون بالتدين بما هو زيادة على الدين وتجاوز لحدوده، فمعناه الزيادة على المشروع تدينا بالزيادة. على أن لفظ الزيادة يفهم معنى التدين وإنما نحتاج إليه إذا قلنا في حد الغلو: هو تجاوز الحد المشروع إلى غيره تدينا بغير المشروع.
فالحاصل: أن الغلو يعتبر فيه أمران: تجاوز الحد المشروع، والتدين بما زاد على المشروع. فلا يكون من الغلو في الدين إلا ما جمع الأمرين، ومن أمثلة الغلو جعل التمسح بالتراب شركا، فالنهي عن الشرك من الدين والنهي عن غيره بدعوى أنه شرك مبالغة في النهي عن الشرك وغلو في ذلك لأنه تجاوز للحد على طريقة التدين.
وهكذا سائر ما يفعلون باسم التوحيد وليس منه، أو باسم التحذير من الشرك وليس منه، من قتل للمسلمين ونهب لأموالهم، ومن تخريب لقبابهم ومنع للزيارة وغير ذلك. فقد بان أن الغلاة تحت غطاء التوحيد أكثر الناس غلوا وأخطر الغلاة على المسلمين، لأنهم بغلوهم كفروا المسلمين ورموهم بالشرك واستحلوا دماءهم وأموالهم ونساء بعضهم، وأهانوا أولياء الله وحقروا أكابر الأمة بهدم قبابهم، وتركوا قبورهم معرضة للكلاب، بناء منهم على أن ذلك من التوحيد والتحذير من الشرك وأنه من الإخلاص في الدين.
----------
تسوية القبور:
قال مقبل: وهم مع هذا يدعون محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي (رضي الله عنه) وهم في الحقيقة كاذبون في دعواهم إذ لو كانوا صادقين لعملوا بما أمر به علي (رضي الله عنه) أبا الهياج الأسدي اذ يقول له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها». رواه مسلم، ولكنهم في الحقيقة مناقضون لمقاصد الشرع.
مخ ۶