حفظ مروان الشارع الذي يسكن فيه، برج رقم 26 الدور العشرون شقة 4. جلس بجانب حديقة صغيرة وسطها نافورة تعلو وتنخفض مياهها، حسب نغمات موسيقية، وهناك كتل مائية في الجو واقفة تسبح فيها أسماك جميلة، وأطفال ينظرون إلى تلك الأسماك، يتحدثون بهدوء، وبجانبهم امرأة كبيرة في السن. سلط أحدهم الضوء على وردة ففتحت أكمامها ثم أبعد الضوء فأغلقتها. أخافت مروان مركبة وقفت فوقه بمسافة قريبة، لا يسمع لها صوتا. مدت خرطوما ضوئيا وسحبت رجلا إلى الأعلى، وشاهد مركبة أخرى تنزل صندوقا أمام باب معرض، وأطفالا ينظرون نحو شاشة معلقة في الجو فيها منظر خليع.
كبت مروان غضبه وبدأت شرارة الغضب تنمو فيه. ذهبا يمشيان في شارع عالم النانو بات «عبده وردة قباطي» بين صفين من الورود، كلما حاول أن يمسك إحداها تفتح أكمامها، وتفوح رائحة عطرية. وشاهدا نافورة رائعة تتشكل بأشكال عدة. سأله مروان: هل يوجد مثل هذه النافورة في أماكن أخرى؟ - نعم، في شارع «مجيب مريم نادية» وشارع «شان شون صفية» وشوارع أخرى.
قال بروسي إنه حلم في الليلة الماضية بأنه إنسان. ضحك مروان عاليا، وسمعه من كان حوله. حاول بروسي أن يسكته فازداد مروان ضحكا، اجتمع الناس حوله مستنكرين لضحكه، فجأة حضرت شرطيتان، إحداهما بملامح صينية وأخرى تبدو يمنية، وقادتاه إلى مكتب مراقبة السلوك.
8
وصل مروان إلى قبة مرتفعة، فراشها وثير، بها كنبات عديدة، وزجاج شفاف يفصل المكاتب فيما بينها، والهدوء يسود المكان. رحب المركز بمروان كضيف يزورهم. لم يشاهد العلم اليمني يرفع؛ بل شاهد العلم الأخضر الذي يشاهده في أماكن أخرى. عاد يشك من جديد أنه ليس في صنعاء. أين العلم الذي ضحى اليمنيون من أجله .. رحبوا به وقدم له عصير الفاكهة. ثم أقبل رجل بملامح عربية يبتسم، وسأله بلغة لم يفهمها مروان، فأخبره بأنه لا يتحدث غير اللغة العربية. تفاجأ الشرطي وقال وهو يبتسم: اللغة العربية هي لغتنا المحلية، لم نعد نتحدث بها كثيرا، لكننا نحافظ عليها كإرث حضاري عالمي .. إنك رجل غريب فعلا في سلوكك. ألا تعرف أن الضحك العالي في الأماكن العامة ممنوع؟!
فكر مروان وعلى شفتيه بسمة ساخرة: «يا سلام أظنني في كنيسة، ولست في مكتب شرطة، حتى تصميم المكان هذا يشبه الكنيسة. هل هذا الشرطي يمزح معي، لا يمكن أن يكون هذا المكان قسم شرطة!» سأله الشرطي: ما اسمك؟ - كان اسمي مروان ناجي مدهش الراعي، والآن أنا مروان غصون سعيدة.
فتح الشرطي شاشة في الهواء، وقرأ فيها وقال: «نعم، لقد أخذت مكان كريم نورين الذي شطب اسمه من السجلات. أظن أن جرمه كبير .. اسمك الآن: مروان غصون سعيدة. العمر: 560 سنة. تاريخ الميلاد: 1 /1/ 250ق.ج.! ظهر فجأة، خال من أمراض عصره، لقح بلقاح الأديان.» تبدو شابا وأنت في هذا العمر! كيف بقيت إلى هذا العمر؟! ما هو نوع غذائك؟ أنت حالة نادرة. ثم تابع الشرطي بحثه في شاشة الحاسوب في الهواء، وأخبره بأسماء شريكاته وعنوانه. فجأة أقبل رجل شاب في العشرين من العمر، ووقف أمام شرطي مراقبة السلوك يعترف بخطيئته بأنه سخر من فتاة.
أخبره الشرطي بدفع عشرين دورال. وبما أنه لا يزال طالبا خصمه من رصيد والدته رانيا شيرين جيتا. كان مروان مستغربا لمجيء الشاب للإقرار بذنبه (عقوبة السخرية). وخلال حديث مروان مع الشرطي أتي فتى في العاشرة من عمره ، وفي يده حقيبة، وقال إنه وجدها في الشارع، لم يعرف لمن. ومن خلال صورة المرأة التي التقطتها عدسة الكاميرا، تم التواصل مع مالك الحقيبة. سأل مروان: أهذا هو عمل القسم فقط؟ - نعم، لا يأتي إلى هنا إلا من لا يعرف جزاء خطئه، أما الذين يعرفون جزاء أخطائهم فيدفعونها من حساباتهم مباشرة. أراك لا تعرف عن عالمك الكثير كأنك غريب عنه. هل كنت تعيش في أدغال الربع الخالي، أم تسللت من جزيرة الشواذ؟!
9
في إحدى عطل العاشور الشهري، حضرت البروفيسور ماري حنان صباحا إلى مروان في سكنه. رآها فتاة في مقتبل العمر، كان ذلك اليوم يشعر بسعادة أكثر؛ فقد أخبرته النساء بأنهن سيدعونه قريبا لتلقيحهن لحياة جديدة. حينها شعر مروان أنه أصبح فردا من هذا العالم، الذي يراه مؤمنا بالله دون دين معين .. تحدثت البروفيسور مع النسوة بلغة العالم الجديدة، ثم أخذت تتحدث مع مروان في أمور شتى .. وكان هناك سؤال يتلهف مروان لمعرفة جوابه، وهو كيف استطاع لقاح الأديان أن يؤثر في البشر كل هذا التأثير، ما لم تستطع عليه جميع الأديان. سؤال لطالما حيرني. ابتسمت ماري، وأخذت تخبره بأنهم قاموا بتعديلات الجينات في كروموسوم
ناپیژندل شوی مخ