وقال فيثاغورس حين رأى أن الأوصاف كلها قد تفارق الموجودات من لون أو لمس أو صلابة أو ليونة أو وزن، أو ما شابه هذه الأغراض الكثيرة إلا العدد؛ فإنه ملازم لكل موجود، فردا كان أو أكثر من فرد، وكاملا كان أو غير كامل، وأن الفروق بين الأشياء هي فروق بين تركيب وتركيب، أو فروق بين نسب الأعداد، وأن الكون كله «دور موسيقي» هائل يدور على قياس منسجم كما يدير العازف الماهر ألحان الغناء.
وأنشد الكون ألحانه التي لا عداد لها، وتوالت الفترات التي نعدها نحن بالسنوات والقرون، وظهر اليوم للباحثين أن الأجسام نسب بين أعداد، وأن الفارق بينها فارق في هذه النسب دون غيرها، وأن التناسق في هذه النسب أصدق من أجرام المادة الملموسة باليدين، وأن الأصح في تركيب الذرة أن يقال: إنه «عددي» لا إنه «مادي» ملموس.
وإذا قال فيثاغورس هذه المقالة قبل خمسة وعشرين قرنا، فليس من حقه أن توصف مقالته بالفراغ، وهي أملأ من فروض العلماء بعده في معنى الوجود وفوارق الأجسام، وهي على أضعف الأحوال أدق من قول بعض العلماء: إن أصل المادة أثير. •••
وكان الفلاسفة يبحثون في العقل والمادة من عهد الفراعنة إلى عهد اليونان إلى عهد العرب إلى عهد الأوروبيين المحدثين.
يسأل سائل: أهما محدثان أو قديمان؟
ويسأل آخر: وإذا كانا محدثين فمن الذي أحدثهما؟
ويسأل غيرهما: وإذا كانا قديمين فكيف يتفق قديمان ليس لواحد منهما بداية ولا نهاية؟
ويعود هذا السائل أو ذاك فيقول: وإذا كان أحدهما سابقا للآخر وموجدا له، فأيهما الأول وأيهما الثاني في ترتيب الوجود؟
ويفترق المجيبون فيقول فريق منهم: إن الحيوان ظهر بعد الجماد، وإن الإنسان ظهر بعد الحيوان، فالمادة إذن أسبق من العقل في الترتيب.
ويقول فريق آخر: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن العقل أشرف من المادة، فهي لا تخلقه وهو أولى بأن يخلقها، ويسبقها في الوجود على الأقل سبق العلة للمعلول.
ناپیژندل شوی مخ