أخذت إحداهن ما يشبه القلم، وأشارت به نحو جهاز في سطح الغرفة، إذا برجل أسود بملامح صينية يهبط، ويمشي وسط الصالة بأبعاده الرباعية. قدم نفسه دليلا سياحيا، مما أدهش مروان! طلبت منه إحدى النساء أن يحدثهن عن الديانة الهندوسية لإقليم آسيا. تحرك الدليل في مكان محدد من الصالة، ثم أشار إلى صورة بارزة بدت أمامه في الصالة لأحد كهنة الهندوس، وبدأ يتناول الحديث عن الديانة «البراهيمية» المعروفة بالهندوسية. وأخذ يقول: «ظهرت الديانة الهندوسية في مقاطعة دلهي بعد الديانة الشامانية المعتمدة على طقوس سحرية، وعبادة الأرواح. يرجع تاريخها لأكثر من 4500 ق.ج. مؤسسها كان يدعى براهما، بدأت بالتوحيد وانتهت بتعدد الآلهة، ثم التثليث عند معتقدي التري مورتي. ومن هذه الديانة تفرعت ديانات عدة حول العالم، كل ديانة تتخذ أسماء أخر لآلهتها المتعددة حسب ثقافتها، ومنها فضلت التوحيد على تعدد الآلهة وعبدت إلها واحدا.»
جلس مروان بين امرأتين ووضع يده اليمنى على إحداهن واليسرى على الأخرى، وراح يشاهد الدليل، وهو يشير بقلمه في سماء الصالة، فظهر كتاب عتيق تعلق في الجو وقال: ذلك هو «الفيدا» كتابها المقدس، وصحفه هي: «ريك-فيدا»، «ياجور-فيدا»، «أثارفا- فيدا»، «ساما-فيدا». يقولون إنه منزل من السماء، يصفونه بأنه كتاب أزلي. كهنتها يدعون ب «البراهمة» يعتقدون أنهم يتصلون في طباعهم بالعنصر الإلهي، وصفوة خلق الإله. في ديانتها نزعة تعدد الآلهة ونزعة وحدانية. أثناء عبادتهم أحد الآلهة تغيب عندهم جميع الآلهة الأخرى، ويصير إلههم الوحيد. يؤمنون باتحاد الآلهة الثلاثة: «براهما» الخالق، و«فيشنو» الحافظ، و«شيفا» المدمر والمسيطر، في إله واحد عند معتقدي التريمورتي. يرون أن كلا منهم يمثل الكل، فإذا دعوت أحدهم فكأنك دعوت الثلاثة جميعا. ثم أشار إلى رجل مصلوب شبه عريان وقال: «هذا هو الإله «إنديرا» صلب للتكفير عن خطايا البشر في النيبال. كان الهندوس يجلون البقرة كثيرا، كما كانت البقرة هاتور في الديانة الفرعونية القديمة لها مكانتها، وكذلك هناك مكانة للثعبان في الديانة الهندوسية، كما هي عند الفراعنة، يظهر وهو يحيط بالرب راع. كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح، وبأن جزاء الإنسان يقام في الأرض، يرون أن الروح تتجسد مرة أخرى في شكل حيوان أو ثعبان إذا اقترف السيئات في حياته، أو في رجل عظيم لطالما سيرة حياته الأولى كانت خيرة. يعتقدون أن الآلهة مذكرة، ومؤنثة، وأخرى تدعى أفاتار، وهي آلهة تنزل من السماء إلى الأرض في شكل إنسان، مثل الإله: مانسيا، كورما وغيرهم الكثيرون ...»
تقدم الدليل يمشي في مسرح الصالة، وأشار إلى تمثال ضخم له أربع أيدي، يجلس على عرش. أخذ الدليل يقول: «ذاك هو الإله براهما، كان الهندوس يعتقدونه خالق الكون، سيد الآلهة، يمثل إله الخير، والذي يرجى رحمته وكرمه وعطفه، أوجد شيفا وفشنو؛ ليساعدوه. وقد أدخل الهندوس أساطير المجتمع إلى صحف الفيدا التي كتبها براهما الآري، ثم هاجر هو وزوجته «سارا سواتي» إلى إقليم الشرق الأوسط حيث أسموه هناك «إبراهيم».»
غضب مروان وقام من مكانه، ليلطم الدليل، وحاول كسر ما يجده أمامه، لكنه لم يستطع. يتساءل: «كيف يقول الدليل، إن بارهما هو إبراهيم، وسارا سواتي هي سارة؟! آه لو يعطيني الله من جسدي حتى يدا واحدة!» مشى بعصبية في الغرفة، وهو يشتم الدليل.
اختفى المشهد السابق، ثم أشار الدليل إلى تمثال آخر له أربع أذرع في جلسة تأمل، يداه الأماميتان مبسوطتان حتى الخصر. وافترش جلد حيوان مفترس. قال الدليل عنه: «ذاك هو الإله شيفا.» ثم طغى على ذلك المشهد تمثال بلون السحاب الأزرق الغامق له أربع أذرع، الذراع الأولى تمسك بزهرة اللوتس، والثانية بمشكاة، والثالثة بقوقعة، والرابعة بحلقة، إلى جواره ثعبان ضخم، قال الدليل: «هو الإله فيشنو أو وشن، الإله الأعلى أو الحقيقة العليا في الهندوسية الفيشنوية. يوصف بأنه الجوهر في كل الكائنات، ورب الماضي والحاضر والمستقبل. خالق ومدمر كل الموجودات، زوجته الإله لاكشمي، وله منها أبناء ذكور وبنات .. نجد الإله فيشنو يماثل الإله بعل في مهمته، كان ملك الآلهة عند الكنعانيين الذي انتصر عليها كلها، وأصبح الإله صاحب العرش. وكذلك الإله هبل عند العرب وزوجاته اللات ومناة والعزى.»
ضحك مروان عاليا، وقال: لم يكن هبل متزوجا. من أين أتيت بهذا الخبر، يا لعين؟! اختفى المشهد وظهر تمثال لرجل بلون أزرق وسيم، يأتزر بفوطة ويعزف بالناي. باشر الدليل يقول: «ذلك هو الإله كرشنا جاء إلى العالم، وهو يغني ويرقص ويضحك. اختار العزف على الناي؛ لإدخال السرور على قلوب البشر. يماثله من خلال ولادته في الميثولوجيا اليونانية القديمة الإله
Hyginus
هيجنوس ابن الإلهة جايا، خلق من دون أب، كما خلق المسيح. أمسك كرشنا السيف بيد والناي بيد أخرى. ظهر هذا الإله في مناطق أخرى بأسماء مختلفة في الميثولوجيا اليونانية القديمة، ظهر باسم الإله أبلو، إله الموسيقى، وإيروس إله الحب والرغبة والجنس، وآمور (كوبيدو). في الديانة الفرعونية ظهر باسم الإله حتحور. قيل عن شيفا: إنه ابن الله، ولد من العذراء دفاكي، التي اختارها الله لعفتها. وقيل عنه ما قيل عن المسيح بعد ذلك. كان يعبد في الهندوسية على أنه أفاتار نزل من السماء، وعاش إنسانا يرشد البشر إلى الطريق القويم.»
اقترب مروان غاضبا من الدليل يود أن يصفعه، ثم اخترقه عدة مرات كأنه يخترق شعاعا ذا كثافة، وهو يقول: اصمت يا لعين. كيف تشبه كرشنا بالمسيح؟! أو أنك تخلط بين الأديان؟ اختفى ذلك المشهد ، وظن مروان أنه أثر في الدليل، لكن ظهر أمامه تمثال عملاق غاضب مما أخافه، مع صوت ريح عاصف، يحمل سيفا بيده. والدليل يقول عنه: «ذلك هو الإله إندرا، إله الحرب والطقس، ظهر عند الفرعونية باسم الإله سخمت وحورس، وعند الكنعانية باسم الإلهة حرون، وعند اليونانيين باسم الإله أريس، وعند ديانة المايا باسم الإله كاكوباكات، ومن حيث وظيفته في الطقس ظهر عند الآشوريين باسم الإله إيل، إله المطر، وبيتيل إله منبع الأنهار، وأيضا ظهر باسم الإله داجون عند الكنعانيين إله المطر والأسماك، وأحيانا يوصف كإله الطقس.»
قام الرجل الجالس بين النساء وذهب إلى المطبخ، أحضر صحنا يحمل به أربعة عشر كوبا من العصير. ركل مروان الصحن برجله فاهتز الصحن بيد الرجل. فكرر مروان الركلة مرة أخرى فرحا بأنه يمكن أن يؤثر في الأشياء حين يكون غاضبا، يرى أنه يمكن أن يكون له جسد. وزع الرجل العصير على النساء، حينها توقف الدليل عن الحديث وهن يشربن، ثم رحن يضحكن وهن يشاهدن إنسانا برأس فيل يمشي في مسرح المتحف وسط الصالة. قال الدليل لهن: «لا تضحكن، هذا الإله الذي لم يظهر له إله يشابهه في العالم، إنه الإله غانيش في معتقدات الهندوس، ابن الإله شيفا. تقول أسطورته: إن غانيش كان يقاتل إله الشر فقطعت رأسه، ولم يجد حينها والده الإله شيفا أمامه غير فيل، فقطع رأسه ووضعه مكان رأس غانيش، فعاش على ذلك النحو! كان يقام له في مقاطعة الهند احتفال كبير كل سنة ويرمى في البحر، يعتقدون بأنهم يرمون بالشر.» حدث مروان نفسه: «نعم، سمعت هذا في حياتي، ولا يزالون يمارسون تلك الطقوس؛ لكن لماذا هذا الدليل يقول كانوا، كانوا؟! فهم لا يزالون على معتقداتهم.» فجأة ظهرت امرأة بيضاء جميلة ترتدي فستانا أبيض، بأربع أذرع، تتزين بالجواهر، تطوف على واجهة المسرح. باشر الدليل يتحدث عنها: «هي لكشمي إلهة المال والحظ في الهندوسية، زوجة الإله فيشنو. كان معظم الهندوسيين يصلون لها في عيد الديوالي .. لها عدة أفاتارات يتزوجون عادة من أفاتارات فيشنو، منهم : سيتا زوجة راما، رادها العاشقة، وروكميني الملكة، وزوجة كريشنا الأولى، ستي أو داكشايني هي إلهة السعادة الزوجية وطول العمر في الهندوسية. نجد أن لاكشمي ظهرت عند الفراعنة باسم إيزيس إلهة الأمومة والسحر، وكذلك في الحضارة الإغريقية ظهرت باسم الإلهة أفروديت. وعند الكنعانيين ظهرت باسم الإله «إيل» تزوج الإلهة «عشتار» وأنجبا الإله «بعل».»
ناپیژندل شوی مخ