ومع ذلك كانت كاثي واثقة بأنه يعرف ما يفعل، كانت تؤمن بأنها اختيرت للبقاء في هذه الكنيسة، وكانت تريد العبادة وتقديم يد العون، ربما كانت هذه الحادثة، مثل دخول الكاهن تيموثي المتجر في ذلك اليوم، حادثة قدرتها الأقدار، وقصدت بها أن تقربها من المسيح.
وقدم لها ميكروفون وتكلمت فيه، فقالت لجمهور المصلين ما قالته للكاهن، وإنها كانت تبحث في الإسلام وإن ذلك ...
وقاطعها الواعظ، وقال برنة استهزاء: «كانت تتطلع إلى الإسلام!» واستمر قائلا: «كانت تفكر في ...» - ثم توقف لحظة - «أن تعبد الله!» وعند ذلك أصدر صوتا كالشخير الهازئ الساخر، وهو الصوت الذي يصدره غلام في الثامنة أثناء اللهو في الملعب. كان هذا الكاهن، رئيس هذه الكنيسة الذي يؤم جمع المصلين، يستخدم هذا التعبير في الإشارة إلى الله. ألم يكن يعلم أن إلهه وإله الإسلام واحد؟ كان ذلك من أول الأمور التي تعلمتها من الكتيبات التي أعطتها يوكو لها وأبسطها، ألا وهو أن لفظ الجلالة «الله» كان اللفظ العربي للإله، بل إن المسيحيين الذين يتكلمون العربية يشيرون إليه باسم «الله».
وواصل حديثه فأثنى على كاثي وعلى يسوع، وأعاد تأكيد تفوق إيمانه وإيمانها، ولكنها كانت في تلك اللحظة لا تكاد تسمع ما يقال، كان قد انكسر شيء ما في داخلها، وعندما انتهى جلست في ذهول، حائرة وإن كانت قد تأكدت من أمر ما في تلك البقعة عينها وتلك اللحظة. ورسمت على شفتيها بسمة تأدب طيلة المدة الباقية من العبادة، وإن كانت موقنة أنها لن تعود إلى هنا أبدا.
وشغلت هذه الحادثة تفكيرها أثناء قيادة السيارة في رحلة العودة، وفي تلك الليلة واليوم التالي. وتحدثت إلى يوكو بشأنها، وأدركتا أن ذلك الرجل الذي يلقي المواعظ على ألف من رعايا الكنيسة الذين يثقون به ويتأثرون به لم يكن يعرف، أو لم يكن يهتم بأن يعرف أن الإسلام واليهودية والمسيحية فروع لدين التوحيد لإبراهيم الخليل، وأنها ترتبط بصلات وثيقة. هل يستبعد الإسلام كله بصوت لا يصدر إلا في الملعب؟ لم تكن كاثي تقدر على الانتماء إلى ما يدعو ذلك الواعظ إليه.
وهكذا، وبصورة متقطعة، اتبعت كاثي خطى يوكو إلى الإسلام؛ قرأت القرآن وأذهلها ما أحسته فيه من قوة وعذوبة. كان الوعاظ المسيحيون الذين سمعتهم ينفقون وقتا طويلا في الحديث عمن سيدخل النار ومن لن يدخلها، وعن شدة حرارتها والزمن الذي يقضى فيها، ولكن الأئمة المسلمين الذين قابلتهم لم يكونوا يتحدثون عن ذلك، وكلما سألت: «هل أدخل الجنة؟» كان الإمام يقول: «لا يعلم هذا إلا الله.» كانت شتي شكوك الأئمة تبث في نفسها الاطمئنان وتزيد من اجتذابها. كانت تطرح الأسئلة عليهم، مثلما كانت تطرحها على الكهنة، وكان الأئمة يحاولون الإجابة ولكنهم كثيرا ما يقولون إنهم لا يعرفون، بل يقولون: «فلنرجع إلى القرآن.» كانت تحب في الإسلام قوله بالمسئولية الشخصية، وانحيازه إلى العدالة الاجتماعية، ولكن أحب ما أحبته كانت سمات الكرامة والطهر المجسدة فيمن عرفتهن من المسلمات، فكانت ترى فيهن مثالا لصحة البدن والنفس، وللشرف الغامر، كن عفيفات، ملتزمات مهذبات، وكانت تنشد تلك القدرة على السيطرة على النفس، وما تأتي السيطرة به من طمأنينة.
وأما اعتناق الإسلام فعليا فكان يتحلى ببساطة جميلة؛ ففي حضور يوكو وحفنة من النساء الأخريات بالمسجد، كان كل ما فعلته أن نطقت بالشهادة، وهي العهد الإسلامي بالإيمان بالدين: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.» كان ذلك كل ما طلب منها، وأصبحت كاثي دلفين مسلمة.
وعندما كانت كاثي تحاول شرح الأمر لأصدقائها وأفراد أسرتها، كانت تتلعثم، لكنها كانت واثقة بأنها وجدت في الإسلام السكينة، بل إن الشكوك التي بذرت بذورها في العقيدة كانت تتيح مساحة للتفكير، ومساحة للتساؤل، وكانت الإجابات التي يقدمها القرآن ترسم لها الطريق إلى الأمام، بل إن نظرتها إلى أسرتها قل تشددها، حين نظرت إليها من خلال عدسة الإسلام، وغدت أقل عدوانية. كانت دائما ما تتشاجر مع أمها، ولكن الإسلام علمها أن «الجنة تحت أقدام الأمهات»؛ وهو ما كبح جماحها، وهكذا توقفت تماما عن الرد، وتعلمت كيف تزداد صبرا وقدرة على الصفح. كانت تردد: «لقد أعاد الإسلام الطهر والنقاء إلى نفسي.»
وإذا كان اعتناقها الإسلام يمثل خطوة إلى الأمام في نظرها، فإنه كان في نظر والدتها وأشقائها بمثابة نبذ لأسرتها وكل ما ترمز له. ومع ذلك فقد حاولت كاثي التعايش مع الواقع الجديد، وكذلك حاولت أسرتها، كانت تمر بها أوقات تسير الأمور فيها على خير ما يرام، كما كانت تشهد زيارات ممتعة لا يحدث فيها شيء، ولكن في مقابل كل مرة من هذه المرات، كانت الأمور تتطور وتتصاعد إلى القذف بالألفاظ والاتهامات، وصفق الأبواب والرحيل على وجه السرعة، كما كانت قد فقدت الاتصال تماما ببعض أشقائها الثمانية.
ولكنها كانت ترغب في أن تكون لها أسرة مديدة، كانت تريد أن يعرف أطفالها خالاتهم وأخوالهم وأبناءهم، وهكذا شعرت براحة عميقة حين وصلت شاحنتها «الأوديسية» إلى منزل أخيها في باتون روج، في الحادية عشرة والنصف، وأدخلت أطفالها المنزل وسرعان ما غلبهم النعاس، على الأرائك وعلى الأرض، ولما تمض دقائق معدودة.
ناپیژندل شوی مخ