زیتونه و سندیانه
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
ژانرونه
مع اختزال الشعر إلى هذه الغرابة وغض النظر عن قيمته الفنية والجمالية في ذاتها ولذاتها. لكن المعجزة استطاعت أن تكتسح المتاعب والمنغصات الصغيرة، وترفع الحواجز الفاصلة بين بلدين وحضارتين، وتؤكد للزوجين أنهما يعيشان «في بيتهما»، وتعين الأيدي الطيبة المتعانقة على تعميق الجذور في وطن الغربة، بل استطاعت المعجزة أن تنقله من مرحلة تقديم قصائده العربية الأصل في ترجمتها الشعرية، إلى مرحلة كتابة الشعر مباشرة بالألمانية؛ لكي يتسنى له أن يشارك مشاركة فعالة في الحياة الأدبية والاجتماعية، ويخاطب قارئه الجديد بلغته، فيزداد تقديره له جماليا وإنسانيا، بدلا من النظر إليه، كما حدث في عقد الستينيات، كشاعر خرافي وغرائبي، أو زهرة عجيبة في زهرية معزولة، أو تحفة شرقية نادرة ومثيرة.
حقا ما أعجب وما أطيب المعجزة التي أعانته على مواجهة هذه المخاطرة الضرورية، دون أن يضطر في نفس الوقت للتخلي عن هويته أو التنكر لذاتيته الأصيلة.
الفصل الثاني
عناق خطوط الطول
(أ) عرف منذ البداية أن الحياة حوار، وأن الشعر حوار، ولأنه بفطرته ومعتقده الفكري جدلي أصيل، فقد عرف أيضا أن الحوار يفترض الخلاف والتعارض والتضاد، وأنه يقوم على الدوام على الصراع بين قطبين أو طرفين متناقضين يحرص المفكر، مثل كيركجارد ونيتشه، على استمراره؛ تعبيرا عن صيرورة الوجود وتناقض العالم والوجدان، أو يسعى بكل جهده، مثل هيجل وماركس، إلى التأليف بينهما في مركب جديد، يتحقق معه التجانس والوئام بعد الحرب والصراع والخصام. ثم لا يلبث هذا المركب أن يواجه نقيضا جديدا يدخل معه في الحوار أو الصراع، وتدور العجلة الجدلية وتدور حتى تصل، أو لا تصل للتأليف بينهما في مركب آخر.
هل ينتمي عادل قرشولي إلى الفريق الأول، أم إلى الفريق الثاني؟
الإجابة حاضرة، ناصعة كضياء الشمس: لقد شاء لنفسه، وشاء له قدره أن يكون بحياته وشعره وسيطا جدليا، أو جسرا ممدودا بالمحبة والتفاهم والمودة والاحترام المتبادل بين لغتين وأدبين، وحضارتين أو عالمين مختلفين، لم يكن ذلك أبدا، ولن يكون أمرا سهلا؛ لأنه، كالحياة والشعر، عملية متصلة تجري كنهر الصيرورة الجياش بالحركة والتدفق، وسط النتوء والصخور، وتتعرض للأنواء والأعاصير، وتفرض عليها الضرورة أن تخترق الحواجز والقيود والسدود. (ب) كان على الشاعر - بعد صدور ديوانه الأول بالألمانية الذي عرفنا قصته، وخلال ما يقرب من عشر سنوات - أن يخوض معارك مختلفة، ويمر بأزمات قاسية: تعمق اللغة الأخرى والأدب الآخر إلى حد التمكن من التوجه للمخاطب الجديد بلغته، ومشاركته في هموم حياته ومجتمعه وثقافته؛ المرور بأزمة خلق شعري من نوع فريد نتيجة التصميم على الكتابة بلغة جديدة، والتوجه لمخاطب جديد؛ التخلص من أوهام كثيرة وعزيزة عن «جنة العمال والفلاحين»، وازدياد الوعي بحقيقة الواقع الذي يخنقه الملل واللامبالاة، وتهيمن عليه الأوامر والتعليمات والشعارات. يوارب الباب أحيانا لنسمات من الحرية، ثم لا يلبث أن ينفد صبره عندما تهب تيارات النقد والتمرد والغضب، فيعيد فتح أبواب العقوبات والمحظورات والمعتقلات على مصاريعها. ثم المعاناة من طغيان تأثير الآخر الذي عايش شعره وفكره عدة سنوات، حتى لمس جذوره واستظل بفروعه؛ لا سيما بريشت ومجموعة الشعراء المقربين منه، الذين سبحوا مع الموجة الجديدة، وجذبوه للسباحة معهم إلى الحد الذي أحس معه بخطر تهديد ذاتيته الفنية وهويته الشخصية والقومية. مع ذلك لم تتوقف الجهود المبذولة لعبور الأزمات ومد الجسور، وتحسس الطريق للعثور على «الوطن» الشعري الحقيقي داخل الذات، في أعمق طبقاتها الواعية واللاواعية. (ج) و«عناق خطوط الطول» (1978م) هي المجموعة الشعرية، التي تسجل مشاهدها وصورها ذبذبات تلك الزلازل التي هزت كيانه، ومزقته بين عالمين ووطنين ولغتين وثقافتين، وذلك قبل أن يطمئن لنجاحه في مد الجسور وغرس الجذور، ولمس الحقيقة الباطنة في عالمه الباطن:
هناك وهناك،
هنا وهناك.
أين أكون أنا في بيتي؟ •••
ناپیژندل شوی مخ