11
أخذت البروفيسور ماري قسطا من الراحة، وشربت عصيرا أثملها قليلا. ثم سألها مروان عن نوع الغذاء المختلف في هذا العصر، فهو لم يتخيل أن يأكل خبزا من نبات الطحالب. قالت ماري: «سأدع هذا الجواب إلى شريكاتك؛ فهن يعرفن هذا الأمر.» قالت فرضانا وهي تمرر أصابعها على شعره: بعد أن ازدادت رقعة المياه على اليابسة، زرعوا طحالب معدلة وراثيا، بميزات القمح وبعض الفواكه، وتم زراعتها فوق الماء
Hydroponics (الزراعة من دون تربة).
ثملت البروفيسور ماري قليلا بعد أن شربت شراب التفاح والعنب، جلست بجوار مروان، ووضعت يدها على صدره تتحسس شعر صدره. وتحدثه بحديث أغضبه لكنه كتم غضبه، عن إعادة الحياة لبعض من رفات بعض عظماء التاريخ العالمي، الذين أثروا على مسيرة الجنس البشري. حدث مروان نفسه: «غير معقول قيام الموتى قبل يوم القيامة!» وعاوده الشك من جديد فيما إن كان هو في حلم أو في الجنة. كانت مريانا تراقب بما يهمس به لنفسه، فقالت لماري ما وسوس به مروان لنفسه، لكنها لم تقل لها إنه كتم غضبه، وشتمت! .. عاودت ماري الحديث وقالت: يا مروان، العلم هو عمود دين هذا العصر، وهناك في زمانكم من كان لا يرى تباينا كبيرا بين الفيلسوف والنبي، فالفيلسوف يأخذ علومه من العقل الفعال وهو العقل الكوني اللامكاني، الذي يرونه يأتي من خالق الكون، والنبي يأخذ علومه من السماء، كما قال العالم «الفارابي»، وهناك من ذهب إلى أكثر من ذلك، وجعلوا الفيلسوف «كونفوشيوس» إلها، وكذلك الحكيم براهما في مقاطعة دلهي .. ثم سارت تسأله : «قل يا عزيزي، هل ديانات العالم السابقة وحدت البشر إلى أمة واحدة، أم فرقتهم؟ وتسببت في الكثير من الحروب بين البشر . وهل استطاعت تلك الديانات أن تقضي على الشرور والفساد في النفس البشرية؟ كما وصل إليه علم هذا العصر، عصر الإنسان الجديد، الذي أوصلهم إلى الإيمان الحقيقي. لا ضير أن يستنسخ الموتى؛ ليعيشوا مرة أخرى، خاصة العباقرة منهم.»
تركت البروفيسور ماري مروان يخوض في بحر أفكاره القديمة، فهي تدرك أنه في صراع بين ماضيه وحاضره. كانت تود أن تطلب منه اللقاء الروحي، لكنها لاحظته غير راغب في ذلك مثل المرة الأولى حين زارته فيها. خرجت وهي تشدد على مراقبة سلوك مروان، وذهبت وهي تفكر عما قاله بروسي من كلام خطير «سنكون نحن المسيطرين» وهذا سلوك أناني، وقد انتهى من الإنسان وأكيد تعلمها من مروان، ثم أخذت تردد: «أرجو ألا نعيد مروان إلى بيئته القديمة!»
كان هذا اليوم يوم الخميس السادس عشر من شهر يوليو. في اللحظة التي كان فيها مروان في عالم الإنسان الكامل، يستنكر في نفسه بعث الموتى قبل يوم القيامة، كان جسده ملقى كجثة على الفراش، وحميدة تحقنه بالطعام السائل عبر أنبوبة التغذية. تسحق له اللحوم، وتعطيه العسل وكل أنواع الفواكه، حتى الكراث الذي كان مروان يحب أكله ليلا هو والثوم، تسحقه كالعصير وتعطيه إياه. رغم كل تلك التغذية الجيدة، لم يكن لها أي فائدة، فجسمه يزداد تقرحا، ولم يستطع الممرض أن يقوم بتطبيب القروح، التي صارت تغطي جسده كاملا كمصاب بمرض الجدري. استغرب الممرض من تلك البسمة المرسومة على شفتي مروان، جعلته يبدو للكثيرين أنه في حلم جميل. قال لحميدة: «قروح مروان غريبة، لم أشاهد مثلها بالرغم أنها تزداد، لكن وجهه يبدو باسما، كبلادنا تزداد صلابة، كلما ازدادت الحرب التي تمضغها. كانت غصون تنصت لما يقوله الممرض لحميدة. قامت من مكانها، وقالت للممرض: قل لي ولدي سيعيش؛ والا كيف؟!» - بصراحة ابنك يا حاجة حالته ميئوس منها، ولولا البسمة التي على شفتيه لقلت لكم ادفنوه.
أخذت غصون عصاها ، وكانت ستضرب الممرض .. ثم ابتسم وجلس مع أولاد مروان، وهم يستمعون إلى الأخبار وإلى ما آلت إليه الحرب بين الإخوة الأعداء . خرج الممرض قبل الظهيرة وصعد علي هو وإخوته إلى سطح المنزل؛ ليشاهدوا دخانا يعلو في الجو فوق وزارة الخارجية.
الفصل الخامس
المعرفة الذاتية إلهام من الله.
1
ناپیژندل شوی مخ