وينبغي أن نرجع إلى الطبيعة؛ لنعلم ما هو طبيعي.
ينبغي أن نرجع إلى الطبيعة لنعلم الخلق الأصيل، والخلق الذي هو عاهة طارئة أو نقص كمين.
والطبيعة تقول لنا: إن الرحمة ركن من أركانها في أداء غرض من أهم أغراضها، بل هو أهم أغراضها على الإطلاق، وهو حفظ النوع وتجديده، وتعهد الأبناء الصغار إلى يوم استغنائهم عن معونة الأولياء الكبار.
فكل والد رحيم بغير اختياره: رحيم باختيار الخالق الذي خلقه وسخره لحفظ نوعه.
وكيف يقال: إن الطبيعة تعتمد على الضعف في طلب البقاء؟ أو تعتمد على الضعف في غريزة أصيلة يوشك أن يتلاقى فيها الإنسان وسائر الأحياء، ممن صعد ولو قليلا على سلم الارتقاء؟
لو قلنا: إن القسوة عجز وليست بقوة لما أخطأنا الدليل على ذلك من طبائع الأحياء التي عهدت فيها الضراوة، وخلت طبائعها من الرحمة وما يماثلها.
فإن الوحوش المشهورة بالقسوة لا تعرف وسيلة غير البطش والضراوة لتحصيل العيش ومكافحة الأعداء، وكل بطش فهو إلى القوة الآلية أقرب منه إلى الخصال النفسية والملكات العقلية، فالفرق يسير بين صدمة الحجر وضربة الوحش من هياجه، فهي - أي القسوة - أدنى الوسائل التي لا وسيلة دونها، ثم تترقى وسائل الأحياء درجة بعد درجة حتى يكون استغناؤها عن القسوة بمقدار ارتقائها في تلك الدرجات.
ومن ثم يصح أن يقال: إن القسوة عجز وفقدان وسيلة، وإنها من البدائيات التي يوشك أن تلحق بالآلة والجماد.
فالإنسان يقسو لأنه عاجز عن الرحمة، ولا يناقض قولنا هذا قول المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ناپیژندل شوی مخ