بينما كان مروان ينعم في عالمه الفردوسي، كان جسده في عالمه الجحيمي ملقى في أحد مستشفيات المدينة، في غرفة خاصة، وما يزال جسده يتزود بالأكسجين. وزوجته حميدة بجانب رأسه تمسد شعر لحيته الكثة لأول مرة، لم يسمح لها يوما أن تمسدها. وكان حفيداهما ولدا ابنتهما فاطمة يشاهدان دخان الحرائق، ينبعث من معسكر الفرقة ومن جوار الإذاعة، كأنهما يشاهدان فيلما حربيا. حين يسمعان دوي انفجار في المدينة، يسرعان لمشاهدة أثر ذلك الانفجار. يهتف نادر: «ذلك الانفجار أقوى! انظر إلى سحابة الدخان؛ كم ارتفعت في السماء!» وسامي يهتف ، وهو يشير إلى مكان سقط عليه أحد الصواريخ: «لا، ذلك الانفجار أقوى. انظر إلى العمارة التي انهارت.»
أخذت حميدة حريتها في تمسيد لحية مروان، وعينها تطرف بالدمع. اندهشت في آخر مرة وهي تقوم بتمرير كفها عليها، شاهدت شعر لحيته يتساقط في كفها كلما مسدتها. سقطت اللحية كاملة ولم تتبق شعرة واحدة، ورأت خده لأول مرة في حياتها. هتفت لابنتها فاطمة وهي تبكي؛ لتشاهد لحية أبيها المبعثرة على الفراش، التي بدورها ذهبت تنادي الممرضة والطبيب، الذي فسر تلك الظاهرة بنقص التروية الدموية إلى الجلد أدى لتساقط لحيته. لكنه تساءل في نفسه عن شعر صدره وساقيه الذي لم يسقط. أمر حيره، أما حميدة فأخبرت ابنتها بأنه لو صحا من الغيبوبة لغضب غضبا شديدا، ولن يخرج من بيته، إلا وقد نبتت لحيته من جديد.
أما الحفيدان سامي ونادر فأخذا يضحكان، وهما يشاهدان وجه جدهما دون لحية لأول مرة. وقال سامي: «لو قام جدي لغضب كثيرا من جدتي؛ لأنها حلقت له لحيته.»
عند الأصيل خرجت فاطمة وولداها من المستشفى ليعودوا إلى المنزل مشيا. راحا يلعبان وسط شارع الستين بعد خلوه من السيارات، لم يبق في المدينة إلا المغامرون من السكان والمتوكلون على الله. فرغت الأسواق من الكثير من الخضراوات والفواكه.
في المساء كان أولاد مروان يقفون أمام نافذة منزلهم، يشاهدون القصف على حي في المدينة. اقترب نادر من النافذة يشتم المتحاربين الذين لم يعطوه فرصة للنوم. أيضا جلس علي ومعاوية يشكوان لفاطمة، يتحدثان عن قلة البضائع في السوبر ماركت، وقطع طرق الإمداد على المدينة.
في منتصف الليل اتصل منير بخطيبته، لم تكن نائمة في ظل القصف على المدينة. يحدثها بأنه لم يعد قادرا على الصبر أكثر، ثلاث سنوات وهو ينتظر اللقاء الحميمي. قال لها: الحرب لن تنتهي في البلاد، وأبوك في حالة غيبوبة، وإن الحياة لا بد لها أن تستمر. - لكن يا منير ماذا سيقول الآخرون عني؟! كيف أتزوج وأبي على فراش المرض؟! - يا فطومتي، لو لم يصح من غيبوبته؛ هل نظل نحن أيضا معلقين بين غيبوبة أبيك والوطن؟! لا بد أن نعمل حلا . لا أريد لحبنا أن يموت كما ماتت ثورتنا.
قبل منير التليفون عدة مرات، وكذلك فعلت فاطمة، وظلا يتبادلان القبل عبر سماعة التليفون.
كانت حميدة في المستشفى تصم أذنيها ليلا وهي تسمع الانفجارات، وهي بجانب جسد مروان الملقى بجانبها على الفراش كجثة هامدة، والبسمة لا تفارق شفتيه، وهو يجد نفسه ينعم في عالمه الآخر بجانب حورياته السبع، يحلق في سماء السعادة والنسوة يتراقصن أمامه.
11
قدم الهيموروبوت بروسي وجبة العشاء غذاء نباتيا، يحتوي على طحالب بلون الجزر. تذوقه، وجد أن له طعم الجزر. أخبرته سيرينا أن الطحالب البحرية لها أنواع عدة بطعم بعض الفواكه، وأيضا هناك بطعم خبز الذرة والقمح. تناول قطعة كبيرة تشبه اللحم، يصفه بأنه لحم لذيذ رغم برودته. وجد النسوة لا يعرفن ما معنى «لحم»، تعجب قائلا: ألا تعرفن لحم الحيوان؛ البقر، الماعز، الكباش؟! - لا نعرف هذه الأسماء! هل كانت موجودة في عصركم؟! - نعم، وقد ربيته وشربت حليبه، وأكلت لحمه.
ناپیژندل شوی مخ